مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
مَا يَفۡعَلُ اللّٰهُ بِعَذَابِكُمۡ اِنۡ شَكَرۡتُمۡ وَاٰمَنۡتُمۡ ؕ وَكَانَ اللّٰهُ شَاكِرًا عَلِيۡمًا
تفسير ميسر:
ما يفعل الله بعذابكم إن أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله، فإن الله سبحانه غني عمَّن سواه، وإنما يعذب العباد بذنوبهم. وكان الله شاكرًا لعباده على طاعتهم له، عليمًا بكل شيء.
فقال تعالى "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم" أي أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله "وكان الله شاكرا عليما" أي من شكر شكر له ومن آمن قلبه به علمه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.
قوله تعالى ; ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليمااستفهام بمعنى التقرير للمنافقين . التقدير ; أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم ؛ فنبه تعالى أنه لا يعذب الشاكر المؤمن ، وأن تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه ، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه . وقال مكحول ; أربع من كن فيه كن له ، وثلاث من كن فيه كن عليه ؛ فالأربع اللاتي له ; فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار ، قال الله تعالى ; ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وقال الله تعالى ; وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وقال تعالى ; قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم . وأما الثلاث اللاتي عليه ; فالمكر والبغي والنكث ؛ قال الله تعالى ; فمن نكث فإنما ينكث على نفسه . وقال تعالى ; ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله وقال تعالى ; إنما بغيكم على أنفسكم . وكان الله شاكرا عليما أي يشكر عباده على طاعته . [ ص; 365 ] ومعنى " يشكرهم " يثيبهم ؛ فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل ، وذلك شكر منه على عبادته .والشكر في اللغة الظهور ، يقال ; دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف ، وقد تقدم هذا المعنى مستوفى . والعرب تقول في المثل ; " أشكر من بروقة " لأنها يقال ; تخضر وتنضر بظل السحاب دون مطر . والله أعلم .
القول في تأويل قوله ; مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)قال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم "، ما يصنع الله، أيها المنافقون، بعذابكم، إن أنتم تُبتم إلى الله ورجعتم إلى الحق الواجب لله عليكم، فشكرتموه على ما أنعم عليكم من نعمه في أنفسكم وأهاليكم وأولادِكم، بالإنابة إلى توحيده، والاعتصام به، وإخلاصكم أعمالَكم لوجهه، وترك رياء الناس بها، وآمنتم برسوله محمد صلى الله عليه وسلم فصدَّقتموه، وأقررتم بما جاءكم به من عنده فعملتم به؟يقول; لا حاجة بالله أن يجعلكم في الدَّرك الأسفل من النار، إن أنتم أنبتم إلى طاعته، وراجعتم العمل بما أمركم به، وترك ما نهاكم عنه. لأنه لا يجتلب بعذابكم إلى نفسه نفعًا، ولا يدفع عنها ضُرًّا، وإنما عقوبته من عاقب من خلقه، جزاءٌ منه له على جرَاءته عليه، وعلى خلافه أمره ونهيه، وكفرانِه شكر نعمه عليه. فإن &; 9-343 &; أنتم شكرتم له على نعمه، وأطعتموه في أمره ونهيه، فلا حاجة به إلى تعذيبكم، بل يشكر لكم ما يكون منكم من طاعةٍ له وشكر، بمجازاتكم على ذلك بما تقصر عنه أمانيكم، ولم تبلغه آمالكم (53) =" وكان الله شاكرا " لكم ولعباده على طاعتهم إياه، بإجزاله لهم الثوابَ عليها، وإعظامه لهم العِوَض منها=" عليمًا " بما تعملون، أيها المنافقون، وغيركم من خير وشر، وصالِح وطالح، محصٍ ذلك كله عليكم، محيط بجميعه، حتى يجازيكم جزاءَكم يوم القيامة، المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بإساءته. وقد;-10748- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرًا عليمًا "، قال; إن الله جل ثناؤه لا يعذِّب شاكرًا ولا مؤمنًا.* * *---------------الهوامش ;(52) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف ص; 202 ، تعليق; 2 ، والمراجع هناك.(53) في المطبوعة; "فلم تبلغه" بالفاء ، والصواب ما في المخطوطة.
ثم أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ } والحال أن الله شاكر عليم. يعطي المتحملين لأجله الأثقال، الدائبين في الأعمال، جزيل الثواب وواسع الإحسان. ومن ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه. ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق، وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه، فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه. والشكر هو خضوع القلب واعترافه بنعمة الله، وثناء اللسان على المشكور، وعمل الجوارح بطاعته وأن لا يستعين بنعمه على معاصيه.
(ما) اسم استفهام مبني في محل نصب مفعول به
(يفعل) مضارع مرفوع
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(بعذاب) جار ومجرور متعلق بـ (يفعل) ، و (كم) ضمير مضاف إليه
(إن) حرف شرط جازم
(شكرتم) فعل ماض مبني على السكون في محل جزم فعل الشرط ...
(وتم) ضمير فاعلـ (الواو) عاطفة
(آمنتم) مثل شكرتم.
(الواو) استئنافية
(كان) فعل ماض ناقص
(الله) لفظ الجلالة اسم كان مرفوع
(شاكرا) خبر كان منصوبـ (عليما) خبر ثان منصوب.
جملة «يفعل الله» لا محل لها استئنافية.
وجملة «شكرتم» لا محل لها استئنافية وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي: إن شكرتم فما يفعل الله بعذابكم.
وجملة «آمنتم» لا محل لها معطوفة على جملة شكرتم.
وجملة «كان الله شاكرا ... » لا محل لها استئنافية.