يٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوّٰمِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلٰىٓ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوٰلِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلٰى بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوٰىٓ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُۥٓا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا
يٰۤـاَيُّهَا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا كُوۡنُوۡا قَوَّامِيۡنَ بِالۡقِسۡطِ شُهَدَآءَ لِلّٰهِ وَلَوۡ عَلٰٓى اَنۡفُسِكُمۡ اَوِ الۡوَالِدَيۡنِ وَالۡاَقۡرَبِيۡنَ ؕ اِنۡ يَّكُنۡ غَنِيًّا اَوۡ فَقِيۡرًا فَاللّٰهُ اَوۡلٰى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الۡهَوٰٓى اَنۡ تَعۡدِلُوۡا ۚ وَاِنۡ تَلۡوٗۤا اَوۡ تُعۡرِضُوۡا فَاِنَّ اللّٰهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُوۡنَ خَبِيۡرًا
تفسير ميسر:
يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، كونوا قائمين بالعدل، مؤدين للشهادة لوجه الله تعالى، ولو كانت على أنفسكم، أو على آبائكم وأمهاتكم، أو على أقاربكم، مهما كان شأن المشهود عليه غنيًّا أو فقيرًا؛ فإن الله تعالى أولى بهما منكم، وأعلم بما فيه صلاحهما، فلا يحملنَّكم الهوى والتعصب على ترك العدل، وإن تحرفوا الشهادة بألسنتكم فتأتوا بها على غير حقيقتها، أو تعرضوا عنها بترك أدائها أو بكتمانها، فإن الله تعالى كان عليمًا بدقائق أعمالكم، وسيجازيكم بها.
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا قوامين بالقسط أي بالعدل فلا يعدلوا عنه يمينا ولا شمالا ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يصرفهم عنه صارف وأن يكونوا متعاونين متساعدين متعاضدين متناصرين فيه وقوله "شهداء لله" كما قال "وأقيموا الشهادة لله" أي أدوها ابتغاء وجه الله فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا خالية من التحريف والتبديل والكتمان ولهذا قال"ولو على أنفسكم" أي اشهد الحق ولو عاد ضررها عليك وإذا سئلت عن الأمر فقل الحق فيه ولو عادت مضرته عليك فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه وقوله "أو الوالدين والأقربين" أي وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم فإن الحق حاكم على كل أحد وقوله "إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما" أي لا ترعاه لغناه ولا تشفق عليه لفقره والله يتولاهما بل هو أولى بهما منك واعلم بما فيه صلاحهما وقوله "فلا تتبعوا الهـوى أن تعدلوا أي فلا يحملنكم الهوى والعصبية" وبغض الناس إليكم على ترك العدل في أموركم وشئونكم بل الزموا العدل على أي حال كان كما قال تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" ومن هذا قول عبدالله بن رواحة لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزرعهم فأرادوا أن يرشوه ليرفق بهم فقال; والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم. فقالوا;بهذا قامت السموات والأرض. وسيأتي الحديث مسندا في سورة المائدة إن شاء الله تعالى وقوله "وإن تلووا أو تعرضوا" قال مجاهد وغير واحد من السلف تلووا أي تحرفوا الشهادة وتغيروها واللي هو التحريف وتعمد الكذب. قال تعالى "وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب" الآية والإعراض هو كتمان الشهادة وتركها. قال تعالى "ومن يكتمها فإنه أثم قلبه" وقال النبي صلى الله عليه وسلم" خير الشهداء الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسئلها " ولهذا توعدهم الله بقوله"فإن الله كان بما تعملون خبيرا" أي وسيجازيكم بذلك.
قوله تعالى ; ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين قوامين بناء مبالغة ، أي ليتكرر منكم القيام بالقسط ، وهو العدل في شهادتكم على أنفسكم ، وشهادة المرء على نفسه إقراره بالحقوق عليها . ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما ، ثم ثنى بالأقربين إذ هم مظنة المودة والتعصب ؛ فكان الأجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه ، فجاء الكلام في السورة في حفظ حقوق الخلق في الأموال .الثانية ; لا خلاف بين أهل العلم في صحة أحكام هذه الآية ، وأن شهادة الولد على الوالدين الأب والأم ماضية ، ولا يمنع ذلك من برهما ، بل من برهما أن يشهد عليهما ويخلصهما من الباطل ، وهو معنى قوله تعالى ; قوا أنفسكم وأهليكم نارا فإن شهد لهما أو شهدا له وهي ;الثالثة ; فقد اختلف فيها قديما وحديثا ؛ فقال ابن شهاب الزهري ; كان من مضى من السلف الصالح يجيزون شهادة الوالدين والأخ ، ويتأولون في ذلك قول الله تعالى ; كونوا قوامين بالقسط شهداء لله فلم يكن أحد يتهم في ذلك من السلف الصالح رضوان الله عليهم . ثم ظهرت من الناس أمور حملت الولاة على اتهامهم ، فتركت شهادة من يتهم ، وصار ذلك لا يجوز في الولد والوالد والأخ والزوج والزوجة ، وهو مذهب الحسن والنخعي والشعبي وشريح ومالك والثوري والشافعي وابن حنبل . وقد أجاز قوم شهادة بعضهم لبعض إذا كانوا عدولا . وروي عن عمر بن الخطاب أنه أجازه ؛ وكذلك روي عن عمر بن عبد العزيز ، وبه قال إسحاق والثوري والمزني . ومذهب مالك جواز شهادة الأخ لأخيه إذا كان عدلا إلا في النسب . وروى عنه ابن وهب أنها لا تجوز إذا كان في عياله أو في نصيب من مال يرثه . وقال مالك وأبو حنيفة ; شهادة الزوج لزوجته لا تقبل ؛ لتواصل منافع الأملاك بينهما وهي محل الشهادة . وقال الشافعي ; تجوز شهادة الزوجين بعضهما لبعض ؛ لأنهما أجنبيان ، وإنما بينهما عقد الزوجية وهو معرض للزوال . والأصل قبول الشهادة إلا حيث خص فيما عدا المخصوص فبقي على الأصل ؛ وهذا ضعيف ؛ فإن الزوجية توجب الحنان والمواصلة والألفة والمحبة ، فالتهمة قوية ظاهرة . وقد روى أبو داود من حديث سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه ، ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم . قال الخطابي ; ذو الغمر الذي بينه وبين المشهود عليه عداوة [ ص; 352 ] ظاهرة ، فترد شهادته عليه للتهمة . وقال أبو حنيفة ; شهادته على العدو مقبولة إذا كان عدلا . والقانع السائل والمستطعم ، وأصل القنوع السؤال . ويقال في القانع ; إنه المنقطع إلى القوم يخدمهم ويكون في حوائجهم ؛ وذلك مثل الأجير أو الوكيل ونحوه . ومعنى رد هذه الشهادة التهمة في جر المنفعة إلى نفسه ؛ لأن القانع لأهل البيت ينتفع بما يصير إليهم من نفع . وكل من جر إلى نفسه بشهادته نفعا فشهادته مردودة ؛ كمن شهد لرجل على شراء دار هو شفيعها ، أو كمن حكم له على رجل بدين وهو مفلس ، فشهد المفلس على رجل بدين ونحوه . قال الخطابي ; ومن رد شهادة القانع لأهل البيت بسبب جر المنفعة فقياس قوله أن يرد شهادة الزوج لزوجته ؛ لأن ما بينهما من التهمة في جر المنفعة أكثر ؛ وإلى هذا ذهب أبو حنيفة . والحديث حجة على من أجاز شهادة الأب لابنه ؛ لأنه يجر به النفع لما جبل عليه من حبه والميل إليه ؛ ولأنه يمتلك ماله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ; أنت ومالك لأبيك . وممن ترد شهادته عند مالك البدوي على القروي ؛ قال ; إلا أن يكون في بادية أو قرية ، فأما الذي يشهد في الحضر بدويا ويدع جيرته من أهل الحضر عندي مريب . وقد روى أبو داود والدراقطني عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية . قال محمد بن عبد الحكم ; تأول مالك هذا الحديث على أن المراد به الشهادة في الحقوق والأموال ، ولا ترد الشهادة في الدماء وما في معناها مما يطلب به الخلق . وقال عامة أهل العلم ; شهادة البدوي إذا كان عدلا يقيم الشهادة على وجهها جائزة ؛ والله أعلم . وقد مضى القول في هذا في " البقرة " ، ويأتي في " براءة " تمامها إن شاء الله تعالى .الرابعة ; قوله تعالى ; شهداء لله نصب على النعت ل ( قوامين ) ، وإن شئت كان خبرا بعد خبر . قال النحاس ; وأجود من هذين أن يكون نصبا على الحال بما في قوامين من ذكر الذين آمنوا ؛ لأنه نفس المعنى ، أي كونوا قوامين بالعدل عند شهادتكم . قال ابن عطية ; والحال فيه ضعيفة في المعنى ؛ لأنها تخصيص القيام بالقسط إلى معنى الشهادة فقط . ولم ينصرف شهداء لأن فيه ألف التأنيث .الخامسة ; قوله تعالى ; لله معناه لذات الله ولوجهه ولمرضاته وثوابه . ولو على أنفسكم متعلق ب شهداء ؛ هذا هو الظاهر الذي فسر عليه الناس ، وأن هذه الشهادة المذكورة هي في الحقوق فيقر بها لأهلها ، فذلك قيامه بالشهادة على نفسه ؛ كما تقدم . أدب الله جل وعز المؤمنين بهذا ؛ كما قال ابن عباس ; أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم . [ ص; 353 ] ويحتمل أن يكون قوله ; شهداء لله معناه بالوحدانية لله ، ويتعلق قوله ; ولو على أنفسكم ب قوامين والتأويل الأول أبين .السادسة ; قوله تعالى ; إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما في الكلام إضمار وهو اسم كان ؛ أي إن يكن الطالب أو المشهود عليه غنيا فلا يراعى لغناه ولا يخاف منه ، وإن يكن فقيرا فلا يراعى إشفاقا عليه . فالله أولى بهما أي فيما اختار لهما من فقر وغنى . قال السدي ; اختصم إلى النبي صلى الله عليه وسلم غني وفقير ، فكان ضلعه صلى الله عليه وسلم مع الفقير ، ورأى أن الفقير لا يظلم الغني ؛ فنزلت الآية .السابعة ; قوله تعالى ; فالله أولى بهما إنما قال بهما ولم يقل " به " وإن كانت أو إنما تدل على الحصول الواحد ؛ لأن المعنى فالله أولى بكل واحد منهما . وقال الأخفش ; تكون أو بمعنى الواو ؛ أي إن يكن غنيا وفقيرا فالله أولى بالخصمين كيفما كانا ؛ وفيه ضعف . وقيل ; إنما قال ; بهما لأنه قد تقدم ذكرهما ؛ كما قال تعالى ; وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس .الثامنة ; قوله تعالى ; فلا تتبعوا الهوى نهي ، فإن اتباع الهوى مرد ، أي مهلك ؛ قال الله تعالى ; فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله فاتباع الهوى يحمل على الشهادة بغير الحق ، وعلى الجور في الحكم ، إلى غير ذلك . وقال الشعبي ; أخذ الله عز وجل على الحكام ثلاثة أشياء ; ألا يتبعوا الهوى ، وألا يخشوا الناس ويخشوه ، وألا يشتروا بآياته ثمنا قليلا . أن تعدلوا في موضع نصب .التاسعة ; قوله تعالى ; وإن تلووا أو تعرضوا قرئ " وإن تلووا " من لويت فلانا حقه ليا إذا دفعته به ، والفعل منه " لوى " والأصل فيه " لوى " قلبت الياء ألفا لحركتها وحركة ما قبلها ، والمصدر " ليا " والأصل لويا ، وليانا والأصل لويانا ، ثم أدغمت الواو في الياء . وقال القتبي ; " تلووا " من اللي في الشهادة والميل إلى أحد الخصمين . وقرأ ابن عامر والكوفيون " تلوا " أراد قمتم بالأمر وأعرضتم ، من قولك ; وليت الأمر ، فيكون في الكلام . التوبيخ للإعراض عن القيام بالأمر وقيل ; إن معنى " تلوا " الإعراض . فالقراءة بضم اللام تفيد معنيين ; الولاية والإعراض ، والقراءة بواوين تفيد معنى واحدا وهو الإعراض . وزعم بعض النحويين أن من قرأ " تلوا " فقد لحن ؛ لأنه لا معنى للولاية هاهنا . قال النحاس وغيره ; وليس يلزم هذا ولكن تكون " تلوا " بمعنى " تلووا " وذلك أن أصله " تلووا " فاستثقلت الضمة [ ص; 354 ] على الواو بعدها واو أخرى . فألقيت الحركة على اللام وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكنين ؛ وهي كالقراءة بإسكان اللام وواوين ؛ ذكره مكي . وقال الزجاج ; المعنى على قراءته " وإن تلووا " ثم همز الواو الأولى فصارت " تلئوا " ثم خففت الهمزة بإلقاء حركتها على اللام فصارت " تلوا " وأصلها " تلووا " . فتتفق القراءتان على هذا التقدير . وذكره النحاس ومكي وابن العربي وغيرهم . قال ابن عباس ; هو في الخصمين يجلسان بين يدي القاضي فيكون لي القاضي وإعراضه لأحدهما على الآخر ؛ فاللي على هذا مطل الكلام وجره حتى يفوت فصل القضاء وإنفاذه للذي يميل القاضي إليه . قال ابن عطية ; وقد شاهدت بعض القضاة يفعلون ذلك ، والله حسيب الكل . وقال ابن عباس أيضا والسدي وابن زيد والضحاك ومجاهد ; هي في الشهود يلوي الشاهد الشهادة بلسانه ويحرفها فلا يقول الحق فيها ، أو يعرض عن أداء الحق فيها . ولفظ الآية يعم القضاء والشهادة ، وكل إنسان مأمور بأن يعدل . وفي الحديث ; لي الواجد يحل عرضه وعقوبته . قال ابن الأعرابي ; عقوبته حبسه ، وعرضه شكايته .العاشرة ; وقد استدل بعض العلماء في رد شهادة العبد بهذه الآية ؛ فقال ; جعل الله تعالى الحاكم شاهدا في هذه الآية ، وذلك أدل دليل على أن العبد ليس من أهل الشهادة ؛ لأن المقصود منه الاستقلال بهذا المهم إذا دعت الحاجة إليه ، ولا يتأتى ذلك من العبد أصلا فلذلك ردت الشهادة .
القول في تأويل قوله ; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُواوهذا تقدُّم من الله تعالى ذكره إلى عباده المؤمنين به وبرسوله (1) أن يفعلوا فعل الذين سَعَوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر بني أبيرقٍ أن يقوم بالعذر لهم في أصحابه، وذَبَّهم عنهم، وتحسينَهم أمرهم بأنهم أهل فاقة وفقر. يقول الله لهم; " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوَّامين بالقسط"، يقول; ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام بالقسط (2) =يعني; بالعدل=" شهداء لله ".* * *= و " الشهداء " جمع " شهيد ". (3)* * *ونصبت " الشهداء " على القطع مما في قوله; " قوامين " من ذكر " الذين آمنوا "، (4) ومعناه; قوموا بالقسط لله عند شهادتكم= أو; حين شهادتكم.=" ولو على أنفسكم "، يقول; ولو كانت شهادتكم على أنفسكم، أو على والدين لكم أو أقربيكم، (5) فقوموا فيها بالقسط والعدل، وأقيموها على صحّتها بأن تقولوا فيها الحق، ولا تميلوا فيها لغنيٍّ لغناه على فقير، ولا لفقير لفقره على غنيّ، فتجوروا. فإن الله الذي سوَّى بين حكم الغنيّ والفقير فيما ألزمكم، أيها الناس، من إقامة الشهادة لكل واحد منهما بالعدل=" أولى بهما "، وأحق منكم، (6) لأنه مالكهما وأولى بهما دونكم، فهو أعلم بما فيه مصلحة كلّ واحد منهما في ذلك وفي غيره من الأمور كلها منكم، فلذلك أمركم بالتسوية بينهما في الشهادة لهما وعليهما=" فلا تتبعوا الهوى أن تَعْدِلوا "، يقول; فلا تتبعوا أهواءَ أنفسكم في الميل في شهادتكم إذا قمتم بها -لغني على فقير، أو لفقير على غني- إلا أحد الفريقين، فتقولوا غير الحق، ولكن قوموا فيه بالقسط، وأدُّوا الشهادة على ما أمركم الله بأدائها، بالعدل لمن شهدتم له وعليه.* * *فإن قال قائل; وكيف يقوم بالشهادة على نفسه الشاهدُ بالقسط؟ وهل يشهد الشاهد على نفسه؟ (7)قيل; نعم، وذلك أن يكون عليه حق لغيره فيقرّ له به، فذلك قيام منه له بالشهادة على نفسه.* * *قال أبو جعفر; وهذه الآية عندي تأديبٌ من الله جل ثناؤه عبادَه المؤمنين أن يفعلوا ما فعله الذين عذَروا بني أبيرق= في سرقتهم ما سرقوا، وخيانتهم ما خانوا &; 9-303 &; ممن ذكرنا قبل (8) = عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم لهم عنده بالصلاح. فقال لهم; إذا قمتم بالشهادة لإنسان أو عليه، فقولوا فيها بالعدل، (9) ولو كانت شهادتكم على أنفسكم وآبائكم وأمهاتكم وأقربائكم، ولا يحملنكم غِنَى من شهدتم له أو فقره أو قرابته ورَحِمُه منكم، (10) على الشهادة له بالزور، ولا على ترك الشهادة عليه بالحق وكتمانها.* * *وقد قيل إنها نـزلت تأديبًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.*ذكر من قال ذلك;10678- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله; " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله "، قال; نـزلت في النبيّ صلى الله عليه وسلم، واختصم إليه رجلان; غنيٌّ وفقير، وكان ضِلَعه مع الفقير، يرى أن الفقير لا يظلم الغنيَّ، فأبى الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير فقال; " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "، الآية.* * *وقال آخرون; في ذلك نحو قولنا; إنها نـزلت في الشهادة، أمرًا من الله المؤمنين أن يسوُّوا -في قيامهم بشهاداتهم- لمن قاموا بها، (11) بين الغني والفقير.*ذكر من قال ذلك;10679- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله; " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين "، قال; أمر الله المؤمنين أن يقولوا الحقَّ ولو على أنفسهم أو آبائهم أو أبنائهم، ولا يحابوا غنيًّا لغناه، ولا يرحموا مسكينًا لمسكنته، وذلك قوله; " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "، فتذروا الحق، فتجوروا.10680- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن يونس، عن ابن شهاب في شهادة الوالد لولده وذي القرابة قال; كان ذلك فيما مضى من السُّنة في سلف المسلمين، وكانوا يتأولون في ذلك قول الله; " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما " الآية، فلم يكن يُتَّهَمُ سلفُ المسلمين الصالحُ في شهادة الوالد لولده، ولا الولد لوالده، ولا الأخ لأخيه، ولا الرجل لامرأته، ثم دَخِلَ الناسُ بعد ذلك، (12) فظهرت منهم أمور حملت الولاةَ على اتهامهم، فتركت شهادةُ من يتهم، إذا كانت من أقربائهم. وصار ذلك من الولد والوالد، والأخ والزوج والمرأة، لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان. (13)10681- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " إلى آخر الآية، قال; لا يحملك فقرُ هذا على أن ترحَمه فلا تقيم عليه الشهادة. قال; يقول هذا للشاهد.10682- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله " الآية، هذا في الشهادة. فأقم الشهادة، يا ابن آدم، ولو على نفسك، أو الوالدين، أو على ذوي قرابتك، أو شَرَفِ قومك. (14) فإنما الشهادة لله وليست للناس، وإن الله رضي العدل لنفسه، والإقساط والعدل ميزانُ الله في الأرض، به يردُّ الله من الشديد على الضعيف، ومن الكاذب على الصادق، ومن المبطل على المحق. وبالعدل يصدِّق الصادقَ، ويكذِّب الكاذبَ، ويردُّ المعتدي ويُرَنِّخُه، (15) تعالى ربنا وتبارك. وبالعدل يصلح الناس، يا ابن آدم=" إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما "، يقول; أولى بغنيكم وفقيركم. قال; وذكر لنا أن نبيَّ الله موسى عليه السلام قال; " يا ربِّ، أي شيء وضعت في الأرض أقلّ؟"، قال; " العدلُ أقلُّ ما وضعت في الأرض ". فلا يمنعك غِنى غنيّ ولا فقر فقير أن تشهد عليه بما تعلم، فإن ذلك عليك من الحق، وقال جل ثناؤه; " فالله أولى بهما ".* * *وقد قيل; " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا "، الآية، أريد; فالله أولى بغنى الغني وفقر الفقير. لأن ذلك منه لا من غيره، فلذلك قال; " بهما "، ولم يقل " به ".* * *وقال آخرون; إنما قيل; " بهما "، لأنه قال; " إن يكن غنيًّا أو فقيرًا "، فلم يقصد فقيرًا بعينه ولا غنيًّا بعينه، وهو مجهول. وإذا كان مجهولا جاز الردُّ منه بالتوحيد والتثنية والجمع. (16)* * *وذكر قائلو هذا القول، أنه في قراءة أبيّ; ( فالله أولى بهم ) .* * *وقال آخرون; " أو " بمعنى " الواو " في هذا الموضع. (17)* * *وقال آخرون; جاز تثنية قوله; " بهما "، لأنهما قد ذكرا، كما قيل.وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [سورة النساء; 12].* * *وقيل; جاز، لأنه أضمر فيه " مَن "، كأنه قيل; إن يكن مَن خاصم غنيًّا أو فقيرًا= بمعنى; غنيين أو فقيرين=" فالله أولى بهما ".* * *وتأويل قوله; " فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا "، أي; عن الحق، فتجوزوا بترك إقامة الشهادة بالحق. ولو وُجِّه إلى أن معناه; فلا تتَّبعوا أهواء أنفسكم هربًا من أن تعدلوا عن الحق في إقامة الشهادة بالقسط، لكان وجهًا. (18)* * *وقد قيل; معنى ذلك; فلا تتبعوا الهوى لتعدلوا= كما يقال; " لا تتبع هواك لترضيَ ربك "، بمعنى; أنهاك عنه، كما ترضي ربّك بتركه. (19)* * *القول في تأويل قوله ; وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)قال أبو جعفر; اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم; عنى; " وإن تلووا "، أيها الحكام، في الحكم لأحد الخصمين على الآخر=" أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا ".ووجهوا معنى الآية إلى أنها نـزلت في الحكام، على نحو القول الذي ذكرنا عن السدِّي من قوله; إن الآية نـزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ذكرنا قبل. (20)*ذكر من قال ذلك;10683- حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس في قول الله; " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال; هما الرجلان يجلسان بين يدي القاضي، فيكون لَيُّ القاضي وإعراضُه لأحدهما على الآخر. (21)* * *وقال آخرون; معنى ذلك; وإن تلووا، أيها الشهداء، في شهاداتكم فتحرِّفوها ولا تقيموها= أو تعرضوا عنها فتتركوها.*ذكر من قال ذلك;10684- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله; " وإن تلووا أو تعرضوا "، يقول; إن تلووا بألسنتكم بالشهادة، أو تعرضوا عنها.10685- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ إلى قوله; " وإن تلووا أو تعرضوا "، يقول; تلوي لسانك بغير الحق، وهي اللَّجلجة، فلا تقيم الشهادة على وجهها. و " الإعراض "، الترك.10686- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " وإن تلووا "، أي تبدّلوا الشهادة=" أو تعرضوا "، قال; تكتموها.10687- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " وإن تلووا "، قال; بتبديل الشهادة، و " الإعراض " كتمانها.10688- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال; إن تحرفوا أو تتركوا.10689- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال; تلجلجوا، أو تكتموا. وهذا في الشهادة.10690- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " وإن تلووا أو تعرضوا "، أما " تلووا "، فتلوي للشهادة فتحرفها حتى لا تقيمها= وأما " تعرضوا " فتعرض عنها فتكتمها، وتقول; ليس عندي شهادة!10691- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد; " وإن تلووا "، فتكتموا الشهادة، يلوى ببعض منها (22) = أو يُعرض عنها فيكتمها، فيأبى أن يَشهد عليه، يقول; أكتم عنه لأنه مسكين أرحَمُه! فيقول; لا أقيم الشهادة عليه. ويقول; هذا غنيٌّ أبقّيه وأرجو ما قِبَله، فلا أشهد عليه! فذلك قوله; إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا .10692- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " وإن تلووا "، تحرّفوا=" أو تعرضوا "، تتركوا. (23)10693- حدثنا محمد بن عمارة قال، حدثنا حسن بن عطية قال، حدثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية في قوله; " وإن تلووا "، قال; إن تلجلجوا في الشهادة فتفسدوها=" أو تعرضوا "، قال; تتركوها. (24)10694- حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله; " وإن تلووا أو تعرضوا "، قال; إن تلووا في الشهادة، أن لا تقيمها على وجهها (25) =" أو تعرضوا "، قال; تكتموا الشهادة.10695- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد قال، حدثنا شيبان، عن قتادة; أنه كان يقول; " وإن تلووا أو تعرضوا "، يعني; تلجلجوا=" أو تعرضوا "، قال; تدعها فلا تشهد.10696- حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; " وإن تلووا أو تعرضوا "، أما " تلووا "، فهو أن يلوي الرجل لسانَه بغير الحق. يعني; في الشهادة.* * *قال أبو جعفر; وأولى التأويلين بالصواب في ذلك، تأويلُ من تأوله، أنه لَيُّ الشاهد شهادته لمن يشهد له وعليه، وذلك تحريفه إياها بلسانه، (26) وتركه إقامتها، ليبطل بذلك شهادته لمن شهد له، وعمن شهد عليه. (27)وأما إعراضه عنها، فإنه تركه أداءَها والقيام بها، فلا يشهد بها. (28)وإنما قلنا; هذا التأويل أولى بالصواب، لأن الله جل ثناؤه قال; كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ، فأمرهم بالقيام بالعدل شهداء. وأظهر معاني" الشهداء "، ما ذكرنا من وصفهم بالشهادة.* * *واختلفت القرأة في قراءة قوله; " وإن تلووا ".فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار سوى الكوفة; ( وَإِنْ تَلْوُوا ) بواوين، من; " لواني الرجل حقي، والقوم يلوونني دَيْني"= وذلك إذا مطلوه=" ليًّا ".* * *وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة; ( وإن تلوا ) بواو واحدة.* * *ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان;أحدهما; أن يكون قارئها أراد همز " الواو " لانضمامها، ثم أسقط الهمز، فصار إعراب الهمز في اللام إذْ أسقطه، وبقيت واو واحدة. كأنه أراد; " تَلْؤُوا " ثم حذف الهمز. وإذا عني هذا الوجه، كان معناه معنى من قرأ; " وإن تلووا "، بواوين، غير أنه خالف المعروف من كلام العرب. وذلك أن " الواو " الثانية من قوله; " تلووا " واو جمع، وهي علم لمعنى، فلا يصح همزها، ثم حذفها بعد همزها، فيبطل علَم المعنى الذي له أدخلت " الواو " المحذوفة. (29)والوجه الآخر; أن يكون قارئها كذلك، أراد; أن " تلوا " من " الولاية "، فيكون معناه; وأن تلوا أمور الناس وتتركوا. وهذا معنى= إذا وجّه القارئ قراءته على ما وصفنا، إليه= خارج عن معاني أهل التأويل، وما وجّه إليه أصحاب رسول الله صلى &; 9-311 &; الله عليه وسلم والتابعون، تأويلَ الآية.* * *قال أبو جعفر; فإذْ كان فساد ذلك واضحًا من كلا وجهيه، فالصواب من القراءة الذي لا يصلح غيره أن يقرأ به عندنا; ( وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا ) ، بمعنى; " اللي" الذي هو مطل.* * *فيكون تأويل الكلام; وإن تدفعوا القيام بالشهادة على وجهها لمن لزمكم القيامُ له بها، فتغيروها وتبدلوا، أو تعرضوا عنها فتتركوا القيام له بها، كما يلوي الرجل دينَ الرجل فيدافعه بأدائه إليه على ما أوجب عليه له مطلا منه له، (30) كما قال الأعشى;يَلْــوِينَني دَيْنِـي النَّهـارَ, وأَقْتَضِـيدَيْنِــي إذَا وَقَــذَ النُّعَــاسُ الرُّقَّـدَا (31)* * *وأما تأويل قوله; " فإن الله كان بما تعملون خبيرًا "، فإنه أراد; " فإن الله كان بما تعملون "، من إقامتكم الشهادة وتحريفكم إياها، وإعراضكم عنها &; 9-312 &; بكتمانكموها=" خبيرًا "، يعني ذا خبرة وعلم به، يحفظ ذلك منكم عليكم، حتى يجازيكم به جزاءكم في الآخرة، المحسنَ منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته. يقول; فاتقوا ربكم في ذلك. (32)------------------الهوامش ;(1) يقال; "تقدم إليه في كذا" أي أمره بأمر أو نهي ، وأراد هنا معنى النهي.(2) انظر تفسير"القسط" فيما سلف 6 ; 77 ، 270 / 7 ; 541.(3) انظر تفسير"شهيد" و"شهداء" فيما سلف من فهارس اللغة.(4) "القطع" ، باب من الحال ، انظر ما سلف في فهارس المصطلحات.(5) في المطبوعة; "أو على والديكم" ، وأثبت ما في المخطوطة.(6) انظر تفسير"أولى" فيما سلف 6; 497.(7) في المطبوعة; "وهل يشهد الشاهد" ، وفي المخطوطة; "وبما يشهد".وأرجح أن ما في المطبوعة هو الصواب ، لقوله في جوابه"نعم" ، وكدت أقرؤها; "وبم يشهد الشاهد" ، لولا أن جواب أبي جعفر دل على غير ذلك.(8) في المطبوعة; "وخيانتهم ما خانوا من ذكر ما قيل عند رسول الله ..." ، وهو كلام فاسد ، غير ما في المخطوطة ، وهو كما أثبت ، إلا أنه كتب"من ذكرنا قبل" ووضع فتحة على الميم من"من" ، وهو خطأ في نسخ الناسخ ونقله ، إنما هذه الفتحة ميم أخرى في"ممن" أساء قراءتها ، فأساء نقلها. وقد مضى مثل هذا في مثل هذا الحرف ، مرارًا فيما سلف ونبهت إليه.(9) في المطبوعة; "فقوموا فيها بالعدل" ، والذي في المخطوطة صواب محض.(10) في المطبوعة"فلا يحملنكم" ، والجيد ما أثبت من المخطوطة.(11) في المطبوعة; "لمن قاموا له بها" زاد"له" ، وهي مفسدة للكلام ، غمض عليه السياق. وإنما سياق الكلام; أمرًا من الله المؤمنين ... لمن قاموا بها" أي; لمن قام من المؤمنين بالشهادة ، وذكرها معترضة في كلام آخر ، وهو قوله; "في قيامهم بشهاداتهم".(12) "دخل" على وزن"فرح" ، يقالك; "دخل أمره دخلا (بفتحتين)"; أي فسد ، و"الدخل" (بفتحتين); الغش والفساد. و"فلان مدخول الإسلام" ، إذا كان فيه غش وفساد ، وهو النفاق.(13) فليت شعري ما كان يقول ابن شهاب لو أدرك زماننا الذي نحن فيه!! نسأل السلامة ، ونستهديه في القيام بما أمرنا به في كتابه.(14) في المطبوعة; "أو أشراف قومك" ، كأنه ظن"شرفًا" خطأ ، وهو محض صواب ، يجمع"شريف" على"أشراف" و"شرفاء" و"شرف" (بفتح الشين والراء). كما قالوا; "رجل كريم" و"قوم كرم". ولو قيل; وهو وصف بالمصدر مثل"عدل" لكان صوابًا.(15) في المطبوعة; "ويوبخه" والتوبيخ لا معنى له هنا. وفي المخطوطة غير منقوطة. وصواب قراءتها ما أثبت. يقال; "رنخ الرجل"; ذلَّلـه. ولو قرئت"يريخه" بالياء لكان صوابًا ، يقال; "ضربوا فلانًا حتى ريخوه" ، أي أوهنوه وأذلوه. هذا وقتادة السدوسي ، كان يكثر في كلامه غريب اللغة.(16) في المطبوعة; "الرد عليه بالتوحيد ..." ، والذي أثبت من المخطوطة هو محض الصواب.(17) انظر "أو" بمعنى"الواو" فيما سلف 1 ; 336 ، 337 / 2 ; 237.(18) في المطبوعة; "كان وجها" ، وأثبت ما في المخطوطة.(19) انظر معاني القرآن للفراء 1 ; 291.(20) هو الأثر السالف رقم; 10678.(21) الأثر; 10683 -"قابوس بن أبي ظبيان الجنبي" ، روى عن أبيه"حصين بن جندب" وآخرين. قال ابن معين; "ثقة ، ضعيف الحديث". وقال ابن حبان; "ينفرد عن أبيه بما لا أصل له ، فربما رفع المرسل ، وأسند الموقوف. وأبوه ثقة". وانظر ما سلف رقم; 9745.وأبوه; "أبو ظبيان" ، هو; "حصين بن جندب". روى عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود. ثقة ، انظر ما سلف رقم; 9745.(22) في المطبوعة; "تلوى تنقص منها" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو صواب جيد. من قولهم; "لوى عنه الخبر" ، إذا طواه ، أو أخبره به على غير وجهه.وكان سياق الكلام في المطبوعة بالتاء على معنى الخطاب ، "تلوى""تعرض" الخ ، فأثبت ما هو في المخطوطة منقوطًا كذلك.(23) في المخطوطة; "تحرفوا أو تحرفوا" مكررة ، لا أظنه تحريفًا.(24) في المطبوعة; "فتتركوها" ، والجيد ما في المخطوطة.(25) في المطبوعة; "أن لا تقيموها" بالجمع ، والذي في المخطوطة حسن جيد.(26) في المطبوعة; "لسانه" بغير باء ، والصواب من المخطوطة.(27) انظر تفسير"اللي" فيما سلف 6 ; 535-537 / 8 ; 435.(28) انظر تفسير"الإعراض" فيما سلف ص; 268 ، تعليق; 4 ، والمراجع هناك.(29) هذا موضع وهم غريب من مثل أبي جعفر ، فإن الهمز في"تلؤوا" على واو الفعل ، وهي عين الفعل"لوى" ، والحذف بعد طرح الهمزة ، واقع بواو الفعل لا بواو الجماعة ، وهي أصل ، لم تدخل لمعنى. فكيف أخطأ أبو جعفر فظنها واو الجماعة!! وانظر معاني القرآن للفراء 1 ; 291.(30) انظر مراجع تفسير"اللي" فيما سلف ص; 309 ، تعليق; 5 وفي المطبوعة"على ما أوجب عليه" ، والصواب من المخطوطة.(31) ديوانه; 151 ، واللسان (لوى) و(وقذ) ، من أبيات ، جياد أولها فيما قبله;وَأَرَى الغَـوَانِي حِـينَ شِـبْتُ هَجَرْنَنِيأَنْ لا أَكُــونَ لَهُــنّ مِثْـلِيَ أَمْـرَدَاإنَّ الغَــوَانِي لا يُــوَاصِلْنَ امْـرَءًافَقَـدَ الشَّـبَابَ، وَقَـدْ يَصِلْـنَ الأَمْرَدَابَـلْ لَيْـتَ شِـعْرِي! هَلْ أَعُودَنْ نَاشِئًامِثْـلِي زُمَيْــنَ أَحُـلُّ بُرْقَـةَ أَنْقَـدَاإذْ لِمَّتِــي سَــوْدَاءُ أَتْبَــعُ ظِلَّهَـادَدَنًــا قُعُــودَ غَوَايَـةٍ أَجْـرِي دَدَايَلْـــوِينَنِي دَيْنِــي ................ . . . . . . . . . . . . . . . . . .هذا ، ورواية الديوان; "وأجتزى ديني" ، يقال; "اجتزى دينه" أي; تقاضاه ، ومثله"تجازى دينه". و"وقذه"; ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت. و"وقذه النعاس" مجاز منه ، أي صاروا كأنهم سكارى قد استرخوا وهمدوا من النعاس.(32) انظر تفسير"الخبير" فيما سلف من فهارس اللغة.
يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يكونوا { قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ ْ} والقوَّام صيغة مبالغة، أي: كونوا في كل أحوالكم قائمين بالقسط الذي هو العدل في حقوق الله وحقوق عباده، فالقسط في حقوق الله أن لا يستعان بنعمه على معصيته، بل تصرف في طاعته. والقسط في حقوق الآدميين أن تؤدي جميع الحقوق التي عليك كما تطلب حقوقك. فتؤدي النفقات الواجبة، والديون، وتعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، من الأخلاق والمكافأة وغير ذلك. ومن أعظم أنواع القسط القسط في المقالات والقائلين، فلا يحكم لأحد القولين أو أحد المتنازعين لانتسابه أو ميله لأحدهما، بل يجعل وجهته العدل بينهما، ومن القسط أداء الشهادة التي عندك على أي وجه كان، حتى على الأحباب بل على النفس، ولهذا قال: { شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ْ} أي: فلا تراعوا الغني لغناه، ولا الفقير بزعمكم رحمة له، بل اشهدوا بالحق على من كان. والقيام بالقسط من أعظم الأمور وأدل على دين القائم به، وورعه ومقامه في الإسلام، فيتعين على من نصح نفسه وأراد نجاتها أن يهتم له غاية الاهتمام، وأن يجعله نُصْب عينيه، ومحل إرادته، وأن يزيل عن نفسه كل مانع وعائق يعوقه عن إرادة القسط أو العمل به. وأعظم عائق لذلك اتباع الهوى، ولهذا نبه تعالى على إزالة هذا المانع بقوله: { فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ْ} أي: فلا تتبعوا شهوات أنفسكم المعارضة للحق، فإنكم إن اتبعتموها عدلتم عن الصواب، ولم توفقوا للعدل، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا، وإما أن يعرف الحق ويتركه لأجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي إلى الصراط المستقيم. ولما بيَّن أن الواجب القيام بالقسط نهى عن ما يضاد ذلك، وهو لي اللسان عن الحق في الشهادات وغيرها، وتحريف النطق عن الصواب المقصود من كل وجه، أو من بعض الوجوه، ويدخل في ذلك تحريف الشهادة وعدم تكميلها، أو تأويل الشاهد على أمر آخر، فإن هذا من اللي لأنه الانحراف عن الحق. { أَوْ تُعْرِضُوا ْ} أي: تتركوا القسط المنوط بكم، كترك الشاهد لشهادته، وترك الحاكم لحكمه الذي يجب عليه القيام به. { فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ْ} أي: محيط بما فعلتم، يعلم أعمالكم خفيها وجليها، وفي هذا تهديد شديد للذي يلوي أو يعرض. ومن باب أولى وأحرى الذي يحكم بالباطل أو يشهد بالزور، لأنه أعظم جرما، لأن الأولين تركا الحق، وهذا ترك الحق وقام بالباطل.
(يا) أداة نداء
(أي) منادى نكرة مقصودة مبني على الضم في محل نصب و (ها) حرف تنبيه
(الذين) اسم موصول مبني في محل نصب بدل من أي أو نعت له
(آمنوا) فعل ماض مبني على الضم ... والواو فاعلـ (كونوا) فعل أمر ناقص مبني على حذف النون ... والواو ضمير اسم كونوا
(قوّامين) خبر منصوب وعلامة النصب الياء
(بالقسط) جار ومجرور متعلق بقوامين
(شهداء) خبر الفعل الناقصالثاني منصوب ممنوع من التنوين ملحق بالأسماء المنتهية بالألف الممدودة
(لله) جار ومجرور متعلق بشهداء
(الواو) عاطفة
(لو) شرط غير جازم
(على أنفس) جار ومجرور متعلق بخبر كان المحذوفة هي واسمها بعد لو، والتقدير: ولو كانت الشهادة مستقرة على أنفسكم ، و (كم) ضمير مضاف إليه
(أو) حرف عطف
(الوالدين) معطوف على أنفس بتقدير الجار على، وعلامة الجر الياء
(الواو) عاطفة
(الأقربين) معطوف على الوالدين مجرور مثله وعلامة الجر الياء
(إن) حرف شرط جازم
(يكن) مضارع مجزوم فعل الشرط- ناقص- واسمه ضمير مستتر تقديره هو أي كل واحد من المشهود عليه أو المشهود له
(غنيا) خبر يكن منصوبـ (أو) حرف عطف ،
(فقيرا) معطوف على
(غنيا) منصوب مثله
(الفاء) تعليلية- أو رابطة لجواب الشرط-
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(أولى) خبر مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدرة على الألف
(الباء) حرف جر و (هما) ضمير في محل جر متعلق بأولى
(الفاء) استئنافية
(لا) ناهية جازمة
(تتبعوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعلـ (الهوى) مفعول به منصوب وعلامة النصب الفتحة المقدرة على الألف
(أن) حرف مصدري ونصبـ (تعدلوا) مضارع منصوب وعلامة النصب حذف النون والواو فاعل.
والمصدر المؤوّلـ (أن تعدلوا) في محل جر بحرف جر محذوف هو لام التعليل أي لأن تعدلوا ... متعلق بـ (تتبعوا) ... وهو علة للمنهي عنه وهو الهوى أي لا تتبعوا الهوى من أجل العدل.(الواو) استئنافية
(إن) مثل الأولـ (تلووا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعلـ (أو) حرف عطف
(تعرضوا) مثل تلووا ومعطوف عليه
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(إن) حرف مشبه بالفعلـ (الله) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوبـ (كان) فعل ماض ناقص واسمه ضمير مستتر تقديره هو (الباء) حرف جر
(ما) حرف مصدري ،
(تعملون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (خبيرا) خبر كان منصوب.
والمصدر المؤولـ (ما تعملون) في محل جر بالباء متعلق بـ (خبيرا) .
جملة النداء «يأيها الذين ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «آمنوا» لا محل لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة «كونوا ... » لا محل لها جواب النداء.
وجملة «
(كانت الشهادة) على أنفسكم» لا محل لها معطوفة على جملة جواب النداء ... وجواب الشرط محذوف أي: لوجبت عليكم الشهادة .
وجملة «يكن غنيا ... » لا محل لها استئنافية ... وجواب الشرط محذوف تقديره فلا تمتنعوا من الشهادة طلبا لرضا الغني أو ترحما على الفقير.
وجملة «الله أولى بهما» لا محل لها تعليليّة ذكرت لبيان جملة الجواب وتعليلها ، والتقدير: فلا تكتموا الشهادة رأفة بهما لأن الله أولى وأرحم.وجملة «لا تتبعوا الهوى» لا محل لها استئنافية.
وجملة «تعدلوا» لا محل لها صلة الموصول الحرفي(أن) .
وجملة «تلووا» لا محل لها استئنافية.
وجملة «تعرضوا» لا محل لها معطوفة على جملة تلووا.
وجملة «إنّ الله كان ... » في محل جزم جواب الشرط الجازم مقترنة بالفاء.
وجملة «كان ... خبيرا» في محل رفع خبر إنّ.
وجملة «تعملون» لا محل لها صلة الموصول الحرفي(ما) .