وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُۥ عَلٰى نَفْسِهِۦ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
وَمَنۡ يَّكۡسِبۡ اِثۡمًا فَاِنَّمَا يَكۡسِبُهٗ عَلٰى نَفۡسِهٖؕ وَكَانَ اللّٰهُ عَلِيۡمًا حَكِيۡمًا
تفسير ميسر:
ومن يعمد إلى ارتكاب ذنب فإنما يضر بذلك نفسه وحدها، وكان الله تعالى عليمًا بحقيقة أمر عباده، حكيمًا فيما يقضي به بين خلقه.
وقوله ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه الآية كقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى الآية يعني أنه لا يغنى أحد عن أحد وإنما على كل نفس ما عملت لا يحمل عنها غيرها ولهذا قال تعالى وكان الله عليما حكيما أي من علمه وحكمته وعدله ورحمته كان ذلك.
قوله تعالى ; ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيماقوله تعالى ; ومن يكسب إثما أي ذنبا فإنما يكسبه على نفسه أي عاقبته عائدة عليه . والكسب ما يجر به الإنسان إلى نفسه نفعا أو يدفع عنه به ضررا ؛ ولهذا لا يسمى فعل الرب تعالى كسبا .
القول في تأويل قوله ; وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; ومن يعمل خطيئة، وهي الذنب=" أو إثمًا "، وهو ما لا يحلّ من المعصية. (65)* * *وإنما فرق بين " الخطيئة " و " الإثم "، لأن " الخطيئة "، قد تكون من قبل العَمْد وغير العمد، و " الإثم " لا يكون إلا من العَمْد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال; ومن يأت " خطيئة " على غير عمد منه لها=" أو إثمًا " على عمد منه.* * *=" ثم يرم به بريئًا "، (66) يعني; ثم يُضيف ماله من خطئه أو إثمه الذي تعمده (67) =" بريئًا " مما أضافه إليه ونحله إياه=" فقد احتمل بُهتانًا وإثمًا مبينًا "، يقول; (68) فقد تحمّل بفعله ذلك فريَة وكذبًا وإثمًا عظيمًا= يعني، وجُرْمًا عظيمًا، على علم منه وعمدٍ لما أتى من معصيته وذنبه.* * *واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله; " بريئًا "، بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريءَ من الإثم الذي كان أتاه، ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل.فقال بعضهم; عنى الله عز وجل بالبريء، رجلا من المسلمين يقال له; " لبيد بن سهل ". (69)* * *وقال آخرون; بل عنى رجلا من اليهود يقال له; " زيد بن السمين "، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى. (70)* * *وممن قال; " كان يهوديًّا "، ابنُ سيرين.10425- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين; " ثم يرم به بريئًا "، قال; يهوديًّا.10426- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا بدل بن المحبر قال، حدثنا شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، مثله. (71)* * *وقيل; " يرم به بريئًا "، بمعنى; ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن، من هو بريء مما رماه به= فـ" الهاء " في قوله; " به " عائدة على " الإثم ". ولو جعلت كناية من ذكر " الإثم " و " الخطيئة "، كان جائزًا، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها، فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعلٌ. (72)* * *= وأما قوله; " فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا "، فإن معناه; فقد تحمل - هذا الذي رمَى بما أتى من المعصية وركب من الإثم الخطيئة، مَنْ هو بريء مما رماه به من ذلك=" بهتانًا "، وهو الفرية والكذب (73) =" وإثمًا مبينًا "، يعني وِزْرًا " مبينًا "، يعني; أنه يبين عن أمر متحمِّله وجراءته على ربه، (74) وتقدّمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمرَه.--------------------الهوامش ;(65) انظر تفسير"خطيئة" فيما سلف 2; 110 ، 284 ، 285.(66) في المطبوعة زيادة حذفتها ، كان الكلام; "ثم يرم به بريئًا ، يعني بالذي تعمده بريئًا ، يعني ..." وهو فساد في التفسير ، فحذفته لذلك وتابعت المخطوطة.(67) في المطبوعة; "ثم يصف ما أتى من خطئه ..." وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.(68) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف 5 ; 432 / 8 ; 124.(69) انظر الأثر رقم; 10411.(70) انظر رقم; 10412 ، 10416.(71) الأثر; 10426 -"بدل بن المحبر بن المنبه التميمي اليربوعي" روى عن شعبة ، والخليل بن أحمد صاحب العروض ، وغيرهما. وروى عنه البخاري ، والأربعة بواسطة محمد بن بشار. ثقة.و"بدل" بفتحتين.(72) هذا مختصر مقالة الفراء في معاني القرآن 1 ; 286 ، 287.(73) انظر تفسير"البهتان" فيما سلف ص; 197 ، تعليق; 4.(74) انظر تفسير"مبين" فيما سلف ص; 3 ، تعليق; 1 ، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة; "يبين عن أمر عمله" ، والصواب من المخطوطة.
{ وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ } وهذا يشمل كل ما يؤثم من صغير وكبير، فمن كسب سيئة فإن عقوبتها الدنيوية والأخروية على نفسه، لا تتعداها إلى غيرها، كما قال تعالى: { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } لكن إذا ظهرت السيئات فلم تنكر عمت عقوبتها وشمل إثمها، فلا تخرج أيضا عن حكم هذه الآية الكريمة، لأن من ترك الإنكار الواجب فقد كسب سيئة. وفي هذا بيان عدل الله وحكمته، أنه لا يعاقب أحدا بذنب أحد، ولا يعاقب أحدا أكثر من العقوبة الناشئة عن ذنبه، ولهذا قال: { وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي: له العلم الكامل والحكمة التامة. ومن علمه وحكمته أنه يعلم الذنب وما صدر منه، والسبب الداعي لفعله، والعقوبة المترتبة على فعله، ويعلم حالة المذنب، أنه إن صدر منه الذنب بغلبة دواعي نفسه الأمارة بالسوء مع إنابته إلى ربه في كثير من أوقاته، أنه سيغفر له ويوفقه للتوبة. وإن صدر منه بتجرئه على المحارم استخفافا بنظر ربه، وتهاونا بعقابه، فإن هذا بعيد من المغفرة بعيد من التوفيق للتوبة.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة