يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِىٓ أَوْلٰدِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وٰحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وٰحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ۗ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
يُوۡصِيۡكُمُ اللّٰهُ فِىۡۤ اَوۡلَادِكُمۡ ۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ الۡاُنۡثَيَيۡنِ ۚ فَاِنۡ كُنَّ نِسَآءً فَوۡقَ اثۡنَتَيۡنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۚ وَاِنۡ كَانَتۡ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصۡفُ ؕ وَلِاَ بَوَيۡهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنۡهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ اِنۡ كَانَ لَهٗ وَلَدٌ ۚ فَاِنۡ لَّمۡ يَكُنۡ لَّهٗ وَلَدٌ وَّوَرِثَهٗۤ اَبَوٰهُ فَلِاُمِّهِ الثُّلُثُ ؕ فَاِنۡ كَانَ لَهٗۤ اِخۡوَةٌ فَلِاُمِّهِ السُّدُسُ مِنۡۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٍ يُّوۡصِىۡ بِهَاۤ اَوۡ دَيۡنٍ ؕ اٰبَآؤُكُمۡ وَاَبۡنَآؤُكُمۡ ۚ لَا تَدۡرُوۡنَ اَيُّهُمۡ اَقۡرَبُ لَـكُمۡ نَفۡعًا ؕ فَرِيۡضَةً مِّنَ اللّٰهِ ؕ اِنَّ اللّٰهَ كَانَ عَلِيۡمًا حَكِيۡمًا
تفسير ميسر:
يوصيكم الله ويأمركم في شأن أولادكم; إذا مات أحد منكم وترك أولادًا; ذكورًا وإناثًا، فميراثه كله لهم; للذكر مثل نصيب الأنثيين، إذا لم يكن هناك وارث غيرهم. فإن ترك بنات فقط فللبنتين فأكثر ثلثا ما ترك، وإن كانت ابنة واحدة، فلها النصف. ولوالِدَي الميت لكل واحد منهما السدس إن كان له ولد; ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو أكثر. فإن لم يكن له ولد وورثه والداه فلأمه الثلث ولأبيه الباقي. فإن كان للميت إخوة اثنان فأكثر، ذكورًا كانوا أو إناثًا، فلأمه السدس، وللأب الباقي ولا شيء للإخوة. وهذا التقسيم للتركة إنما يكون بعد إخراج وصية الميت في حدود الثلث أو إخراج ما عليه من دَيْن. آباؤكم وأبْناؤكم الذين فُرِض لهم الإرث لا تعرفون أيهم أقرب لكم نفعًا في دنياكم وأخراكم، فلا تفضلوا واحدًا منهم على الآخر. هذا الذي أوصيتكم به مفروض عليكم من الله. إن الله كان عليمًا بخلقه، حكيمًا فيما شرعه لهم.
هذه الآية الكريمة والتي بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السور هن آيات علم الفرائض وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هو كالتفسير لذلك. ولنذكر منها ما هو متعلق بتفسير ذلك. وأما تقرير المسائل ونصب الخلاف والأدلة والحجاج بين الأئمة فموضعه كتب الأحكام والله المستعان. وقد ورد الترغيب في تعليم الفرائض وهذه الفرائض الخاصة من أهم ذلك روى أبو داود وابن ماجه من حديث عبدالرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي عن عبدالرحمن بن رافع التنوخي عن عبدالله بن عمرو مرفوعا "العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة". وعن أبي هريرة قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وهو ينسى وهو أول شيء ينزع من أمتي " رواه ابن ماجه وفي إسناده ضعيف. وقد روي من حديث ابن مسعود وأبي سعيد وفي كل منهما نظر. قال ابن عيينة; إنما سمى الفرائض نصف العلم لأنه يبتلى به الناس كلهم.وقال البخاري عند تفسير هذه الآية; حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال; أخبرني ابن المنكدر عن جابر بن عبدالله قال; عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش على فأفقت فقلت; ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث حجاج بن محمد الأعور عن ابن جريج به ورواه الجماعة كلهم من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن جابر. حديث آخر في سبب نزول الآية قال أحمد; حدثنا زكريا بن عدي حدثنا عبيدالله هو ابن عمرو الرقي عن عبدالله بن محمد بن عقيل عن جابر قال; جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت; يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في يوم أحد شهيدا إن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان إلا ولهما مال قال; فقال " يقضي الله في ذلك" فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال; "أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك" وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق عن عبدالله بن محمد بن عقيل به قال الترمذي; ولا يعرف إلا من حديثه. والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات وإنما كان يرث كلالة ولكن ذكرنا الحديث ههنا تبعا للبخاري فإنه ذكره ههنا والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية والله أعلم. فقوله تعالى "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين" أي يأمركم بالعدل فيهم فإن أهل الجاهلية كانوا يجعلون جميع الميراث للذكور دون الإناث فأمر الله تعالى بالتسوية بينهم في أصل الميراث وفاوت بين الصنفين فجعل للذكر مثل حظ الأنثين وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة والكلفة ومعاناة التجارة والتكسب وتحمل المشاق فناسب أن يعطى ضعفي ما تأخذه الأنثى. وقد استنبط بعض الأذكياء من قوله تعالى "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثين" أنه تعالى أرحم بخلقه من الوالدة بولدها حيث أوصى الوالدين بأولادهم فعلم أنه أرحم بهم منهم كما جاء في الحديث الصحيح وقد رأى امرأة من السبي فرق بينها وبين ولدها فجعلت تدور على ولدها فلما وجدته من السبي أخذته فألصقته بصدرها وأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم لأصحابه "أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ذلك" ؟ قالوا; لا يا رسول الله قال "فوالله لله أرحم بعباده من هذه بولدها" وقال البخاري ههنا; حدثنا محمد بن يوسف عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس قال; كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس والثلث وجعل للزوجة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع وقال العوفي عن ابن عباس "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" وذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم وقالوا; تعطى المرأة الربع أو الثمن وتعطى الابنة النصف ويعطى الغلام الصغير وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه أو نقول له فيغير فقالوا; يا رسول الله تعطى الجارية نصف ما ترك أبوها وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم ويعطى الصبي الميراث وليس يغني شيئا وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم ويعطونه الأكبر فالأكبر رواه ابن أبي حاتم وابن جرير أيضا وقوله "فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك" قال بعض الناس; قوله فوق زائدة وتقديره فإن كن نساء اثنتين كما في قوله "فاضربوا فوق الأعناق " وهذا غير مسلم لا هنا ولا هناك فإنه ليس في القرآن شيء زائد لا فائدة فيه وهذا ممتنع; ثم قوله "فلهن ثلثا ما ترك " لو كان المراد ما قالوه لقال فلهما ثلثا ما ترك وإنما استفيد كون الثلثين للبنتين من حكم الأختين في الآية الأخيرة فإنه تعالى حكم فيها للأختين بالثلثين وإذا ورث الأختان الثلثين فلأن يرث البنتان الثلثين بالطريق الأولى. وقد تقدم في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم لابنتي سعد بن الربيع بالثلثين فدل الكتاب والسنة على ذلك وأيضا فإنه قال "وإن كانت واحدة فلها النصف " فلو كان للبنتين النصف لنص عليه أيضا فلما حكم به للواحدة على انفرادها دل على أن البنتين في حكم الثلاث والله أعلم وقوله تعالى "ولأبويه لكل واحد منهما السدس " إلى آخره الأبوان لهما في الإرث أحوال " أحدها " أن يجتمعا مع الأولاد فيفرض لكل واحد منهما السدس فإن لم يكن للميت إلا بنت واحدة فرض لها النصف وللأبوين لكل واحد منهما السدس وأخذ الأب السدس الآخر بالتعصيب فيجمع له والحالة هذه بين الفرض والتعصيب " الحال الثاني " أن ينفرد الأبوان بالميراث فيفرض للأم الثلث والحالة هذه ويأخذ الأب الباقي بالتعصيب المحض فيكون قد أخذ ضعفي ما حصل للأم وهو الثلثان فلو كان معهما زوج أو زوجة ويأخذ الزوج النصف والزوجة الربع ثم اختلف العلماء ماذا تأخذ الأم بعد ذلك ؟ على ثلاثة أقواله; "أحدها " أنها تأخذ ثلث الباقي في المسئلتين لأن الباقي كأنه جميع الميراث بالنسبة إليهما وقد جعل الله لها نصف ما جعل للأب فتأخذ ثلث الباقي ويأخذ الأب الباقي ثلثيه هذا قول عمر وعثمان وأصح الروايتين عن علي وبه يقول ابن مسعود وزيد بن ثابت وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة وجمهور العلماء. " والثاني " أنها تأخذ ثلث جميع المال لعموم قوله "فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث " فإن الآية أعم من أن يكون معها زوج أو زوجة أو لا وهو قول ابن عباس. وروى عن علي ومعاذ بن جبل نحوه. وبه يقول شريح وداود الظاهري واختاره أبو الحسين محمد بن عبدالله بن اللبان البصري في كتابه الإيجاز في علم الفرائض وهذا فيه نظر بل هو ضعيف لأن ظاهر الآية إنما هو إذا استبدء بجميع التركة وأما هنا فيأخذ الزوج أو الزوجة الفرض ويبقى الباقي كأنه جميع التركة فتأخذ ثلثه. " والقول الثالث " أنها تأخذ ثلث جميع المال في مسئلة الزوجة خاصة فإنها تأخذ الربع وهو ثلاثة من اثني عشر وتأخذ الأم الثلث وهو أربعة فيبقى خمسة للأب. وأما في مسئلة الزوج فتأخذ ثلث الباقي لئلا تأخذ أكثر من الأب لو أخذت ثلث المال فتكون المسألة من ستة; للزوج النصف ثلاثة للأم ثلث الباقي بعد ذلك وهو سهم وللأب الباقي بعد ذلك وهو سهمان. ويحكى هذا عن ابن سيرين وهو مركب من القولين الأولين وهو ضعيف أيضا والصحيح الأول والله أعلم. والحال الثالث من أحوال الأبوين وهو اجتماعهما مع الأخوة سواء كانوا من الأبوين أو من الأب أو من الأم فإنهم لا يرثون مع الأب شيئا ولكنهم مع ذلك يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس فيفرض لها مع وجودهم السدس فإن لم يكن وارث سواها وسوى الأب أخذ الأب الباقي. وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور. وقد روى البيهقي من طريق شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال; إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث قال الله تعالى "فإن كان له إخوة " فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة فقال عثمان; لا أستطيع تغيير ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس. وفي صحة هذا الأثر نظر فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس ولو كان هذا صحيحا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به والمنقول عنهم خلافه وقد روى عبدالرحمن بن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن أبيه أنه قال; الأخوان تسمى إخوة وقد أفردت لهذه المسئلة جزءا على حدة. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبدالعزيز بن المغيرة حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة نحوه وقوله "فإن كان له إخوة فلأمه السدس " أضروا بالأم ولا يرثون ولا يحجبها الأخ الواحد عن الثلث ويجبها ما فوق ذلك وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم عن الثلث أن أباهم يلي إنكاحهم ونفقته عليهم دون أمهم وهذا كلام حسن. لكن روى عن ابن عباس بإسناد صحيح أنه كان يرى أن السدس الذي حجبوه عن أمهم يكون لهم وهذا قول شاذ رواه ابن جرير في تفسيره فقال; حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن أبي طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال; السدس الذي حجبته الأخوة الأم لهم إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم.ثم قال ابن جرير; وهذا قول مخالف لجميع الأمة. وقد حدثني يونس أخبرنا سفيان أخبرنا عمرو عن الحسن بن محمد عن ابن عباس أنه قال; الكلالة من لا ولد له ولا والد. وقوله "من بعد وصية يوصي بها أو دين " أجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية وذلك عند إمعان النظر يفهم من فحوى الآية الكريمة وروى أحمد والترمذي وابن ماجه وأصحاب التفاسير من حديث ابن إسحاق عن الحارث بن عبدالله الأعور عن علي بن أبي طالب قال; إنكم تقرأون "من بعد وصية يوصي بها أو دين" وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات يرث الرجل أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه. ثم قال الترمذي; لا نعرفه إلا من حديث الحارث وقد تكلم فيه بعض أهل العلم " قلت " لكن كان حافظا للفرائض معتنيا بها وبالحساب فالله أعلم وقوله "آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا" أي إنما فرضنا للآباء والأبناء وساوينا بين الكل في أصل الميراث على خلاف ما كان عليه الأمر في الجاهلية وعلى خلاف ما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام من كون المال للولد وللأبوين الوصية كما تقدم عن ابن عباس إنما نسخ الله ذلك إلى هذا ففرض لهؤلاء بحسبهم لأن الإنسان قد يأتيه النفع الدنيوي أو الأخروي أو هما من أبيه مالا يأتيه من ابنه وقد يكون بالعكس ولذا قال "آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا " أي أن النفع متوقع ومرجو من هذا كما هو متوقع ومرجو من الآخر فلهذا فرضنا لهذا وهذا وساوينا بين القسمين في أصل الميراث والله أعلم وقوله "فريضة من الله " أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من الله حكم به وقضاه والله عليم حكيم الذي يضع الأشياء في محالها ومعطي كلا ما يستحقه بحسبه ولهذا قال "إن الله كان عليما حكيما ".
قوله تعالى ; يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيمافيه خمس وعشرون مسألة ;الأولى ; قوله تعالى ; يوصيكم الله في أولادكم بين تعالى في هذه الآية ما أجمله في قوله ; للرجال نصيب و للنساء نصيب فدل هذا على جواز تأخير البيان عن [ ص; 50 ] وقت السؤال . وهذه الآية ركن من أركان الدين ، وعمدة من عمد الأحكام ، وأم من أمهات الآيات ؛ فإن الفرائض عظيمة القدر حتى إنها ثلث العلم ، وروي نصف العلم . وهو أول علم ينزع من الناس وينسى . رواه الدارقطني ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم وهو أول شيء ينسى وهو أول شيء ينتزع من أمتي . وروي أيضا عن عبد الله بن مسعود قال ; قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ; تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها الناس وتعلموا العلم وعلموه الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة لا يجدان من يفصل بينهما . وإذا ثبت هذا فاعلم أن الفرائض كانت جل علم الصحابة ، وعظيم مناظرتهم ، ولكن الخلق ضيعوه . وقد روى مطرف ، عن مالك ، قال عبد الله بن مسعود ; ( من لم يتعلم الفرائض والطلاق والحج فبم يفضل أهل البادية ؟ ) وقال ابن وهب ، عن مالك ; كنت أسمع ربيعة يقول ; ( من تعلم الفرائض من غير علم بها من القرآن ما أسرع ما ينساها ) . قال مالك ; وصدق .الثانية ; روى أبو داود والدارقطني ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل ; آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة . قال الخطابي أبو سليمان ; الآية المحكمة هي كتاب الله تعالى ; واشترط فيها الإحكام ؛ لأن من الآي ما هو منسوخ لا يعمل به ، وإنما يعمل بناسخه . والسنة القائمة هي الثابتة مما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من السنن الثابتة . وقوله ; أو فريضة عادلة يحتمل وجهين من التأويل ; أحدهما ; أن يكون من العدل في القسمة ؛ فتكون معدلة على الأنصباء والسهام المذكورة في الكتاب والسنة . والوجه الآخر ; أن تكون مستنبطة من الكتاب والسنة ومن معناهما ؛ فتكون هذه الفريضة تعدل ما أخذ من الكتاب والسنة إذ كانت في معنى ما أخذ عنهما نصا .روى عكرمة قال ; أرسل ابن عباس إلى زيد بن ثابت يسأل عن امرأة تركت زوجها وأبويها . قال ; للزوج النصف ، وللأم ثلث ما بقي . فقال ; تجده في كتاب الله أو تقول برأي ؟ قال ; أقوله برأي ؛ لا أفضل أما على أب . قال أبو سليمان ; فهذا من باب تعديل الفريضة إذا لم يكن فيها نص ؛ وذلك أنه اعتبرها بالمنصوص عليه ، وهو قوله تعالى ; وورثه أبواه فلأمه الثلث . فلما وجد نصيب الأم الثلث ، وكان باقي المال هو الثلثان للأب ، قاس النصف الفاضل من المال بعد نصيب الزوج على كل المال إذا لم يكن مع الوالدين ابن أو ذو سهم ؛ فقسمه بينهما على ثلاثة ، للأم سهم وللأب سهمان وهو الباقي . وكان هذا أعدل في القسمة من أن يعطي الأم من النصف الباقي ثلث جميع [ ص; 51 ] المال ، وللأب ما بقي وهو السدس ، ففضلها عليه فيكون لها وهي مفضولة في أصل الموروث أكثر مما للأب وهو المقدم والمفضل في الأصل . وذلك أعدل مما ذهب إليه ابن عباس من توفير الثلث على الأم ، وبخس الأب حقه برده إلى السدس ؛ فترك قوله وصار عامة الفقهاء إلى زيد . قال أبو عمر ; وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه في زوج وأبوين ; ( للزوج النصف ، وللأم ثلث جميع المال ، وللأب ما بقي ) . وقال في امرأة وأبوين ; ( للمرأة الربع ، وللأم ثلث جميع المال ، والباقي للأب ) . وبهذا قال شريح القاضي ومحمد بن سيرين وداود بن علي ، وفرقة منهم أبو الحسن محمد بن عبد الله الفرضي المصري المعروف بابن اللبان في المسألتين جميعا . وزعم أنه قياس قول علي في المشتركة . وقال في موضع آخر ; إنه قد روي ذلك عن علي أيضا . قال أبو عمر ; المعروف المشهور عن علي وزيد وعبد الله وسائر الصحابة وعامة العلماء ما رسمه مالك . ومن الحجة لهم على ابن عباس ; ( أن الأبوين إذا اشتركا في الوراثة ، ليس معهما غيرهما ، كان للأم الثلث وللأب الثلثان ) . وكذلك إذا اشتركا في النصف الذي يفضل عن الزوج ، كانا فيه كذلك على ثلث وثلثين . وهذا صحيح في النظر والقياس .الثالثة ; واختلفت الروايات في سبب نزول آية المواريث ؛ فروى الترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارقطني ، عن جابر بن عبد الله أن امرأة سعد بن الربيع قالت ; يا رسول الله ، إن سعدا هلك وترك بنتين وأخاه ، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد ، وإنما تنكح النساء على أموالهن ؛ فلم يجبها في مجلسها ذلك . ثم جاءته فقالت ; يا رسول الله ، ابنتا سعد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ادع لي أخاه فجاء فقال له ; ادفع إلى ابنته الثلثين وإلى امرأته الثمن ولك ما بقي . لفظ أبي داود . في رواية الترمذي وغيره ; فنزلت آية المواريث . قال ; هذا حديث صحيح .وروى جابر أيضا قال ; عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان ، فوجداني لا أعقل ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم رش علي منه فأفقت . فقلت ; كيف أصنع في مالي يا رسول الله ؟ فنزلت يوصيكم الله في أولادكم . أخرجاه في الصحيحين . وأخرجه الترمذي وفيه " فقلت يا نبي الله كيف أقسم مالي بين ولدي ؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الآية . قال ; " حديث حسن صحيح " .وفي البخاري ، عن ابن عباس ( أن نزول ذلك كان من أجل أن المال كان للولد ، والوصية للوالدين ؛ فنسخ ذلك بهذه الآيات ) . وقال مقاتل والكلبي ; نزلت في أم كجة ؛ وقد ذكرناها . السدي ; نزلت بسبب بنات عبد الرحمن بن ثابت أخي حسان بن ثابت . وقيل ; إن أهل الجاهلية كانوا لا يورثون إلا من لاقى الحروب [ ص; 52 ] وقاتل العدو ؛ فنزلت الآية تبيينا أن لكل صغير وكبير حظه . ولا يبعد أن يكون جوابا للجميع ؛ ولذلك تأخر نزولها . والله أعلم .قال الكيا الطبري ; وقد ورد في بعض الآثار أن ما كانت الجاهلية تفعله من ترك توريث الصغير كان في صدر الإسلام إلى أن نسخته هذه الآية ولم يثبت عندنا اشتمال الشريعة على ذلك ، بل ثبت خلافه ؛ فإن هذه الآية نزلت في ورثة سعد بن الربيع . وقيل ; نزلت في ورثة ثابت بن قيس بن شماس . والأول أصح عند أهل النقل . فاسترجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الميراث من العم ، ولو كان ذلك ثابتا من قبل في شرعنا ما استرجعه . ولم يثبت قط في شرعنا أن الصبي ما كان يعطى الميراث حتى يقاتل على الفرس ويذب عن الحريم .قلت ; وكذلك قال القاضي أبو بكر بن العربي قال ; ودل نزول هذه الآية على نكتة بديعة ؛ وهو أن ما كانت عليه الجاهلية تفعله من أخذ المال لم يكن في صدر الإسلام شرعا مسكوتا مقرا عليه ؛ لأنه لو كان شرعا مقرا عليه لما حكم النبي صلى الله عليه وسلم على عم الصبيتين برد ما أخذ من مالهما ؛ لأن الأحكام إذا مضت وجاء النسخ بعدها إنما يؤثر في المستقبل فلا ينقض به ما تقدم وإنما كانت ظلامة رفعت . قاله ابن العربي .الرابعة ; قوله تعالى ; يوصيكم الله في أولادكم قالت الشافعية ; قول الله تعالى يوصيكم الله في أولادكم حقيقة في أولاد الصلب ، فأما ولد الابن فإنما يدخل فيه بطريق المجاز ؛ فإذا حلف أن لا ولد له وله ولد ابن لم يحنث ؛ وإذا أوصى لولد فلان لم يدخل فيه ولد ولده . وأبو حنيفة يقول ; إنه يدخل فيه إن لم يكن له ولد صلب . ومعلوم أن الألفاظ لا تتغير بما قالوه .الخامسة ; قال ابن المنذر ; لما قال تعالى ; يوصيكم الله في أولادكم فكان الذي يجب على ظاهر الآية أن يكون الميراث لجميع الأولاد ، المؤمن منهم والكافر ؛ فلما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ; لا يرث المسلم الكافر علم أن الله أراد بعض الأولاد دون بعض ، فلا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم على ظاهر الحديث .[ ص; 53 ] قلت ; ولما قال تعالى ; في أولادكم دخل فيهم الأسير في أيدي الكفار ؛ فإنه يرث ما دام تعلم حياته على الإسلام . وبه قال كافة أهل العلم ، إلا النخعي فإنه قال ; لا يرث الأسير . فأما إذا لم تعلم حياته فحكمه حكم المفقود . ولم يدخل في عموم الآية ميراث النبي صلى الله عليه وسلم لقوله ; لا نورث ما تركنا صدقة وسيأتي بيانه في " مريم " إن شاء الله تعالى . وكذلك لم يدخل القاتل عمدا لأبيه أو جده أو أخيه أو عمه بالسنة وإجماع الأمة ، وأنه لا يرث من مال من قتله ولا من ديته شيئا ؛ على ما تقدم بيانه في البقرة . فإن قتله خطأ فلا ميراث له من الدية ، ويرث من المال في قول مالك ، ولا يرث في قول الشافعي وأحمد وسفيان وأصحاب الرأي ، من المال ولا من الدية شيئا ؛ حسبما تقدم بيانه في البقرة . وقول مالك أصح ، وبه قال إسحاق وأبو ثور . وهو قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والزهري والأوزاعي وابن المنذر ؛ لأن ميراث من ورثه الله تعالى في كتابه ثابت لا يستثنى منه إلا بسنة أو إجماع . وكل مختلف فيه فمردود إلى ظاهر الآيات التي فيها المواريث .السادسة ; اعلم أن الميراث كان يستحق في أول الإسلام بأسباب ; منها الحلف والهجرة والمعاقدة ، ثم نسخ على ما يأتي بيانه في هذه السورة عند قوله تعالى ; ولكل جعلنا موالي . إن شاء الله تعالى . وأجمع العلماء على أن الأولاد إذا كان معهم من له فرض مسمى أعطيه ، وكان ما بقي من المال للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لقوله عليه السلام ; ألحقوا الفرائض بأهلها رواه الأئمة . يعني الفرائض الواقعة في كتاب الله تعالى . وهي ستة ; النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس . فالنصف فرض خمسة ; ابنة الصلب ، وابنة الابن ، والأخت الشقيقة ، والأخت للأب ، والزوج . وكل ذلك إذا انفردوا عمن يحجبهم عنه . والربع فرض الزوج مع الحاجب ، وفرض الزوجة والزوجات مع [ ص; 54 ] عدمه . والثمن فرض الزوجة والزوجات مع الحاجب . والثلثان فرض أربع ; الاثنتين فصاعدا من بنات الصلب ، وبنات الابن ، والأخوات الأشقاء ، أو للأب . وكل هؤلاء إذا انفردن عمن يحجبهن عنه . والثلث فرض صنفين ; الأم مع عدم الولد ، وولد الابن ، وعدم الاثنين فصاعدا من الإخوة والأخوات ، وفرض الاثنين فصاعدا من ولد الأم . وهذا هو ثلث كل المال . فأما ثلث ما يبقى فذلك للأم في مسألة زوج أو زوجة وأبوان ؛ فللأم فيها ثلث ما يبقى . وقد تقدم بيانه . وفي مسائل الجد مع الإخوة إذا كان معهم ذو سهم وكان ثلث ما يبقى أحظى له . والسدس فرض سبعة ; الأبوان والجد مع الولد وولد الابن ، والجدة والجدات إذا اجتمعن ، وبنات الابن مع بنت الصلب ، والأخوات للأب مع الأخت الشقيقة ، والواحد من ولد الأم ذكرا كان أو أنثى . وهذه الفرائض كلها مأخوذة من كتاب الله تعالى إلا فرض الجدة والجدات فإنه مأخوذ من السنة . والأسباب الموجبة لهذه الفروض بالميراث ثلاثة أشياء ; نسب ثابت ، ونكاح منعقد ، وولاء عتاقة . وقد تجتمع الثلاثة الأشياء فيكون الرجل زوج المرأة ومولاها وابن عمها . وقد يجتمع فيه منها شيئان لا أكثر ، مثل أن يكون زوجها ومولاها ، أو زوجها وابن عمها ؛ فيرث بوجهين ويكون له جميع المال إذا انفرد ; نصفه بالزوجية ونصفه بالولاء أو بالنسب . ومثل أن تكون المرأة ابنة الرجل ومولاته ، فيكون لها أيضا المال إذا انفردت ; نصفه بالنسب ونصفه بالولاء .السابعة ; ولا ميراث إلا بعد أداء الدين والوصية ؛ فإذا مات المتوفى أخرج من تركته الحقوق المعينات ، ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره ، ثم الديون على مراتبها ، ثم يخرج من الثلث الوصايا ، وما كان في معناها على مراتبها أيضا ، ويكون الباقي ميراثا بين الورثة . وجملتهم سبعة عشر . عشرة من الرجال ; الابن وابن الابن وإن سفل ، والأب وأب الأب وهو الجد وإن علا ، والأخ وابن الأخ ، والعم وابن العم ، والزوج ومولى النعمة . ويرث من النساء سبع ; البنت وبنت الابن وإن سفلت ، والأم والجدة وإن علت ، والأخت والزوجة ، ومولاة النعمة وهي المعتقة . وقد نظمهم بعض الفضلاء فقال ;والوارثون إن أردت جمعهم مع الإناث الوارثات معهم عشرة من جملة الذكرانوسبع أشخاص من النسوان وهم ، وقد حصرتهم في النظمالابن وابن الابن وابن العم والأب منهم وهو في الترتيبوالجد من قبل الأخ القريب وابن الأخ الأدنى أجل والعموالزوج والسيد ثم الأم [ ص; 55 ] وابنة الابن بعدها والبنتوزوجة وجدة وأخت والمرأة المولاة أعني المعتقهخذها إليك عدة محققهالثامنة ; لما قال تعالى ; في أولادكم يتناول كل ولد كان موجودا أو جنينا في بطن أمه ، دنيا أو بعيدا ، من الذكور أو الإناث ما عدا الكافر كما تقدم . قال بعضهم ; ذلك حقيقة في الأدنين مجاز في الأبعدين . وقال بعضهم ; هو حقيقة في الجميع ؛ لأنه من التولد ، غير أنهم يرثون على قدر القرب منه ؛ قال الله تعالى ; يا بني آدم . وقال عليه السلام ; أنا سيد ولد آدم قال ; يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا إلا أنه غلب عرف الاستعمال في إطلاق ذلك على الأعيان الأدنين على تلك الحقيقة ؛ فإن كان في ولد الصلب ذكر لم يكن لولد الولد شيء ، وهذا مما أجمع عليه أهل العلم . وإن لم يكن في ولد الصلب ذكر وكان في ولد الولد بدئ بالبنات للصلب ، فأعطين إلى مبلغ الثلثين ، ثم أعطي الثلث الباقي لولد الولد إذا استووا في القعدد ، أو كان الذكر أسفل ممن فوقه من البنات ، للذكر مثل حظ الأنثيين . هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي . وبه قال عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ؛ إلا ما يروى عن ابن مسعود أنه قال ; ( إن كان الذكر من ولد الولد بإزاء الأنثى رد عليها ، وإن كان أسفل منها يرد عليها ) ؛ مراعيا في ذلك قوله تعالى ; فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك فلم يجعل للبنات وإن كثرن إلا الثلثين .قلت ; هكذا ذكر ابن العربي هذا التفصيل عن ابن مسعود ، والذي ذكره ابن المنذر والباجي عنه ; ( أن ما فضل عن بنات الصلب لبني الابن دون بنات الابن ) ، ولم يفصلا . وحكاه ابن المنذر ، عن أبي ثور . ونحوه حكى أبو عمر ، قال أبو عمر ; وخالف في ذلك ابن مسعود فقال ; وإذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لبني الابن دون أخواتهم ، ودون من فوقهم من بنات الابن ، ومن تحتهم . وإلى هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي . وروي مثله عن علقمة . وحجة من ذهب هذا المذهب حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر خرجه [ ص; 56 ] البخاري ومسلم وغيرهما . ومن حجة الجمهور قول الله عز وجل ; يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين لأن ولد الولد ولد . ومن جهة النظر والقياس أن كل من يعصب من في درجته في جملة المال فواجب أن يعصبه في الفاضل من المال ؛ كأولاد الصلب . فوجب بذلك أن يشرك ابن الابن أخته ، كما يشرك الابن للصلب أخته . فإن احتج لأبي ثور وداود أن بنت الابن لما لم ترث شيئا من الفاضل بعد الثلثين منفردة لم يعصبها أخوها . فالجواب أنها إذا كان معها أخوها قويت به وصارت عصبة معه . وظاهر قوله تعالى ; يوصيكم الله في أولادكم وهي من الولد .التاسعة ; قوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك الآية . فرض الله تعالى للواحدة النصف ، وفرض لما فوق الثنتين الثلثين ، ولم يفرض للثنتين فرضا منصوصا في كتابه ؛ فتكلم العلماء في الدليل الذي يوجب لهما الثلثين ما هو ؟ فقيل ; الإجماع وهو مردود ؛ لأن الصحيح عن ابن عباس أنه أعطى البنتين النصف ؛ لأن الله عز وجل قال ; فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وهذا شرط وجزاء . قال ; فلا أعطي البنتين الثلثين . وقيل ; أعطيتا الثلثين بالقياس على الأختين ؛ فإن الله سبحانه لما قال في آخر السورة ; وله أخت فلها نصف ما ترك وقال تعالى ; فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك فألحقت الابنتان بالأختين في الاشتراك في الثلثين ، وألحقت الأخوات إذا زدن على اثنتين بالبنات في الاشتراك في الثلثين . واعترض هذا بأن ذلك منصوص عليه في الأخوات ، والإجماع منعقد عليه فهو مسلم بذلك . وقيل ; في الآية ما يدل على أن للبنتين الثلثين ، وذلك أنه لما كان للواحدة مع أخيها الثلث إذا انفردت ، علمنا أن للاثنتين الثلثين . احتج بهذه الحجة وقال هذه المقالة إسماعيل القاضي وأبو العباس المبرد . قال النحاس ; وهذا الاحتجاج عند أهل النظر غلط ؛ لأن الاختلاف في البنتين وليس في الواحدة . فيقول مخالفه ; إذا ترك بنتين وابنا فللبنتين النصف ؛ فهذا دليل على أن هذا فرضهم . وقيل ; فوق زائدة أي إن كن نساء اثنتين . كقوله تعالى ; فاضربوا فوق الأعناق أي الأعناق . ورد هذا القول النحاس وابن عطية وقالا ; هو خطأ ؛ لأن الظروف وجميع الأسماء لا يجوز في كلام العرب أن تزاد لغير معنى . قال ابن عطية ; ولأن قوله تعالى ; فاضربوا فوق الأعناق هو الفصيح ، وليست فوق زائدة بل هي محكمة للمعنى ؛ لأن ضربة العنق إنما يجب أن تكون فوق العظام في المفصل دون الدماغ . كما قال دريد بن [ ص; 57 ] الصمة ; اخفض عن الدماغ وارفع عن العظم ، فهكذا كنت أضرب أعناق الأبطال . وأقوى الاحتجاج في أن للبنتين الثلثين الحديث الصحيح المروي في سبب النزول . ولغة أهل الحجاز وبني أسد الثلث والربع إلى العشر . ولغة بني تميم وربيعة الثلث بإسكان اللام إلى العشر . ويقال ; ثلثت القوم أثلثهم ، وثلثت الدراهم أثلثها إذا تممتها ثلاثة ، وأثلثت هي ؛ إلا أنهم قالوا في المائة والألف ; أمأيتها وآلفتها وأمأت وآلفت .العاشرة ; قوله تعالى ; وإن كانت واحدة فلها النصف قرأ نافع وأهل المدينة " واحدة " بالرفع على معنى وقعت وحدثت ، فهي كانت التامة ؛ كما قال الشاعر ;إذا كان الشتاء فأدفئوني فإن الشيخ يهرمه الشتاءوالباقون بالنصب . قال النحاس ; وهذه قراءة حسنة . أي وإن كانت المتروكة أو المولودة " واحدة " مثل فإن كن نساء . فإذا كان مع بنات الصلب بنات ابن ، وكان بنات الصلب اثنتين فصاعدا حجبن بنات الابن أن يرثن بالفرض ؛ لأنه لا مدخل لبنات الابن أن يرثن بالفرض في غير الثلثين . فإن كانت بنت الصلب واحدة فإن ابنة الابن أو بنات الابن يرثن مع بنات الصلب تكملة الثلثين ؛ لأنه فرض يرثه البنتان فما زاد . وبنات الابن يقمن مقام البنات عند عدمهن . وكذلك أبناء البنين يقومون مقام البنين في الحجب والميراث . فلما عدم من يستحق منهن السدس كان ذلك لبنت الابن ، وهي أولى بالسدس من الأخت الشقيقة للمتوفى . على هذا جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ؛ إلا ما يروى عن أبي موسى وسليمان بن أبي ربيعة أن للبنت النصف ، والنصف الثاني للأخت ، ولا حق في ذلك لبنت الابن . وقد صح عن أبي موسى ما يقتضي أنه رجع عن ذلك ؛ رواه البخاري ; حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا أبو قيس سمعت هزيل بن شرحبيل يقول ; سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت . فقال ; ( للابنة النصف ، وللأخت النصف ) ؛ وأت ابن مسعود فإنه سيتابعني . فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال ; ( لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ! أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم ; للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت ) . فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال ; ( لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم ) . فإن كان مع بنت الابن أو بنات الابن ابن في درجتها أو أسفل منها عصبها ، فكان النصف الثاني بينهما ، للذكر مثل حظ الأنثيين بالغا ما بلغ - خلافا لابن مسعود على ما تقدم إذا استوفى بنات الصلب ، أو بنت الصلب وبنات الابن الثلثين وكذلك يقول في الأخت لأب وأم ، وأخوات وإخوة لأب ; للأخت من الأب والأم النصف ، والباقي للإخوة والأخوات ، ما لم [ ص; 58 ] يصبهن من المقاسمة أكثر من السدس ؛ فإن أصابهن أكثر من السدس أعطاهن السدس تكملة الثلثين ، ولم يزدهن على ذلك . وبه قال أبو ثور .الحادية عشرة ; إذا مات الرجل وترك زوجته حبلى فإن المال يوقف حتى يتبين ما تضع . وأجمع أهل العلم على أن الرجل إذا مات وزوجته حبلى أن الولد الذي في بطنها يرث ويورث إذا خرج حيا واستهل . وقالوا جميعا ; إذا خرج ميتا لم يرث ؛ فإن خرج حيا ولم يستهل فقالت طائفة ; لا ميراث له وإن تحرك أو عطس ما لم يستهل . هذا قول مالك والقاسم بن محمد وابن سيرين والشعبي والزهري وقتادة . وقالت طائفة ; إذا عرفت حياة المولود بتحريك أو صياح أو رضاع أو نفس فأحكامه أحكام الحي . هذا قول الشافعي وسفيان الثوري والأوزاعي . قال ابن المنذر ; الذي قال الشافعي يحتمل النظر ، غير أن الخبر يمنع منه وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نخسة الشيطان إلا ابن مريم وأمه . وهذا خبر ، ولا يقع على الخبر النسخ .الثانية عشرة ; لما قال تعالى ; في أولادكم تناول الخنثى وهو الذي له فرجان . وأجمع العلماء على أنه يورث من حيث يبول ؛ إن بال من حيث يبول الرجل ورث ميراث رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة ورث ميراث المرأة . قال ابن المنذر ; ولا أحفظ عن مالك فيه شيئا ، بل قد ذكر ابن القاسم أنه هاب أن يسأل مالكا عنه . فإن بال منهما معا فالمعتبر سبق البول ؛ قاله سعيد بن المسيب وأحمد وإسحاق . وحكي ذلك عن أصحاب الرأي . وروى قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال في الخنثى ; يورثه من حيث يبول ؛ فإن بال منهما جميعا فمن أيهما سبق ، فإن بال منهما معا فنصف ذكر ونصف أنثى . وقال يعقوب ومحمد ; من أيهما خرج أكثر ورث ؛ وحكي عن الأوزاعي . وقال النعمان ; إذا خرج منهما معا فهو مشكل ، ولا أنظر إلى أيهما أكثر . وروي عنه أنه وقف عنه إذا كان هكذا . وحكي عنه قال ; إذا أشكل يعطى أقل النصيبين . وقال يحيى بن آدم ; إذا بال من حيث يبول الرجل ويحيض كما تحيض المرأة ورث من حيث يبول ؛ لأن في الأثر ; يورث من مباله . وفي قول الشافعي ; إذا خرج منهما جميعا ولم يسبق أحدهما الآخر يكون مشكلا ، ويعطى من الميراث ميراث أنثى ، ويوقف الباقي بينه وبين سائر الورثة حتى يتبين أمره أو يصطلحوا ، وبه قال أبو ثور . وقال الشعبي ; يعطى نصف ميراث الذكر ، ونصف ميراث الأنثى ؛ وبه قال الأوزاعي ، وهو مذهب مالك . قال ابن شاس في [ ص; 59 ] جواهره الثمينة على مذهب مالك عالم المدينة ; الخنثى يعتبر إذا كان ذا فرجين فرج المرأة وفرج الرجل بالمبال منهما ؛ فيعطى الحكم لما بال منه فإن بال منهما اعتبرت الكثرة من أيهما ، فإن تساوى الحال اعتبر السبق ، فإن كان ذلك منهما معا اعتبر نبات اللحية أو كبر الثديين ومشابهتهما لثدي النساء ، فإن اجتمع الأمران اعتبر الحال عند البلوغ ، فإن وجد الحيض حكم به ، وإن وجد الاحتلام وحده حكم به ، فإن اجتمعا فهو مشكل . وكذلك لو لم يكن فرج ، لا المختص بالرجال ولا المختص بالنساء ، بل كان له مكان يبول منه فقط انتظر به البلوغ ؛ فإن ظهرت علامة مميزة وإلا فهو مشكل . ثم حيث حكمنا بالإشكال فميراثه نصف نصيبي ذكر وأنثى .قلت ; هذا الذي ذكروه من العلامات في الخنثى المشكل . وقد أشرنا إلى علامة في " البقرة " وصدر هذه السورة تلحقه بأحد النوعين ، وهي اعتبار الأضلاع ؛ وهي مروية عن علي رضي الله عنه وبها حكم . وقد نظم بعض الفضلاء العلماء حكم الخنثى في أبيات كثيرة أولها ;وأنه معتبر الأحوال بالثدي واللحية والمبالوفيها يقول ;وإن يكن قد استوت حالاته ولم تبن وأشكلت آياتهفحظه من مورث القريب ستة أثمان من النصيبهذا الذي استحق للإشكال وفيه ما فيه من النكالوواجب في الحق ألا ينكحا ما عاش في الدنيا وألا ينكحاإذ لم يكن من خالص العيال ولا اغتدى من جملة الرجالوكل ما ذكرته في النظم قد قاله سراة أهل العلموقد أبى الكلام فيه قوم منهم ولم يجنح إليه لوملفرط ما يبدو من الشناعه في ذكره وظاهر البشاعهوقد مضى في شأنه الخفي حكم الإمام المرتضى عليبأنه إن نقصت أضلاعه فللرجال ينبغي إتباعهفي الإرث والنكاح والإحرام في الحج والصلاة والأحكاموإن تزد ضلعا على الذكران فإنها من جملة النسوانلأن للنسوان ضلعا زائده على الرجال فاغتنمها فائدهإذ نقصت من آدم فيما سبق لخلق حواء وهذا القول حق[ ص; 60 ] عليه مما قاله الرسول صلى عليه ربنا دليلقال أبو الوليد بن رشد ; ولا يكون الخنثى المشكل زوجا ولا زوجة ، ولا أبا ولا أما . وقد قيل ; إنه قد وجد من له ولد من بطنه وولد من ظهره . قال ابن رشد ; فإن صح ورث من ابنه لصلبه ميراث الأب كاملا ، ومن ابنه لبطنه ميراث الأم كاملا . وهذا بعيد ، والله أعلم . وفي سنن الدارقطني عن أبي هانئ عمر بن بشير قال ; سئل عامر الشعبي عن مولود ليس بذكر ولا أنثى ، ليس له ما للذكر ولا ما للأنثى ، يخرج من سرته كهيئة البول والغائط ؛ فسئل عامر عن ميراثه فقال عامر ; نصف حظ الذكر ونصف حظ الأنثى .الثالثة عشرة ; قوله تعالى ; ولأبويه أي لأبوي الميت . وهذا كناية عن غير مذكور ، وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه ؛ كقوله ; حتى توارت بالحجاب و إنا أنزلناه في ليلة القدر . والسدس رفع بالابتداء ، وما قبله خبره ; وكذلك الثلث . والسدس . وكذلك نصف ما ترك وكذلك فلكم الربع . وكذلك لهن الربع . و فلهن الثمن وكذلك فلكل واحد منهما السدس . والأبوان تثنية الأب والأبة . واستغني بلفظ الأم عن أن يقال لها أبة . ومن العرب من يجري المختلفين مجرى المتفقين ؛ فيغلب أحدهما على الآخر لخفته أو شهرته . جاء ذلك مسموعا في أسماء صالحة ؛ كقولهم للأب والأم ; أبوان . وللشمس والقمر ; القمران . ولليل والنهار ; الملوان . وكذلك العمران لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . غلبوا القمر على الشمس لخفة التذكير ، وغلبوا عمر على أبي بكر لأن أيام عمر امتدت فاشتهرت . ومن زعم أنه أراد بالعمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز فليس قوله بشيء ؛ لأنهم نطقوا بالعمرين قبل أن يروا عمر بن عبد العزيز ؛ قال ابن الشجري . ولم يدخل في قوله تعالى ; ولأبويه من علا من الآباء دخول من سفل من الأبناء في قوله أولادكم ؛ لأن قوله ; ولأبويه لفظ مثنى لا يحتمل العموم والجمع أيضا ؛ بخلاف قوله أولادكم . والدليل على صحة هذا قوله تعالى ; فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث والأم العليا جدة ولا يفرض لها الثلث بإجماع ، فخروج الجدة عن هذا اللفظ مقطوع به ، وتناوله للجد مختلف فيه . فممن قال هو أب وحجب به الإخوة أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يخالفه أحد من الصحابة في ذلك أيام حياته ، واختلفوا في ذلك بعد وفاته ؛ فممن قال إنه أب ابن عباس وعبد الله بن الزبير وعائشة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبو [ ص; 61 ] الدرداء وأبو هريرة ، كلهم يجعلون الجد عند عدم الأب كالأب سواء ، يحجبون به الإخوة كلهم ولا يرثون معه شيئا . وقاله عطاء وطاوس والحسن وقتادة . وإليه ذهب أبو حنيفة وأبو ثور وإسحاق . والحجة لهم قوله تعالى ; ملة أبيكم إبراهيم يا بني آدم ، وقوله عليه السلام ; يا بني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان راميا . وذهب علي بن أبي طالب وزيد وابن مسعود إلى توريث الجد مع الإخوة ، ولا ينقص من الثلث مع الإخوة للأب والأم أو للأب إلا مع ذوي الفروض ؛ فإنه لا ينقص معهم من السدس شيئا في قول زيد . وهو قول مالك والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد والشافعي . وكان علي يشرك بين الإخوة والجد إلى السدس ولا ينقصه من السدس شيئا مع ذوي الفرائض وغيرهم . وهو قول ابن أبي ليلى وطائفة . وأجمع العلماء على أن الجد لا يرث مع الأب وأن الابن يحجب أباه . وأنزلوا الجد بمنزلة الأب في الحجب والميراث إذا لم يترك المتوفى أبا أقرب منه في جميع المواضع . وذهب الجمهور إلى أن الجد يسقط بني الإخوة من الميراث ؛ إلا ما روي عن الشعبي عن علي أنه أجرى بني الإخوة في المقاسمة مجرى الإخوة . والحجة لقول الجمهور إن هذا ذكر لا يعصب أخته فلا يقاسم الجد كالعم وابن العم . قال الشعبي ; أول جد ورث في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ مات ابن لعاصم بن عمر وترك أخوين فأراد عمر أن يستأثر بمال فاستشار عليا وزيدا في ذلك فمثلا له مثلا فقال ; ( لولا أن رأيكما اجتمع ما رأيت أن يكون ابني ولا أكون أباه ) . روى الدارقطني عن زيد بن ثابت أن عمر بن الخطاب استأذن عليه يوما فأذن له ، ورأسه في يد جارية له ترجله ، فنزع رأسه ؛ فقال له عمر ; دعها ترجلك . فقال ; يا أمير المؤمنين ، لو أرسلت إلي جئتك . فقال عمر ; إنما الحاجة لي ، إني جئتك لتنظر في أمر الجد . فقال زيد ; لا والله ! ما تقول فيه . فقال عمر ; ليس هو بوحي حتى نزيد فيه وننقص ، إنما هو شيء تراه ، فإن رأيته وافقني تبعته ، وإلا لم يكن عليك فيه شيء . فأبى زيد ، فخرج مغضبا وقال ; قد جئتك وأنا أظن ستفرغ من حاجتي . ثم أتاه مرة أخرى في الساعة التي أتاه في المرة الأولى ، فلم يزل به حتى قال ; فسأكتب لك فيه . فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثلا . إنما مثله مثل شجرة تنبت على ساق واحدة ، فخرج فيها غصن ثم خرج في غصن غصن آخر ؛ فالساق يسقي الغصن ، فإن قطعت الغصن الأول رجع الماء إلى الغصن ، وإن قطعت الثاني رجع الماء إلى الأول . فأتى به فخطب الناس عمر ثم قرأ قطعة القتب عليهم ثم قال ; إن زيد بن ثابت قد قال [ ص; 62 ] في الجد قولا وقد أمضيته . قال ; وكان عمر أول جد كان ؛ فأراد أن يأخذ المال كله ، مال ابن ابنه دون إخوته ، فقسمه بعد ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه .الرابعة عشرة ; وأما الجدة فأجمع أهل العلم على أن للجدة السدس إذا لم يكن للميت أم . وأجمعوا على أن الأم تحجب أمها وأم الأب . وأجمعوا على أن الأب لا يحجب أم الأم . واختلفوا في توريث الجدة وابنها حي ؛ فقالت طائفة ; ( لا ترث الجدة وابنها حي ) . روي عن زيد بن ثابت وعثمان وعلي . وبه قال مالك والثوري والأوزاعي وأبو ثور وأصحاب الرأي . وقالت طائفة ; ( ترث الجدة مع ابنها ) . روي عن عمر وابن مسعود وعثمان وعلي وأبي موسى الأشعري ، وقال به شريح وجابر بن زيد وعبيد الله بن الحسن وشريك وأحمد وإسحاق وابن المنذر . وقال ; كما أن الجد لا يحجبه إلا الأب كذلك الجدة لا يحجبها إلا الأم . وروى الترمذي عن عبد الله قال في الجدة مع ابنها ; ( إنها أول جدة أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا مع ابنها وابنها حي ) . والله أعلم .الخامسة عشرة ; واختلف العلماء في توريث الجدات ؛ فقال مالك ; لا يرث إلا جدتان ، أم أم وأم أب وأمهاتهما . وكذلك روى أبو ثور عن الشافعي ، وقال به جماعة من التابعين . فإن انفردت إحداهما فالسدس لها ، وإن اجتمعتا وقرابتهما سواء فالسدس بينهما . وكذلك إن كثرن إذا تساوين في القعدد ؛ وهذا كله مجمع عليه . فإن قربت التي من قبل الأم كان لها السدس دون غيرها ، وإن قربت التي من قبل الأب كان بينها وبين التي من قبل الأم وإن بعدت . ولا ترث إلا جدة واحدة من قبل الأم . ولا ترث الجدة أم أب الأم على حال . هذا مذهب زيد بن ثابت ، وهو أثبت ما روي عنه في ذلك . وهو قول مالك وأهل المدينة . وقيل ; إن الجدات أمهات ؛ فإذا اجتمعن فالسدس لأقربهن ؛ كما أن الآباء إذا اجتمعوا كان أحدهم بالميراث أقربهم ؛ فكذلك البنون والإخوة ، وبنو الإخوة وبنو العم إذا اجتمعوا كان أحقهم بالميراث أقربهم ؛ فكذلك الأمهات . قال ابن المنذر ; وهذا أصح ، وبه أقول . وكان الأوزاعي يورث ثلاث جدات ; واحدة من قبل الأم واثنتين من قبل الأب . وهو قول أحمد بن حنبل ؛ رواه الدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وروي عن زيد بن ثابت عكس هذا ؛ أنه كان يورث ثلاث جدات ; ثنتين من جهة الأم وواحدة من قبل الأب . وقول علي رضي الله عنه كقول زيد هذا . وكانا يجعلان السدس لأقربهما ، من قبل الأم كانت أو من قبل الأب . ولا يشركها فيه من ليس في قعددها ، وبه يقول الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور . وأما عبد الله بن مسعود وابن عباس فكانا يورثان الجدات الأربع ؛ وهو قول الحسن البصري ومحمد بن سيرين وجابر بن [ ص; 63 ] زيد . قال ابن المنذر ; وكل جدة إذا نسبت إلى المتوفى وقع في نسبها أب بين أمين فليست ترث ، في قول كل من يحفظ عنه من أهل العلم .السادسة عشرة ; قوله تعالى لكل واحد منهما السدس فرض تعالى لكل واحد من الأبوين مع الولد السدس ؛ وأبهم الولد فكان الذكر والأنثى فيه سواء . فإن مات رجل وترك ابنا وأبوين فلأبويه لكل واحد منهما السدس ، وما بقي فللابن . فإن ترك ابنة وأبوين فللابنة النصف وللأبوين السدسان ، وما بقي فلأقرب عصبة وهو الأب ؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ; ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر . فاجتمع للأب الاستحقاق بجهتين ; التعصيب والفرض .فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فأخبر جل ذكره أن الأبوين إذا ورثاه أن للأم الثلث . ودل بقوله ; وورثه أبواه وإخباره أن للأم الثلث ، أن الباقي وهو الثلثان للأب . وهذا كما تقول لرجلين ; هذا المال بينكما ، ثم تقول لأحدهما ; أنت يا فلان لك منه ثلث ؛ فإنك حددت للآخر منه الثلثين بنص كلامك ؛ ولأن قوة الكلام في قوله ; وورثه أبواه يدل على أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره ، وليس في هذا اختلاف .قلت ; وعلى هذا يكون الثلثان فرضا للأب مسمى لا يكون عصبة ، وذكر ابن العربي أن المعنى في تفضيل الأب بالثلث عند عدم الولد الذكورية والنصرة ، ووجوب المؤنة عليه ، وثبتت الأم على سهم لأجل القرابة .قلت ; وهذا منتقض ؛ فإن ذلك موجود مع حياته فلم حرم السدس . والذي يظهر أنه إنما حرم السدس في حياته إرفاقا بالصبي وحياطة على ماله ؛ إذ قد يكون إخراج جزء من ماله إجحافا به . أو أن ذلك تعبد ، وهو أولى ما يقال . والله الموفق .السابعة عشرة ; إن قيل ; ما فائدة زيادة الواو في قوله ; وورثه أبواه ، وكان ظاهر الكلام أن يقول ; فإن لم يكن له ولد ورثه أبواه . قيل له ; أراد بزيادتها الإخبار ليبين أنه أمر مستقر ثابت ، فيخبر عن ثبوته واستقراره ، فيكون حال الوالدين عند انفرادهما كحال الولدين ، للذكر مثل حظ الأنثيين . ويجتمع للأب بذلك فرضان السهم والتعصيب إذ يحجب الإخوة كالولد . وهذا عدل في الحكم ، ظاهر في الحكمة . والله أعلم .الثامنة عشرة ; قوله تعالى ; فلأمه الثلث قرأ أهل الكوفة " فلإمه الثلث " وهي لغة حكاها سيبويه . قال الكسائي ; هي لغة كثير من هوازن وهذيل ؛ ولأن اللام لما كانت مكسورة وكانت متصلة بالحرف كرهوا ضمة بعد كسرة ، فأبدلوا من الضمة كسرة ؛ لأنه ليس في الكلام [ ص; 64 ] فعل . ومن ضم جاء به على الأصل ؛ ولأن اللام تنفصل لأنها داخلة على الاسم . قال جميعه النحاس .التاسعة عشرة ; قوله تعالى ; فإن كان له إخوة فلأمه السدس الإخوة يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس ، وهذا هو حجب النقصان ، وسواء كان الإخوة أشقاء أو للأب أو للأم ، ولا سهم لهم . وروي عن ابن عباس أنه كان يقول ; ( السدس الذي حجب الإخوة الأم عنه هو للإخوة ) . وروي عنه مثل قول الناس ( إنه للأب ) . قال قتادة ; وإنما أخذه الأب دونهم ؛ لأنه يمونهم ويلي نكاحهم والنفقة عليهم . وأجمع أهل العلم على أن أخوين فصاعدا ذكرانا كانوا أو إناثا من أب وأم ، أو من أب أو من أم يحجبون الأم عن الثلث إلى السدس ؛ إلا ما روي عن ابن عباس أن ( الاثنين من الإخوة في حكم الواحد ، ولا يحجب الأم أقل من ثلاثة ) . وقد صار بعض الناس إلى أن الأخوات لا يحجبن الأم من الثلث إلى السدس ؛ لأن كتاب الله في الإخوة وليست قوة ميراث الإناث مثل قوة ميراث الذكور حتى تقتضي العبرة الإلحاق . قال الكيا الطبري ; ومقتضى أقوالهم ألا يدخلن مع الإخوة ؛ فإن لفظ الإخوة بمطلقه لا يتناول الأخوات ، كما أن لفظ البنين لا يتناول البنات . وذلك يقتضي ألا تحجب الأم بالأخ الواحد والأخت من الثلث إلى السدس ؛ وهو خلاف إجماع المسلمين . وإذا كن مرادات بالآية مع الإخوة كن مرادات على الانفراد . واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان ؛ لأن التثنية جمع شيء إلى مثله ، فالمعنى يقتضي أنها جمع . وقال عليه السلام ; الاثنان فما فوقهما جماعة . وحكي عن سيبويه أنه قال ; سألت الخليل عن قوله " ما أحسن وجوههما " ؟ فقال ; الاثنان جماعة . وقد صح قول الشاعر ;ومهمهين قذفين مرتين ظهراهما مثل ظهور الترسينوأنشد الأخفش ;لما أتتنا المرأتان بالخبر فقلن إن الأمر فينا قد شهروقال آخر ;يحيى بالسلام غني قوم ويبخل بالسلام على الفقيرأليس الموت بينهما سواء إذا ماتوا وصاروا في القبورولما وقع الكلام في ذلك بين عثمان وابن عباس قال له عثمان ; ( إن قومك حجبوها - يعني قريشا - وهم أهل الفصاحة والبلاغة ) . وممن قال ; ( إن أقل الجمع ثلاثة ) - وإن لم يقل به هنا - ابن مسعود والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم . والله أعلم .[ ص; 65 ] الموفية عشرين ; قوله تعالى ; من بعد وصية يوصي بها أو دين قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم " يوصى " بفتح الصاد . الباقون بالكسر ، وكذلك الآخر . واختلفت الرواية فيهما عن عاصم . والكسر اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ؛ لأنه جرى ذكر الميت قبل هذا . قال الأخفش ; وتصديق ذلك قوله تعالى ; يوصين وتوصون .الحادية والعشرون ; إن قيل ; ما الحكمة في تقديم ذكر الوصية على ذكر الدين ، والدين مقدم عليها بإجماع . وقد روى الترمذي عن الحارث عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية ، وأنتم تقرون الوصية قبل الدين . قال ; والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية . وروى الدارقطني من حديث عاصم بن ضمرة عن علي قال ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; الدين قبل الوصية وليس لوارث وصية . رواه عنهما أبو إسحاق الهمداني . فالجواب من أوجه خمسة ; الأول ; إنما قصد تقديم هذين الفصلين على الميراث ولم يقصد ترتيبهما في أنفسهما ؛ فلذلك تقدمت الوصية في اللفظ .جواب ثان ; لما كانت الوصية أقل لزوما من الدين قدمها اهتماما بها ؛ كما قال تعالى ; لا يغادر صغيرة ولا كبيرة .جواب ثالث ; قدمها لكثرة وجودها ووقوعها ؛ فصارت كاللازم لكل ميت مع نص الشرع عليها ، وأخر الدين لشذوذه ، فإنه قد يكون وقد لا يكون . فبدأ بذكر الذي لا بد منه ، وعطف بالذي قد يقع أحيانا . ويقوي هذا ; العطف بأو ، ولو كان الدين راتبا لكان العطف بالواو .جواب رابع ; إنما قدمت الوصية إذ هي حظ مساكين وضعفاء ، وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة وسلطان وله فيه مقال .جواب خامس ; لما كانت الوصية ينشئها من قبل نفسه قدمها ، والدين ثابت مؤدى ذكره أو لم يذكره .الثانية والعشرون ; ولما ثبت هذا تعلق الشافعي بذلك في تقديم دين الزكاة والحج على الميراث فقال ; إن الرجل إذا فرط في زكاته وجب أخذ ذلك من رأس ماله . وهذا ظاهر ببادئ الرأي ؛ لأنه حق من الحقوق فيلزم أداؤه عنه بعد الموت كحقوق الآدميين لا سيما والزكاة مصرفها إلى الآدمي . وقال أبو حنيفة ومالك ; إن أوصى بها أديت من ثلثه ، وإن سكت عنها لم يخرج عنه شيء . قالوا ; لأن ذلك موجب لترك الورثة فقراء ؛ إلا أنه قد يتعمد ترك الكل حتى إذا مات استغرق ذلك جميع ماله فلا يبقى للورثة حق .الثالثة والعشرون ; قوله تعالى ; آباؤكم وأبناؤكم رفع بالابتداء والخبر مضمر ، تقديره ; هم المقسوم عليهم وهم المعطون .[ ص; 66 ] الرابعة والعشرون ; قوله تعالى ; لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا قيل ; في الدنيا بالدعاء والصدقة ؛ كما جاء في الأثر ( إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده ) . وفي الحديث الصحيح إذا مات الرجل انقطع عمله إلا من ثلاث - فذكر - أو ولد صالح يدعو له . وقيل ; ( في الآخرة ؛ فقد يكون الابن أفضل فيشفع في أبيه ) ؛ عن ابن عباس والحسن . وقال بعض المفسرين ; إن الابن إذا كان أرفع من درجة أبيه في الآخرة سأل الله فرفع إليه أباه ، وكذلك الأب إذا كان أرفع من ابنه ؛ وسيأتي في " الطور " بيانه . وقيل ; في الدنيا والآخرة ؛ قال ابن زيد . واللفظ يقتضي ذلك .الخامسة والعشرون ; قوله تعالى ; فريضة فريضة نصب على المصدر المؤكد ، إذ معنى يوصيكم يفرض عليكم . وقال مكي وغيره ; هي حال مؤكدة ؛ والعامل يوصيكم وذلك ضعيف . والآية متعلقة بما تقدم ؛ وذلك أنه عرف العباد أنهم كفوا مؤنة الاجتهاد في إيصاء القرابة مع اجتماعهم في القرابة ، أي إن الآباء والأبناء ينفع بعضهم بعضا في الدنيا بالتناصر والمواساة ، وفي الآخرة بالشفاعة . وإذا تقرر ذلك في الآباء والأبناء تقرر ذلك في جميع الأقارب ؛ فلو كان القسمة موكولة إلى الاجتهاد لوجوب النظر في غنى كل واحد منهم . وعند ذلك يخرج الأمر عن الضبط إذ قد يختلف الأمر ، فبين الرب تبارك وتعالى أن الأصلح للعبد ألا يوكل إلى اجتهاده في مقادير المواريث ، بل بين المقادير شرعا .إن الله كان عليما أي بقسمة المواريث حكيما حكم قسمتها وبينها لأهلها . وقال الزجاج ; عليما أي بالأشياء قبل خلقها حكيما فيما يقدره ويمضيه منها . وقال بعضهم ; إن الله سبحانه لم يزل ولا يزال ، والخبر منه بالماضي كالخبر منه بالاستقبال . ومذهب سيبويه أنهم رأوا حكمة وعلما فقيل لهم ; إن الله عز وجل كان كذلك لم يزل على ما رأيتم .
القول في تأويل قوله تعالى ; يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِقال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " يوصيكم الله "، يعهد الله إليكم، (44) =" في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "، يقول; يعهد إليكم ربكم إذا مات الميت منكم وخلَّف أولادًا ذكورًا وإناثًا، فلولده الذكور والإناث ميراثه أجمع بينهم، للذكر منهم مثل حظ الأنثيين، إذا لم يكن له وارث غيرهم، سواء فيه صغار ولده وكبارهم وإناثهم، (45) في أن جميع ذلك بينهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.ورفع قوله; " مثل " بالصفة، (46) وهي" اللام " التي في قوله; " للذكر "، ولم ينصب بقوله; " يوصيكم الله "، لأن " الوصية " في هذا الموضع عهد وإعلامٌ بمعنى القول، و " القول " لا يقع على الأسماء المخبر عنها. (47) فكأنه قيل; يقول الله تعالى ذكره لكم; في أولادكم للذكر منهم مثل حظ الأنثيين.* * *قال أبو جعفر; وقد ذكر أن هذه الآية نـزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، تبيينًا من الله الواجبَ من الحكم في ميراث من مات وخلّف ورثة، على ما بيَّن. لأن أهل الجاهلية كانوا لا يقسمون من ميراث الميت لأحد من ورثته بعده، ممن كان لا يلاقي العدوَّ ولا يقاتل في الحروب من صغار ولده، ولا للنساء منهم. وكانوا يخصون بذلك المقاتلة دون الذرية. فأخبر الله جل ثناؤه أن ما خلفه الميت بين من سَمَّى وفرض له ميراثًا في هذه الآية، وفي آخر هذه السورة، فقال في صغار ولد الميت وكبارهم وإناثهم; لهم ميراث أبيهم، إذا لم يكن له وارث غيرهم، للذكر مثل حظ الأنثيين.ذكر من قال ذلك;8725 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثلُ حظ الأنثيين "، كان أهل الجاهلية لا يورِّثون الجواريَ ولا الصغارَ من الغلمان، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة يقال لها أم كجَّة، وترك خمس أخواتٍ، فجاءت الورثة يأخذون ماله، فشكت أم كجَّة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله تبارك وتعالى هذه الآية; &; 8-32 &; فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ = ثم قال في أم كجة; وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ . (48)8726 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين "، وذلك أنه لما نـزلت الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا; " تعطى المرأة الربع والثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير، وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنيمة!! اسكتوا عن هذا الحديث لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه، أو نقول له فيغيِّره ". فقال بعضهم; يا رسول الله، أنعطي الجارية نصف ما ترك أبوها، وليست تركب الفرس ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبيَّ الميراث وليس يغني شيئًا؟! = وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، لا يعطون الميراث إلا من قاتل، يعطونه الأكبر فالأكبر. (49)* * *وقال آخرون; بل نـزل ذلك من أجل أنّ المال كان للولد قبل نـزوله، وللوالدين الوصية، فنسخ الله تبارك وتعالى ذلك بهذه الآية.ذكر من قال ذلك;8727 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أو عطاء، عن ابن عباس في قوله; " يوصيكم &; 8-33 &; الله في أولادكم " قال، كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ الله من ذلك ما أحبَّ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد، وللزوج الشطر والربع، وللزوجة الربع والثمن. (50)8728 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " قال، كان ابن عباس يقول; كان المال، وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسح الله تبارك وتعالى من ذلك ما أحبّ، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم ذكر نحوه.8729 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد عن ابن عباس مثله.وروي عن جابر بن عبد الله ما; -* * *8730- حدثنا به محمد بن المثنى قال، حدثنا وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر قال، سمعت جابر بن عبد الله قال، دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فتوضأ ونضَح عليّ من وَضوئه، فأفقتُ فقلت; يا رسول الله، إنما يرثني كَلالةٌ، فكيف بالميراث؟ فنـزلت آية الفرائض. (51)8731 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر قال، عادَني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في بني سَلمة يمشيان، فوجداني لا أعقِل، فدعا بماءٍ فتوضأ ثم رشَّ عليّ، فأفقتُ فقلت; يا رسول الله، كيف أصنع في مالي؟ فنـزلت " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ". ... (52)* * *القول في تأويل قوله تعالى ; فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَقال أبو جعفر; يعني بقوله; " فإن كن "، فإن كان المتروكات =" نساء فوق اثنتين "، ويعني بقوله; " نساءً"، بنات الميت،" فوق اثنتين "، يقول; أكثر في العدد من اثنتين =" فلهن ثلثا ما ترك "، يقول; فلبناته الثلثان مما ترك بعده من ميراثه، دون سائر ورثته، إذا لم يكن الميت خلّف ولدًا ذكرًا معهن. واختلف أهل العربية في المعنى بقوله; " فإن كنّ نساء ".* * *فقال بعض نحوييّ البصرة بنحو الذي قلنا; فإن كان المتروكات نساء = وهو أيضًا قول بعض نحوييّ الكوفة.* * *وقال آخرون منهم; بل معنى ذلك، فإن كان الأولاد نساء، وقال، إنما ذكر الله الأولاد فقال، يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ، ثم قسمَ الوصية فقال،" فإن كنّ نساء "، وإن كان الأولاد [نساءً، وإن كان الأولاد واحدة]، (53) ترجمة منه بذلك عن " الأولاد ".* * *قال أبو جعفر; والقول الأول الذي حكيناه عمن حكيناه عنه من البصريين، أولى بالصواب في ذلك عندي. لأن قوله; " وإن كُنّ"، لو كان معنيًّا به " الأولاد " لقيل; " وإن كانوا "، لأن " الأولاد " تجمع الذكور والإناث. وإذا كان كذلك، فإنما يقال،" كانوا "، لا " كُنّ".* * *القول في تأويل قوله تعالى ; وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌقال أبو جعفر; يعني بقوله; " وإن كانت "، [وإن كانت] المتروكة ابنة واحدة (54) =" فلها النصف "، يقول; فلتلك الواحدة نصف ما ترك الميت من ميراثه، إذا لم يكن معها غيرها من ولد الميت ذكرٌ ولا أنثى.* * *فإن قال قائل; فهذا فرضُ الواحدة من النساء وما فوق الاثنتين، فأين فريضة الاثنتين؟قيل; فريضتهم بالسنة المنقولة نقل الوراثة التي لا يجوز فيها الشك. (55)* * *وأما قوله; " ولأبويه "، فإنه يعني; ولأبوي الميت =" لكل واحد منهما السدس "، من تَرِكته وما خلَّف من ماله، سواءٌ فيه الوالدة والوالد، لا يزداد واحد منهما على السدس =" إن كان له ولد "، ذكرًا كان الولد أو أنثى، واحدًا كان أو جماعة.* * *فإن قال قائل; فإن كان كذلك التأويل، (56) فقد يجب أن لا يزاد الوالدُ مع الابنة الواحدة على السدس من ميراثه عن ولده الميت. وذلك إن قلته، قولٌ خلاف لما عليه الأمة مجمعة، (57) من تصييرهم باقي تركة الميت = مع الابنة الواحدة بعد أخذها نصيبها منها = لوالده أجمع!قيل; ليس الأمر في ذلك كالذي ظننتَ، وإنما لكل واحد من أبوي الميت السدس من تركته مع ولده، ذكرًا كان الولد أو أنثى، واحدًا كان أو جماعة، فريضة من الله له مسماة. فإمَّا زيد على ذلك من بقية النصف مع الابنة الواحدة إذا لم يكن غيره وغير ابنة للميت واحدة، (58) فإنما زيدها ثانيًا بقرب عصبة الميت إليه، (59) إذ كان حكم كل ما أبقته سهام الفرائض، فلأولي عصبَة الميت وأقربهم إليه، بحكم ذلك لها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، (60) وكان الأب أقرب عصبَة ابنه وأولاها به، إذا لم يكن لابنه الميت ابن.* * *القول في تأويل قوله تعالى ; فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُقال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " فإن لم يكن له "، فإن لم يكن للميت =" ولد " ذكر ولا أنثى =" وورثه أبواه "، دون غيرهما من ولد وارث =" فلأمه الثلث "، يقول; فلأمه من تركته وما خلف بعده، ثلث جميع ذلك.* * *فإن قال قائل; فمن الذي له الثلثان الآخران.قيل له الأب.فإن قال، بماذا؟ (61) قلت; بأنه أقرب أهل الميت إليه، (62) ولذلك ترك ذكر تسمية من له الثلثان الباقيان، إذ كان قد بيَّن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباده (63) أن كل ميِّت فأقربُ عصبته به، أولى بميراثه، بعد إعطاء ذوي السهام المفروضة سهامهم من ميراثه.وهذه العلة، هي العلة التي من أجلها سُميّ للأمّ ما سُمىَ لها، إذا لم يكن الميت خلًف وارثًا غير أبويه، لأن الأم ليست بعصبة في حالٍ للميت. فبيّن الله جل ثناؤه لعباده ما فرض لها من ميراث ولدها الميت، وترك ذكرَ مَن له الثلثان الباقيان منه معه، إذ كان قد عرّفهم في جملة بيانه لهم مَنْ له بقايا تركة الأموال بعد أخذ أهل السهام سهامهم وفرائضهم، وكان بيانه ذلك، مغنيًا لهم على تكرير حكمه مع كل من قَسَم له حقًّا من ميراث ميت، وسمي له منه سهمًا. (64)* * *القول في تأويل قوله تعالى ; فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُقال أبو جعفر; إن قال قائل; وما المعنى الذي من أجله ذكر حكم الأبوين مع الإخوة، (65) وترك ذكر حكمهما مع الأخ الواحد؟قلت (66) اختلاف حكمهما مع الإخوة الجماعة والأخ الواحد، فكان في إبانة &; 8-39 &; الله جل ثناؤه لعباده حكمهما فيما يرثان من وَلدهما الميت مع إخوته، غنًّى وكفاية عن أن حكمهما فيما ورثا منه غيرَ متغيِّر عما كان لهما، ولا أخ للميت ولا وارث غيرهما. إذ كان معلومًا عندهم أن كل مستحق حقًّا بقضاء الله ذلك له، لا ينتقل حقُّه الذي قضى به له ربه جل ثناؤه عما قَضى به له إلى غيره، إلا بنقل الله ذلك عنه إلى من نقله إليه من خلقه. فكان في فرضه تعالى ذكره للأم ما فرض، إذا لم يكن لولدها الميت وارث غيرها وغير والده، ولا أخ = (67) الدلالة الواضحة للخلق أن ذلك المفروضَ - وهو ثلث مال ولدها الميت (68) - حق لها واجب، حتى يغيِّر ذلك الفرض من فَرَض لها. فلما غيَّر تعالى ذكره ما فرض لها من ذلك مع الإخوة الجماعة، وترك تغييره مع الأخ الواحد، عُلم بذلك أن فرضها غير متغيِّر عما فرض لها إلا في الحال التي غيَّره فيها مَن لزم العبادَ طاعتُه، دون غيرها من الأحوال.* * *ثم اختلف أهل التأويل في عدد الإخوة الذين عناهم الله تعالى ذكره بقوله; " فإن كان له إخوة ".فقال جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، ومن بعدهم من علماء أهل الإسلام في كل زمان; عنى الله جل ثناؤه بقوله; " فإن كان له إخوة فلأمه السدس " اثنين كان الإخوة أو أكثر منهما، أنثيين كانتا أو كن إناثًا، أو ذكرين كانا أو كانوا ذكورًا، أو كان أحدهما ذكرًا والآخر أنثى. واعتل كثيرٌ ممن قال ذلك، بأن ذلك قالته الأمة عن بيان الله جل &; 8-40 &; ثناؤه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فنقلته أمة نبيه نقلا مستفيضًا قطع العذر مجيئه، ودفع الشك فيه عن قلوب الخلق وروده. (69)* * *وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول; بل عنى الله جل ثناؤه بقوله; " فإن كان له إخوة "، جماعة أقلها ثلاثة. وكان ينكر أن يكون الله جل ثناؤه حجَب الأم عن ثلثها مع الأب بأقل من ثلاثة إخوة. فكان يقول في أبوين وأخوين; للأم الثلث، وما بقي فللأب، كما قال أهل العلم في أبوين وأخ واحد.ذكر الرواية عنه بذلك;8732 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا ابن أبي فديك قال، حدثني ابن أبي ذئب، عن شعبة مولى ابن عباس، عن ابن عباس; أنه دخل على عثمان رضي الله عنه فقال، لم صار الأخوان يردَّان الأم إلى السدس، وإنما قال الله; " فإن كان له إخوة "، والأخوان في لسان قومك وكلام قومك ليسا بإخوة؟ فقال عثمان رحمه الله (70) هل أستطيع نقض أمر كان قبلي، وتوارثه الناس ومضى في الأمصار؟ (71)* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك عندي، أن المعنيَّ بقوله; " فإن كان له إخوة "، اثنان من إخوة الميت فصاعدًا، على ما قاله أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما، لنقل الأمة وراثةً صحةَ ما قالوه من ذلك عن الحجة، وإنكارهم ما قاله ابن عباس في ذلك. (72)* * *فإن قال قائل; وكيف قيل في الأخوين " إخوة "، وقد علمت أن لـ" الأخوين " في منطق العرب مثالا لا يشبه مثالَ" الإخوة "، في منطقها؟ (73)قيل; إنّ ذلك وإن كان كذلك، فإن من شأنها التأليف بين الكلامين يتقارب معنياهما، (74) وإن اختلفا في بعض وجوههما. فلما كان ذلك كذلك، وكان مستفيضًا في منطقها منتشرًا مستعملا في كلامها; " ضربت من عبد الله وعمرو رؤوسهما، وأوجعتُ منهما ظهورهما "، وكان ذلك أشد استفاضة في منطقها من أن يقال،" أوجعت منهما ظهريهما "، وإن كان مقولا " أوجعت ظهْريهما "، (75) كما قال الفرزدق;بِمَـا فِـي فُؤَادَيْنَـا مِنَ الشَّوْقِ وَالْهَوَىفَيَــبْرَأُ مُنْهَـاضُ الفُـؤَادِ الْمُشَـعَّفُ (76)= غير أن ذلك وإن كان مقولا فأفصح منه; " بما في أفئدتنا "، كما قال جل ثناؤه; إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا [سورة التحريم; 4].فلما كان ما وصفت = من إخراج كل ما كان في الإنسان واحدًا إذا ضم إلى الواحد منه آخر من إنسان آخر فصارا اثنين من اثنين، بلفظ الجميع، أفصحَ في منطقها وأشهرَ في كلامها (77) = وكان " الأخوان " شخصين كل واحد منهما غير صاحبه، من نفسين مختلفين، أشبه معنياهما معنى ما كان في الإنسان من &; 8-43 &; أعضائه واحدًا لا ثاني له، (78) فأخرج اثناهما بلفظ اثنى العضوين اللذين وصفت، (79) فقيل " إخوة " في معنى " الأخوين "، كما قيل " ظهور " في معنى " الظهرين "، و " أفواه " في معنى " فموين "، و " قلوب " في معنى " قلبين ".* * *وقد قال بعض النحويين; إنما قيل " إخوة "، لأن أقل الجمع اثنان. وذلك أن ذلك ضم شيء إلى شيء صارا جميعًا بعد أن كانا فردين، (80) فجمعا ليعلم أن الاثنين جمع.* * *قال أبو جعفر; وهذا وإن كان كذلك في المعنى، فليس بعلة تنبئ عن جواز إخراج ما قد جرى الكلام مستعملا مستفيضًا على ألسن العرب لاثنيه بمثال وصورةٍ غير مثال ثلاثة فصاعدًا منه وصورتها. لأن من قال،" أخواك قاما "، فلا شك أنه قد علم أنّ كل واحد من " الأخوين " فردٌ ضم أحدهما إلى الآخر فصارا جميعًا بعد أن كانا شتى. غير أن الأمر وإن كان كذلك، (81) فلا تستجيز العرب في كلامها أن يقال،" أخواك قاموا "، فيخرج قولهم " قاموا "، وهو لفظ للخبر عن الجميع، خبرًا عن " الأخوين " وهما بلفظ الاثنين. لأن كل ما جرى به الكلام على ألسنتهم معروفًا عندهم بمثال وصورة، إذا غيَّر مغيِّر عما قد عرفوه فيهم، &; 8-44 &; نَكِروه. (82) فكذلك " الأخوان " وإن كان مجموعين ضُمَّ أحدهما إلى صاحبه، فلهما مثالٌ في المنطق وصورة، غير مثال الثلاثة منهم فصاعدًا وصورتهم. فغير جائز أن يغيَّر أحدهما إلى الآخر إلا بمعنى مفهوم. وإذا كان ذلك كذلك، فلا قول أولى بالصحة مما قلنا قبل.* * *قال أبو جعفر; فإن قال قائل; ولم نُقصت الأم عن ثلثها بمصير إخوة الميت معها اثنين فصاعدًا؟قيل; اختلفت العلماء في ذلك.فقال بعضهم; نُقصت الأم عن ذلك دون الأب، لأن على الأب مُؤَنهم دون أمهم.ذكر من قال ذلك;8733 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " فإن لم يكن له ولد ورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس "، أضرُّوا بالأم ولا يرثون، (83) ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث، ويحجبها ما فوق ذلك. وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من &; 8-45 &; الثلث لأن أباهم يلي نكاحهم والنفقة عليهم دون أمهم. (84)* * *وقال آخرون; بل نُقصت الأم السدس، وقُصِر بها على سدس واحد، معونةً لإخوة الميت بالسدس الذي حَجَبوا أمهم عنه.ذكر من قال ذلك;8734 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال، السدس الذي حجبتْه الإخوة الأمَّ لهم، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أمهم.* * *وقد روي عن ابن عباس خلاف هذا القول، وذلك ما; -8735 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن ابن عباس قال، الكلالة من لا ولد له ولا والِد.* * *قال أبو جعفر، وأولى ذلك بالصواب أن يقال في ذلك; إن الله تعالى ذكره فرض للأم مع الإخوة السدس، لما هو أعلم به من مصلحة خلقه = وقد يجوز أن يكون ذلك كان لما ألزم الآباء لأولادهم = وقد يجوز أن يكون ذلك لغير ذلك. وليس ذلك مما كلَّفنا علمه، وإنما أمرنا بالعمل بما علمنا.* * *وأما الذي روي عن طاوس عن ابن عباس، فقول لما عليه الأمة مخالف. وذلك أنه لا خلاف بين الجميع; أنْ لا ميراث لأخي ميت مع والده. فكفى إجماعهم على خلافه شاهدًا على فساده.* * *القول في تأويل قوله تعالى ; مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍقال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; " من بعد وصية يوصي بها أو دين "، أنّ الذي قسم الله تبارك وتعالى لولد الميت الذكور منهم والإناث ولأبويه من تركته من بعد وفاته، إنما يقسمه لهم على ما قسمه لهم في هذه الآية من بعد قضاء دين الميت الذي مات وهو عليه من تركته، ومن بعد تنفيذ وصيته في بابها بعد قضاء دينه كله. (85) فلم يجعل تعالى ذكره لأحد من ورثة الميت، ولا لأحد ممن أوصى له بشيء، إلا من بعد قضاء دينه من جميع تركته، وإن أحاط بجميع ذلك. ثم جعل أهل الوصايا بعد قضاء دينه شركاء ورثته فيما بقي لما أوصى لهم به، ما لم يجاوز ذلك ثلثه. فإن جاوز ذلك ثلثه، جعل الخيار في إجازة ما زاد على الثلث من ذلك أو ردِّه إلى ورثته; إن أحبوا أجازوا الزيادة على ثلث ذلك، وإن شاءوا ردوه. فأما ما كان من ذلك إلى الثلث، فهو ماضٍ عليهم.وعلى كل ما قلنا من ذلك، الأمة مجمعة. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك خبرٌ، وهو ما; -8736 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن عليّ رضي الله عنه قال، إنكم تقرأون هذه الآية; " من بعد وصية يُوصي بها أو دين "، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية. (86)8737 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يزيد بن هارون قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضوان الله عليه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.8738 - حدثنا أبو السائب قال، حدثنا حفص بن غياث قال، حدثنا أشعث، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. (87)8739 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون بن المغيرة، عن ابن مجاهد، عن أبيه; " من بعد وصية يوصي بها أو دين " قال، يبدأ بالدين قبل الوصية.* * *قال أبو جعفر; واختلفت القرأة في قراءة ذلك. فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والعراق; ( يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) .* * *وقرأه بعض أهل مكة والشأم والكوفة، ( يُوصَى بِهَا ) ، على معنى ما لم يسمَّ فاعله.* * *قال أبو جعفر; وأولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك; ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) على مذهب ما قد سُمِّي فاعله، لأن الآية كلها خبر عمن قد سمي فاعله. ألا ترى أنه يقول; وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ؟ فكذلك الذي هو أولى بقوله; " يوصي بها أو دين "، أن يكون خبرًا عمن قد سمي فاعله، لأن تأويل الكلام; ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد = من بعد وصية يوصي بها أو دين = يُقضى عنه.* * *القول في تأويل قوله تعالى ; آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًاقال أبو جعفر; يعني جل ثناؤه بقوله; "آباؤكم وأبناؤكم "، هؤلاء الذين أوصاكم الله به فيهم - من قسمة ميراث ميِّتكم فيهم على ما سمي لكم وبيَّنه في هذه الآية - "آباؤكم وأبناؤكم (88) = لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا آباؤكم ; أعطوهم حقوقهم من ميراث ميتهم الذي أوصيتُكم أن تعطوهموها، فإنكم لا تعلمون أيهم أدنى وأشد نفعًا لكم في عاجل دنياكم وآجل أخراكم.* * *واختلف أهل التأويل في تأويل قوله; " لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا ".فقال بعضهم; يعني بذلك أيهم أقرب لكم نفعًا في الآخرة.ذكر من قال ذلك;8740 -" حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله; " آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا " ، يقول; أطوعكم لله من الآباء والأبناء، أرفعكم درجة يوم القيامة، لأن الله سبحانه يشفع المؤمنين بعضهم في بعض.* * *وقال آخرون; معنى ذلك، لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا في الدنيا.ذكر من قال ذلك;8741 - دثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; " أيهم أقرب لكم نفعًا "، في الدنيا.8742 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.8743 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله; " لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا "، قال بعضهم; في نفع الآخرة، وقال بعضهم; في نفع الدنيا.* * *وقال آخرون في ذلك بما قلنا.ذكر من قال ذلك;8744 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا "، قال; أيهم خيرٌ لكم في الدين والدنيا، &; 8-50 &; الوالد أو الولدُ الذين يرثونكم، لم يدخلِ عليكم غيرهم، فرَضَ لهم المواريث، (89) لم يأت بآخرين يشركونهم في أموالكم.* * *القول في تأويل قوله تعالى ; فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه; " فريضة من الله "،" وإن كان له إخوة فلأمه السدس "، فريضةً، يقول; سهامًا معلومة موقتة بيَّنها الله لهم. (90)* * *ونصب قوله; " فريضة " على المصدر من قوله; يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ =" فريضة "، فأخرج " فريضة " من معنى الكلام، إذ كان معناه ما وصفت.وقد يجوز أن يكون نصبه على الخروج من قوله; فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ =" فريضة "، فتكون " الفريضة " منصوبة على الخروج من قوله; (91) فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ، كما تقول; " هو لك هبة، وهو لك صدقة مني عليك ". (92)* * *وأما قوله; " إن الله كان عليمًا حكيمًا "، فإنه يعني جل ثناؤه; إنّ الله لم يزل ذا علم بما يصلح خلقه، (93) أيها الناس، فانتهوا إلى ما يأمركم، يصلح لكم أموركم. =" حكيما "، يقول; لم يزل ذا حكمة في تدبيره، وهو كذلك فيما يقسم لبعضكم من ميراث بعض، وفيما يقضي بينكم من الأحكام، لا يدخل حكمه خَلَل ولا زلل، لأنه قضاء من لا تخفى عليه مواضع المصلحة في البدء والعاقبة.--------------الهوامش ;(44) انظر تفسير"أوصى" فيما سلف 3; 94 ، 405.(45) في المخطوطة; "وكباره" ، وما في المطبوعة أجود.(46) "الصفة" ، هي حرف الجر ، وانظر ما سلف 1; 299 ، تعليق; 1 ، وفهارس المصطلحات في الأجزاء السالفة.(47) "الوقوع" ، هو التعدي إلى المفعول ، كما سلف 4; 293 ، تعليق; 1 ، وفهارس المصطلحات.(48) الأثر; 8725 -"أم كجة" ، انظر ما سلف في التعليق على الأثر; 8656 ، وخبرها هناك. وكان في المطبوعة والمخطوطة; "أم كحة" بالحاء. أما "عبد الرحمن أخو حسان الشاعر" ، فإنه يعني; حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري ، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة ، وساق أثر السدي ، ثم قال ، "قلت; ولم أره لغيره ، ولا ذكر أهل النسب لحسان أخًا اسمه عبد الرحمن".(49) في المطبوعة; "ويعطونه الأكبر" بزيادة واو لا محل لها ، وأثبت ما في المخطوطة.(50) الأثر; 8727 - رواه البخاري من طريق محمد بن يوسف ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن ابن عباس. (الفتح 8; 184 ، 12; 19).(51) الحديث; 8730 - رواه البخاري 1; 261 (فتح) ، من طريق شعبة ، به. وسيأتي عقب هذا ما رواية ابن جريج ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر. وكذلك رواه البخاري 8; 182 ، من طريق ابن جريج ، ورواه البخاري أيضًا 10; 98 ، و 12; 2- من رواية سفيان ، عن محمد بن المنكدر.وذكره ابن كثير 2; 362 ، من رواية البخاري - من طريق ابن جريج - ثم قال ، "كذا رواه مسلم ، والنسائي ، من حديث حجاج بن محمد الأعور ، عن ابن جريج ، به. ورواه الجماعة كلهم من حديث سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر".وذكره السيوطي 2; 124-125 ، وزاد نسبته لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه.(52) الحديث; 8731 - هو مكرر الحديث قبله ، كما أشرنا إليه.وفي المطبوعة"فدعا بوضوء فتوضأ". وفي المخطوطة"فدعا فتوضأ". والذي في البخاري - من هذا الوجه -"فدعا بماء". فالراجح أنها كانت كذلك عن الطبري ، وسقطت من الناسخ سهوًا كلمة"بماء" ، اشتبه عليه الحرفان الأخيران من"فدعا" ، بكلمة"بما" لأنهم في الأكثر لا يثبتون الهمزة = فسقطت الكلمة منه.وفي المطبوعة لم تكمل الآية بعد"في أولادكم" ، وأثبت ما في المخطوطة.(53) في المطبوعة; "وإن كان الأولاد واحدة ، ترجمة منه..." ، وفي المخطوطة; "وإن كان الأولاد واحده" ، ولم أجد لكليهما معنى ، فرجحت نصها كما أثبته بين القوسين ، استظهارًا من معنى هذه الآية كما ذكره آنفًا في صدر الكلام ، ورجحت أن قوله; "واحدة" مجلوبة من الآية التي تليها"وإن كانت واحدة" ، وفسرها كذلك ، وساقها قبل مجيئها.(54) في المطبوعة والمخطوطة; "وإن كانت المتروكة ابنة واحدة" ، وهو لا يستقيم ، فرجحت زيادة ما زدته بين القوسين ، على سياقه في تفسير أخواتها.(55) كأنه يعني بذلك حديث جابر بن عبد الله ، في خبر موت سعد بن الربيع ، وإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنتيه الثلثين (السنن الكبرى للبيهقي 6; 229) ، وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من طرق = وخبر زيد بن ثابت; "إذا ترك رجل وامرأة بنتًا ، فلها النصف ، وإن كانتا اثنتين أو أكثر ، فلهن الثلثان..." ، أخرجه البخاري (الفتح 12; 8).هذا ، وعجيب أن يترك أبو جعفر سياق الآثار لحجته في هذا الموضع ، فأخشى أن يكون قد سقط من النساخ الأوائل شيء من كتابه = أو أن يكون هو قد أراد أن يسوق الآثار ، ثم غفل عنها ، وبقيت النسخ بعده ناقصة من دليل احتجاجه. وهذه أول مرة يخالف فيها أبو جعفر نهجه في تأليف هذا التفسير.(56) في المطبوعة; "فإذ كان كذلك" ، والجيد ما في المخطوطة.(57) في المطبوعة; "مجمعون" ، وكذلك كان في المخطوطة ، إلا أن الناسخ عاد فضرب على النون ، وجعل الواو"تاء" مربوطة منقوطة ، وتبع الناشر الأول خطأ الناسخ ، وأغفل تصحيحه!! فرددته إلى الصواب.(58) في المطبوعة; "فإن زيد على ذلك من بقية النصف" ، وأثبت ما كان في المخطوطة ، وهو صواب جيد.(59) في المطبوعة; "لقرب عصبة الميت" وفي المخطوطة"قرب" ، وأجودهما ما أثبت.(60) يعني بذلك ما رواه الشيخان بإسنادهما إلى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، "أًلْحِقوا الفرائضً بِأَهْلِهَا ، فما بَقي فهو لأوْلَى رَجُلٍ ذكر" (الفتح 2; 8 ، 9 / السنن الكبرى 6; 234) ، ويروى"لأدنى رجل" ، ومعناه; لأقرب رجل من العصبة. وهذا أيضًا غريب من أبي جعفر في ترك ذكر حجته من الحديث ، كشأنه في جميع ما سلف ، وانظر ص; 36 ، تعليق; 1 ، وكأنه كان يختصر في هذا الموضع ، وترك ذكر حجته؛ لأنه لا بد أن يكون قد استوفاها في موضعها من كتبه الأخرى.(61) في المطبوعة; "فإن قال قائل; بماذا" ، و"قائل" زيادة لا شك فيها ، والصواب ما في المخطوطة.(62) في المخطوطة; "بأنه أقرب ولد الميت إليه" ، وهو خطأ وسهو من الناسخ ، والصواب ، من المطبوعة.(63) انظر التعليق السالف ص 37 ، تعليق; 3.(64) في المطبوعة; "وكان بيانه ذلك معينًا لهم على تكرير حكمه" ، وهو خطأ محض وتصريف قبيح ، وفي المخطوطة; "معينا لهم عن تكرير حكمه" غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.(65) في المخطوطة; "حكم أبوين من الأخوة" ، والصواب ما في المطبوعة.(66) قوله; "قلت" ليست في المخطوطة ، ولكن السياق يقتضيها ، فأحسن طابع التفسير في إثباتها.(67) في المطبوعة; "... وغير والده لوائح الدلالة الواضحة..." وهو شيء لا يكتبه أبو جعفر!! وفي المخطوطة; "وغير والده ولاح الدلالة..." ، وصواب قراءتها"ولا أخ" معطوفًا على قوله"إذا لم يكن لولدها الميت وارث...". وقوله; "الدلالة الواضحة" اسم"كان" في قوله; "وكان في فرضه تعالى ذكره...".(68) في المخطوطة والمطبوعة; "هو ثلث مال ولدها الميت" ، بغير "واو" ، والصواب إثباتها. وإلا اختل الكلام.(69) وهذا أيضًا موضع في النفس منه شيء ، فإن أبا جعفر ترك سياق حجته من الآثار ، كما فعل في الموضعين السالفين انظر ص; 36 تعليق; 1 / وص; 37 ، تعليق; 3 ، / ثم انظر السنن الكبرى للبيهقي 6; 227 ، 228.(70) في المطبوعة; "رضي الله عنه" ، وأثبت ما في المخطوطة.(71) الأثر; 8732 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6; 227 من طريق; إسحاق بن إبراهيم ، عن شبابة ، عن ابن أبي ذئب ، عن شعبة مولى ابن عباس ، ونقله عنه ابن كثير في تفسيره 2; 367. وقد عقب ابن كثير عليه بقوله; "وفي صحة هذا الأثر نظر ، فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس. ولو كان هذا صحيحًا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به ، والمنقول عنهم خلافه. وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد ، عن أبيه أنه قال ، "الأخوان ، تسمى إخوة" ، وقد أفردت لهذه المسألة جزءًا على حدة".أما "شعيب مولى ابن عباس" ، فهو; شعيب بن دينار الهاشمي ، وهو غير الكوفي ، وقد قال فيه ابن حبان; "روى عن ابن عباس ما لا أصل له ، حتى كأنه ابن عباس آخر" ، وانظر اختلاف قولهم فيه في التهذيب ، وأكثرهم على ترك الاحتجاج به ، وهو مترجم في التهذيب ، والكبير للبخاري 2 / 2 / 244 ، وابن أبي حاتم 2 / 1 / 367.(72) هذا أيضًا موضع كان يجب أن يسوق عنده أبو جعفر حجته ، أو يحيل على حجة سالفة ، ولكنه لم يفعل ، وانظر التعليق السالف ص; 40 تعليق; 1; والإشارة إلى المواضع السالفة هناك.(73) في المخطوطة والمطبوعة; "وقد علمت أن الأخوين في منطق العرب مثالا..." ، وهو فاسد ، والصواب"أن للأخوين" ، كما أثبتها بزيادة"اللام".(74) في المطبوعة; "بتقارب معنييهما" ، غير ما في المخطوطة ، لأنه قرأ"يتقارب" فعلا ، "بتقارب" اسمًا مصدرًا.(75) في المطبوعة; "ظهرهما" مكان"ظهريهما" ، وهو خطأ ، لأنه ليس شاهدًا في هذا الموضع ، بل الشاهد ما جاء في المخطوطة كما أثبته ، على التثنية.(76) ديوانه; 554 ، والنقائض; 553 ، وسيبويه 2; 202 ، وأمالي الشجرى 1; 12 ، وغيرها. وهو من قصيدته التي مضى بيت منها قريبًا ص; 27 ، تعليق; 3 ، يقول قبله ما لهج به من لهوه وكذبه وعبثه ، ويذكرها صاحبته وأمره معها. دَعَـوْتُ الَّـذِي سَـمَّى السَّـمَوَاتِ أَيْدُهُوَللـهُ أَدْنَـى مِـنْ وَرِيِـدي وأَلْطَـفُلِيَشْــغَلَ عَنِّــي بَعْلَهَــا بِزَمَانَــهٍتُدَلِّهُــهُ عَنِّــي وعَنْهَــا فَنُسْـعَفُبِمَــا فــي فُؤَادَيْنَـا .............. . . . . . . . . . . . . . . . . . .فَأَرْسَـلَ فِـي عَيْنَيْـهِ مـاءً عَلاهُمَـاوَقَـدْ عَلِمُـوا أَنِّـي أَطَـبُّ وأَعْـرَفُفَدَاوَيْتُــهُ عَـامَيْنِ وَهْـيَ قَـرِ يَبـةٌأَرَاهَـا، وتَدْنُـو لِـي مِـرَارًا فَأرْشُفُيقول; دعا الله أن يبتلي زوجها بمرض مزمن ، يدلهه ويحيره ، فيبقى دهشا متغير العقل أو البصر ، فلا يتفقدها ، حتى يصل إلى ما يريد وتريد. فاستجاب دعاءه ، وأنزل على عينيه ماء ، فطلبوا له الأطباء والعرفاء ، وزعم الفرزدق أنهم عرفوا أنه أطب الناس بهذا الداء ، فأدخلوه إليه ، فظل يطببه عامين ، وهي قريبة منه.وقوله; "منهاض الفؤاد" الذي هاضه الحزن والوجد ، من"هاض العظم" إذا كسره ، يريد شدة ما يجد من اللوعة ، حتى شفه وأمرض قلبه. و"المشعف" ، هو الذي شعفه الحب; إذا أحرق قلبه ، مع لذة يجدها المحب ، ولم يذكر أصحاب المعاجم"شعف" مشددة العين ، ولكنه قياس هذه العربية. وفي المخطوطة والمطبوعة; "المشغف" بالغين المعجمة ، وكأنه صواب أيضًا ، من"شغفه الحب" إذا بلغ شغاف قلبه.وأما رواية الديوان ، والنقائض ، فهي"المسقف" ، وهي رواية رديئة ، قال أبو عبيدة في شرحها; "هو الذي عليه خشب الجبائر ، والجبائر; هي السقائف تشد على الكسر". وهو لا شيء ، وإنما حمله على ذلك ذكر"منهاض" ، وأن"المشغف" من صفته ، و"المنهاض" هو العظم الذي كسر بعد الجبر. ولكن صواب المعنى والرواية ، هو ما ذكرت.(77) في المطبوعة; "فلفظ الجمع أفصح في منطقها" ، والصواب ما أثبته من المخطوطة ، وقوله; "أفصح" منصوب خبر قوله; "فلما كان ما وصفت".(78) في المطبوعة; "أشبه معناهما" على الإفراد ، والصواب من المخطوطة مثنى. وقوله; "وكان الأخوان" ، معطوف على قوله; "فلما كان ما وصفت" ، يريد; "ولما كان الأخوان...". وسياق الجملة; "وكان الأخوان شخصين... أشبه معنياهما معنى ما كان في الإنسان من أعضائه واحدًا".(79) في المطبوعة; "فأخرج أنثييهما بلفظ أنثى العضوين" ، وهو كلام لا معنى له ، والصواب من المخطوطة ، فالكلام في"الاثنين" و"الجمع" ، لا في"الأنثى" و"الذكر".(80) في المطبوعة; "وذلك أنه إذا ضم شيء إلى شيء" ، غير ما كان في المخطوطة كما أثبته ، وهو صواب محض لا يغير.(81) في المطبوعة والمخطوطة; "بعد أن كانا شتى عنوان الأمر وإن كان كذلك" ، وهو كلام مستهجن لا معنى له ، والناسخ عجل كما رأيت وعلمت ، فكتب"غير أن الأمر" ، "عنوان الأمر" ففسد الكلام ، وأفسد على الناشر الأول فهمه للمعاني.(82) في المطبوعة; "لأن لكل ما جرى به الكلام على ألسنتهم مثالا معروفًا عندهم وصورة ، إذا غير مغير ما قد عرفوه فيهم أنكره" ، بدل ما كان في المخطوطة تبديلا ، جعل"بمثال""مثالا" وقدمها عن مكانها ، وغير سائر الجملة كما رأيت. والذي أوقعه في ذلك أن الناسخ كتب"لأن لكل ما جرى" وصوابه"لأن كل ما جرى" كما أثبته.أما "نكروه" ، فقد جعلها"أنكروه" وهما صواب جميعًا ، إلا أن الواجب عليه كان يقتضي إثبات ما في المخطوطة. يقال ، "أنكر الشيء إنكارًا ونكره" (على وزن سمع) ، قال الله تعالى في سورة هود; 70; { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً {(83) في المطبوعة; "أنزلوا الأم ولا يرثون" ، وفي المخطوطة; "أمروا بالأمر ولا يرثون" وهو تحريف ما أثبته عن الدر المنثور وابن كثير ، كما سترى في التخريج.(84) الأثر; 8733 - خرجه ابن كثير في تفسيره 2; 367 ، 368 ، وقال ، "هذا كلام حسن" ، والسيوطي في الدر المنثور 2; 126.(85) هكذا في المطبوعة"في بابها" ، وفي المخطوطة غير منقوطة ، وهي لفظة غريبة هاهنا ، لا أظنها مما كان يجري على ألسنة القوم يومئذ على هذا المعنى ، ولو خيرت لاخترت"في أهلها" ، ولكني تركتها على حالها مخافة أن يكون ظني رجما.(86) في المطبوعة; "أن رسول الله" بإسقاط الواو ، وأثبت ما في المخطوطة.(87) الآثار; 8736 ، 8737 ، 8738 - حديث ضعيف ، لضعف"الحارث الأعور" ، وهو; الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني ، وهو ضعيف جدًا ، وقال الشعبي وغيره; "كان كذابًا". وقد مضى الكلام عنه في رقم; 174 فيما كتبه أخي السيد أحمد ، وفي المسند رقم; 565.وأسانيده الثلاثة تدور على"الحارث الأعور" ، وقد رواه أحمد في مسنده رقم; 595 ، 1091 ، 1221 مطولا ، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6; 267 ، والحاكم في المستدرك 4; 336 ، وابن كثير في تفسيره 2; 368 ، وقال ، "رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وأصحاب التفاسير" ، والسيوطي في الدر المنثور 2; 126 ، ونسبه لأبي أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، والبيهقي في سننه. ورواه الشافعي في الأم 4; 29 ، مختصرًا كما رواه الطبري ، قال الشافعي; "وقد روى في تبدئة الدين قبل الوصية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يثبت أهل الحديث مثله". وساق الحديث عن سفيان عن أبي إسحاق.قال البيهقي; "امتناع أهل الحديث عن إثبات هذا ، لتفرد الحارث الأعور بروايته عن علي رضي الله عنه ، والحارث لا يحتج بخبره لطعن الحفاظ فيه". أما الحاكم ، فقد ذكر مثل هذه العلة في الحارث الأعور ، وقال ، "لذلك لم يخرجه الشيخان ، وقد صحت هذه الفتوى عن زيد بن ثابت" ، ثم ساق فتوى زيد بن ثابت بإسناده.وقال ابن كثير; "ثم قال الترمذي; لا نعرفه إلا من حديث الحارث الأعور. وقد تكلم فيه بعض أهل العلم. قلت (القائل ابن كثير); لكن كان حافظًا للفرائض معتنيًا بها وبالحساب".(88) سياق هذه الجملة; "هؤلاء الذين أوصاكم الله به فيهم... آباؤكم وأبناؤكم" ، يريد إعراب"آباؤكم وأبناؤكم" ، وأنه خبر لمبتدأ محذوف. ولم يشر أحد من المفسرين إلى هذا الإعراب. بل قال القرطبي في تفسيره; "رفع بالابتداء ، والخبر مضمر ، تقديره; هم المقسوم عليهم ، وهم المعطون". وقال الألوسي في تفسيره; "الخطاب للورثة ، وآباؤكم مبتدأ ، وأبناؤكم معطوف عليه ، ولا تدرون مع ما في حيزه خبر له". وكذلك قال العكبري في إعراب القرآن 1; 94. وأجود القول ما قال أبو جعفر في سياق هذه الآية.(89) في المطبوعة والمخطوطة; "فرضي لهم المواريث" ، وهو تحريف وسوء كتابة من الناسخ ، ولا معنى له ، والصواب ما أثبت.(90) قوله; "موقتة" ، أي محددة مقدرة بحد ، وقد سلف شرح هذه الكلمة فيما مضى الجزء 7; 597 ، تعليق; 3 ، والمراجع هناك ، وفي فهرس المصطلحات.ثم انظر تفسير"الفرض" و"الفريضة" فيما سلف 4; 121 / 5; 120 / 7; 597.(91) "الخروج" ، انظر تفسيره فيما سلف 7; 25 ، تعليق; 3 ، كأنه يعني به خروج الحال المؤكدة.(92) انظر ما سلف 7; 599.(93) انظر تفسير; "كان" نظيرة ما في هذه الآية ، فيما سلف; 7; 523.
هذه الآيات والآية التي هي آخر السورة هن آيات المواريث المتضمنة لها. فإنها مع حديث عبد الله بن عباس الثابت في صحيح البخاري \"ألْحِقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر\" - مشتملات على جل أحكام الفرائض، بل على جميعها كما سترى ذلك، إلا ميراث الجدات فإنه غير مذكور في ذلك. لكنه قد ثبت في السنن عن المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس، مع إجماع العلماء على ذلك. فقوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ } أي: أولادكم -يا معشر الوالِدِين- عندكم ودائع قد وصاكم الله عليهم، لتقوموا بمصالحهم الدينية والدنيوية، فتعلمونهم وتؤدبونهم وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله وملازمة التقوى على الدوام كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها فيستحقوا بذلك الوعيد والعقاب. وهذا مما يدل على أن الله تعالى أرحم بعباده من الوالدين، حيث أوصى الوالدين مع كمال شفقتهم، عليهم. ثم ذكر كيفية إرثهم فقال: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } أي: الأولاد للصلب، والأولاد للابن، للذكر مثل حظ الأنثيين، إن لم يكن معهم صاحب فرض، أو ما أبقت الفروض يقتسمونه كذلك، وقد أجمع العلماء على ذلك، وأنه -مع وجود أولاد الصلب- فالميراث لهم. وليس لأولاد الابن شيء، حيث كان أولاد الصلب ذكورًا وإناثا، هذا مع اجتماع الذكور والإناث. وهنا حالتان: انفراد الذكور، وسيأتي حكمها. وانفراد الإناث، وقد ذكره بقوله: { فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ } أي: بنات صلب أو بنات ابن، ثلاثا فأكثر { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَة } أي: بنتا أو بنت ابن { فَلَهَا النِّصْفُ } وهذا إجماع. بقي أن يقال: من أين يستفاد أن للابنتين الثنتين الثلثين بعد الإجماع على ذلك؟ فالجواب أنه يستفاد من قوله: { وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } فمفهوم ذلك أنه إن زادت على الواحدة، انتقل الفرض عن النصف، ولا ثَمَّ بعده إلا الثلثان. وأيضا فقوله: { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ } إذا خلَّف ابنًا وبنتًا، فإن الابن له الثلثان، وقد أخبر الله أنه مثل حظ الأنثيين، فدل ذلك على أن للبنتين الثلثين. وأيضًا فإن البنت إذا أخذت الثلث مع أخيها - وهو أزيد ضررًا عليها من أختها، فأخذها له مع أختها من باب أولى وأحرى. وأيضا فإن قوله تعالى في الأختين: { فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ } نص في الأختين الثنتين. فإذا كان الأختان الثنتان -مع بُعدهما- يأخذان الثلثين فالابنتان -مع قربهما- من باب أولى وأحرى. وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنتي سعد الثلثين كما في الصحيح. بقي أن يقال: فما الفائدة في قوله: { فَوْقَ اثْنَتَيْن } ؟. قيل: الفائدة في ذلك -والله أعلم- أنه ليعلم أن الفرض الذي هو الثلثان لا يزيد بزيادتهن على الثنتين بل من الثنتين فصاعدًا. ودلت الآية الكريمة أنه إذا وجد بنت صلب واحدة، وبنت ابن أو بنات ابن، فإن لبنت الصلب النصف، ويبقى من الثلثين اللذين فرضهما الله للبنات أو بنات الابن السدس، فيعطى بنت الابن، أو بنات الابن، ولهذا يسمى هذا السدس تكملة الثلثين. ومثل ذلك بنت الابن، مع بنات الابن اللاتي أنزل منها. وتدل الآية أنه متى استغرق البنات أو بنات الابن الثلثين، أنه يسقط مَنْ دونهن مِنْ بنات الابن لأن الله لم يفرض لهن إلا الثلثين، وقد تم. فلو لم يسقطن لزم من ذلك أن يفرض لهن أزيَد من الثلثين، وهو خلاف النص. وكل هذه الأحكام مجمع عليها بين العلماء ولله الحمد. ودل قوله: { مِمَّا تَرَكَ } أن الوارثين يرثون كل ما خلف الميت من عقار وأثاث وذهب وفضة وغير ذلك، حتى الدية التي لم تجب إلا بعد موته، وحتى الديون التي في الذمم ثم ذكر ميراث الأبوين فقال: { وَلِأَبَوَيْهِ } أي: أبوه وأمه { لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ } أي: ولد صلب أو ولد ابن ذكرًا كان أو أنثى، واحدًا أو متعددًا. فأما الأُم فلا تزيد على السدس مع أحد من الأولاد. وأما الأب فمع الذكور منهم، لا يستحق أزيد من السدس، فإن كان الولد أنثى أو إناثا ولم يبق بعد الفرض شيء -كأبوين وابنتين- لم يبق له تعصيب. وإن بقي بعد فرض البنت أو البنات شيء أخذ الأب السدس فرضًا، والباقي تعصيبًا، لأننا ألحقنا الفروض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر، وهو أولى من الأخ والعم وغيرهما. { فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي: والباقي للأب لأنه أضاف المال إلى الأب والأُم إضافة واحدة، ثم قدر نصيب الأُم، فدل ذلك على أن الباقي للأب. وعلم من ذلك أن الأب مع عدم الأولاد لا فرض له، بل يرث تعصيبا المال كله، أو ما أبقت الفروض، لكن لو وجد مع الأبوين أحد الزوجين -ويعبر عنهما بالعمريتين- فإن الزوج أو الزوجة يأخذ فرضه، ثم تأخذ الأُم ثلث الباقي والأب الباقي. وقد دل على ذلك قوله: { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ } أي: ثلث ما ورثه الأبوان. وهو في هاتين الصورتين إما سدس في زوج وأم وأب، وإما ربع في زوجة وأم وأب. فلم تدل الآية على إرث الأُم ثلثَ المال كاملا مع عدم الأولاد حتى يقال: إن هاتين الصورتين قد استثنيتا من هذا. ويوضح ذلك أن الذي يأخذه الزوج أو الزوجة بمنزلة ما يأخذه الغرماء، فيكون من رأس المال، والباقي بين الأبوين. ولأنا لو أعطينا الأُم ثلث المال، لزم زيادتها على الأب في مسألة الزوج، أو أخذ الأب في مسألة الزوجة زيادة عنها نصفَ السدس، وهذا لا نظير له، فإن المعهود مساواتها للأب، أو أخذه ضعفَ ما تأخذه الأم. { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ } أشقاء، أو لأب، أو لأم، ذكورًا كانوا أو إناثًا، وارثين أو محجوبين بالأب أو الجد [لكن قد يقال: ليس ظاهرُ قوله: { فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } شاملا لغير الوارثين بدليل عدم تناولها للمحجوب بالنصف، فعلى هذا لا يحجبها عن الثلث من الإخوة إلا الإخوة الوارثون. ويؤيده أن الحكمة في حجبهم لها عن الثلث لأجل أن يتوفر لهم شيء من المال، وهو معدوم، والله أعلم] ولكن بشرط كونهم اثنين فأكثر، ويشكل على ذلك إتيان لفظ \"الإخوة\" بلفظ الجمع. وأجيب عن ذلك بأن المقصود مجرد التعدد، لا الجمع، ويصدق ذلك باثنين. وقد يطلق الجمع ويراد به الاثنان، كما في قوله تعالى عن داود وسليمان { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } وقال في الإخوة للأُم: { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } فأطلق لفظ الجمع والمراد به اثنان فأكثر بالإجماع. فعلى هذا لو خلف أمًّا وأبًا وإخوة، كان للأُم السدس، والباقي للأب فحجبوها عن الثلث، مع حجب الأب إياهم [إلا على الاحتمال الآخر فإن للأم الثلث والباقي للأب] ثم قال تعالى: { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } أي: هذه الفروض والأنصباء والمواريث إنما ترد وتستحق بعد نزع الديون التي على الميت لله أو للآدميين، وبعد الوصايا التي قد أوصى الميت بها بعد موته، فالباقي عن ذلك هو التركة الذي يستحقه الورثة. وقدم الوصية مع أنها مؤخرة عن الدين للاهتمام بشأنها، لكون إخراجها شاقًّا على الورثة، وإلا فالديون مقدمة عليها، وتكون من رأس المال. وأما الوصية فإنها تصح من الثلث فأقل للأجنبي الذي هو غير وارث. وأما غير ذلك فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة، قال تعالى: { آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا } فلو ردَّ تقدير الإرث إلى عقولكم واختياركم لحصل من الضرر ما الله به عليم، لنقص العقول وعدم معرفتها بما هو اللائق الأحسن، في كل زمان ومكان. فلا يدرون أَيُّ الأولادِ أو الوالِدين أنفع لهم، وأقرب لحصول مقاصدهم الدينية والدنيوية. { فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } أي: فرضها الله الذي قد أحاط بكل شيء علمًا، وأحكم ما شرعه وقدَّر ما قدَّره على أحسن تقدير لا تستطيع العقول أن تقترح مثل أحكامه الصالحة الموافقة لكل زمان ومكان وحال.
(يوصي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء و (كم) ضمير مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(في أولاد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يوصيكم) وفيه حذف مضاف أي شأن أولادكم و (كم) ضمير مضاف إليه
(للذكر) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدم
(مثل) مبتدأ مؤخّر مرفوع ،
(حظّ) مضاف إليه مجرور
(الأنثيين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء
(الفاء) استئنافيّة- أو عاطفة-
(إن) حرف شرط جازم
(كنّ) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون في محل جزم فعل الشرط ... و (النون) اسم كان
(نساء) خبر كان منصوبـ (فوق) ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف نعت لنساء
(اثنتين) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الياء
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(اللام) حرف جرّ و (هنّ) ضمير متّصل مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(ثلثا) مبتدأ مؤخّر مرفوع وعلامة الرفع الألف
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(ترك) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي الميت، والعائد محذوف أي تركه
(الواو) عاطفة
(إن) مثل الأولـ (كانت) فعل ماض ناقص في محلّ جرم فعل الشرط ... و (التاء) للتأنيث، واسم كان ضمير مستتر تقديره هي أي:
المولودة
(واحدة) خبر كان منصوبـ (الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لها النصف) مثل لهنّ ثلثا.
(الواو) استئنافيّة
(لأبوي) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم وعلامة الجرّ الياء و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(لكلّ) جارّ ومجرور بدل من المجرور أبويه بإعادة الجارّ
(واحد) مضاف إليه مجرور
(السدس) مبتدأ مؤخّر مرفوع
(من) حرف جرّ
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف حال من السدس
(ترك) مثل الأولـ (إن كان) مثل إن كانت
(اللام) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر كان مقدّم
(ولد) اسم كان مرفوع ،
(الفاء) عاطفة
(إن) مثل الأولـ (لم) حرف نفي فقط
(يكن) مضارع ناقص مجزوم فعل الشرط .
(له ولد) مثل الأولـ (الواو) اعتراضيّة
(ورث) فعل ماض و (الهاء) ضمير مفعول به
(أبوا) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الألفوحذفت النون للإضافة و (الهاء) مضاف إليه
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لأمّ) جارّ ومجرور خبر مقدّم و (الهاء) مضاف إليه
(الثلث) مبتدأ مؤخّر.
(الفاء) استئنافيّة
(إن كان له إخوة) مثل إن كان له ولد
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لأمّه السدس) مثل لأمه الثلث
(من بعد) جارّ ومجرور متعلّق بأعمال القسمة المتقدّمة أي بـ (يوصيكم) وما يليه ،
(وصية) مضاف إليه مجرور
(يوصي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي الميت
(الباء) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (يوصي) ،
(أو) حرف عطف
(دين) معطوف على وصيّة مجرور مثله.
جملة: «يوصيكم الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «للذكر مثل..» لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تفسيريّة- وجملة: «إن كنّ نساء ... » لا محلّ لها استئنافيّة- أو معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: «لهنّ ثلثا ... » في محلّ جزم جواب شرط جازم مقترنة بالفاء.
وجملة: «ترك» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «إن كانت واحدة» لا محلّ لها معطوفة على جملة إن كنّ ...
وجملة: «لها النصف» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «لأبويه ... السدس» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ترك
(الثانية) » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثانية.وجملة: «كان له ولد» لا محلّ لها استئنافيّة ... وجواب الشرط محذوف دلّ عليه ما قبله أي: فلأبويه ... السدس.
وجملة: «لم يكن له ولد» لا محلّ لها معطوفة على جملة كان له ولد.
وجملة: «ورثه أبواه..» لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: «لأمه الثلث» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «كان له إخوة» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لأمه السدس» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «يوصي بها» في محلّ جرّ نعت لوصيّة.
(آباء) مبتدأ مرفوع و (كم) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(أبناء) معطوف على آباء مرفوع مثله و (كم) مضاف إليه
(لا) نافية
(تدرون) مضارع مرفوع ... والواو فاعلـ (أيّ) اسم موصول ، مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب مفعول به عامله تدرون و (هم) مضاف إليه
(أقرب) خبر لمبتدأ محذوف تقديره هم
(اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بأقربـ (نفعا) تمييز منصوبـ (فريضة) مفعول مطلق مصدر مؤكّد لمضمون الجملة السابقة، إذ معنى يوصيكم الله فرض الله عليكم ،
(من الله) جارّ ومجرور متعلّق بفريضة
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (الله) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوبـ (كان) ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (عليما) خبر كان منصوبـ (حكيما) خبر ثان منصوب.وجملة: «آباؤكم ... » لا تدرون لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا تدرون..» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(آباء) .
وجملة: «
(هم) أقرب» لا محلّ لها صلة الموصولـ (أيّهم) .
وجملة: « ... فريضة من الله» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «إنّ الله كان..» لا محلّ لها استئنافيّة تعليليّة.
وجملة: «كان عليما ... » في محلّ رفع خبر إنّ.