هٰٓأَنتُمْ هٰٓؤُلَآءِ جٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِى الْحَيٰوةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجٰدِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيٰمَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
هٰۤاَنۡتُمۡ هٰٓؤُلَۤاءِ جَادَلۡـتُمۡ عَنۡهُمۡ فِى الۡحَيٰوةِ الدُّنۡيَا فَمَنۡ يُّجَادِلُ اللّٰهَ عَنۡهُمۡ يَوۡمَ الۡقِيٰمَةِ اَمۡ مَّنۡ يَّكُوۡنُ عَلَيۡهِمۡ وَكِيۡلًا
تفسير ميسر:
ها أنتم -أيها المؤمنون- قد حاججتم عن هؤلاء الخائنين لأنفسهم في هذه الحياة الدنيا، فمن يحاجج الله تعالى عنهم يوم البعث والحساب؟ ومن ذا الذي يكون على هؤلاء الخائنين وكيلا يوم القيامة؟
ثم قال تعالى "ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا" الآية. أي هب أن هؤلاء انتصروا في الدنيا بما أبدوه أو أبدى لهم عند الحكام الذين يحكمون بالظاهر وهم متعبدون بذلك فماذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي الله تعالى الذي يعلم السر وأخفى ومن ذا الذي يتوكل لهم يومئذ يوم القيامة في ترويج دعواهم أي لا أحد يومئذ يكون لهم وكيلا ولهذا قال أم من يكون عليهم وكيلا.
قوله تعالى ; ها أنتم هؤلاء يريد قوم بشير السارق لما هربوا به وجادلوا عنه . قال الزجاج ; هؤلاء بمعنى الذين . جادلتم حاججتم . في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة استفهام معناه الإنكار والتوبيخ . أم من يكون عليهم وكيلا الوكيل ; القائم بتدبير الأمور ، فالله تعالى قائم بتدبير خلقه . والمعنى ; لا أحد لهم يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه وأدخلهم النار .
القول في تأويل قوله ; وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; ومن يعمل ذنبًا، وهو " السوء " (56) =" أو يظلم نفسه "، بإكسابه إياها ما يستحق به عقوبة الله=" ثم يستغفر الله "، يقول; ثم يتوب إلى الله بإنابته مما عمل من السوء وظُلْم نفسه، ومراجعته ما يحبه الله من الأعمال الصالحة التي تمحو ذنبَه وتذهب جرمه=" يجد الله غفورًا رحيمًا "، يقول; يجد ربه ساترًا عليه ذنبه بصفحه له عن عقوبة جرمه، رحيمًا به. (57)* * *واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية.فقال بعضهم; عنى بها الذين وصفهم الله بالخيانة بقوله; وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ .* * *وقال آخرون; بل عني بها الذين كانوا يجادلون عن الخائنين، (58) الذين قال الله لهم; هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وقد ذكرنا قائلي القولين كليهما فيما مضى.* * *قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك عندنا; أنه عنى بها كل من عمل سوءًا أو ظلم نفسه، وإن كانت نـزلت في أمر الخائنين والمجادلين عنهم الذين ذكر الله أمرَهم في الآيات قبلها.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;10422- حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل قال، قال عبد الله; كانت بنو إسرائيل إذا أصابَ أحدهم ذنبًا أصبح قد كُتِب كفارة ذلك الذنب على بابه. وإذا أصاب البولُ شيئًا منه، قَرَضه بالمقراض. (59) فقال رجل; لقد آتى الله بني إسرائيل خيرًا! فقال عبد الله; ما آتاكم الله خيرٌ مما آتاهم، جعل الله الماءَ لكم طهورًا وقال; وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ [سورة آل عمران; 135]، وقال; " ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا ".10423- حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا ابن عون، عن حبيب بن أبي ثابت قال; جاءت امرأة إلى عبد الله بن مُغَفّل، فسألته عن امرأة فَجرت فَحبِلت، فلما ولدتْ قتلت ولدها؟ فقال ابن مغفل; ما لها؟ لها النار! فانصرفت وهي تبكي، فدعاها ثم قال; ما أرى أمرَك إلا أحدَ أمرين; " من يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا "، قال; فَمَسحت عينها ثم مضت. (60)10424- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله; " ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا "، قال; أخبر الله عبادَه بحلمه وعفوه وكرمه، وسعةِ رحمته ومغفرته، فمن أذنب ذنبًا صغيرًا كان أو كبيرًا، ثم يستغفر الله يجد الله غفورًا رحيمًا، ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال.---------------------الهوامش ;(56) انظر تفسير"السوء" فيما سلف من فهارس اللغة.(57) انظر تفسير"استغفر" ، "غفور" ، "رحيم" فيما سلف من فهارس اللغة.(58) في المطبوعة"الذين يجادلون عن الخائنين" ، وأثبت ما في المخطوطة.(59) "قرضه"; قصه. و"المقراض"; المقص.(60) الأثر; 10423 -"حبيب بن أبي ثابت الأسدي" مضى برقم; 9012 ، 9035. و"عبد الله بن مغفل المزني" من مشاهير الصحابة ، وهو أحد البكائين في غزوة تبوك. وهو أحد العشرة الذين بعثهم عمر ليفقه الناس بالبصرة.وهذا الخبر من محاسن الأخبار الدالة على عقل الفقيه ، وبصره بأمر دينه ، ونصيحته للناس في أمور دنياهم.
{ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } أي: هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا، ودفع عنهم جدالُكم بعض ما تحذرون من العار والفضيحة عند الخَلْق، فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون؟ { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } فمن يجادل عنهم من يعلم السر وأخفى ومن أقام عليهم من الشهود ما لا يمكن معه الإنكار؟ وفي هذه الآية إرشاد إلى المقابلة بين ما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه، وبين ما يفوت من ثواب الآخرة أو يحصل من عقوباتها. فيقول من أمرته نفسه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسلا وتفريطا فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟ وكذلك إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة قال لها: هبك فعلت ما اشتهيت فإن لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات، وفوات الثواب وحصول العقاب - ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها. وهذا من أعظم ما ينفع العبدَ تدبرُه، وهو خاصة العقل الحقيقي. بخلاف الذي يدعي العقل، وليس كذلك، فإنه بجهله وظلمه يؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة، ولو ترتب عليها ما ترتب. والله المستعان.
(ها) حرف تنبيه
(أنتم) ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ
(ها) مثل الأولـ (أولاء) اسم إشارة مبني في محل رفع خبر ،
(جادلتم) فعل ماض مبني على السكون ... و (تم) ضمير فاعلـ (عن)حرف جر و (هم) ضمير في محل جر متعلق بـ (جادلتم) بتضمينه معنى دافعتم
(في الحياة) جار ومجرور متعلق بـ (جادلتم) ،
(الدنيا) نعت للحياة مجرور مثله وعلامة الجر الكسرة المقدرة على الألف
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدر
(من) اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ
(يجادل) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (الله) لفظ الجلالة مفعول به منصوبـ (عنهم) مثل الأوّل متعلّق بـ (يجادل) ،
(يوم) ظرف زمان منصوب متعلق بـ (يجادل)
(القيامة) مضاف إليه مجرور
(أم) هي المنقطعة بمعنى بلـ (من) مثل الأولـ (يكون) مضارع ناقص مرفوع، واسمه ضمير مستتر تقديره هو (عليهم) مثل عنهم متعلّق بـ (وكيلا) وهو خبر يكون منصوب.
جملة «أنتم هؤلاء ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «جادلتم ... » في محل رفع خبر ثان للمبتدأ أنتم أو في محل نصب حال بتقدير
(قد) .
وجملة «من يجادل ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم مقدر أي إذا حل عليهم عذابه فمن يجادل عنهم.
وجملة «يجادل ... » في محل رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة «من يكون ... » لا محل لها استئنافية.
وجملة «يكون ... وكيلا» في محل رفع خبر المبتدأ
(من) الثاني.