ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشٰكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ الْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيۡهِ شُرَكَآءُ مُتَشٰكِسُوۡنَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ ؕ هَلۡ يَسۡتَوِيٰنِ مَثَلًا ؕ اَلۡحَمۡدُ لِلّٰهِ ۚ بَلۡ اَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُوۡنَ
تفسير ميسر:
ضرب الله مثلا عبدًا مملوكًا لشركاء متنازعين، فهو حيران في إرضائهم، وعبدًا خالصًا لمالك واحد يعرف مراده وما يرضيه، هل يستويان مثلا؟ لا يستويان، كذلك المشرك هو في حَيْرة وشك، والمؤمن في راحة واطمئنان. فالثناء الكامل التام لله وحده، بل المشركون لا يعلمون الحق فيتبعونه.
ثم قال "ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون" أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم "ورجلا سلما" أي سالما "لرجل" أي خالصا لا يملكه أحد غيره "هل يستويان مثلا" أي لا يستوي هذا وهذا كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له فأين هذا من هذا؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما مجاهد وغير واحد; هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص ولما كان هذا المثل ظاهرا بينا جليا قال "الحمد لله" أي على إقامة الحجة عليهم "بل أكثرهم لا يعلمون" أي فلهذا يشركون بالله.
قوله تعالى ; ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون .قوله تعالى ; ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون قال الكسائي ; نصب رجلا لأنه ترجمة للمثل وتفسير له ، وإن شئت نصبته بنزع الخافض ، مجازه ; ضرب الله مثلا برجل فيه شركاء متشاكسون . قال الفراء ; أي ; مختلفون . وقال المبرد ; أي ; متعاسرون . من شكس يشكس شكسا بوزن قفل فهو شكس مثل عسر يعسر عسرا فهو عسر ، يقال ; رجل شكس وشرس وضرس وضبس . ويقال ; رجل ضبس وضبيس أي ; شرس عسر شكس ، قاله الجوهري . الزمخشري ; والتشاكس والتشاخس الاختلاف . يقال ; تشاكست أحواله وتشاخست أسنانه . ويقال ; شاكسني فلان أي ; ماكسني وشاحني في حقي . قال الجوهري ; رجل شكس بالتسكين أي ; صعب الخلق . قال الراجز ;شكس عبوس عنبس عذوروقوم شكس مثال رجل صدق وقوم صدق . وقد شكس بالكسر شكاسة . وحكى الفراء ; رجل شكس . وهو القياس ، وهذا مثل من عبد آلهة كثيرة ." ورجلا سلما لرجل " أي خالصا لسيد واحد ، وهو مثل من يعبد الله وحده . " هل يستويان مثلا " هذا الذي يخدم جماعة [ ص; 226 ] شركاء أخلاقهم مختلفة ، ونياتهم متباينة ، لا يلقاه رجل إلا جره واستخدمه ، فهو يلقى منهم العناء والنصب والتعب العظيم ، وهو مع ذلك كله لا يرضي واحدا منهم بخدمته لكثرة الحقوق في رقبته ، والذي يخدم واحدا لا ينازعه فيه أحد ، إذا أطاعه وحده عرف ذلك له ، وإن أخطأ صفح عن خطئه ، فأيهما أقل تعبا أو على هدى مستقيم . وقرأ أهل الكوفة وأهل المدينة ; " ورجلا سلما " وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وعاصم الجحدري وأبو عمرو وابن كثير ويعقوب ; " ورجلا سالما " واختاره أبو عبيد لصحة التفسير فيه . قال ; لأن السالم الخالص ضد المشترك ، والسلم ضد الحرب ولا موضع للحرب هنا . النحاس ; وهذا الاحتجاج لا يلزم ; لأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولاهما ، فهذا وإن كان السلم ضد الحرب فله موضع آخر ، كما يقال ; لك في هذا المنزل شركاء فصار سلما لك . ويلزمه أيضا في سالم ما ألزم غيره ; لأنه يقال ; شيء سالم أي ; لا عاهة به . والقراءتان حسنتان قرأ بهما الأئمة . واختار أبو حاتم قراءة أهل المدينة " سلما " قال ; وهذا الذي لا تنازع فيه . وقرأ سعيد بن جبير وعكرمة وأبو العالية ونصر " سلما " بكسر السين وسكون اللام . وسلما وسلما مصدران ، والتقدير ; ورجلا ذا سلم ، فحذف المضاف و " مثلا " صفة على التمييز ، والمعنى هل تستوي صفاتهما وحالاهما . وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس .الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون الحق فيتبعونه .
القول في تأويل قوله تعالى ; ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)يقول تعالى ذكره; مثل الله مثلا للكافر بالله الذي يعبد آلهة شَتَّى, ويطيع جماعة من الشياطين, والمؤمن الذي لا يعبُد إلا الله الواحد, يقول تعالى ذكره; ضرب الله مثلا لهذا الكافر رجلا فيه شركاء. يقول; هو بين جماعة مالكين متشاكسين, يعني مختلفين متنازعين, سيئة أخلاقهم, من قولهم; رجل شكس; إذا كان سيئ الخلق, وكل واحد منهم يستخدمه بقدر نصيبه ومِلْكه فيه, ورجلا مسلما لرجل, يقول; ورجلا خُلُوصا لرجل يعني المؤمن الموحد الذي أخلص عبادته لله, لا يعبد غيره ولا يدين لشيء سواه بالربوبية.واختلفت القرّاء في قراءة قوله; ( وَرَجُلا سَلَمًا ) فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والبصرة; " ورَجُلا سَالِمًا " وتأوّلوه بمعنى; رجلا خالصا لرجل. وقد رُوي ذلك أيضا عن ابن عباس.حدثنا أحمد بن يوسف, قال; ثنا القاسم, قال; ثنا حجاج, عن هارون, عن جرير بن حازم, عن حميد, عن مجاهد, عن ابن عباس أنه قرأها; " سَالِمًا لِرَجُلٍ" يعني بالألف, وقال; ليس فيه لأحد شيء.وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة; ( وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ ) بمعنى; صلحا (2) .والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان, قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء, متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن السلم مصدر من قول القائل; سَلِم فلان لله سَلما (3) بمعنى; خَلَص له خُلوصا, تقول العرب; ربح فلان في تجارته رِبْحا ورَبَحا (4) وسَلِمَ سِلْما وسَلَما (5) وسلامة, وأن السالم من صفة الرجل, وسلم مصدر من ذلك. وأما الذي توهمه من رغب من قراءة ذلك سَلَما من أن معناه صلحا, فلا وجه للصلح في هذا الموضع, لأن الذي تقدم من صفة الآخر, إنما تقدم بالخبر عن اشتراك جماعة فيه دون الخبر عن حربه بشيء من الأشياء, فالواجب أن يكون الخبر عن مخالفه بخلوصه لواحد لا شريك له, ولا موضع للخبر عن الحرب والصلح في هذا الموضع.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو, قال; ثنا أبو عاصم, قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث, قال; ثنا الحسن, قال; ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله; " رَجُلا فِيه شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلا سالِمًا لِرَجُلٍ" قال; هذا مثل إله الباطل وإله الحق.حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله; ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ) قال; هذا المشرك تتنازعه الشياطين, لا يقر به بعضهم لبعض " وَرَجُلا سَالِمًا لِرَجُلٍ" قال; هو المؤمن أخلص الدعوة والعبادة.حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله; ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ) إلى قوله; ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) قال; الشركاء المتشاكسون; الرجل الذي يعبد آلهة شتى كلّ قوم يعبدون إلها يرضونه ويكفرون بما سواه من الآلهة, فضرب الله هذا المثل لهم, وضرب لنفسه مثلا يقول; رجلا سَلِمَ لرجل يقول; يعبدون إلها واحدا لا يختلفون فيه.حدثنا محمد, قال; ثنا أحمد, قال; ثنا أسباط, عن السديّ, في قوله; ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ) قال; مثل لأوثانهم التي كانوا يعبدون.حدثني يونس, قال; أخبرنا ابن وهب, قال; قال ابن زيد, في قوله; ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ ) قال; أرأيت الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون كلهم سيئ الخلق, ليس منهم واحد إلا تلقاه آخذا بطرف من مال لاستخدامه أسواؤهم, والذي لا يملكه إلا واحد, فإنما هذا مثل ضربه الله لهؤلاء الذين يعبدون الآلهة, وجعلوا لها في أعناقهم حقوقا, فضربه الله مثلا لهم, وللذي يعبده وحده ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) وفي قوله; " وَرَجُلا سالِمَا لِرَجُلٍ" يقول; ليس معه شرك.وقوله; ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا ) يقول تعالى ذكره; هل يستوي مثلُ هذا الذي يخدم جماعة شركاء سيئة أخلاقهم مختلفة فيه لخدمته مع منازعته شركاءه فيه والذي يخدمُ واحدا لا ينازعه فيه منازع إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه, وإذا أخطأ صفح له عن خطئه, يقول; فأيّ هذين أحسن حالا وأروح جسما وأقلّ تعبا ونصبا؟.كما حدثني محمد بن سعد, قال; ثني أبي, قال; ثني عمي, قال; ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول; من اختُلف فيه خير, أم من لم يُخْتلَف فيه؟.وقوله; ( الْحَمْدُ لِلَّهِ ) يقول; الشكر الكامل, والحمدُ التامّ لله وحده دون كلّ معبود سواه. وقوله; ( بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) يقول جل ثناؤه; وما يستوي هذا المشترك فيه, والذي هو منفرد ملكه لواحد, بل أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعلمون أنهما لا يستويان, فهم بجهلهم بذلك يعبدون آلهة شتى من دون الله. وقيل; ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا ) ولم يقل; مثلين لأنهما كلاهما ضربا مثلا واحدا, فجرى المثل بالتوحيد, كما قال جل ثناؤه; وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً إذ كان معناهما واحدا في الآية.والله أعلم.------------------------الهوامش;(2) قائل هذا ; هو أبو عبيدة في مجاز القرآن (مصورة جامعة القاهرة رقم 26390 الورقة 159) .(3) لم أجد في اللسان ( سلم لله سلما" بالتحريك ، بالمعنى الذي أورده المؤلف هنا .(4) في ( اللسان ; ربح ) ; الربح ( بالكسر ) ، والربح ( بالتحريك ) ، والرباح ( بفتح الراء ) ; النماء في التجر ا هـ . قلت ; وعلى هذا فهما مصدران كما قال المؤلف . وقال ; قال ابن الأعرابي ; الربح والربح ، مثل البدل والبدل . وقال الجوهري ; مثل شبه وشبه ; هو اسم ما ربحه .(5) ضبط الثاني في اللسان ضبط قلم ، بفتح السين وسكون اللام ، عن أبي إسحاق الزجاج ، على أنه قراءة ، ولعله خطأ من الناسخ .
ثم ضرب مثلا للشرك والتوحيد فقال: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا } أي: عبدا { فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } فهم كثيرون، وليسوا متفقين على أمر من الأمور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته، بل هم متشاكسون متنازعون فيه، كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره، فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟{ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ } أي: خالصا له، قد عرف مقصود سيده، وحصلت له الراحة التامة. { هَلْ يَسْتَوِيَانِ } أي: هذان الرجلان { مَثَلًا } ؟ لا يستويان.كذلك المشرك، فيه شركاء متشاكسون، يدعو هذا، ثم يدعو هذا، فتراه لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، والموحد مخلص لربه، قد خلصه اللّه من الشركة لغيره، فهو في أتم راحة وأكمل طمأنينة، فـ { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ } على تبيين الحق من الباطل، وإرشاد الجهال. { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }
(رجلا) بدل من(مثلا) منصوبـ (فيه) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ شركاء
(لرجل) متعلّق بسلم
(هل) حرف استفهام
(مثلا) تمييز منصوبـ (لله) خبر المبتدأ الحمد
(بل) للإضراب الانتقاليّ
(لا) نافية..
جملة: «ضرب الله ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يستويان ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «الحمد لله ... » لا محلّ لها اعتراضيّة دعائيّة.
وجملة: «أكثرهم لا يعلمون» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لا يعلمون» في محلّ رفع خبر المبتدأ أكثرهم.