أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النَّارِ
اَفَمَنۡ حَقَّ عَلَيۡهِ كَلِمَةُ الۡعَذَابِ ؕ اَفَاَنۡتَ تُنۡقِذُ مَنۡ فِى النَّارِ
تفسير ميسر:
أفمن وجبت عليه كلمة العذاب؛ باستمراره على غيِّه وعناده، فإنه لا حيلة لك -أيها الرسول- في هدايته، أفتقدر أن تنقذ مَن في النار؟ لست بقادر على ذلك.
يقول تعالى أفمن كتب الله أنه شقي تقدر تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك؟ أي لا يهديه أحد من بعد الله لأنه من يضلل الله فلا هادي له ومن يهده فلا مضل له.
قوله تعالى ; أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على إيمان قوم وقد سبقت لهم من الله الشقاوة ، فنزلت هذه الآية . قال ابن عباس ; يريد أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان . وكرر الاستفهام في قوله ; " أفأنت " تأكيدا لطول الكلام ، وكذا قال سيبويه في قوله تعالى ; أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون على ما تقدم . والمعنى ; أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه . والكلام شرط وجوابه ، وجيء بالاستفهام ليدل على التوقيف والتقرير . وقال الفراء ; المعنى أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب . والمعنى واحد . وقيل ; إن في الكلام حذفا ، والتقدير ; أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه ، وما بعده مستأنف . وقال ; أفمن حق عليه وقال في موضع آخر ; " حقت كلمة العذاب " لأن الفعل إذا تقدم ووقع بينه وبين الموصوف به حائل جاز التذكير والتأنيث ، على أن التأنيث هنا ليس بحقيقي ، بل الكلمة في معنى الكلام والقول ، أي ; أفمن حق عليه قول العذاب .
القول في تأويل قوله تعالى ; أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)يعني تعالى ذكره بقوله; ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) ; أفمن وجبت عليه كلمة العذاب في سابق علم ربك يا محمد بكفره به.كما حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة, قوله; ( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ ) بكفره.وقوله; ( أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم; أفأنت تنقذ يا محمد من هو في النار من حق عليه كلمة العذاب, فأنت تنقذه، فاستغنى بقوله; ( تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) عن هذا. وكان بعض نحويي الكوفة يقول; هذا مما يراد به استفهام واحد, فيسبق الاستفهام إلى غير موضعه, فيرد الاستفهام إلى موضعه الذي هو له. وإنما المعنى والله أعلم; أفأنت تنقذ من في النار من حقَّت عليه كلمة العذاب. قال; ومثله من غير الاستفهام; أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ فردد " أنكم " مرتين. والمعنى والله أعلم; أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم، ومثله قوله; لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وكان بعضهم يستخطئ القول الذي حكيناه عن البصريين, ويقول; لا تكون في قوله; ( أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ) كناية عمن تقدّم, لا يقال; القوم ضربت من قام, يقول; المعنى; ألتجزئة أفأنت تُنْقذ من في النار منهم. وإنما معنى الكلمة; أفأنت تهدي يا محمد من قد سبق له في علم الله أنه من أهل النار إلى الإيمان, فتنقذه من النار بالإيمان؟ لست على ذلك بقادر.
أي: أفمن وجبت عليه كلمة العذاب باستمراره على غيه وعناده وكفره، فإنه لا حيلة لك في هدايته، ولا تقدر تنقذ من في النار لا محالة.
(الهمزة) للاستفهام
(من) اسم شرط جازم مبتدأ ،
(عليه) متعلّق بـ (حقّ) ،
(الهمزة) توكيد للأولى
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(في النار) متعلّق بمحذوف صلة من.
جملة: «من حقّ عليه كلمة ... » لا محلّ لها استئنافيّة .
وجملة: «حقّ عليه كلمة ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ من.
وجملة: «أنت تنقذ ... » في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء .
وجملة: «تنقذ ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ أنت.