أَجَعَلَ الْءَالِهَةَ إِلٰهًا وٰحِدًا ۖ إِنَّ هٰذَا لَشَىْءٌ عُجَابٌ
اَجَعَلَ الۡاٰلِهَةَ اِلٰهًا وَّاحِدًا ۖۚ اِنَّ هٰذَا لَشَىۡءٌ عُجَابٌ
تفسير ميسر:
وعجِب هؤلاء الكفار مِن بعث الله إليهم بشرا منهم؛ ليدعوهم إلى الله ويخوَّفهم عذابه، وقالوا; إنه ليس رسولا بل هو كاذب في قوله، ساحر لقومه، كيف يصيِّر الآلهة الكثيرة إلهًا واحدًا؟ إنَّ هذا الذي جاء به ودعا إليه لَشيء عجيب.
"أجعل الآلهة إلها واحدا" أي أزعم أن المعبود واحد لا إله إلا هو؟ أنكر المشركون ذلك قبحهم الله تعالى وتعجبوا من ترك الشرك بالله فإنهم قد تلقوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأشربته قلوبهم فلما دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى خلع ذلك من قلوبهم وإفراد الإله بالوحدانية أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا "أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب".
قوله تعالى ; أجعل الآلهة إلها واحدا مفعولان أي ; صير الآلهة إلها واحدا .إن هذا لشيء عجاب أي عجيب . وقرأ السلمي ; " عجاب " بالتشديد . والعجاب والعجاب والعجب سواء . وقد فرق الخليل بين عجيب وعجاب فقال ; العجيب العجب ، والعجاب الذي قد تجاوز حد العجب ، والطويل الذي فيه طول ، والطوال ، الذي قد تجاوز حد الطول . وقال الجوهري ; العجيب الأمر الذي يتعجب منه ، وكذلك العجاب بالضم ، والعجاب بالتشديد أكثر منه ، وكذلك الأعجوبة . وقال مقاتل ; " عجاب " لغة أزد شنوءة . وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ; مرض أبو طالب فجاءت قريش إليه ، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعند رأس أبي طالب مجلس رجل ، فقام أبو جهل كي يمنعه ، قال ; وشكوه إلى أبي طالب ، فقال ; يا ابن أخي ما تريد من قومك ؟ فقال ; يا عم ، إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها الجزية العجم ، فقال ; وما هي ؟ قال ; لا إله إلا الله . قال ; فقالوا أجعل الآلهة إلها واحدا [ ص; 136 ] قال ; فنزل فيهم القرآن ; ص والقرآن ذي الذكر . بل الذين كفروا في عزة وشقاق حتى بلغ إن هذا إلا اختلاق خرجه الترمذي أيضا بمعناه . وقال ; هذا حديث حسن صحيح . وقيل ; لما أسلم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - شق على قريش إسلامه فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا ; اقض بيننا وبين ابن أخيك . فأرسل أبو طالب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ; يا ابن أخي ، هؤلاء قومك يسألونك السواء ، فلا تمل كل الميل على قومك . قال ; وماذا يسألونني ؟ قالوا ; ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم ، فقال أبو جهل ; لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ; قولوا لا إله إلا الله . فنفروا من ذلك وقاموا ، فقالوا ; أجعل الآلهة إلها واحدا فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد . فأنزل الله فيهم هذه الآيات إلى قوله ; كذبت قبلهم قوم نوح .
وقوله ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ) يقول; وقال هؤلاء الكافرون الذين قالوا; محمد ساحر كذاب; أجعل محمد المعبودات كلها واحدا, يسمع دعاءنا جميعنا, ويعلم عبادة كل عابد عبدَه منا( إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) ; أي إن هذا لشيء عجيب.كما حدثنا بشر, قال; ثنا يزيد, قال; ثنا سعيد, عن قتادة ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) قال; عجب المشركون أن دُعوا إلى الله وحده, وقالوا; يسمع لحاجاتنا جميعا إله واحد! ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة.وكان سبب قيل هؤلاء المشركين ما أخبر الله عنهم أنهم قالوه, من ذلك, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال لهم; ( أسألكم أن تجيبوني إلى واحدة تدين لكم بها العرب, وتعطيكم بها الخراج العجم ، فقالوا; وما هي؟ فقال;تقولون لا إله إلا الله, فعند ذلك قالوا; ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ) تعجبا منهم من ذلك ).* ذكر من قال ذلك;حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع, قالا ثنا أبو أسامة, قال; ثنا الأعمش, قال; ثنا عباد, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال; ( لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهل بن هشام فقالوا; إن ابن أخيك يشتم آلهتنا, ويفعل ويفعل, ويقول ويقول, فلو بعثت إليه فنهيته; فبعث إليه, فجاء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فدخل البيت, وبينهم وبين أبي طالب قدر مجلس رجل, قال; فخشي أبو جهل إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرق له عليه, فوثب فجلس في ذلك المجلس, ولم يجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مجلسا قرب عمه, فجلس عند الباب, فقال له أبو طالب; أي ابن أخي, ما بال قومك يشكونك؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم, وتقول وتقول; قال; فأكثروا عليه القول, وتكلم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال; " يا عَمّ إنّي أُرِيدهُمْ عَلى كَلِمَةٍ وَاحِدةٍ يَقُولُونَهَا, تَدِينُ لَهُمْ بِها العَرَبُ, وتُؤَدِّي إلَيْهِم بِها العَجَمُ الجِزْيَةَ", ففزعوا لكلمته ولقوله, فقال القوم; كلمة واحدة؟ نعم وأبيك عَشْرًا; فقالوا; وما هي؟ فقال أبو طالب; وأيّ كلمة هي يا ابن أخي؟ قال; " لا إلَهَ إلا الله "; قال; فقاموا فزِعين ينفضون ثيابهم, وهم يقولون; ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) قال; ونـزلت من هذا الموضع إلى قوله لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ اللفظ لأبي كريب.حدثنا أبو كُرَيب, قال; ثنا معاوية بن هشام, عن سفيان, عن يحيى بن عمارة, عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس, قال; مرض أبو طالب, فأتاه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يعوده, وهم حوله جلوس, وعند رأسه مكان فارغ, فقام أبو جهل فجلس فيه, فقال أبو طالب; يا ابن أخي ما لقومك يشكونك؟ قال; يا عَمّ أُرِيدُهُمْ عَلى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ, وتُؤَدِّي إلَيْهِمْ بِهَا العَجَمُ الجِزْيَةَ قال; ما هي؟ قال; لا إلَهَ إلا الله " فقاموا وهم يقولون; مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ ونـزل القرآن; ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ذي الشرف بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ حتى قوله ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ) .حدثنا ابن وكيع, قال; ثنا يحيى بن سعيد, عن سفيان, عن الأعمش, عن يحيى بن عمارة, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال; مرض أبو طالب, ثم ذكر نحوه, إلا أنه لم يقل ذي الشرف, وقال; إلى قوله ( إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ).حدثنا ابن بشار, قال; ثنا عبد الرحمن, قال; ثنا سفيان, عن الأعمش, عن يحيى بن عمارة, عن سعيد بن جُبَير, قال; مرض أبو طالب, قال; فجاء النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يعوده, فكان عند رأسه مقعدُ رجل, فقام أبو جهل, فجلس فيه, فشَكَوا النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إلى أبي طالب, وقالوا; إنه يقع في آلهتنا, فقال; يا ابن أخي ما تريد إلى هذا؟ قال; " يا عمّ إنَّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ, وتُؤَدِّي إلَيْهِمُ العَجَمُ الْجِزْيَةَ" قال; وما هي؟ قال; " لا إلَهَ إلا الله ", فقالوا; ( أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ).
وذنبه -عندهم- أنه { أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا } أى: كيف ينهى عن اتخاذ الشركاء والأنداد، ويأمر بإخلاص العبادة للّه وحده. { إِنَّ هَذَا } الذي جاء به { لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أي: يقضي منه العجب لبطلانه وفساده.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة