يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ
يَقُوۡلُ اَءِ نَّكَ لَمِنَ الۡمُصَدِّقِيۡنَ
تفسير ميسر:
يقول; كيف تصدِّق بالبعث الذي هو في غاية الاستغراب؟ أإذا متنا وتمزقنا وصرنا ترابًا وعظامًا، نُبعث ونُحاسب ونُجازى بأعمالنا؟
أي أأنت تصدق بالبعث والنشور والحساب والجزاء يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد والكفر والعناد.
يقول أإنك لمن المصدقين أي بالمبعث والجزاء . وقال سعيد بن جبير ; قرينه شريكه . وقد مضى في [ الكهف ] ذكرهما وقصتهما والاختلاف في اسميهما مستوفى عند قوله تعالى ; واضرب لهم مثلا رجلين وفيهما أنزل الله - جل وعز - ; قال قائل منهم إني كان لي قرين إلى من المحضرين . وقرئ ; " أإنك لمن المصدقين " بتشديد الصاد . رواه علي بن كيسة عن سليم عن حمزة . قال النحاس ; ولا يجوز " أإنك لمن المصدقين " لأنه لا معنى للصدقة هاهنا . وقال القشيري ; وفي قراءة عن حمزة " أإنك لمن المصدقين " بتشديد الصاد . واعترض عليه بأن هذا من التصديق لا من التصدق . والاعتراض باطل ; لأن القراءة إذا ثبتت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا مجال للطعن فيها . فالمعنى " أإنك لمن المصدقين " بالمال طلبا في ثواب الآخرة .
القول في تأويل قوله تعالى ; يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52)حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال; ثنا عتاب بن بشير، عن خَصِيف، عن فُرات بن ثعلبة البهراني في قوله ( إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) قال; إن رجلين كانا شريكين، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار، وكان أحدهما له حرفة، والآخر ليس له حرفة، فقال الذي له حرفة للآخر; ليس لك حرفة، ما أُراني &; 21-46 &; إلا مفارقك ومُقاسمك، فقاسمه وفارقه; ثم إن الرجل اشترى دارًا بألف دينار كانت لملك قد مات فدعا صاحبه فأراه، فقال; كيف ترى هذه الدار ابتعتُها بألف دينار؟ قال; ما أحسنها; فلما خرج قال; اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار، وإني أسألك دارًا من دور الجنة، فتَصَدَّقَ بألف دينار; ثم مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم إنه تزوج امرأة بألف دينار، فدعاه وصنع له طعاما; فلما أتاه قال; إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار; قال; ما أحسن هذا; فلما انصرف قال; يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار، وإني أسألك امرأة من الحُور العين، فتصدق بألف دينار; ثم إنه مكث ما شاء الله أن يمكث، ثم اشترى بستانين بألفي دينار، ثم دعاه فأراه، فقال; إني ابتعت هذين البستانين، فقال; ما أحسن هذا; فلما خرج قال; يا رب إن صاحبي قد اشترى بستانين بألفي دينار، وأنا أسألك بستانين من الجنة، فتصدقَ بألفي دينار; ثم إن الملك أتاهما فتوفَّاهما; ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارًا تعجبه، فإذا امرأة تطلع يضيء ما تحتها من حُسنها، ثم أدخله بستانين، وشيئا الله به عليم، فقال عند ذلك; ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا. قال; فإنه ذاك، ولك هذا المنـزل والبستانان والمرأة. قال; فإنه كان لي صاحب يقول; ( أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ ) قيل له; فإنه في الجحيم، قال; فهل أنتم مُطَّلِعون ؟ فاطَّلَعَ فرآه في سواء الجحيم، فقال عند ذلك; تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ . ...الآيات. وهذا التأويل الذي تأوله فرات بن ثعلبة يقوي قراءة من قرأ " إنَّكَ لَمِنَ المُصَّدِّقِينَ" بتشديد الصاد بمعنى; لمن المتصدقين، لأنه يذكر أن الله تعالى ذكره إنما أعطاه ما أعطاه على الصدقة لا على التصديق، وقراءة قراء الأمصار على خلاف ذلك، بل قراءتها بتخفيف الصاد وتشديد الدال، بمعنى; إنكار قرينه عليه التصديق أنه يبعث بعد الموت، كأنه قال; أتصدق بأنك تبعث بعد مماتك، وتُجْزَى بعملك، وتحاسَب؟.
و { يَقُولُ } لي { أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ{
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة