الرسم العثمانيوَمَآ أَنزَلْنَا عَلٰى قَوْمِهِۦ مِنۢ بَعْدِهِۦ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ
الـرسـم الإمـلائـيوَمَاۤ اَنۡزَلۡنَا عَلٰى قَوۡمِهٖ مِنۡۢ بَعۡدِهٖ مِنۡ جُنۡدٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَمَا كُـنَّا مُنۡزِلِيۡنَ
تفسير ميسر:
وما احتاج الأمر إلى إنزال جند من السماء لعذابهم بعد قتلهم الرجل الناصح لهم وتكذيبهم رسلهم، فهم أضعف من ذلك وأهون، وما كنا منزلين الملائكة على الأمم إذا أهلكناهم، بل نبعث عليهم عذابًا يدمرهم.
وقوله تبارك وتعالى "وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين" يخبر تعالى أنه انتقم من قومه بعد قتلهم إياه غضبا منه تبارك وتعالى عليهم لأنهم كذبوا رسله وقتلوا وليه ويذكر عز وجل أنه ما أنزل عليهم وما احتاج في إهلاكه إياهم إلى إنزال جند من الملائكة عليهم بل الأمر كان أيسر من ذلك. قاله ابن مسعود فيما رواه ابن إسحاق عن بعض أصحابه أنه قال في قوله تعالى; "وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين" أي ما كاثرناهم بالجموع الأمر كان أيسر علينا من ذلك.
فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل النقمة على قومه ، فأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم ، فذلك قوله ; وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين أي ; ما أنزلنا عليهم من رسالة ولا نبي بعد قتله ، قاله قتادة ومجاهد والحسن . قال الحسن ; الجند ; الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء . وقيل ; الجند ; العساكر ، أي ; لم أحتج في هلاكهم إلى إرسال جنود ولا جيوش ولا عساكر ، بل أهلكهم بصيحة واحدة . قال معناه ابن مسعود وغيره .فقوله ; " وما كنا منزلين " تصغير لأمرهم ، أي ; أهلكناهم بصيحة واحدة من بعد ذلك الرجل ، أو من بعد رفعه إلى السماء . وقيل ; وما كنا منزلين على من كان قبلهم . الزمخشري ; فإن قلت ; فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق ؟ فقال ; فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وقال ; بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ، بخمسة آلاف من الملائكة مسومين .قلت ; إنما كان يكفي ملك واحد ، فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل ، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة ، ولكن الله فضل محمدا - صلى الله عليه وسلم - بكل شيء على سائر الأنبياء وأولي العزم من الرسل ، فضلا عن حبيب النجار ، وأولاه من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحدا ، فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من السماء ، وكأنه أشار بقوله ; وما أنزلنا . وما كنا منزلين إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك ، وما كنا نفعل لغيرك .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)يقول تعالى ذكره; وما أنـزلنا على قوم هذا المؤمن الذي قتله قومه لدعائه إياهم إلى الله ونصيحته لهم ( مِنْ بَعْدِهِ) يعني; من بعد مهلكه ( مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ ).واختلف أهل التأويل في معنى الجند الذي أخبر الله أنه لم ينـزل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه فقال بعضهم; عُنِي بذلك أنه لم ينـزل الله بعد ذلك إليهم رسالة، ولا بعث إليهم نبيًّا.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن قال; ثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ ) قال; رسالة .حدثنا ابن حميد، قال; ثنا حَكَّام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بَزَّة عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) قال; فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ).وقال آخرون; بل عني بذلك أن الله تعالى ذكره لم يبعث لهم جنودًا يقاتلهم بها، ولكنه أهلكهم بصيحة واحدة.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، قال; ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، أن عبد الله بن مسعود، قال; غضب الله له، يعني لهذا المؤمن، &; 20-511 &; لاستضعافهم إياه غضبةً لم تبق من القوم شيئًا، فعجَّل لهم النقمة بما استحلوا منه، وقال; ( وَمَا أَنـزلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنـزلِينَ ) يقول; ما كاثرناهم بالجموع أي الأمر أيسر علينا من ذلك ( إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) فأهلك الله ذلك الملك وأهل أنطاكية، فبادوا عن وجه الأرض، فلم تبق منهم باقية .وهذا القول الثاني أولى القولين بتأويل الآية، وذلك أن الرسالة لا يقال لها جند إلا أن يكون أراد مجاهد بذلك الرُّسُل، فيكون وجهًا، وإن كان أيضًا من المفهوم بظاهر الآية بعيدًا، وذلك أن الرسل من بني آدم لا ينـزلون من السماء والخبر في ظاهر هذه الآية عن أنه لم ينـزل من السماء بعد مَهْلِك هذا المؤمن على قومه جندًا وذلك بالملائكة أشبه منه ببني آدم.
قال اللّه في عقوبة قومه: [ { وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ] مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ } أي: ما احتجنا أن نتكلف في عقوبتهم، فننزل جندا من السماء لإتلافهم، { وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ } لعدم الحاجة إلى ذلك، وعظمة اقتدار اللّه تعالى، وشدة ضعف بني آدم، وأنهم أدنى شيء يصيبهم من عذاب اللّه يكفيهم
(الواو) استئنافيّة
(ما) نافية
(على قومه) متعلّق بـ (أنزلنا) ،
(من بعده) متعلّق بـ (أنزلنا) ،
(جند) مجرور لفظا منصوب محلّا مفعول به
(من السماء) متعلّق بـ (أنزلنا) ،
(الواو) اعتراضيّة
(ما) نافية ...جملة: «ما أنزلنا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ما كنّا منزلين» لا محلّ لها اعتراضيّة- أو تعليليّة-
(إن) حرف نفي(إلّا) للحصر، واسم
(كانت) محذوف تقديره العقوبة المفهومة من السياق
(الفاء) عاطفة
(إذا) حرف فجاءة.
وجملة: «إن كانت إلّا صيحة ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «هم خامدون..» لا محلّ لها معطوفة على جملة كانت ...
- القرآن الكريم - يس٣٦ :٢٨
Yasin36:28