وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَا۠ فِىٓ أَمْوٰلِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكٰوةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولٰٓئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ
وَمَاۤ اٰتَيۡتُمۡ مِّنۡ رِّبًا لِّيَرۡبُوَا۟ فِىۡۤ اَمۡوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرۡبُوۡا عِنۡدَ اللّٰهِۚ وَمَاۤ اٰتَيۡتُمۡ مِّنۡ زَكٰوةٍ تُرِيۡدُوۡنَ وَجۡهَ اللّٰهِ فَاُولٰٓٮِٕكَ هُمُ الۡمُضۡعِفُوۡنَ
تفسير ميسر:
وما أعطيتم قرضًا من المال بقصد الربا، وطلب زيادة ذلك القرض؛ ليزيد وينمو في أموال الناس، فلا يزيد عند الله، بل يمحقه ويبطله. وما أعطيتم من زكاة وصدقة للمستحقين ابتغاء مرضاة الله وطلبًا لثوابه، فهذا هو الذي يقبله الله ويضاعفه لكم أضعافًا كثيرة.
قال تعالى "وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله" أي من أعطى عطية يريد أن يرد عليه الناس أكثر مما أهدى لهم فهذا لا ثواب له عند الله بهذا فسره ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعكرمة ومحمد بن كعب والشعبي وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه إلا أنه قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة قاله الضحاك واستدل بقوله تعالى "ولا تمنن تستكثر" أي لا تعط العطاء تريد أكثرت منه وقال ابن عباس; الربا رباءان فربا لا يصح يعني ربا البيع وربا لا بأس به وهو هدية الرجل يريد فضلتها وأضعافها ثم تلا هذه الآية "وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله" وإنما الثواب عند الله في الزكاة ولهذا قال تعالى "وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون" أي الذين يضاعف الله لهم الثواب والجزاء كما جاء في الصحيح "وما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه فيربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تصير التمرة أعظم من أحد".
قوله تعالى ; وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون .قوله تعالى ; وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله فيه أربع مسائل ;الأولى ; لما ذكر ما يراد به وجهه ويثيب عليه ذكر غير ذلك من الصفة وما يراد به أيضا وجهه . وقرأ الجمهور ; آتيتم بالمد بمعنى أعطيتم . وقرأ ابن كثير ومجاهد وحميد بغير مد ; بمعنى ما فعلتم من ربا ليربو ; كما تقول ; أتيت صوابا وأتيت خطأ . وأجمعوا على المد في قوله ; وما آتيتم من زكاة . والربا الزيادة ، وقد مضى في ( البقرة ) معناه ، وهو هناك محرم وهاهنا حلال . وثبت بهذا أنه قسمان ; منه حلال ومنه حرام . قال عكرمة في قوله تعالى ; وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال ; الربا ربوان ، ربا حلال وربا حرام ; فأما الربا الحلال فهو الذي يهدى ، يلتمس ما هو أفضل منه . وعن الضحاك في هذه الآية ; هو الربا الحلال الذي يهدى ليثاب ما هو أفضل منه ، لا له ولا عليه ، ليس له فيه أجر وليس عليه فيه إثم . وكذلك قال ابن عباس ; وما آتيتم من ربا يريد هدية الرجل الشيء يرجو أن يثاب أفضل منه ; فذلك الذي لا يربو عند الله ولا يؤجر صاحبه ولكن لا إثم عليه ، وفي هذا المعنى نزلت الآية . قال ابن عباس وابن جبير وطاوس ومجاهد ; هذه آية نزلت في هبة الثواب . قال ابن عطية ; وما جرى مجراها مما يصنعه الإنسان ليجازى عليه ؛ كالسلام وغيره ; فهو وإن كان لا إثم فيه فلا أجر فيه ولا زيادة عند الله تعالى . وقاله القاضي أبو بكر ابن العربي . وفي كتاب النسائي عن عبد الرحمن بن علقمة قال ; قدم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال ; أهدية أم صدقة . فإن كانت هدية فإنما يبتغى بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة ، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله عز وجل قالوا ; لا بل هدية ; فقبلها منهم وقعد معهم يسائلهم [ ص; 35 ] ويسألونه . وقال ابن عباس أيضا وإبراهيم النخعي ; نزلت في قوم يعطون قراباتهم وإخوانهم على معنى نفعهم وتمويلهم والتفضل عليهم ، وليزيدوا في أموالهم على وجه النفع لهم . وقال الشعبي ; معنى الآية أن ما خدم الإنسان به أحدا وخف له لينتفع به في دنياه فإن ذلك النفع الذي يجزي به الخدمة لا يربو عند الله . وقيل ; كان هذا حراما على النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص ; قال الله تعالى ; ولا تمنن تستكثر فنهى أن يعطي شيئا فيأخذ أكثر منه عوضا . وقيل ; إنه الربا المحرم ; فمعنى ; فلا يربو عند الله على هذا القول لا يحكم به لآخذه ، بل هو للمأخوذ منه . قال السدي ; نزلت هذه الآية في ربا ثقيف ; لأنهم كانوا يعملون بالربا وتعمله فيهم قريش .الثانية ; قال القاضي أبو بكر ابن العربي ; صريح الآية فيمن يهب يطلب الزيادة من أموال الناس في المكافأة . قال المهلب ; اختلف العلماء فيمن وهب هبة يطلب ثوابها ، وقال ; إنما أردت الثواب ; فقال مالك ; ينظر فيه ; فإن كان مثله ممن يطلب الثواب من الموهوب له فله ذلك ; مثل هبة الفقير للغني ، وهبة الخادم لصاحبه ، وهبة الرجل لأميره ومن فوقه ; وهو أحد قولي الشافعي . وقال أبو حنيفة ; لا يكون له ثواب إذا لم يشترط ; وهو قول الشافعي الآخر . قال ; والهبة للثواب باطلة لا تنفعه ; لأنها بيع بثمن مجهول . واحتج الكوفي بأن موضوع الهبة التبرع ، فلو أوجبنا فيها العوض لبطل معنى التبرع وصارت في معنى المعاوضات ، والعرب قد فرقت بين لفظ البيع ولفظ الهبة ، فجعلت لفظ البيع على ما يستحق فيه العوض ، والهبة بخلاف ذلك . ودليلنا ما رواه مالك في موطئه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ; أيما رجل وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته حتى يرضى منها . ونحوه عن علي رضي الله عنه قال ; المواهب ثلاثة ; موهبة يراد بها وجه الله ، وموهبة يراد بها وجوه الناس ، وموهبة يراد بها الثواب ; فموهبة الثواب يرجع فيها صاحبها إذا لم يثب منها . وترجم البخاري رحمه الله ( باب المكافأة في الهبة ) وساق حديث عائشة قالت ; كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب [ ص; 36 ] عليها . وأثاب على لقحة ولم ينكر على صاحبها حين طلب الثواب ؛ وإنما أنكر سخطه للثواب وكان زائدا على القيمة . خرجه الترمذي .الثالثة ; ما ذكره علي رضي الله عنه وفصله من الهبة صحيح ; وذلك أن الواهب لا يخلو في هبته من ثلاثة أحوال ; أحدها ; أن يريد بها وجه الله تعالى ويبتغي عليها الثواب منه . والثاني ; أن يريد بها وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها . والثالث ; أن يريد بها الثواب من الموهوب له ; وقد مضى الكلام فيه . وقال صلى الله عليه وسلم ; الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى . فأما إذا أراد بهبته وجه الله تعالى وابتغى عليه الثواب من عنده فله ذلك عند الله بفضله ورحمته ; قال الله عز وجل ; وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون .وكذلك من يصل قرابته ليكون غنيا حتى لا يكون كلا ، فالنية في ذلك متبوعة ; فإن كان ليتظاهر بذلك دنيا فليس لوجه الله ، وإن كان لما له عليه من حق القرابة وبينهما من وشيجة الرحم فإنه لوجه الله .وأما من أراد بهبته وجوه الناس رياء ليحمدوه عليها ويثنوا عليه من أجلها فلا منفعة له في هبته ; لا ثواب في الدنيا ولا أجر في الآخرة ; قال الله عز وجل ; يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس الآية .وأما من أراد بهبته الثواب من الموهوب له فله ما أراد بهبته ، وله أن يرجع فيها ما لم يثب بقيمتها ، على مذهب ابن القاسم ، أو ما لم يرض منها بأزيد من قيمتها ، على ظاهر قول عمر وعلي ، وهو قول مطرف في الواضحة ; أن الهبة ما كانت قائمة العين ، وإن زادت أو نقصت فللواهب الرجوع فيها وإن أثابه الموهوب فيها أكثر منها . وقد قيل ; إنها إذا كانت قائمة العين لم تتغير فإنه يأخذ ما شاء . وقيل ; تلزمه القيمة كنكاح التفويض ، وأما إذا كان بعد فوت الهبة فليس له إلا القيمة اتفاقا ; قاله ابن العربي .[ ص; 37 ] الرابعة ; قوله تعالى ; ( ليربو ) ، قرأ جمهور القراء السبعة ; ليربو بالياء وإسناد الفعل إلى الربا . وقرأنافع وحده ; بضم التاء والواو ساكنة على المخاطبة ; بمعنى تكونوا ذوي زيادات ، وهذه قراءة ابن عباس والحسن وقتادة والشعبي . قال أبو حاتم ; هي قراءتنا . وقرأ أبو مالك ; ( لتربوها ) بضمير مؤنث . فلا يربو عند الله أي لا يزكو ولا يثيب عليه ; لأنه لا يقبل إلا ما أريد به وجهه وكان خالصا له ; وقد تقدم في ( النساء ) . وما آتيتم من زكاة قال ابن عباس ; أي من صدقة . و تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون أي ذلك الذي يقبله ويضاعفه له عشرة أضعافه أو أكثر ; كما قال ; من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة . وقال ; ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة . وقال ; فأولئك هم المضعفون ولم يقل فأنتم المضعفون ؛ لأنه رجع من المخاطبة إلى الغيبة ; مثل قوله ; حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم . وفي معنى المضعفين قولان ; أحدهما ; أنه تضاعف لهم الحسنات كما ذكرنا . والآخر ; أنهم قد أضعف لهم الخير والنعيم ; أي هم أصحاب أضعاف ، كما يقال ; فلان مقو إذا كانت إبله قوية ، أو له أصحاب أقوياء . ومسمن إذا كانت إبله سمانا . ومعطش إذا كانت إبله عطاشا . ومضعف إذا كان إبله ضعيفة ; ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ; اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث الشيطان الرجيم . فالمخبث ; الذي أصابه خبث ، يقال ; فلان رديء أي هو رديء في نفسه . ومردئ ; أصحابه أردئاء .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)يقول تعالى ذكره; وما أعطيتم أيها الناس، بعضكم بعضا من عطية؛ لتزداد في أموال الناس برجوع ثوابها إليه، ممن أعطاه ذلك، (فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ)، يقول; فلا يزداد ذلك عند الله، لأن صاحبه لم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه (وَما آتَيْتمْ مِنْ زَكاةٍ) يقول; وما أعطيتم من صدقة تريدون بها وجه الله، (فَأُوْلَئِكَ) يعني الذين يتصدّقون بأموالهم، ملتمسين بذلك وجه الله (هُمُ المُضْعِفُونَ) يقول; هم الذين لهم الضعف من الأجر والثواب. من قول العرب; أصبح القوم مسمِنين معطِشين، إذا سمنت إبلهم وعطشت.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ) قال; هو ما يعطي الناس بينهم بعضهم بعضا، يعطي الرجل الرجل العطية، يريد أن يعطى أكثر منها.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا عبد الرحمن، قال; ثنا سفيان، عن منصور بن صفية، عن سعيد بن جُبَير (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوالِ النَّاسِ) قال; هو الرجل يعطي الرجل العطية ليثيبه.قال; ثنا يحيى، قال ثنا سفيان، عن منصور بن صفية، عن سعيد بن جُبَير، مثله.حدثنا ابن وكيع، قال; ثني أبي، عن سفيان، عن منصور بن صفية، عن سعيد بن جُبَير (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أموَال النَّاس فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ) قال; الرجل يعطي ليثاب عليه.حدثنا ابن بشار، قال; ثنا يحيى بن سعيد، قال; ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُو فِي أمْوَال النَّاسِ) قال; الهدايا.حدثنا ابن وكيع، قال; ثني أبي، قال; ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال; هي الهدايا.حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُو فِي أمْوَالِ النَّاسِ) قال; يعطي ماله يبتغي أفضل منه.حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا ابن فضيل، عن ابن أبي خالد، عن إبراهيم، قال; هو الرجل يهدي إلى الرجل الهدية؛ ليثيبه أفضل منها.قال; ثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه; هو الرجل يعطي العطية، ويهدي الهدية، ليثاب أفضل من ذلك، ليس فيه أجر ولا وزر.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيرْبُوَ فِي أمْوَالِ النَّاس فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ) قال; ما أعطيت من شيء تريد مثابة الدنيا، ومجازاة الناس ذاك الربا الذي لا يقبله الله، ولا يجزي به.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله; (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النَّاسِ) فهو ما يتعاطى الناس بينهم ويتهادون، يعطي الرجل العطية؛ ليصيب منه أفضل منها، وهذا للناس عامة.وأما قوله; وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ فَهذَا للنبيّ خاصة، لم يكن له أن يعطي إلا لله، ولم يكن يعطي ليعطى أكثر منه.وقال آخرون; إنما عنى بهذا الرجل; يعطي ماله الرجل ليعينه بنفسه، ويخدمه، ويعود عليه نفعه، لا لطلب أجر من الله.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا أبي ومحمد بن فضيل، عن زكريا، عن عامر (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَال النَّاسِ) قال; هو الرجل يلزق بالرجل، فيخفّ له ويخدمه، ويسافر معه، فيجعل له ربح بعض ماله ليجزيه، وإنما أعطاه التماس عونه، ولم يرد وجه الله.وقال آخرون; هو إعطاء الرجل ماله ليكثر به مال من أعطاه ذلك، لا طلب ثواب الله.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن حميد، قال; ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي حصين، عن ابن عباس (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَال النَّاسِ) قال; ألم تر إلى الرجل يقول للرجل; لأموّلنك، فيعطيه، فهذا لا يربو عند الله؛ لأنه يعطيه لغير الله ليثري ماله.قال ثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال; ثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال; سمعت إبراهيم النخعي يقول في قوله; (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَال النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللهِ) قال; كان هذا في الجاهلية، يعطي أحدهم ذا القرابة المال يكثر به ماله.وقال آخرون; ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة، وأما لغيره فحلال.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا أبي، عن أبي روّاد، عن الضحاك (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِبا لِيَرْبُوَ فِي أمْوَال النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ) هذا للنبيّ صلى الله عليه وسلم، هذا الربا الحلال.وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك؛ لأنه أظهر معانيه.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة وبعض أهل مكة، (لِيَرْبُو) بفتح الياء من يربو، بمعنى; وما آتيتم من ربا ليربو ذلك الربا في أموال الناس، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة; (لِتَرْبُوا) بالتاء من تربوا وضمها، بمعنى; وما آتيتم من ربا لتربوا أنتم في أموال الناس.والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار مع تقارب معنييهما؛ لأن أرباب المال إذا أربوا ربا المال، وإذا ربا المال فبإرباء أربابه إياه ربا، فإذا كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيب.وأما قوله; (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ) فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو الذي قلنا.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة قوله; (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدون وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفُونَ) قال; هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالها، وأكثر من ذلك.حدثنا عن عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قَتادة، قال; قال ابن عباس قوله; (وَما آتيتُمْ مِنْ رِبا ليَرْبُوَ فِي أمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللهِ) قال; هي الهبة، يهب الشيء يريد أن يُثاب عليه أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله، لا يؤجر فيه صاحبه، ولا إثم عليه (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ) قال; هي الصدقة تريدون وجه الله (فَأُولَئِكَ هُمُ المُضْعِفونَ) قال معمر; قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل ذلك.
ولما ذكر العمل الذي يقصد به وجهه [من النفقات] ذكر العمل الذي يقصد به مقصد دنيوي فقال: { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُو فِي أَمْوَالِ النَّاسِ } أي: ما أعطيتم من أموالكم الزائدة عن حوائجكم وقصدكم بذلك أن يربو أي: يزيد في أموالكم بأن تعطوها لمن تطمعون أن يعاوضكم عنها بأكثر منها، فهذا العمل لا يربو أجره عند اللّه لكونه معدوم الشرط الذي هو الإخلاص. ومثل ذلك العمل الذي يراد به الزيادة في الجاه والرياء عند الناس فهذا كله لا يربو عند اللّه.{ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أي: مال يطهركم من الأخلاق الرذيلة ويطهر أموالكم من البخل بها ويزيد في دفع حاجة الْمُعْطَى. { تُرِيدُونَ } بذلك { وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ } أي: المضاعف لهم الأجر الذين تربو نفقاتهم عند اللّه ويربيها اللّه لهم حتى تكون شيئا كثيرا.ودل قوله: { وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ } أن الصدقة مع اضطرار من يتعلق بالمنفق أو مع دَيْنٍ عليه لم يقضه ويقدم عليه الصدقة أن ذلك ليس بزكاة يؤجر عليه العبد ويرد تصرفه شرعا كما قال تعالى في الذي يمدح: { الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } فليس مجرد إيتاء المال خيرا حتى يكون بهذه الصفة وهو: أن يكون على وجه يتزكى به المؤتي.
(الواو) استئنافيّة
(ما) اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول به مقدّم
(آتيتم) فعل ماض في محلّ جزم فعل الشرط
(من ربا) متعلّق بحال من ما ،
(اللام) للتعليلـ (يربو) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(في أموال) متعلّق بـ (يربو) ،
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لا) نافية
(عند) ظرف منصوب متعلّق بـ (يربو) .
والمصدر المؤوّلـ (أن يربو ... ) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (آتيتم) .
(الواو) عاطفة
(ما.... من زكاة) مثل ما.. من ربا
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(هم المضعفون) مثل هم المفلحون .
جملة: «آتيتم ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يربو ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «لا يربو ... » في محلّ رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو ... والجملة الاسميّة في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.وجملة: «آتيتم
(الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على جملة آتيتم
(الأولى) .
وجملة: «تريدون ... » في محلّ نصب حال من فاعل آتيتم .
وجملة: «أولئك ... المضعفون» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء، وفي الكلام التفات.