فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ
فَاَمَّا الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ فَهُمۡ فِىۡ رَوۡضَةٍ يُّحۡبَرُوۡنَ
تفسير ميسر:
ويوم تقوم الساعة يفترق أهل الإيمان به وأهل الكفر، فأما المؤمنون بالله ورسوله، العاملون الصالحات فهم في الجنة، يكرَّمون ويسرُّون وينعَّمون.
قال تعالى "فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون" قال مجاهد وقتادة; ينعمون وقال يحيى بن أبي كثير يعني سماع الغناء. والحبرة أعم من هذا كله قال العجاج; فالحمد لله الذي أعطى الحبر موالى الحق إن المولى شكر
فأما الذين آمنوا قال النحاس ; سمعت الزجاج يقول ; معنى ( أما ) دع ما كنا فيه وخذ في غيره . وكذا قال سيبويه ; إن معناها مهما كنا في شيء فخذ في غير ما كنا فيه .[ ص; 12 ] فهم في روضة قال الضحاك ; الروضة الجنة ، والرياض الجنان . وقال أبو عبيد ; الروضة ما كان في تسفل ، فإذا كانت مرتفعة فهي ترعة . وقال غيره ; أحسن ما تكون الروضة إذا كانت في موضع مرتفع غليظ ; كما قال الأعشى ;ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل يضاحك الشمس منها كوكب شرقمؤزر بعميم النبت مكتهل يوما بأطيب منها نشر رائحةولا بأحسن منها إذ دنا الأصلإلا أنه لا يقال لها روضة إلا إذا كان فيها نبت ، فإن لم يكن فيها نبت وكانت مرتفعة فهي ترعة . وقد قيل في الترعة غير هذا . وقال القشيري ; والروضة عند العرب ما ينبت حول الغدير من البقول ; ولم يكن عند العرب شيء أحسن منه . الجوهري ; والجمع روض ورياض ، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها . والروض ; نحو من نصف القربة ماء . وفي الحوض روضة من ماء إذا غطى أسفله . وأنشد أبو عمرو ;وروضة سقيت منها نضوتييحبرون قال الضحاك وابن عباس ; يكرمون . وقيل ينعمون ; وقاله مجاهد وقتادة . وقيل يسرون . السدي ; يفرحون . والحبرة عند العرب ; السرور والفرح ; ذكره الماوردي . وقال الجوهري ; الحبر ; الحبور ؛ وهو السرور ، ويقال ; حبره يحبره ( بالضم ) حبرا وحبرة ; قال تعالى ; فهم في روضة يحبرون أي ينعمون ويكرمون ويسرون . ورجل يحبور يفعول من الحبور . النحاس ; وحكى الكسائي حبرته أي أكرمته ونعمته . وسمعت علي بن سليمان يقول ; هو مشتق من قولهم ; على أسنانه حبرة أي أثر ; ف ( يحبرون ) يتبين عليهم أثر النعيم . والحبر مشتق من هذا . قال الشاعر ;لا تملأ الدلو وعرق فيها أما ترى حبار من يسقيهاوقيل ; أصله من التحبير ؛ وهو التحسين ، ف ( يحبرون ) يحسنون . يقال ; فلان حسن الحبر والسبر إذا كان جميلا حسن الهيئة . ويقال أيضا ; فلان حسن الحبر والسبر ( بالفتح ) ; وهذا كأنه مصدر قولك ; حبرته حبرا إذا حسنته . والأول اسم ; ومنه الحديث ; ( يخرج رجل من [ ص; 13 ] النار ذهب حبره وسبره ) وقال يحيى بن أبي كثير في روضة يحبرون قال ; السماع في الجنة ; وقاله الأوزاعي ، قال ; إذا أخذ أهل الجنة في السماع لم تبق شجرة في الجنة إلا رددت الغناء بالتسبيح والتقديس . وقال الأوزاعي ; ليس أحد من خلق الله أحسن صوتا من إسرافيل ، فإذا أخذ في السماع قطع على أهل سبع سماوات صلاتهم وتسبيحهم . زاد غير الأوزاعي ; ولم تبق شجرة في الجنة إلا رددت ، ولم يبق ستر ولا باب إلا ارتج وانفتح ، ولم تبق حلقة إلا طنت بألوان طنينها ، ولم تبق أجمة من آجام الذهب إلا وقع أهبوب الصوت في مقاصبها فزمرت تلك المقاصب بفنون الزمر ، ولم تبق جارية من جواري الحور العين إلا غنت بأغانيها ، والطير بألحانها ، ويوحي الله تبارك وتعالى إلى الملائكة أن جاوبوهم وأسمعوا عبادي الذين نزهوا أسماعهم عن مزامير الشيطان ، فيجاوبون بألحان وأصوات روحانيين ، فتختلط هذه الأصوات ، فتصير رجة واحدة ، ثم يقول الله جل ذكره ; يا داود قم عند ساق عرشي فمجدني ; فيندفع داود بتمجيد ربه بصوت يغمر الأصوات ويجليها وتتضاعف اللذة ; فذلك قوله تعالى ; فهم في روضة يحبرون . ذكره الترمذي الحكيم رحمه الله . وذكر الثعلبي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يذكر الناس ; فذكر الجنة وما فيها من الأزواج والنعيم ; وفي أخريات القوم أعرابي فقال ; يا رسول الله ، هل في الجنة من سماع ؟ فقال ; نعم يا أعرابي ، إن في الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء خمصانية يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط ، فذلك أفضل نعيم الجنة فسأل رجل أبا الدرداء ; بماذا يتغنين ؟ فقال ; بالتسبيح . والخمصانية ; المرهفة الأعلى ، الخمصانة البطن ، الضخمة الأسفل .قلت ; وهذا كله من النعيم والسرور والإكرام ; فلا تعارض بين تلك الأقوال . وأين هذا من قول الحق ; فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين على ما يأتي . وقوله عليه السلام ; فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . وقد روي ; إن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة ، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش [ ص; 14 ] فتقع في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا طربا . ذكره الزمخشري .
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول; وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه ( فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ) يقول; فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يُسرون، ويلذّذون بالسماع وطيب العيش الهنيّ، وإنما خصّ جلّ ثناؤه ذكر الروضة في هذا الموضع، لأنه لم يكن عند الطرفين أحسن منظرا، ولا أطيب نشرا من الرياض، ويدل على أن ذلك كذلك قول أعشي بني ثعلبة;مـا رَوْضَـةٌ مِن رِياضِ الحُسْن مُعْشِبَةٌخَـضْرَاءُ جـادَ عَلَيْهـا مُسْـبِلٌ هَطِلُيُضَـاحكُ الشَّـمس منهـا كَوْكَبٌ شَرِقٌمُــؤَزَرٌ بعَمِيــمِ النَّبْــتِ مُكْتَهِـلُيَوْمـا بـأطْيَبَ مِنْهـا نَشْـرَ رائحَـةٍوَلا بأحْسَــنَ مِنْهـا إذ دَنـا الأصُـلُ (3)فأعلمهم بذلك تعالى، أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المنظر الأنيق، واللذيذ من الأراييح، والعيش الهنيّ فيما يحبون، ويسرُون به، ويغبطون عليه. و (الحبرة) عند العرب; السرور والغبطة، قال العجاج;فـالْحَمْدُ لِلـهِ الَّـذِي أعْطَـى الحَـبَرْمَــوَالِيَ الحَــقَّ إِنَّ المَـوْلى شَـكَرْ (4)واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم; معنى ذلك; فهم في روضة يكرمون.* ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا أبو صالح، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله; (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قال; يكرمون.وقال آخرون; معناه; ينعمون.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله; ( يُحْبَرُونَ ) قال; ينعمون.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قَتادة في قوله; (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قال; ينعمون.وقال آخرون; يلذذون بالسماع والغناء.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن موسى الحرسي، قال; ثني عامر بن يساف، قال; سألت يحيى بن أبي كثير، عن قول الله; (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) قال; الحبرة; اللذة والسماع.حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي، قال; ثنا ضمرة بن ربيعة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير في قوله; (يُحْبَرُونَ) قال; السماع في الجنة.حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، مثله.حدثنا ابن وكيع، قال; ثنا أبي، عن عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير، مثله.وكل هذه الألفاظ التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلى معنى ما قلنا.-------------------الهوامش ;(3) الأبيات الثلاثة لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ص 57) والرواية فيه; من رياض الحزن. وهو المرتفع من الأرض. وأورد أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة 187) البيت الأول والثالث. والرواية فيه; من رياض الحزم. وهو بمعنى الحزن أي الغليظ من الأرض. قال أبو عبيدة; (في روضة يحبرون); مجازه يفرحون ويسرون. وليس شيء أحسن عند العرب من الرياض المعشبة، ولا أطيب ريحًا؛ قال الأعشى; "ما روضة ..." إلخ. اهـ. قلت; ورواية الحزن أو الحزم أحسن الروايات، ورياض الحزن أطيب من رياض المنخفضات، لأن الريح تهب عليها فتهيج رائحتها، ولأن الأقدام لا تطؤها، ولأن الشمس تضربها من جميع نواحيها فيزكو زرعها وينضر. والمسبل; المطر. والهطل; الغزير، والكوكب النور والشرق ; الزاهي والمؤزر الذي حوله نبات آخر، فهو كالإزار له. والمكتهل; الذي قد بلغ وتم. والنشر; تضوع الرائحة. والأصل; جمع أصيل، وهو وقت الغروب أو قبيله بقليل، حين تصفر الشمس وتدنو من الغروب.(4) البيتان للعجاج ( ديوانه طبع ليبسج سنة 1903 ص 15 ) من أرجوزة يمدح بها عمر بن عبيد الله بن معمر ) و ( مجاز القرآن لأبي عبيدة الورقة 187 - ب ) وقد أورده عطفًا على قول الأعشى الذي قبله. وفي ( اللسان; حبر ) ; الحبر ( بفتح فسكون والحبر ) بفتحتين والحبرة ( بفتح فسكون ) والحبور; كله السرور. قال العجاج; " فالحمد لله ..." البيت من قولهم; حبرني هذا الأمر حبرًا ، أي سرني ، وقد حرك الباء فيهما، وأصله التسكين. وأحبرني الأمر; سرني ويروى الشبر ا هـ .
{ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } آمنوا بقلوبهم وصدقوا ذلك بالأعمال الصالحة { فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ } فيها سائر أنواع النبات وأصناف المشتهيات، { يُحْبَرُونَ } أي: يسرون وينعمون بالمآكل اللذيذة والأشربة والحور الحسان والخدم والولدان والأصوات المطربات والسماع المشجي والمناظر العجيبة والروائح الطيبة والفرح والسرور واللذة والحبور مما لا يقدر أحد أن يصفه.
((الفاء) استئنافيّة
(أمّا) حرف شرط وتفصيلـ (الذين) اسم موصول في محلّ رفع مبتدأ
(الفاء) رابطة لجواب الشرط أمّا
(في روضة) متعلّق بخبر المبتدأ هم ، و (الواو) في(يحبرون) نائب الفاعل.
جملة: «الذين آمنوا..» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «عملوا..» لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: «هم في روضة..» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) .
وجملة: «يحبرون..» في محلّ رفع خبر ثان.
(16)
(الواو) عاطفة
(أمّا الذين كفروا ... ) مثل أمّا الذين آمنوا
(بآياتنا) متعلّق بـ (كذّبوا،)
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(في العذاب) متعلّق بـ (محضرون) خبر المبتدأ
(أولئك) .
وجملة: «الذين كفروا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الذين آمنوا ...وجملة: «كفروا..» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) الثاني.
وجملة: «كذّبوا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
وجملة: «أولئك.. محضرون» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(الذين) .