وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلٰٓئِكَةَ وَالنَّبِيِّۦنَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ
وَلَا يَاۡمُرَكُمۡ اَنۡ تَتَّخِذُوا الۡمَلٰٓٮِٕكَةَ وَالنَّبِيّٖنَ اَرۡبَابًا ؕ اَيَاۡمُرُكُمۡ بِالۡكُفۡرِ بَعۡدَ اِذۡ اَنۡـتُمۡ مُّسۡلِمُوۡنَ
تفسير ميسر:
وما كان لأحد منهم أن يأمركم باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا تعبدونهم من دون الله. أَيُعْقَلُ -أيها الناس- أن يأمركم بالكفر بالله بعد انقيادكم لأمره؟
ثم قال الله تعالى "ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا" أي ولا يأمركم بعبادة أحد غير الله لا نبي مرسل ولا ملك مقرب "أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون" أي لا يفعل ذلك إلا من دعا إلى عبادة غير الله ومن دعا إلى عبادة غير الله فقد دعا إلى الكفر والأنبياء إنما يأمرون بالإيمان وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" وقال تعالى "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" الآية وقال "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الله آلهة يعبدون" وقال إخبارا عن الملائكة "ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين".
قوله تعالى ; ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمونقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بالنصب عطفا على أن يؤتيه . ويقويه أن اليهود قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ; أتريد أن نتخذك يا محمد ربا ؟ فقال الله تعالى ; ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة - إلى قوله ; ولا يأمركم . وفيه ضمير البشر ، أي ولا يأمركم البشر يعني عيسى وعزيرا . وقرأ الباقون بالرفع على الاستئناف والقطع من الكلام الأول ، وفيه ضمير اسم الله عز وجل ، أي ولا يأمركم الله أن تتخذوا . ويقوي هذه القراءة أن في مصحف عبد الله ( ولن يأمركم ) فهذا يدل على الاستئناف ، والضمير أيضا لله عز وجل ; ذكره مكي ، وقال سيبويه والزجاج . وقال ابن جريج وجماعة ; ولا يأمركم محمد عليه السلام . وهذه قراءة أبي عمرو والكسائي وأهل الحرمين . أن تتخذوا أي بأن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا . وهذا موجود [ ص; 117 ] في النصارى يعظمون الأنبياء والملائكة حتى يجعلوهم لهم أربابا .أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون على طريق الإنكار والتعجب ; فحرم الله تعالى على الأنبياء أن يتخذوا الناس عبادا يتألهون لهم ولكن ألزم الخلق حرمتهم . وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ; لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي . وفي التنزيل اذكرني عند ربك . وهناك يأتي بيان هذا المعنى إن شاء الله تعالى .
القول في تأويل قوله ; وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)قال أبو جعفر; اختلفت القرأة في قراءة قوله; " ولا يأمركم ".فقرأته عامة قرأة الحجاز والمدينة; ( وَلا يَأْمُرُكُمْ )، على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأمركم، أيها الناس، أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا. واستشهد قارئو ذلك كذلك بقراءة ذكروها عن ابن مسعود أنه كان يقرؤها، وهي; ( " وَلَنْ يَأْمُرَكُمْ " )، فاستدلوا بدخول " لن "، على انقطاع الكلام عما قبله، وابتداء خبر مستأنف. قالوا; فلما صير مكان " لن " في قراءتنا " لا "، وجبت قراءَته بالرفع. (20)* * *وقرأه بعض الكوفيين والبصريين; ( وَلا يَأْمُرَكُمْ )، بنصب " الراء " ، عطفًا على قوله; ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ . وكان تأويله عندهم; ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب، ثم يقولَ للناس، ولا أن يأمرَكم = بمعنى; ولا كان له أن يأمرَكم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا.* * *قال أبو جعفر; وأولى القراءتين بالصواب في ذلك; " ولا يأمرَكم "، بالنصب على الاتصال بالذي قبله، بتأويل; (21) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتابَ والحكمَ والنبوةَ، ثم يقولَ للناس كونوا عبادًا لي من دون الله = ولا أنْ يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا. لأن الآية نـزلت في سبب القوم الذين قالوا لرسول &; 6-548 &; الله صلى الله عليه وسلم; (22) " أتريد أن نعبدك "؟ فأخبرهم الله جل ثناؤه أنه ليس لنبيّه صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناسَ إلى عبادة نفسه، ولا إلى اتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا. ولكن الذي له; أنْ يدعوهم إلى أن يكونوا ربانيين.* * *فأما الذي ادَّعى من قرأ ذلك رفعًا، (23) أنه في قراءة عبد الله; " ولن يأمركم " استشهادًا لصحة قراءته بالرفع، فذلك خبر غيرُ صحيح سَنَده، وإنما هو خبر رواه حجاج، عن هارون الأعور (24) أنّ ذلك في قراءة عبد الله كذلك. ولو كان ذلك خبرًا صحيحًا سنده، لم يكن فيه لمحتجٍّ حجة. لأن ما كان على صحته من القراءة من الكتاب الذي جاءَ به المسلمون وراثةً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، لا يجوز تركه لتأويلٍ على قراءة أضيفت إلى بعض الصحابة، (25) بنقل من يجوز في نقله الخطأ والسهو.* * *&; 6-549 &;قال أبو جعفر; فتأويل الآية إذًا; وما كان للنبي أن يأمركم، أيها الناس، (26) " أن يتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا " = يعني بذلك آلهة يعبدون من دون الله =، كما ليس له أن يقول لهم; كونوا عبادًا لي من دون الله.* * *ثم قال جل ثناؤه = نافيًا عن نبيّه صلى الله عليه وسلم أن يأمرَ عباده بذلك =; " أيأمُركم بالكفر "، أيها الناس، نبيُّكم، بجحود وحدانية الله =" بعد إذ أنتم مسلمون "، يعني; بعد إذ أنتم له منقادون بالطاعة، متذللون له بالعبودة = (27) أي أن ذلك غير كائن منه أبدًا. وقد;-7322 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال; " ولا يأمركم " النبيُّ صلى الله عليه وسلم =" أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربايًا ".----------------------الهوامش ;(20) هذا وجه ذكره الفراء في معاني القرآن 1; 224 ، 225.(21) في المطبوعة والمخطوطة; "بتأول" ، والسياق يقتضي ما أثبت.(22) في المطبوعة; "في سب القوم.." ، وهو باطل المعنى ، ولم يحسن قراءة المخطوطة ، لأنها غير منقوطة ، يعني بقوله; "في سب القوم..." ، من جراء القوم وبسبب قولهم ما قالوا.(23) يعني الفراء كما أسلفنا في التعليق رقم; 1 ، ص; 547.(24) في المطبوعة والمخطوطة; ". . . عن هارون لا يجوز أن ذلك..." ، وهو كلام بلا معنى ، جعل الناشرين الأولين للتفسير يكتبون في وجوه تأويلها وتصويبها خلطًا لا معنى له أيضًا ، والصواب ما أثبت. وهذا من التصحيف الغريب في نسخ النساخ.وحجاج ، هو; "حجاج بن محمد المصيصي الأعور" سكن بغداد ، ثم تحول إلى المصيصة قال أحمد; "ما كان أضبطه وأشد تعاهده للحروف" ورفع أمره جدًا. كان ثقة صدوقًا ، ثم تحول من المصيصة فعاد إلى بغداد في حاجة له ، فمات بها سنة 206 ، وعند مرجعه هذا إلى بغداد كان قد تغير وخلط ، فرآه يحيى بن معين ، فقال لابنه; "لا تدخل عليه أحدًا" ، ولكن روى الحافظ في ترجمة سنيد ابن داود ما يدل على أن حجاجًا قد حدث في حال اختلاطه ، حتى ذكره أبو العرب القيرواني في الضعفاء ، لسبب الاختلاط. وأخشى أن يكون الطبري ، إنما أشار إلى هذا ، وإلى رواية سنيد عنه في حال اختلاطه ، فقال إن إسناده غير صحيح ، لأنه من رواية سنيد عنه.وأما "هارون الأعور" فهو; "هارون بن موسى أبو عبد الله الأعور العتكي" علامة صدوق نبيل ، له قراءة معروفة. وهو من الثقات. وكلاهما مترجم في التهذيب ، وفي الطبقات القراء لابن الجزري.(25) في المطبوعة; "لتأويل نحو قراءة..." ، وهي عبارة مريضة ، وسبب ذلك أنه لم يحسن قراءة"على" لسوء حظ الناسخ ، فكتبها"نحو" ، فمرضت العبارة.(26) في المخطوطة; "وما كان للنبي أن يأمر الناس أن يتخذوا..." ، وهي عبارة مستقيمة المعنى ، أما المخطوطة فقد كانت فيها عجيبة من عجائب التصحيف - وقد كثر تصحيف الناسخ في هذا الموضع كما ترى وذلك أنه كتب; "وما كان للنبي أن يأمر كما نهى الناس" ، وصل ألف"أيها" بالميم في"يأمركم" ، ثم قرأ"يها" من"أيها" ، "نهى" ، وكتبها كذلك. وكأن الناسخ كان قد تعب وكل ، فكل مع كلالة ذهنه. وجاء الناشر ، فلم يجد لذلك معنى فحذفه. كل هو أيضًا من كثرة تصحيف الناسخ!!(27) في المطبوعة; "بالعبودية" ، وأثبت ما في المخطوطة ، ولم يدع الناشر كلمة"العبودة" إلا جعلها"العبودية" في كل ما سلف. انظر آخر تعليق على ذلك ص; 404 ، تعليق; 2.
{ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا } وهذا تعميم بعد تخصيص، أي: لا يأمركم بعبادة نفسه ولا بعبادة أحد من الخلق من الملائكة والنبيين وغيرهم { أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } هذا ما لا يكون ولا يتصور أن يصدر من أحد من الله عليه بالنبوة، فمن قدح في أحد منهم بشيء من ذلك فقد ارتكب إثما عظيما وكفرا وخيما.
(الواو) عاطفة
(لا) نافية
(يأمر) مضارع منصوب معطوف على فعل يؤتي- في الآية السابقة- و (كم) ضمير مفعول به، والفاعل هو (أن) حرف مصدريّ ونصبـ (تتّخذوا) مضارع منصوب بأن وعلامة النصب حذف النون.. والواو فاعلـ (الملائكة) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(النبيّين) معطوف على الملائكة منصوب مثله وعلامة النصب الياء
(أربابا) مفعول به ثان عامله تتخذوا وهو منصوب.
والمصدر المؤوّلـ (أن تتّخذوا ... ) في محلّ نصب مفعول به ثان عامله يأمركم » .
(الهمزة) للاستفهام الانكاريّ
(يأمر) مضارع مرفوع و (كم) ضميرمفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بالكفر) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يأمركم) ،
(بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (يأمركم) ،
(إذ) اسم ظرفيّ مبنيّ على السكون في محلّ جرّ مضاف إليه
(أنتم) ضمير منفصل مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(مسلمون) خبر مرفوع وعلامة الرفع الواو.
جملة: «لا يأمركم» لا محلّ لها معطوفة على جملة صلة الموصول الحرفيّ يؤتيه الله الكتاب..» في الآية السابقة.
وجملة: «تتّخذوا» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ أن.
وجملة: «أيأمركم بالكفر» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أنتم مسلمون» في محلّ جرّ مضاف إليه.