بَلٰى مَنْ أَوْفٰى بِعَهْدِهِۦ وَاتَّقٰى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
بَلٰى مَنۡ اَوۡفٰى بِعَهۡدِهٖ وَاتَّقٰى فَاِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الۡمُتَّقِيۡنَ
تفسير ميسر:
ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكاذبون، فإن المتقي حقاً هو من أوفى بما عاهد الله عليه من أداء الأمانة والإيمان به وبرسله والتزم هديه وشرعه، وخاف الله عز وجل فامتثل أمره وانتهى عما نهى عنه. والله يحب المتقين الذين يتقون الشرك والمعاصي.
قال تعالى "بلى من أوفى بعهده واتقى" أي لكن من أوفى بعهده واتقى منكم يا أهل الكتاب الذي عاهدكم الله عليه من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث كما أخذ العهد والميثاق على الأنبياء وأممهم بذلك واتقى محارم الله واتبع طاعته وشريعته التي بعث بها خاتم رسله وسيدهم فإن الله يحب المتقين.
قوله تعالى ; بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين" من " رفع بالابتداء وهو شرط . و أوفى في موضع جزم . و اتقى معطوف عليه ، أي واتقى الله ولم يكذب ولم يستحل ما حرم عليه . فإن الله يحب المتقين أي يحب أولئك . وقد تقدم معنى حب الله لأوليائه . والهاء في قوله بعهده راجعة إلى الله عز وجل . وقد جرى ذكره في قوله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ويجوز أن تعود على الموفي ومتقي الكفر والخيانة ونقض العهد . والعهد مصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول .
القول في تأويل قوله ; بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)قال أبو جعفر; وهذا إخبار من الله عز وجل عمَّا لمنْ أدَّى أمانته إلى من ائتمنه عليها اتقاءَ الله ومراقبتَه، عنده. (41) فقال جل ثناؤه; ليس الأمر كما يقول هؤلاء الكاذبون على الله من اليهود، من أنه ليس عليهم في أموَال الأميين حرج ولا إثم، ثمّ قال; بلى، ولكن من أوفى بعهده واتقى - يعني; ولكن الذي أوفى بعهده، وذلك وصيته إياهم التي أوصاهم بها في التوراة، من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به. (42)* * *و " الهاء " في قوله; " من أوفى بعهده "، عائدة على اسم " الله " في قوله; وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ .* * *يقول; بلى من أوفى بعهد الله الذي عاهده في كتابه، فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وصَدّق به وبما جاء به من الله، من أداء الأمانة إلى من ائتمنه عليها، وغير ذلك من أمر الله ونهيه =" واتقى "، يقول; واتقى ما نهاه الله عنه من الكفر به، وسائر معاصيه التي حرّمها عليه، فاجتنبَ ذلك مراقبةَ وعيد الله وخوفَ عقابه =" فإنّ الله يحبّ المتقين "، يعني; فإن الله يحب الذين يتقونه فيخافون عقابه ويحذرون عذابه، فيجتنبون ما نهاهم عنه وحرّمه عليهم، ويطيعونه فيما أمرهم به.* * *وقد روى عن ابن عباس أنه كان يقول; هو اتقاء الشرك.7277 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله; " بلى من أوفى بعهده واتقى " يقول; اتقى الشرك =" فإنّ الله يحب المتقين "، يقول; الذين يتقون الشرك.* * *وقد بينا اختلافَ أهل التأويل في ذلك والصوابَ من القول فيه، بالأدلة الدّالة عليه، فيما مضى من كتابنا، بما فيه الكفاية عن إعادته. (43)-----------------------------الهوامش ;(41) في المطبوعة; "هذا إخبار من الله عز وجل عمن أدى أمانته إلى من ائتمنه عليها اتقاء الله ومراقبته وعيده" ، والذي أثبت هو نص المخطوطة ، وهو الصواب المحض. والسياق; "وهذا إخبار من الله... عما لمن أدى أمانته... عنده". وقوله; "واتقاء الله ومراقبته" على النصب فيهما ، مفعول لأجله.(42) انظر بيان معنى"أوفى" فيما سلف 1; 557-559 / 3; 348. وانظر تفسير"العهد" فيما سلف 1; 410-414 ، ثم 557-559 / 3; 20-24 ، 348 ، 349.(43) انظر تفسير"اتقى" و"التقوى" فيما سلف 1; 232 ، 233 ، 364 / 2; 181 ، 457 / 4; 162 ، 244 ، 425 ، 426 / ثم 6; 261.
فقال { بلى } أي: ليس الأمر كما تزعمون أنه ليس عليكم في الأميين حرج، بل عليكم في ذلك أعظم الحرج وأشد الإثم. { من أوفى بعهده واتقى } والعهد يشمل العهد الذي بين العبد وبين ربه، وهو جميع ما أوجبه الله على العبد من حقه، ويشمل العهد الذي بينه وبين العباد، والتقوى تكون في هذا الموضع، ترجع إلى اتقاء المعاصي التي بين العبد وبين ربه، وبينه وبين الخلق، فمن كان كذلك فإنه من المتقين الذين يحبهم الله تعالى، سواء كانوا من الأميين أو غيرهم، فمن قال ليس علينا في الأميين سبيل، فلم يوف بعهده ولم يتق الله، فلم يكن ممن يحبه الله، بل ممن يبغضه الله، وإذا كان الأمييون قد عرفوا بوفاء العهود وبتقوى الله وعدم التجرئ على الأموال المحترمة، كانوا هم المحبوبين لله، المتقين الذين أعدت لهم الجنة، وكانوا أفضل خلق الله وأجلهم، بخلاف الذين يقولون ليس علينا في الأميين سبيل، فإنهم داخلون في قوله: { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا } ويدخل في ذلك كل من أخذ شيئا من الدنيا في مقابلة ما تركه من حق الله أو حق عباده، وكذلك من حلف على يمين يقتطع بها مال معصوم فهو داخل في هذه الآية، فهؤلاء { لا خلاق لهم في الآخرة } أي: لا نصيب لهم من الخير { ولا يكلمهم الله } يوم القيامة غضبا عليهم وسخطا، لتقديمهم هوى أنفسهم على رضا ربهم { ولا يزكيهم } أي: يطهرهم من ذنوبهم، ولا يزيل عيوبهم { ولهم عذاب أليم } أي: موجع للقلوب والأبدان، وهو عذاب السخط والحجاب، وعذاب جهنم، نسأل الله العافية.
(بلى) حرف جواب، وهو إيجاب لما نفوه من قولهم
(ليس علينا في الأميّين سبيل) ،
(من) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ
(أوفى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف في محلّ
جزم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (بعهد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أوفى) ، و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(اتّقى) مثل أوفي ومعطوف عليه
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(إنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(الله) لفظ الجلالة اسم إنّ منصوبـ (يحبّ) مضارع مرفوع والفاعل هو (المتّقين) مفعول به منصوب.
جملة: من أوفى ... لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أوفى» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(من) .
وجملة: «اتّقى» في محلّ رفع معطوفة على جملة أوفى.
وجملة: «إنّ الله يحب» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «يحبّ المتّقين» في محلّ رفع خبر إنّ.