وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتٰبِ ءَامِنُوا بِالَّذِىٓ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوٓا ءَاخِرَهُۥ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
وَقَالَتۡ طَّآٮِٕفَةٌ مِّنۡ اَهۡلِ الۡكِتٰبِ اٰمِنُوۡا بِالَّذِىۡۤ اُنۡزِلَ عَلَى الَّذِيۡنَ اٰمَنُوۡا وَجۡهَ النَّهَارِ وَاكۡفُرُوۡۤا اٰخِرَهٗ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُوۡنَۚ
تفسير ميسر:
وقالت جماعة من أهل الكتاب من اليهود; صدِّقوا بالذي أُنزل على الذين آمنوا أول النهار واكفروا آخره؛ لعلهم يتشككون في دينهم، ويرجعون عنه.
"وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" الآية. هذه مكيدة أرادوها ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم وهو أنهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين ولهذا قالوا "لعلهم يرجعون" وقال ابن أبي نجيح; عن مجاهد في قوله تعالى إخبارا عن اليهود بهذه الآية يعني يهودا صلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الصبح وكفروا آخر النهار مكرا منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه. وقال العوفي عن ابن عباس; قالت طائفة من أهل الكتاب إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا وهكذا روى عن قتادة والسدي والربيع وأبي مالك.
قوله تعالى ; وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون[ ص; 105 ] نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وغيرهما ، قالوا للسفلة من قومهم ; آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار ، يعني أوله . وسمي وجها لأنه أحسنه ، وأول ما يواجه منه أوله . قال الشاعر ;وتضيء في وجه النهار منيرة كجمانة البحري سل نظامهاوقال آخر ;من كان مسرورا بمقتل مالك فليأت نسوتنا بوجه نهاروهو منصوب على الظرف ، وكذلك ( آخره ) . ومذهب قتادة أنهم فعلوا ذلك ليشككوا المسلمين . والطائفة ; الجماعة ، من طاف يطوف ، وقد يستعمل للواحد على معنى نفس طائفة . ومعنى الآية أن اليهود قال بعضهم لبعض ; أظهروا الإيمان بمحمد في أول النهار ثم اكفروا به آخره ; فإنكم إذا فعلتم ذلك ظهر لمن يتبعه ارتياب في دينه فيرجعون عن دينه إلى دينكم ، ويقولون إن أهل الكتاب أعلم به منا . وقيل ; المعنى آمنوا بصلاته في أول النهار إلى بيت المقدس فإنه الحق ، واكفروا بصلاته آخر النهار إلى الكعبة لعلهم يرجعون إلى قبلتكم ; عن ابن عباس وغيره . وقال مقاتل ; معناه أنهم جاءوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - أول النهار ورجعوا من عنده فقالوا للسفلة ; هو حق فاتبعوه ، ثم قالوا ; حتى ننظر في التوراة ثم رجعوا في آخر النهار فقالوا ; قد نظرنا في التوراة فليس هو به . يقولون إنه ليس بحق ، وإنما أرادوا أن يلبسوا على السفلة وأن يشككوا فيه .
القول في تأويل قوله جل ثناؤه ; وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)قال أبو جعفر; اختلف أهل التأويل في صفة المعنى الذي أمرت به هذه الطائفة مَنْ أمرَت به; من الإيمان وجهَ النهار، وكفرٍ آخره. (5)فقال بعضهم; كان ذلك أمرًا منهم إياهم بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في نبوّته وما جاء به من عند الله، وأنه حق، في الظاهر = (6) من غير تصديقه في ذلك بالعزم واعتقاد القلوب على ذلك = وبالكفر به وجحود ذلك كله في آخره.ذكر من قال ذلك;&; 6-507 &;7231 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله; "آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره "، فقال بعضهم لبعض; أعطوهم الرضى بدينهم أوّل النهار، واكفروا آخره، فإنه أجدر أن يصدّقوكم، ويعلموا أنكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون، وهو أجدَرُ أن يرجعوا عن دينهم.7232 - حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد، عن حصين، عن أبي مالك في قوله; "آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره "، قال; قالت اليهود; آمنوا معهم أوّل النهار، واكفروا آخره، لعلهم يرجعون معكم.7233 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون "، كان أحبارُ قُرَى عربيةَ اثني عشر حبرًا، (7) فقالوا لبعضهم; ادخلوا في دين محمد أول النهار، وقولوا; " نشهد أن محمدًا حقّ صادقٌ"، فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا; " إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم، فحدَّثونا أن محمدًا كاذب، وأنكم لستم على شيء، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم "، لعلهم يشكّون، يقولون; هؤلاء كانوا معنا أوّل النهار، فما بالهم؟ فأخبر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك.7234 - حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن حصين، عن أبي مالك الغفاري قال; قالت اليهود بعضهم لبعض; أسلِموا أول النهار، وارتدُّوا آخره لعلهم يرجعون. فأطلع الله على سرّهم، فأنـزل الله عز وجل; &; 6-508 &; " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون ".* * *وقال آخرون; بل الذي أمرَت به من الإيمان; الصلاةُ، وحضورها معهم أول النهار، وتركُ ذلك آخرَه.ذكر من قال ذلك;7235 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل; "آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار "، يهودُ تقوله. صلَّت مع محمد صلاةَ الصبح، وكفروا آخرَ النهار، مكرًا منهم، ليُرُوا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالةُ، بعد أن كانوا اتَّبعوه.7236 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بمثله.7237 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله; " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار "، الآية، وذلك أنّ طائفة من اليهود قالوا; إذا لقيتم أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم أوّل النهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم، لعلهم يقولون; هؤلاء أهلُ الكتاب، وهم أعلم منا! لعلهم ينقلبون عن دينهم، ولا تُؤمنوا إلا لمن تَبع دينكم.* * *قال أبو جعفر; فتأويل الكلام إذًا; " وقالت طائفة من أهل الكتاب "، يعني; من اليهود الذين يقرأون التوراة ="آمنوا " صدّقوا =" بالذي أنـزل على الذين آمنوا "، وذلك ما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من الدين الحقّ وشرائعه وسننه =" وجه النهار "، يعني; أوّل النهار.* * *وسمَّى أوّله " وجهًا " له، لأنه أحسنه، وأوّلُ ما يواجه الناظرَ فيراه منه، كما يقال لأول الثوب; " وجهه "، وكما قال ربيع بن زياد;مَـنْ كَـانَ مَسْـرُورًا بمَقْتَـلِ مَـالِكٍفَلْيَــأْتِ نِسْــوَتَنَا بِوَجْــهِ نَهَــارِ (8)* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;7238 - حدثنا بشر قال حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " وجه النهار "، أوّلَ النهار.7239 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع; " وجه النهار "، أول النهار =" واكفروا آخره "، يقول; آخر النهار.7240 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد; (آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره)، قال قال; صلوا معهم الصبح، ولا تصلّوا معهم آخرَ النهار، لعلكم تستزلُّونهم بذلك.* * *وأما قوله; " واكفروا آخره "، فإنه يعني به، أنهم قالوا; واجحدوا ما صدَّقتم به من دينهم في وَجه النهار، في آخر النهار =" لعلهم يرجعون " ; يعني بذلك; لعلهم يرجعون عن دينهم معكم ويَدَعونه; كما;-7241 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " لعلهم يرجعون "، يقول; لعلهم يدَعون دينهم، ويرجعون إلى الذي أنتم عليه.7242 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.7243 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; " لعلهم يرجعون "، لعلهم ينقلبون عن دينهم.7244 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " لعلهم يرجعون "، لعلهم يشكّون.7245 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قوله; " لعلهم يرجعون "، قال; يرجعون عن دينهم.-------------------الهوامش ;(5) في المطبوعة; "والكفر آخره" غير ما في المخطوطة ، وهو صواب متمكن.(6) سياق قوله; "بتصديق النبي... في الظاهر".(7) في المطبوعة; "قرى عرينة" وهي قراءة فاسدة للمخطوطة ، إذ كانت غير منقوطة وجاءت على الصواب في الدر المنثور 2; 42. وانظر معجم ما استعجم; 929 ، فهو اسم مكان.(8) مجاز القرآن 1; 97 ، حماسة أبي تمام 3; 26 ، والأغاني 16; 27 ، والخزانة 3; 538 ، واللسان (وجه) وغيرها ، من أبياته التي قالها حين قتل حميمه مالك بن زهير ، وحمى لقتله ، واستعد لطلب ثأره ، وبعد البيت ، وهو من تمامه.يَجِــدِ النَّسَــاءَ حَوَاسِــرًا يَنْدُبْنَـهُيَبْكِــينَ قَبْــلَ تَبَلُّــج الأسْــحَارِقَــدْ كُـنَّ يَخْبَــأْنَ الوُجُـوهُ تَسَـتُّرًافَــالْيَوْمَ حِــينَ بَــرَزْنَ للنظّــارِيَخْمِشـنَ حُـرَّاتِ الوُجُـوهِ عَلَى امْرِئٍسَــهْلِ الخليقــةِ طَيِّــبِ الأخبـارِقالوا في معنى البيت الشاهد; "يقول; من كان مسرورًا بمقتل مالك ، فلا يشتمن به ، فإنا قد أدركنا ثأره به. وذلك أن العرب كانت تندب قتلاها بعد إدراك الثأر". ومعنى البيت عندي شبيه بذلك ، إلا أن قوله; "فليأت نسوتنا بوجه نهار" ، أراد به أنه مدرك ثأره من فوره ، فمن شاء أن يعرف برهان ذلك ، فليأت ليشهد المأتم قد قام يبكيه في صبيحة مقتله. يذكر تعجيله في إدراك الثأر ، كأنه قد كان. وتأويل ذلك أنه قال هذه الأبيات لامرأته قبل مخرجه إلى قتال الذين قتلوا مالكًا ، فقال لامرأته ذلك ، يعلمها أنه مجد في طلب الثأر ، وأنه لن يمرض في طلبه ، بل هو مدركه من فوره هذا.
ثم أخبر تعالى عن ما همت به هذه الطائفة الخبيثة، وإرادة المكر بالمؤمنين، فقال { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره } أي: ادخلوا في دينهم على وجه المكر والكيد أول النهار، فإذا كان آخر النهار فاخرجوا منه { لعلهم يرجعون } عن دينهم، فيقولون لو كان صحيحا لما خرج منه أهل العلم والكتاب، هذا الذي أرادوه عجبا بأنفهسم وظنا أن الناس سيحسنون ظنهم بهم ويتابعونهم على ما يقولونه ويفعلونه، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
(الواو) استئنافيّة
(قالت) فعل ماض..
(التاء) التأنيث
(طائفة) فاعل مرفوع
(من أهل) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لطائفة
(الكتاب) مضاف إليه مجرور
(آمنوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون والواو فاعلـ (الباء) حرف جرّ
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (آمنوا) ،
(أنزل) فعل ماض مبنيّ للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر تقديره هو، وهو العائد
(على الذين) مثل بالذي متعلّق بـ (أنزل) ،
(آمنوا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ.. والواو فاعلـ (وجه) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (آمنوا) ،
(النهار) مضاف إليه مجرور
(الواو) عاطفة
(اكفروا آخره) مثل آمنوا وجه ... والظرف متعلّق بفعل اكفروا.. والهاء مضاف إليه
(لعلّ) حرف مشبّه بالفعل للترجّي و (هم) ضمير متّصل اسم لعلّ في محلّ نصبـ (يرجعون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل.
جملة: «قالت طائفة» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «آمنوا» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «أنزل» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «آمنوا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «اكفروا» في محلّ نصب معطوفة على جملة آمنوا الطلبيّة.
وجملة: «لعلّهم يرجعون» لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: «يرجعون» في محلّ رفع خبر لعلّ.