هو الذي أنزل عليك الكتابالقول في تأويل قوله تعالى ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب } يعني بقوله جل ثناؤه ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب } أن الله الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , { هو الذي أنزل عليك الكتاب } يعني بالكتاب ; القرآن . وقد أتينا على البيان فيما مضى عن السبب الذي من أجله سمي القرآن كتابا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهاتوأما قوله ; { منه آيات محكمات } فإنه يعني من الكتاب آيات , يعني بالآيات آيات القرآن . وأما المحكمات ; فإنهن اللواتي قد أحكمن بالبيان والتفصيل , وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جعلن أدلة عليه من حلال وحرام , ووعد ووعيد , وثواب وعقاب , وأمر وزجر , وخبر ومثل , وعظة وعبر , وما أشبه ذلك . ثم وصف جل ثناؤه هؤلاء الآيات المحكمات بأنهن هن أم الكتاب , يعني بذلك أنهن أصل الكتاب الذي فيه عماد الدين والفرائض والحدود , وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم , وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم . وإنما سماهن أم الكتاب , لأنهن معظم الكتاب , وموضع مفزع أهله عند الحاجة إليه , وكذلك تفعل العرب , تسمي الجامع معظم الشيء أما له , فتسمي راية القوم التي تجمعه في العساكر أمهم , والمدبر معظم أمر القرية والبلدة أمها . وقد بينا ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته . ووحد أم الكتاب , ولم يجمع فيقول ; هن أمهات الكتاب , وقد قال هن لأنه أراد جميع الآيات المحكمات أم الكتاب , لا أن كل آية منهن أم الكتاب , ولو كان معنى ذلك أن كل آية منهن أم الكتاب , لكان لا شك قد قيل ; هن أمهات الكتاب . ونظير قول الله عز وجل ; { هن أم الكتاب } على التأويل الذي قلنا في توحيد الأم وهي خبر ل " هن " قوله تعالى ذكره ; { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } 23 50 ولم يقل آيتين , لأن معناه ; وجعلنا جميعهما آية , إذ كان المعنى واحدا فيما حملا فيه للخلق عبرة . ولو كان مراده الخبر عن كل واحد منهما على انفراده , بأنه جعل للخلق عبرة , لقيل ; وجعلنا ابن مريم وأمه آيتين ; لأنه قد كان في كل واحد منهما لهم عبرة . وذلك أن مريم ولدت من غير رجل , ونطق ابنها فتكلم في المهد صبيا , فكان في كل واحد منهما للناس آية . وقد قال بعض نحويي البصرة ; إنما قيل ; { هن أم الكتاب } ولم يقل ; " هن أمهات الكتاب " على وجه الحكاية , كما يقول الرجل ; ما لي أنصار , فتقول ; أنا أنصارك , أو ما لي نظير , فتقول ; نحن نظيرك . قال ; وهو شبيه " دعني من تمرتان " , وأنشد لرجل من فقعس ; تعرضت لي بمكان حل تعرض المهرة في الطول تعرضا لم تأل عن قتلا لي حل أي يحل به , على الحكاية , لأنه كان منصوبا قبل ذلك , كما يقول ; نودي ; الصلاة الصلاة , يحكي قول القائل ; الصلاة الصلاة ! وقال ; قال بعضهم ; إنما هي أن قتلا لي , ولكنه جعله " عن " لأن أن في لغته تجعل موضعها " عن " والنصب على الأمر , كأنك قلت ; ضربا لزيد . وهذا قول لا معنى له , لأن كل هذه الشواهد التي استشهد بها , لا شك أنهن حكايات حالتهن بما حكى عن قول غيره وألفاظه التي نطق بهن , وأن معلوما أن الله جل ثناؤه لم يحك عن أحد قوله ; أم الكتاب , فيجوز أن يقال ; أخرج ذلك مخرج الحكاية عمن قال ذلك كذلك . وأما قوله { وأخر } فإنها جمع أخرى . ثم اختلف أهل العربية في العلة التي من أجلها لم يصرف " أخر " , فقال بعضهم ; لم يصرف أخر من أجل أنها نعت واحدتها أخرى , كما لم تصرف جمع وكتع , لأنهن نعوت . وقال آخرون ; إنما لم تصرف الأخر لزيادة الياء التي في واحدتها , وأن جمعها مبني على واحدها في ترك الصرف , قالوا ; وإنما ترك صرف أخرى , كما ترك صرف حمراء وبيضاء في النكرة والمعرفة لزيادة المدة فيها والهمزة بالواو , ثم افترق جمع حمراء وأخرى , فبني جمع أخرى على واحدته , فقيل ; فعل أخر , فترك صرفها كما ترك صرف أخرى , وبني جمع حمراء وبيضاء على خلاف واحدته , فصرف , فقيل حمر وبيض . فلاختلاف حالتيهما في الجمع اختلف إعرابهما عندهم في الصرف , ولاتفاق حالتيهما في الواحدة اتفقت حالتاهما فيها . وأما قوله ; { متشابهات } فإن معناه ; متشابهات في التلاوة , مختلفات في المعنى , كما قال جل ثناؤه ; { وأتوا به متشابها } 2 25 يعني في المنظر ; مختلفا في المطعم , وكما قال مخبرا عمن أخبر عنه من بني إسرائيل أنه قال ; { إن البقر تشابه علينا } 2 70 يعنون بذلك ; تشابه علينا في الصفة , وإن اختلفت أنواعه . فتأويل الكلام إذا ; إن الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , هو الذي أنزل عليك يا محمد القرآن , منه آيات محكمات بالبيان , هن أصل الكتاب الذي عليه عمادك وعماد أمتك في الدين , وإليه مفزعك ومفزعهم فيما افترضت عليك وعليهم من شرائع الإسلام , وآيات أخر هن متشابهات في التلاوة , مختلفات في المعاني . وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ; { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } وما المحكم من آي الكتاب , وما المتشابه منه ؟ فقال بعضهم ; المحكمات من آي القرآن ; المعمول بهن , وهن الناسخات , أو المثبتات الأحكام ; والمتشابهات من آيه ; المتروك العمل بهن , المنسوخات . ذكر من قال ذلك ; 5163 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال ; ثنا هشيم , قال ; أخبرنا العوام , عمن حدثه , عن ابن عباس في قوله ; { منه آيات محكمات } قال ; هي الثلاث الآيات التي ههنا ; { قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم } 6 151 إلى ثلاث آيات , والتي في بني إسرائيل ; { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } 17 23 إلى آخر الآيات . 5164 - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو صالح , قال ; ثنا معاوية بن صالح , عن على بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } المحكمات ; ناسخه , وحلاله , وحرامه , وحدوده , وفرائضه , وما يؤمن به , ويعمل به . قال ; { وأخر متشابهات } والمتشابهات ; منسوخه , ومقدمه , ومؤخره , وأمثاله , وأقسامه , وما يؤمن به , ولا يعمل به . 5165 - حدثني محمد بن سعد , قال ; ثني أبي , قال ; ثني عمي , قال ; ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس في قوله ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب } إلى ; { وأخر متشابهات } فالمحكمات التي هي أم الكتاب ; الناسخ الذي يدان به ويعمل به ; والمتشابهات ; هن المنسوخات التي لا يدان بهن . 5166 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره , عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } إلى قوله ; { كل من عند ربنا } أما الآيات المحكمات ; فهن الناسخات التي يعمل بهن ; وأما المتشابهات ; فهن المنسوخات . 5167 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } والمحكمات ; الناسخ الذي يعمل به ما أحل الله فيه حلاله وحرم فيه حرامه ; وأما المتشابهات ; فالمنسوخ الذي لا يعمل به ويؤمن 5168 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله ; { آيات محكمات } قال ; المحكم ; ما يعمل به . 5169 - حدثنا المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } قال ; المحكمات ; الناسخ الذي يعمل به , والمتشابهات ; المنسوخ الذي لا يعمل به , ويؤمن به . 5170 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك في قوله ; { آيات محكمات هن أم الكتاب } قال ; الناسخات , { وأخر متشابهات } قال ; ما نسخ وترك يتلى . * - حدثني ابن وكيع , قال ; ثنا أبي , عن سلمة بن نبيط , عن الضحاك بن مزاحم , قال ; المحكم ما لم ينسخ , وما تشابه منه ; ما نسخ . * - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال ; أخبرنا يزيد , قال ; أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله ; { آيات محكمات هن أم الكتاب } قال ; الناسخ , { وأخر متشابهات } قال ; المنسوخ . 5171 - حدثني المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } قال ; المحكمات ; الذي يعمل به . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال ; سمعت أبا معاذ يحدث , قال ; أخبرنا عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { منه آيات محكمات } يعني ; الناسخ الذي يعمل به , { وأخر متشابهات } يعني المنسوح , يؤمن به ولا يعمل به . * - حدثني أحمد بن حازم , قال ; ثنا أبو نعيم , قال ; ثنا سلمة , عن الضحاك ; { منه آيات محكمات } قال ; ما لم ينسخ , { وأخر متشابهات } قال ; ما قد نسخ . وقال آخرون ; المحكمات من آي الكتاب ; ما أحكم الله فيه بيان حلاله وحرامه ; والمتشابه منها ; ما أشبه بعضه بعضا في المعاني وإن اختلفت ألفاظه . ذكر من قال ذلك ; 5172 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله ; { منه آيات محكمات } ما فيه من الحلال والحرام وما سوى ذلك , فهو متشابه يصدق بعضه بعضا , وهو مثل قوله ; { وما يضل به إلا الفاسقين } 2 26 ومثل قوله ; { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } 6 125 ومثل قوله ; { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } 47 17 * - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد . مثله . وقال آخرون ; المحكمات من آي الكتاب ; ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد ; والمتشابه منه ; ما احتمل من التأويل أوجها . ذكر من قال ذلك ; 5173 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , قال ; ثني محمد بن جعفر بن الزبير ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات } فيهن حجة الرب , وعصمة العباد , ودفع الخصوم والباطل , ليس لها تصريف ولا تحريف عما وضعت عليه . وأخر متشابهة في الصدق , لهن تصريف وتحريف وتأويل , ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام , لا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق . وقال آخرون ; معنى المحكم ; ما أحكم الله فيه من آي القرآن وقصص الأمم ورسلهم الذين أرسلوا إليهم , ففصله ببيان ذلك لمحمد وأمته . والمتشابه ; هو ما اشتبهت الألفاظ به من قصصهم عند التكرير في السور فقصة باتفاق الألفاظ واختلافه المعاني , وقصة باختلاف الألفاظ واتفاق المعانى . ذكر من قال ذلك ; 5174 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد وقرأ ; { الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } 11 1 قال . وذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في أربع وعشرين آية منها , وحديث نوح في أربع وعشرين آية منها . ثم قال ; { تلك من أنباء الغيب } 11 49 ثم ذكر ; { وإلى عاد } فقرأ حتى بلغ ; { واستغفروا ربكم } 11 90 ثم مضى ثم ذكر صالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا , وفرغ من ذلك . وهذا يقين , ذلك يقين أحكمت آياته ثم فصلت . قال ; والمتشابه ذكر موسى في أمكنة كثيرة , وهو متشابه , وهو كله معنى واحد ومتشابه ; { اسلك فيها } 23 27 { احمل فيها } 11 40 { اسلك يدك } 28 32 { أدخل يدك } 27 12 { حية تسعى } 20 20 { ثعبان مبين } 7 107 قال . ثم ذكر هودا في عشر آيات منها , وصالحا في ثماني آيات منها وإبراهيم في ثماني آيات أخرى , ولوطا في ثماني آيات منها , وشعيبا في ثلاث عشرة آية , وموسى في أربع آيات , كل هذا يقضي بين الأنبياء وبين قومهم في هذه السورة , فانتهى ذلك إلى مائة آية من سورة هود , ثم قال ; { ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد } 11 100 وقال في المتشابه من القرآن ; من يرد الله به البلاء والضلالة , يقول ; ما شأن هذا لا يكون هكذا , وما شأن هذا لا يكون هكذا ؟ وقال آخرون ; بل المحكم من آي القرآن ; ما عرف العلماء تأويله , وفهموا معناه وتفسيره ; والمتشابه ; ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه , وذلك نحو الخبر عن وقت مخرج عيسى ابن مريم , ووقت طلوع الشمس من مغربها , وقيام الساعة , وفناء الدنيا , وما أشبه ذلك , فإن ذلك لا يعلمه أحد . وقالوا ; إنما سمى الله من آي الكتاب المتشابه الحروف المقطعة التي في أوائل بعض سور القرآن من نحو الم , والمص , والمر , والر , وما أشبه ذلك , لأنهن متشابهات في الألفاظ , وموافقات حروف حساب الجمل . وكان قوم من اليهود على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعوا أن يدركوا من قبلها معرفة مدة الإسلام وأهله , ويعلموا نهاية أكل محمد وأمته , فأكذب الله أحدوثتهم بذلك , وأعلمهم أن ما ابتغوا علمه من ذلك من قبل هذه الحروف المتشابهة لا يدركونه ولا من قبل غيرها , وأن ذلك لا يعلمه إلا الله . وهذا قول ذكر عن جابر بن عبد الله بن رئاب أن هذه الآية نزلت فيه , وقد ذكرنا الرواية بذلك عنه وعن غيره ممن قال نحو مقالته في تأويل ذلك في تفسير قوله ; { الم ذلك الكتاب لا ريب فيه } 2 1 ; 2 وهذا القول الذي ذكرناه عن جابر بن عبد الله أشبه بتأويل الآية , وذلك أن جميع ما أنزل الله عز وجل من آي القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإنما أنزله عليه بيانا له ولأمته وهدى للعالمين , وغير جائز أن يكون فيه ما لا حاجة بهم إليه , ولا أن يكون فيه ما بهم إليه الحاجة , ثم لا يكون لهم إلى علم تأويله سبيل . فإذا كان ذلك كذلك , فكل ما فيه لخلقه إليه الحاجة , وإن كان في بعضه ما بهم عن بعض معانيه الغنى , وإن اضطرته الحاجة إليه في معان كثيرة , وذلك كقول الله عز وجل ; { يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا } 6 158 فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن تلك الآية التي أخبر الله جل ثناؤه عباده أنها إذا جاءت لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ذلك , هي طلوع الشمس من مغربها . فالذي كانت بالعباد إليه الحاجة من علم ذلك هو العلم منهم بوقت نفع التوبة بصفته بغير تحديده بعد بالسنين والشهور والأيام , فقد بين الله ذلك لهم بدلالة الكتاب , وأوضحه لهم على لسان رسول صلى الله عليه وسلم مفسرا . والذي لا حاجة لهم إلى علمه منه هو العلم بمقدار المدة التي بين وقت نزول هذه الآية ووقت حدوث تلك الآية , فإن ذلك مما لا حاجة بهم إلى علمه في دين ولا دنيا , وذلك هو العلم الذي استأثر الله جل ثناؤه به دون خلقه , فحجبه عنهم , وذلك وما أشبهه هو المعنى الذي طلبت اليهود معرفته في مدة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته من قبل قوله ; الم , والمص , والر , والمر , ونحو ذلك من الحروف المقطعة المتشابهات , التي أخبر الله جل ثناؤه أنهم لا يدركون تأويل ذلك من قبله , وأنه لا يعلم تأويله إلا الله . فإذا كان المتشابه هو ما وصفنا , فكل ما عداه فمحكم , لأنه لن يخلو من أن يكون محكما بأنه بمعنى واحد لا تأويل له غير تأويل واحد , وقد استغني بسماعه عن بيان يبينه , أو يكون محكما , وإن كان ذا وجوه وتأويلات وتصرف في معان كثيرة , فالدلالة على المعنى المراد منه إما من بيان الله تعالى ذكره عنه أو بيان رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته , ولن يذهب علم ذلك عن علماء الأمة لما قد بينا . القول في تأويل قوله تعالى ; { هن أم الكتاب } قد أتينا على البيان عن تأويل ذلك بالدلالة الشاهدة على صحة ما قلنا فيه , ونحن ذاكرو اختلاف أهل التأويل فيه . وذلك أنهم اختلفوا في تأويله , فقال بعضهم ; معنى قوله ; { هن أم الكتاب } هن اللائي فيهن الفرائض والحدود والأحكام , نحو قيلنا الذي قلنا فيه . ذكر من قال ذلك ; 5175 - حدثنا عمران بن موسى القزاز , قال ; ثنا عبد الوارث بن سعيد , قال ; ثنا إسحاق بن سويد , عن يحيى بن يعمر أنه قال في هذه الآية ; { محكمات هن أم الكتاب } قال يحيى ; هن اللاتي فيهن الفرائض والحدود وعماد الدين , وضرب لذلك مثلا فقال ; أم القرى مكة , وأم خراسان مرو , وأم المسافرين الذين يجعلون إليه أمرهم , ويعنى بهم في سفرهم , قال ; فذاك أمهم . 5176 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد في قوله ; { هن أم الكتاب } قال ; هن جماع الكتاب . وقال آخرون ; بل معني بذلك فواتح السور التي منها يستخرج القرآن . ذكر من قال ذلك ; 5177 - حدثنا عمران بن موسى , قال ; ثنا عبد الوارث بن سعيد , قال ; ثنا إسحاق بن سويد , عن أبي فاختة أنه قال في هذه الآية ; { منه آيات محكمات هن أم الكتاب } قال ; أم الكتاب ; فواتح السور , منها يستخرج القرآن ; { الم ذلك الكتاب } 2 1 ; 2 منها استخرجت البقرة , و { الم الله لا إله إلا هو } منها استخرجت آل عمران .فأما الذين في قلوبهم زيغالقول في تأويل قوله تعالى ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ } يعني بذلك جل ثناؤه ; فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق , وانحراف عنه . يقال منه ; زاغ فلان عن الحق , فهو يزيغ عنه زيغا وزيغانا وزيوغة وزيوغا , وأزاغه الله ; إذا أماله , فهو يزيغه , ومنه قوله جل ثناؤه ; { ربنا لا تزغ قلوبنا } لا تملها عن الحق { بعد إذ هديتنا } 3 8 وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ; 5178 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثني ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي ميل عن الهدى . 5179 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله ; { في قلوبهم زيغ } قال ; شك . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 5180 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال ; من أهل الشك . 5181 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة الهمداني , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ } أما الزيغ ; فالشك . 5182 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد , قال ; { زيغ } شك . قال ابن جريج { الذين في قلوبهم زيغ } المنافقون .فيتبعون ما تشابه منهالقول في تأويل قوله تعالى ; { فيتبعون ما تشابه منه } يعني بقوله جل ثناؤه ; { فيتبعون ما تشابه منه } ما تشابهت ألفاظه وتصرفت معانيه بوجوه التأويلات , ليحققوا بادعائهم الأباطيل من التأويلات في ذلك ما هم عليه من الضلالة والزيغ عن محجة الحق تلبيسا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه . كما ; 5183 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس ; { فيتبعون ما تشابه منه } فيحملون المحكم على المتشابه , والمتشابه على المحكم , ويلبسون , فلبس الله عليهم . 5184 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير ; { فيتبعون ما تشابه منه } أي ما تحرف منه وتصرف , ليصدقوا به ما ابتدعوا وأحدثوا , ليكون لهم حجة على ما قالوا وشبهة . 5185 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد في قوله ; { فيتبعون ما تشابه منه } قال ; الباب الذي ضلوا منه وهلكوا فيه ابتغاء تأويله . وقال آخرون في ذلك بما ; 5186 - حدثني به موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي في قوله ; { فيتبعون ما تشابه منه } يتبعون المنسوخ والناسخ , فيقولون ; ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا مجاز هذه الآية , فتركت الأولى وعمل بهذه الأخرى ؟ هلا كان العمل بهذه الآية قبل أن تجيء الأولى التي نسخت . وما باله يعد العذاب من عمل عملا يعد به النار وفي مكان آخر من عمله فإنه لم يوجب النار . واختلف أهل التأويل فيمن عني بهذه الآية , فقال بعضهم ; عني به الوفد من نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فحاجوه بما حاجوه به , وخاصموه بأن قالوا ; ألست تزعم أن عيسى روح الله وكلمته ؟ وتأولوا في ذلك ما يقولون فيه من الكفر . ذكر من قال ذلك ; 5187 - حدثني المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال ; عمدوا - يعني الوفد الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى نجران - فخاصموا النبي صلى الله عليه وسلم , قالوا ; ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه ؟ قال ; " بلى " , قالوا ; فحسبنا ! فأنزل الله عز وجل ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } ثم إن الله جل ثناؤه أنزل ; { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } . .. الآية . 3 59 وقال آخرون ; بل أنزلت هذه الآية في أبي ياسر بن أخطب , وأخيه حيي بن أخطب , والنفر الذين ناظروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدر مدة أكله وأكل أمته , وأرادوا علم ذلك من قبل قوله ; الم , والمص والمر , والر فقال الله جل ثناؤه فيهم ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ } يعني هؤلاء اليهود الذين قلوبهم مائلة عن الهدى والحق , { فيتبعون ما تشابه منه } يعني معاني هذه الحروف المقطعة المحتملة التصريف في الوجوه المختلفة التأويلات ابتغاء الفتنة . وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى قبل في أول السورة التي تذكر فيها البقرة . وقال آخرون ; بل عنى الله عز وجل بذلك كل مبتدع في دينه بدعة مخالفة لما ابتعث به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بتأويل يتأوله من بعض آي القرآن المحتملة التأويلات , وإن كان الله قد أحكم بيان ذلك , أما في كتابه وإما على لسان رسوله . ذكر من قال ذلك ; 5188 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة } . وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال ; إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري من هم . ولعمري لقد كان في أهل بدر والحديبية الذين شهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار , خبر لمن استخبر , وعبرة لمن استعبر , لمن كان يعقل أو يبصر . إن الخوارج خرجوا وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ كثير بالمدينة والشام والعراق وأزواجه يومئذ أحياء , والله إن خرج منهم ذكر ولا أنثى حروريا قط , ولا رضوا الذي هم عليه ولا مالئوهم فيه , بل كانوا يحدثون بعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ونعته الذي نعتهم به , وكانوا يبغضونهم بقلوبهم ويعادونهم بألسنتهم وتشتد والله عليهم أيديهم إذا لقوهم . ولعمري لو كان أمر الخوارج هدى لاجتمع , ولكنه كان ضلالا فتفرق , وكذلك الأمر إذا كان من عند غير الله وجدت فيه اختلافا كثيرا , فقد ألاصوا هذا الأمر منذ زمان طويل , فهل أفلحوا فيه يوما أو أنجحوا ؟ يا سبحان الله كيف لا يعتبر آخر هؤلاء القوم بأولهم ؟ لو كانوا على هدى قد أظهره الله وأفلجه ونصره , ولكنهم كانوا على باطل أكذبه الله وأدحضه , فهم كما رأيتهم كلما خرج لهم قرن أدحض الله حجتهم , وأكذب أحدوثتهم , وأهرق دماءهم ; وإن كتموا كان قرحا في قلوبهم وغما عليهم , وإن أظهروه أهرق الله دماءهم , ذاكم والله دين سوء فاجتنبوه . والله إن اليهود لبدعة , وإن النصرانية لبدعة , وإن الحرورية لبدعة , وإن السبئية لبدعة , ما نزل بهن كتاب ولا سنهن نبي . * - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } طلب القوم التأويل فأخطئوا التأويل , وأصابوا الفتنة , فاتبعوا ما تشابه منه فهلكوا من ذلك . لعمري لقد كان في أصحاب بدر والحديبية الذين شهدوا بيعة الرضوان . وذكر نحو حديث عبد الرزاق , عن معمر , عنه . 5189 - حدثني محمد بن خالد بن خداش ويعقوب بن إبراهيم , قالا ; ثنا إسماعيل بن علية , عن أيوب , عن عبد الله بن أبي مليكة , عن عائشة قالت ; قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب } إلى قوله ; { وما يذكر إلا أولوا الألباب } فقال ; " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . * - حدثنا ابن عبد الأعلى , قال ; ثنا المعتمر بن سليمان , قال ; سمعت أيوب , عن عبد الله بن أبي مليكة , عن عائشة أنها قالت ; قرأ نبي الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب } إلى ; { وما يذكر إلا أولوا الألباب } . قالت ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه " أو قال ; ويتجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم قال مطر , عن أيوب أنه قال ; " فلا تجالسوهم , فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . * - حدثنا ابن بشار , قال ; ثنا عبد الوهاب , قال ; ثنا أيوب , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , بنحو معناه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن أيوب , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم , نحوه . 5190 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرنا الحارث , عن أيوب , عن ابن أبي مليكة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ; قرأ رسول الله هذه الآية ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } . .. الآية كلها , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه والذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله أولئك الذين قال الله ; فلا تجالسوهم " . 5191 - حدثنا ابن وكيع , قال ; ثنا أبو أسامة , عن يزيد بن إبراهيم , عن ابن أبي مليكة , قال ; سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة , قالت ; تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } ثم قرأ إلى آخر الآيات , فقال ; " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه , فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " . 5192 - حدثنا علي بن سهل , قال ; ثنا الوليد بن مسلم , عن حماد بن سلمة , عن عبد الرحمن بن القاسم , عن أبيه , عن عائشة , قالت ; نزع رسول الله صلى الله عليه وسلم ; { يتبعون ما تشابه منه } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " قد حذركم الله , فإذا رأيتموهم فاعرفوهم " . 5193 - حدثنا علي , قال ; ثنا الوليد , عن نافع , عن عمر , عن عائشة , قالت ; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; " إذا رأيتموهم فاحذروهم ! " , ثم نزع ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه } " ولا يعلمون بمحكمه " . * - حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب , قال ; أخبرنا عمي , قال ; أخبرني شبيب بن سعيد , عن روح بن القاسم , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية ; { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } فقال ; " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . * - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال ; ثنا خالد بن نزار , عن نافع , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة في هذه الآية ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب } . .. الآية . يتبعها ; يتلوها , ثم يقول ; " فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فاحذروهم فهم الذين عنى الله " . * - حدثنا ابن وكيع , قال ; ثنا يزيد بن هارون , عن حماد بن سلمة , عن ابن أبي مليكة , عن القاسم , عن عائشة , عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية ; { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب } إلى آخر الآية , قال ; " هم الذين سماهم الله , فإذا رأيتموهم فاحذروهم " . قال أبو جعفر ; والذي يدل عليه ظاهر هذه الآية أنها نزلت في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتشابه ما أنزل إليه من كتاب الله إما في أمر عيسى , وإما في مدة أكله وأكل أمته , وهو بأن تكون في الذين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمتشابهه في مدته ومدة أمته أشبه , لأن قوله ; { وما يعلم تأويله إلا الله } دال على أن ذلك إخبار عن المدة التي أرادوا علمها من قبل المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله . فأما أمر عيسى وأسبابه , فقد أعلم الله ذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته وبينه لهم , فمعلوم أنه لم يعن إلا ما كان خفيا عن الآحاد .ابتغاء الفتنةالقول في تأويل قوله تعالى ; { ابتغاء الفتنة } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , فقال بعضهم ; معنى ذلك ; ابتغاء الشرك . ذكر من قال ذلك ; 5194 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو بن حماد , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { ابتغاء الفتنة } قال ; إرادة الشرك . 5195 - حدثني المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله ; { ابتغاء الفتنة } يعني الشرك . وقال آخرون ; معنى ذلك ابتغاء الشبهات . ذكر من قال ذلك ; 5196 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { ابتغاء الفتنة } قال ; الشبهات بها أهلكوا . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله ; { ابتغاء الفتنة } الشبهات , قال ; هلكوا به . * - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثنا حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد ; { ابتغاء الفتنة } قال ; الشبهات , قال ; والشبهات ما أهلكوا به . 5197 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير ; { ابتغاء الفتنة } أي اللبس . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال ; معناه ; إرادة الشبهات واللبس . فمعنى الكلام إذا ; فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق وحيف عنه , فيتبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه , واحتمل صرفه في وجوه التأويلات , باحتماله المعاني المختلفة إرادة اللبس على نفسه وعلى غيره , احتجاجا به على باطله الذي مال إليه قلبه دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه . وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك , فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله بدعة , فمال قلبه إليها , تأويلا منه لبعض متشابه آي القرآن , ثم حاج به وجادل به أهل الحق , وعدل عن الواضح من أدلة آيه المحكمات إرادة منه بذلك اللبس على أهل الحق من المؤمنين , وطلبا لعلم تأويل ما تشابه عليه من ذلك كائنا من كان , وأي أصناف البدعة كان من أهل النصرانية كان أو اليهودية أو المجوسية , أو كان سبئيا , أو حروريا , أو قدريا , أو جهميا , كالذي قال صلى الله عليه وسلم ; " فإذا رأيتم الذين يجادلون به فهم الذين عنى الله فاحذروهم " . وكما ; 5198 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا سفيان , عن معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه , عن ابن عباس ; وذكر عنده الخوارج , وما يلقون عند الفرار , فقال ; يؤمنون بمحكمه , ويهلكون عند متشابهه . وقرأ ابن عباس ; { وما يعلم تأويله إلا الله } . .. الآية . وإنما قلنا ; القول الذي ذكرنا أنه أولى التأويلين بقوله ; { ابتغاء الفتنة } لأن الذين نزلت فيهم هذه الآية كانوا أهل شرك , وإنما أرادوا بطلب تأويل ما طلبوا تأويله اللبس على المسلمين والاحتجاج به عليهم ليصدوهم عما هم عليه من الحق , فلا معنى لأن يقال ; فعلوا ذلك إرادة الشرك , وهم قد كانوا مشركين .وابتغاء تأويلهالقول في تأويل قوله تعالى ; { وابتغاء تأويله } اختلف أهل التأويل في معنى التأويل الذي عنى الله جل ثناؤه بقوله ; { وابتغاء تأويله } فقال بعضهم معنى ذلك ; الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدة أمر محمد صلى الله عليه وسلم وأمر أمته من قبل الحروف المقطعة من حساب الجمل " الم " , و " المص " , و " الر " , و " المر " وما أشبه ذلك من الآجال . ذكر من قال ذلك ; 5199 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس ; أما قوله ; { وما يعلم تأويله إلا الله } يعني تأويله يوم القيامة إلا الله . وقال آخرون ; بل معنى ذلك . عواقب القرآن . وقالوا ; إنما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام التي كان الله جل ثناؤه شرعها لأهل الإسلام قبل مجيئه , فنسخ ما قد كان شرعه قبل ذلك . ذكر من قال ذلك ; 5200 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { وابتغاء تأويله } أرادوا أن يعلموا تأويل القرآن , وهو عواقبه , قال الله ; { وما يعلم تأويله إلا الله } , وتأويله عواقبه , متى يأتي الناسخ منه فينسخ المنسوخ . وقال آخرون ; معنى ذلك ; وابتغاء تأويل ما تشابه من آي القرآن يتأولونه - إذ كان ذا وجوه وتصاريف في التأويلات - على ما في قلوبهم من الزيغ , وما ركبوه من الضلالة . ذكر من قال ذلك ; 5201 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير ; { وابتغاء تأويله } وذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم , خلقنا وقضينا . والقول الذي قاله ابن عباس من أن ابتغاء التأويل الذي طلبه القوم من المتشابه هو معرفة انقضاء المدة , ووقت قيام الساعة , والذي ذكرنا عن السدي من أنهم طلبوا وأرادوا معرفة وقت هو جاء قبل مجيئه أولى بالصواب , وإن كان السدي قد أغفل معنى ذلك من وجه صرفه إلى حصره على أن معناه ; إن القوم طلبوا معرفة وقت مجيء الناسخ لما قد أحكم قبل ذلك . وإنما قلنا ; إن طلب القوم معرفة الوقت الذي هو جاء قبل مجيئه المحجوب علمه عنهم وعن غيرهم بمتشابه آي القرآن , أولى بتأويل قوله ; { وابتغاء تأويله } لما قد دللنا عليه قبل من إخبار الله جل ثناؤه أن ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله , ولا شك أن معنى قوله ; " قضينا " و " فعلنا " , قد علم تأويله كثير من جهلة أهل الشرك , فضلا عن أهل الإيمان وأهل الرسوخ في العلم منهم .وما يعلم تأويله إلا اللهالقول في تأويل قوله تعالى ; { وما يعلم تأويله إلا الله } يعني جل ثناؤه بذلك ; وما يعلم وقت قيام الساعة وانقضاء مدة أكل محمد وأمته وما هو كائن , إلا الله , دون من سواه من البشر الذين أملوا إدراك علم ذلك من قبل الحساب والتنجيم والكهانة . وأما الراسخون في العلم , فيقولون ; آمنا به كل من عند ربنا , لا يعلمون ذلك , ولكن فضل علمهم في ذلك على غيرهم العلم بأن الله هو العالم بذلك دون من سواه من خلقه . واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك , وهل الراسخون معطوف على اسم الله , بمعنى إيجاب العلم لهم بتأويل المتشابه , أو هم مستأنف ذكرهم بمعنى الخبر عنهم أنهم يقولون آمنا بالمتشابه , وصدقنا أن علم ذلك لا يعلمه إلا الله ؟ فقال بعضهم ; معنى ذلك ; وما يعلم تأويل ذلك إلا الله وحده منفردا بعلمه . وأما الراسخون في العلم فإنهم ابتدئ الخبر عنهم بأنهم يقولون ; آمنا بالمتشابه والمحكم , وأن جميع ذلك من عند الله . ذكر من قال ذلك ; 5202 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم , قال ; ثنا خالد بن نزار , عن نافع , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة , قوله ; { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } قالت ; كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمحكمه ومتشابهه , ولم يعلموا تأويله . 5203 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن ابن طاوس , عن أبيه , قال ; كان ابن عباس يقول ; { وما يعلم تأويله إلا الله } يقول الراسخون ; آمنا به . 5204 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرني ابن أبي الزناد , قال ; قال هشام بن عروة ; كان أبي يقول في هذه الآية ; { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله , ولكنهم يقولون ; { آمنا به كل من عند ربنا } 5205 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا يحيى بن واضح , قال ; ثنا عبيد الله , عن أبي نهيك الأسدي قوله ; { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } فيقول ; إنكم تصلون هذه الآية وإنها مقطوعة { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } فانتهى علمهم إلى قولهم الذي قالوا . 5206 - حدثنا المثنى , قال ; ثنا ابن دكين , قال ; ثنا عمرو بن عثمان بن عبد الله بن موهب , قال ; سمعت عمر بن عبد العزيز يقول ; { الراسخون في العلم } انتهى علم الراسخين في العلم بتأويل القرآن إلى أن قالوا ; { آمنا به كل من عند ربنا } 5207 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا أشهب , عن مالك في قوله ; { وما يعلم تأويله إلا الله } قال ; ثم ابتدأ فقال ; { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } وليس يعلمون تأويله . وقال آخرون ; بل معنى ذلك ; وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم , وهم مع علمهم بذلك ورسوخهم في العلم { يقولون آمنا به كل من عند ربنا } ذكر من قال ذلك ; 5208 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , عن ابن عباس أنه قال ; أنا ممن يعلم تأويله . 5209 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد . { والراسخون في العلم } يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; { والراسخون في العلم } يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . 5210 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع ; { والراسخون في العلم } يعلمون تأويله ويقولون آمنا به . 5211 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير ; { وما يعلم تأويله } الذي أراد ما أراد إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به . ( فكيف يختلف وهو قول واحد من رب واحد ؟ ) ثم ردوا تأويل المتشابهة على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد , فاتسق بقولهم الكتاب , وصدق بعضه بعضا , فنفذت به الحجة , وظهر به العذر , وزاح به الباطل , ودمغ به الكفر . فمن قال القول الأول في ذلك , وقال ; إن الراسخين لا يعلمون تأويل ذلك , وإنما أخبر الله عنهم بإيمانهم وتصديقهم بأنه من عند الله , فإنه يرفع " الراسخين في العلم " بالابتداء في قول البصريين , ويجعل خبره " يقولون آمنا به " . وأما في قول بعض الكوفيين فبالعائد من ذكرهم في " يقولون " , وفي قول بعضهم بجملة الخبر عنهم , وهي ويقولون " . ومن قال القول الثاني , وزعم أن الراسخين يعلمون تأويله عطف بالراسخين على اسم الله فرفعهم بالعطف عليه . والصواب عندنا في ذلك , أنهم مرفوعون بجملة خبرهم بعدهم وهو " يقولون " , لما قد بينا قبل من أنهم لا يعلمون تأويل المتشابه الذي ذكره الله عز وجل في هذه الآية , وهو فيما بلغني مع ذلك في قراءة أبي ; " ويقول الراسخون في العلم " كما ذكرناه عن ابن عباس أنه كان يقرؤه ; وفي قراءة عبد الله ; إن تأويله إلا عند الله " والراسخون في العلم يقولون " . وأما معنى التأويل في كلام العرب ; فإنه التفسير والمرجع والمصير , وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى ; على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا وأصله من آل الشيء إلى كذا , إذا صار إليه ورجع يئول أولا وأولته أنا ; صيرته إليه . وقد قيل ; إن قوله ; { وأحسن تأويلا } 4 59 أي جزاء , وذلك أن الجزاء هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه . ويعني بقوله ; وتأول حبها " ; تفسير حبها ومرجعه , وإنما يريد بذلك أن حبها كان صغيرا في قلبه , فآل من الصغر إلى العظم , فلم يزل ينبت حتى أصحب فصار قديما كالسقب الصغير الذي لم يزل يشب حتى أصحب فصار كبيرا مثل أمه . وقد ينشد هذا البيت ; على أنها كانت توابع حبها توالى ربعي السقاب فأصحباوالراسخون في العلم يقولون آمنا بهالقول في تأويل قوله تعالى ; { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } يعني بالراسخين في العلم ; العلماء الذين قد أتقنوا علمهم ووعوه فحفظوه حفظا لا يدخلهم في معرفتهم وعلمهم بما علموه شك ولا لبس , وأصل ذلك من رسوخ الشيء في الشيء , وهو ثبوته وولوجه فيه , يقال منه ; رسخ الإيمان في قلب فلان فهو يرسخ رسخا ورسوخا . وقد روي في نعتهم خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم , وهو ما ; 5212 - حدثنا موسى بن سهل الرملي , قال ; ثنا محمد بن عبد الله , قال ; ثنا فياض بن محمد الرقي , قال ; ثنا عبد الله بن يزيد بن آدم , عن أبي الدرداء وأبي أمامة , قالا ; سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الراسخ في العلم ؟ قال ; " من برت يمينه , وصدق لسانه , واستقام له قلبا , وعف بطنه , فذلك الراسخ في العلم " . 5213 - حدثني المثنى وأحمد بن الحسن الترمذي , قالا ; ثنا نعيم بن حماد , قال ; ثنا فياض الرقي , قال ; ثنا عبد الله بن يزيد الأودي - قال ; وكان أدرك أصحاب رسول الله - قال ; حدثنا أنس بن مالك وأبو أمامة وأبو الدرداء ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم , فقال ; " من برت يمينه , وصدق لسانه , واستقام به قلبه , وعف بطنه وفرجه ; فذلك الراسخ في العلم " . وقد قال جماعة من أهل التأويل ; إنما سمى الله عز وجل هؤلاء القوم الراسخين في العلم بقولهم ; { آمنا به كل من عند ربنا } . ذكر من قال ذلك ; 5214 - حدثنا ابن وكيع , قال ; ثنا أبي , عن سفيان , عن جابر , عن مجاهد , عن ابن عباس , قال ; { الراسخون في العلم يقولون آمنا به } قال ; الراسخون الذين يقولون آمنا به كل من عند ربنا . 5215 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { والراسخون في العلم } هم المؤمنون , فإنهم { يقولون آمنا به } بناسخه ومنسوخه { كل من عند ربنا } 5216 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , قال ; قال ابن جريج ; قال ابن عباس ; قال عبد الله بن سلام ; { الراسخون في العلم } وعلمهم قولهم . قال ابن جريج ; { الراسخون في العلم يقولون آمنا به } وهم الذين يقولون ; { ربنا لا تزغ قلوبنا } ويقولون ; { ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه } . .. الآية . وأما تأويل قوله ; { يقولون آمنا به } فإنه يعني ; أن الراسخين في العلم يقولون صدقنا بما تشابه من آي الكتاب , وأنه حق , وإن لم نعلم تأويله . وقد ; 5217 - حدثني أحمد بن حازم , قال ; ثنا أبو نعيم , قال ; ثنا سلمة بن نبيط , عن الضحاك ; { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } قال ; المحكم والمتشابه .كل من عند ربناالقول في تأويل قوله تعالى ; { كل من عند ربنا } يعني بقوله جل ثناؤه ; { كل من عند ربنا } كل المحكم من الكتاب والمتشابه منه من عند ربنا , وهو تنزيله ووحيه إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم كما ; 5218 - حدثنا ابن وكيع , قال ; ثنا أبي , عن سفيان , عن جابر , عن مجاهد , عن ابن عباس في قوله ; { كل من عند ربنا } قال ; يعني ما نسخ منه , وما لم ينسخ . 5219 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة قوله ; { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } قالوا ; { كل من عند ربنا } آمنوا بمتشابهه , وعملوا بمحكمه . 5220 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله ; { كل من عند ربنا } يقولون ; المحكم والمتشابه من عند ربنا . 5221 - حدثني محمد بن سعد , قال ; ثني أبي , قال ; ثني عمي , قال ; ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس ; { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } يؤمن بالمحكم ويدين به , ويؤمن بالمتشابه ولا يدين به , وهو من عند الله كله . 5222 - حدثنا يحيى بن أبي طالب , قال ; ثنا يزيد , قال ; أخبرنا جويبر , عن الضحاك في قوله ; { والراسخون في العلم } يعملون به , يقولون ; نعمل بالمحكم ونؤمن به , ونؤمن بالمتشابه ولا نعمل به , وكل من عند ربنا . واختلف أهل العربية في حكم " كل " إذا أضمر فيها . فقال بعض نحويي البصريين ; إذا جاز حذف المراد الذي كان معها الذي " الكل " إليه مضاف في هذا الموضع لأنها اسم , كما قال ; { إنا كل فيها } 40 48 بمعنى ; إنا كلنا فيها , قال ; ولا يكون " كل " مضمرا فيها وهي صفة , لا يقال ; مررت بالقوم كل , وإنما يكون فيها مضمر إذا جعلتها اسما لو كان إنا كلا فيها على الصفة , لم يجز , لأن الإضمار فيها ضعيف لا يتمكن في كل مكان . وكان بعض نحويي الكوفيين يرى الإضمار فيها وهي صفة أو اسم سواء , لأنه غير جائز أن يحذف ما بعدها عنده إلا وهي كافية بنفسها عما كانت تضاف إليه من المضمر , وغير جائز أن تكون كافية منه في حال , ولا تكون كافية في أخرى , وقال ; سبيل الكل والبعض في الدلالة على ما بعدهما بأنفسهما وكفايتهما منه , بمعنى واحد في كل حال , صفة كانت أو اسما , وهذا القول الثاني أولى بالقياس , لأنها إذا كانت كافية بنفسها مما حذف منها في حال لدلالتها عليه , فالحكم فيها أنها كلما وجدت دالة على ما بعدها , فهي كافية منه .وما يذكر إلا أولو الألبابالقول في تأويل قوله تعالى ; { وما يذكر إلا أولوا الألباب } يعني بذلك جل ثناؤه ; وما يتذكر ويتعظ وينزجر عن أن يقول في متشابه آي كتاب الله ما لا علم له به إلا أولو العقول والنهى . وقد ; 5223 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عن محمد بن جعفر بن الزبير ; { وما يذكر إلا أولوا الألباب } يقول ; وما يتذكر في مثل هذا , يعني في رد تأويل المتشابه إلى ما قد عرف من تأويل المحكم حتى يتسقا على معنى واحد , إلا أولو الألباب .