قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّىٓ ءَايَةً ۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلٰثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ۗ وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِىِّ وَالْإِبْكٰرِ
قَالَ رَبِّ اجۡعَلۡ لِّىۡۤ اٰيَةً ؕ قَالَ اٰيَتُكَ اَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلٰثَةَ اَيَّامٍ اِلَّا رَمۡزًا ؕ وَاذۡكُرْ رَّبَّكَ كَثِيۡرًا وَّسَبِّحۡ بِالۡعَشِىِّ وَالۡاِبۡكَارِ
تفسير ميسر:
قال زكريَّا; رب اجعل لي علامةً أستدلُّ بها على وجود الولد مني؛ ليحصل لي السرور والاستبشار، قال; علامتك التي طلبتها; ألا تستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيام إلا بإشارة إليهم، مع أنك سويٌّ صحيح، وفي هذه المدة أكثِرْ من ذكر ربك، وصلِّ له أواخر النهار وأوائله.
" قال رب اجعل لي آية" أي علامة أستدل بها على وجود الولد مني "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا" أي إشارة لا تستطيع النطق مع أنك سوي صحيح كما في قوله "ثلاث ليال سويا" ثم أمر بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحال فقال تعالى "اذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار" وسيأتي طرف آخر في بسط هذا المقام في أول سورة مريم إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى ; قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكارفيه ثلاث مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; قال رب اجعل لي آية " جعل " هنا بمعنى صير لتعديه إلى مفعولين . و " لي " في موضع المفعول الثاني . ولما بشر بالولد ولم يبعد عنده هذا في قدرة الله تعالى طلب آية - أي علامة - يعرف بها صحة هذا الأمر وكونه من عند الله تعالى ; فعاقبه الله تعالى بأن أصابه السكوت عن كلام الناس لسؤال الآية بعد مشافهة الملائكة إياه ; قال أكثر المفسرين . قالوا ; وكذلك إن لم يكن من مرض خرس أو نحوه ففيه على كل حال عقاب ما . قال ابن زيد ; إن زكريا عليه السلام لما حملت زوجه منه بيحيى أصبح لا يستطيع أن يكلم أحدا ، وهو مع ذلك يقرأ التوراة ويذكر الله تعالى ; فإذا أراد مقاولة أحد لم يطقه .الثانية ; قوله تعالى ; إلا رمزا الرمز في اللغة الإيماء بالشفتين ، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين واليدين ; وأصله الحركة . وقيل ; طلب ، تلك الآية زيادة طمأنينة . المعنى ; تمم النعمة بأن تجعل لي آية ، وتكون تلك الآية زيادة نعمة وكرامة ; فقيل له ; آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام أي تمنع من الكلام ثلاث ليال ; دليل هذا القول قوله تعالى بعد بشرى الملائكة له . وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا ; أي أوجدتك بقدرتي فكذلك [ ص; 76 ] أوجد لك الولد . واختار هذا القول النحاس وقال ; قول قتادة إن زكريا عوقب بترك الكلام قول مرغوب عنه ; لأن الله عز وجل لم يخبرنا أنه أذنب ولا أنه نهاه عن هذا ; والقول فيه أن المعنى اجعل لي علامة تدل على كون الولد ، إذ كان ذلك مغيبا عني . و رمزا نصب على الاستثناء المنقطع ; قاله الأخفش . وقال الكسائي ; رمز يرمز ويرمز . وقرئ " إلا رمزا " بفتح الميم و ( رمزا ) بضمها وضم الراء ، الواحدة رمزة .الثالثة ; في هذه الآية دليل على أن الإشارة تنزل منزلة الكلام وذلك موجود في كثير من السنة ، وآكد الإشارات ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أمر السوداء حين قال لها ; ( أين الله ؟ ) فأشارت برأسها إلى السماء فقال ; ( أعتقها فإنها مؤمنة ) . فأجاز الإسلام بالإشارة الذي هو أصل الديانة الذي يحرز الدم والمال وتستحق به الجنة وينجى به من النار ، وحكم بإيمانها كما يحكم بنطق من يقول ذلك ; فيجب أن تكون الإشارة عاملة في سائر الديانة ، وهو قول عامة الفقهاء . وروى ابن القاسم عن مالك أن الأخرس إذا أشار بالطلاق أنه يلزمه . وقال الشافعي في الرجل يمرض فيختل لسانه فهو كالأخرس في الرجعة والطلاق . وقال أبو حنيفة ; ذلك جائز إذا كانت إشارته تعرف ، وإن شك فيها فهي باطل ، وليس ذلك بقياس وإنما هو استحسان . والقياس في هذا كله أنه باطل ; لأنه لا يتكلم ولا تعقل إشارته . قال أبو الحسن بن بطال ; وإنما حمل أبا حنيفة . على قوله هذا أنه لم يعلم السنن التي جاءت بجواز الإشارات في أحكام مختلفة في الديانة . ولعل البخاري حاول بترجمته " باب الإشارة في الطلاق والأمور " الرد عليه . وقال عطاء ; أراد بقوله ألا تكلم الناس صوم ثلاثة أيام . وكانوا إذا صاموا لا يتكلمون إلا رمزا . وهذا فيه بعد ، والله أعلم .الرابعة ; قال بعض من يجيز نسخ القرآن بالسنة ; إن زكريا عليه السلام منع الكلام وهو قادر عليه ، وإنه منسوخ بقوله عليه السلام ; لا صمت يوما إلى الليل . وأكثر العلماء على أنه ليس بمنسوخ ، وأن زكريا إنما منع الكلام بآفة دخلت عليه منعته إياه ، وتلك الآفة عدم القدرة على الكلام مع الصحة ; كذلك قال المفسرون . وذهب كثير من العلماء إلى أنه ( لا [ ص; 77 ] صمت يوما إلى الليل ) إنما معناه عن ذكر الله ، وأما عن الهذر وما لا فائدة فيه ، فالصمت عن ذلك حسن .قوله تعالى ; واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار أمره بألا يترك الذكر في نفسه مع اعتقال لسانه ; على القول الأول . وقد مضى في البقرة معنى الذكر . وقال محمد بن كعب القرظي ; لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا بقول الله عز وجل ; ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا ولرخص للرجل يكون في الحرب بقول الله عز وجل ; إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا . وذكره الطبري . وسبح أي صل ; سميت الصلاة سبحة لما فيها من تنزيه الله تعالى عن السوء . و ( العشي ) جمع عشية . وقيل ; هو واحد . وذلك من حين تزول الشمس إلى أن تغيب ; عن مجاهد . وفي الموطأ عن القاسم بن محمد قال ; ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي . والإبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى .
القول في تأويل قوله ; قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةًقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه، خبرًا عن زكريا، قال زكريا; ربّ إن كان هذا النداء الذي نُوديتُه، والصوتُ الذي سمعته، صوتَ ملائكتك وبشارةً منك لي، فاجعل لي آية = يقول; علامةً = أن ذلك كذلك، ليزول عنِّي ما قد وسوس إليّ الشيطان فألقاه في قلبي، من أنّ ذلك صوتُ غير الملائكة، وبشارةٌ من عند غيرك، كما;-7004 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال; " رب اجعل لي آية "، قال; قال - يعني زكريا -; يا ربّ، فإن كان هذا الصوت منكَ، فاجعل لي آيةً.* * *وقد دللنا فيما مضى على معنى " الآية "، وأنها العلامة، بما أغنى عن إعادته. (54)* * *وقد اختلف أهل العربية في سبب ترك العرب همْزها، ومن شأنها همزُ كل " ياء " جاءت بعد " ألف " ساكنة.فقال بعضهم; ترك همزها، لأنها كانت " أيَّة "، فثقُل عليهم التشديد، فأبدلوه " ألفًا " لانفتاح ما قبل التشديد كما قالوا; " أيْما فلانٌ فأخزاه الله ". (55)* * *وقال آخرون منهم; بل هي" فاعلة " منقوصة.&; 6-385 &;فسئلوا فقيل لهم; فما بال العرب تصغرها " أيَيَّة "، ولم يقولوا " أوَيَّة ". (56) فقالوا; قيل ذلك، كما قيل في" فاطمة "،" هذه فُطيمة ". فقيل لهم; فإنهم إنما يصغرون " فاعلة "، على " فعيلة "، إذا كان اسمًا في معنى فلان وفلانة، فأما في غير ذلك فليس من تصغيرهم " فاعلة " على " فعيلة ". (57)* * *وقال آخرون; إنه " فَعْلة " صيرت ياؤها الأولى " ألفا "، كما فعل بـ" حاجة، وقامة ".فقيل لهم; إنما تفعل العرب ذلك في أولاد الثلاثة. (58)وقال من أنكر ذلك من قِيلهم; لو كان كما قالوا; لقيل في" نواة " ناية، وفي" حَياة " حَاية. (59)* * *القول في تأويل قوله ; قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًاقال أبو جعفر; فعاقبه الله - فيما ذكر لنا - بمسألته الآية، بعد مشافهة الملائكة إياه بالبشارة، فجعل آيته = على تحقيق ما سمع من البشارة من الملائكة &; 6-386 &; بيحيى أنه من عند الله = (60) آية من نفسه، جمعَ تعالى ذكره بها العلامة التي سألها ربَّه على ما يبيِّن له حقيقة البشارة أنها من عند الله، وتمحيصًا له من هفوته، وخطإ قِيله ومسألته.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;7005 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله; " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناسَ ثلاثةَ أيام إلا رمزًا "، إنما عوقب بذلك، لأن الملائكة شافهته مشافهة بذلك، فبشَّرته بيحيى، فسأل الآية بعد كلام الملائكة إياه. فأخِذَ عليه بلسانه، فجعل لا يقدر على الكلام إلا ما أومأ وأشار، فقال الله تعالى ذكره، كما تسمعون; "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثةَ أيام إلا رمزًا ".7006 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله; أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا ، قال; شافهته الملائكة، فقال; " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، يقول; إلا إيماءً، وكانت عقوبةً عُوقب بها، إذ سأل الآيةَ مع مشافهة الملائكة إياه بما بشرته به.7007 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه، عن الربيع في قوله; " رب اجعل لي آية، قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة &; 6-387 &; أيام إلا رمزًا "، قال; ذكر لنا، والله أعلم، أنه عوقب، لأن الملائكة شافهته مشافهة، فبشرته بيحيى، فسأل الآية بعدُ، فأخِذَ بلسانه.7008 - حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال; ذكر لنا، والله أعلم، أنه عوقب، لأن الملائكة شافهته فبشرته بيحيى، قالت; أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ، فسأل بعد كلام الملائكة إياه الآية، فأخِذ عليه لسانه، فجعل لا يقدر على الكلام إلا رمزًا - يقول; يومئ إيماءً.7009 - حدثني أبو عبيد الوَصّابي قال، حدثنا محمد بن حمير قال، حدثنا صفوان بن عمرو، عن جُبير بن نُفير في قوله; " قال رب اجعل لي آيةً قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، قال; ربَا لسانه في فيه حتى ملأه، ثم أطلقه الله بعد ثلاثٍ. (61)* * *قال أبو جعفر; وإنما اختارت القرأةُ النصبَ في قوله; " ألا تكلم الناس "، لأن معنى الكلام; قال آيتك أن لا تكلمَ الناسَ فيما يستقبلُ ثَلاثة أيام = فكانت " أن " هي التي تصحب الاستقبال، دون التي تصحب الأسماء فتنصبها. ولو كان المعنى فيه; آيتك أنك لا تكلم الناس ثلاثة أيام = أي; أنك على هذه الحال ثلاثة أيام = كان وجه الكلام الرفع. لأن " أن " كانت تكون حينئذ بمعنى &; 6-388 &; الثقيلة خففت. ولكن لم يكن ذلك جائزًا، لما وصفت من أن ذلك بالمعنى الآخر.* * *وأما " الرّمز "، فإنّ الأغلب من معانيه عند العرب; الإيماءُ بالشفتين، وقد يستعمل في الإيماء بالحاجبين والعينين أحيانًا، وذلك غير كثير فيهم. وقد يقال للخفي من الكلام الذي هو مثلُ الهمس بخفض الصّوت; " الرمز "، ومنه قول جُؤيّة بن عائذ; (62)وَكَــانَ تَكَــلُّمُ الأبْطَــالِ رَمْــزًاوَهَمْهَمَــةً لَهُــمْ مِثْــلَ الهَدِيــرِ (63)يقال منه; " رَمز فلان فهو يَرْمِزُ ويرمُز رَمزًا = ويترمَّزُ ترمُّزًا "، ويقال; " ضربه ضربةً فارتمز منها "، أي اضطرب للموت، قال الشاعر; (64)خَرَرْتُ مِنْهَا لِقِفَايَ أَرْتَمِزْ (65)* * *وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عنى الله عز وجل به في إخباره عن زكريا من قوله; "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، وأيّ معاني" الرمز " عني بذلك؟فقال بعضهم; عني بذلك; آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا تحريكًا بالشفتين، من غير أن ترمز بلسانك الكلام.ذكر من قال ذلك;&; 6-389 &;7010 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا جابر بن نوح، عن النضر بن عربي، عن مجاهد في قوله; " إلا رمزًا "، قال; تحريك الشفتين.7011 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " ثلاثة أيام إلا رمزًا "، قال; إيماؤه بشفتيه.7012 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.* * *وقال آخرون; بل عنى الله بذلك; الإيماء والإشارة.ذكر من قال ذلك;7013 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك; " إلا رمزًا "، قال; الإشارة.7014 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله; " إلا رمزًا "، قال; الرمز أن يشير بيده أو رأسه، ولا يتكلم.7015 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; " إلا رمزًا "، قال; الرمزُ; أنْ أخِذ بلسانه، فجعل يكلم الناس بيده.7016 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " إلا رمزًا "، قال; والرمز الإشارة.7017- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، الآية، قال; &; 6-390 &; جعل آيته أن لا يكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا، إلا أنه يذكر الله. والرّمز; الإشارة، يشير إليهم.7018 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة; " إلا رمزًا "، إلا إيماءً.7019 - حدثنا عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.7020 - حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي; " إلا رمزًا "، يقول; إشارة.7021 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال عبد الله بن كثير; " إلا رمزًا "، إلا إشارة.7022 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله; " قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا "، قال; أمسكَ بلسانه، فجعل يومئ بيده إلى قومه; أنْ سبِّحوا بُكرة وعشيًّا.* * *القول في تأويل قوله ; وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ (41)قال أبو جعفر; يعني بذلك; قال الله جل ثناؤه لزكريا; يا زكريا، آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا ، بغير خرس ولا عاهة ولا مرض، =" واذكر ربك كثيرًا "، فإنك لا تمنع ذكرَه، ولا يحالُ بينك وبين تسبيحه وغير ذلك من ذكره، (66) وقد;-&; 6-391 &;7023 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب قال; لو كان الله رخص لأحد في ترك الذكر، لرخَّص لزكريا حيث قال; "آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا واذكر ربك كثيرًا "، أيضًا.* * *وأما قوله; " وسبح بالعشي"، فإنه يعني; عَظِّم ربك بعبادته بالعشي.* * *و " العَشيّ" من حين تزُول الشمس إلى أن تغيب، كما قال الشاعر; (67)فَـلا الظِّـلَّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعَهُ,وَ لا الفَـيْءَ مِـنْ بَـرْدِ العَشِـيِّ تَذُوقُ (68)فالفيء، إنما تبتدئ أوْبته عند زوال الشمس، وَيتناهى بمغيبها.* * *&; 6-392 &;وأما " الإبكار " فإنه مصدر من قول القائل; " أبكر فلان في حاجة فهو يُبْكِر إبكارًا "، وذلك إذا خرج فيها من بين مطلع الفجر إلى وقت الضُّحى، فذلك " إبكار ". يقال فيه; " أبكر فلان " و " بكر يَبكُر بُكورًا ". فمن " الإبكار "، قول عمر بن أبي ربيعة;أَمِنْ آلِ نُعَمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ (69)ومن " البكور " قول جرير;أَلا بَكَــرَتْ سَـلْمَى فَجَـدَّ بُكُورُهَـاوَشَـقَّ العَصَـا بَعْـدَ اجْتِمَـاعٍ أَمِيرُهَا (70)ويقال من ذلك; " بكر النخلُ يَبْكُر بُكورًا = وأبكر يُبكر إبكارًا "، (71) و " الباكور " من الفواكه; أوّلها إدراكًا.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك;7024 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد; " وسبِّح بالعشيّ والإبكار "، قال; &; 6-393 &; الإبكار أوّل الفجر، والعشيّ مَيْل الشمس حتى تغيب. (72)7025 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.---------------------الهوامش ;(54) انظر ما سلف 1; 106 ، ثم انظر فهرس اللغة مادة (أيى) في الأجزاء السالفة.(55) "أيما" ، بمعنى "أما" مشددة الميم.(56) في المطبوعة والمخطوطة; "أويية" ، والصواب ما أثبت بتشديد الياء.(57) قائل ذلك ، هو الكسائي وأصحابه. وسائلوه; هم الفراء وأصحابه. انظر لسان العرب مادة (أيا).(58) أولاد الثلاثة; يعني الاسم الثلاثي.(59) انظر تفصيل ما سلف ، وبعضه بنصه في لسان العرب 18; 66 ، وهذه الردود كلها للفراء ، كما يظهر من نص اللسان ، وكأن في نص الطبري بعض الاضطراب ، فإن قوله; "فقيل لهم; إنما يفعل العرب ذلك في أولاد الثلاثة" ، إنما هو رد على قول من زعم إنها"فاعلة" منقوصة ، مثل حاجة وقامة ، وأن أصلها حائجة وقائمة. وأخشى أن يكون الناسخ قد أسقط ، أو قدم شيئًا ، فاضطرب الكلام.(60) في المطبوعة; "على تخصيص ما سمع..." ، وهو فاسد لا معنى له ، وأوقعه في ذلك أن كاتب المخطوطة كتب أولا تخصيص" ثم عاد فطمس الصاد الأولى ، ووضع عليها نقطتي القاف ، ثم ركب على حوض الصاد (ص) دائرة القاف ، فلم يستطع الناشر الأول أن يقرأ ذلك إلا على الوجه الذي هرب منه الناسخ!!وسياق هذه العبارة"فجعل آيته. . . آية من نفسه" وتلك الآية; أنه حبس لسانه فلم يكلم الناس إلا كما أمر ، رمزًا.(61) الأثر; 7009-"أبو عبيد الوصابي" هو; "محمد بن حفص" ، مضى في التعليق على رقم; 129 ، 6780 ، وكان في المطبوعة; "الرصافي" ، وفي المخطوطة"الوصافي" ، وكلاهما خطأ. و"محمد بن حمير" مضى أيضًا في; 129; 6870. و"صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي الحمصي" روى عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي وجبير بن نفير ، وجماعة. كان ثقة مأمونًا ، مترجم في التهذيب. و"جبير بن نفير" ، أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وكان جاهليًا ، أسلم زمن أبي بكر وروى عن رسول الله وعن أبي بكر مرسلا ، وروى عن أبي ذر وأبي الدرداء وغيرهما من الصحابة. قال أبو حاتم; "ثقة من كبار تابعي أهل الشام". مترجم في التهذيب. وكان في المطبوعة; "جويبر بن نصير"!! وهو خطأ لا شك فيه ، والصواب في المخطوطة.(62) في المطبوعة; "حوبة بن عابد" ، وهو لا معنى له في الصواب ولا في الخطأ. وهو في المخطوطة بهذا الرسم غير منقوط. والصواب ما أثبت.وهو جؤبة بن عائذ النصري ، فيما روى ابن السكيت في تهذيب الألفاظ; 125. أما الآمدي في المؤتلف والمختلف; 83 ، فقد سماه; "عائذ بن جؤية بن أسيد بن جرار بن عبد بن عاثرة بن يربوع بن واثلة بن دهمان بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن" ، وذكره أيضًا البغدادي في الخزانة 1; 476. والعجب لبعض من يعلق على تفسير الطبري أن يزعم كالقاطع الجازم أنه"جؤية بن عائذ الكوفي النحوي"!!(63) لم أجد البيت فيما بين يدي من الكتب ، ولكني أذكره. وكان في المطبوعة; "وكان يكلم" والصواب ما أثبت.(64) لم أعرف هذا الراجز.(65) اللسان (رمز).(66) انظر تفسير"سبح" فيما سلف 1; 472-474 ، وفهارس اللغة.(67) هو حميد بن ثور الهلالي.(68) ديوانه; 40 ، وهو من قصيدته الجيدة التي قالها ، لما تقدم عمر بن الخطاب إلى الشعراء ، أن لا يشبب أحد بامرأة إلا جلده ، فخرج من عقوبة عمر بأن ذكر"سرحة" وسماها"سرحة مالك" فشكا أهلها إلى عمر ، فقال لهم;تجــرَّمَ أهْلُوهَـا, لأَنْ كُـنْتُ مُشْـعَرًاجُنُونًـا بهــا!! يـا طُولَ هذَا التَجَرُّمِ!وَمَـا لِـيَ مـن ذَنْـبٍ إِلَيْهِـمْ عَلِمْتُـهُسِـوَى أنّني قَدْ قُلْتُ; "يَا سَرْحَةُ اسْلَمِى"بَـلَى, فاسلِمي, ثُمَّ اسْلَمِي, ثُمَّتَ اسلمي,ثَــلاَثَ تَحِيَّــاتٍ, وإن لـم تَكَـلَّميفكان رحمه الله خفيف الدم (كما يقول المصريون). أما الأبيات التي منها البيت المستشهد به ، فإنه ذكر السرحة واستسقى لها ، ووصفها واستجاد لصفتها مكارم الصفات ، ثم قال;فَيَـا طِيـبَ رَيَّاهَـا, وَيَـا بَــرْدَ ظِلِّهَاإذَا حَـانَ مـن حَـامي النّهـارِ وُدُوقُوهَـلْ أنـا إنْ عَلَّلْـتُ نَفْسِــي بِسَرْحةٍمـن السَّـرْحِ, مَسـدُودٌ عَـلَيَّ طريقُحَـمَى ظِلَّهَـا شَـكْسُ الخَلِيقَـةِ, خَائِفٌعَلَيْهَــا غَــرَامَ الطَّـائِفينَ, شَـفِيقُفَـلاَ الظِـلَّ مِنْهَـا بالضُّحَـى تَسْتَطِيعُهوَلاَ الفَــيْءَ مِنْهَـا بالعَشِـيّ تَـذُوقُمع اختلاف الروايتين كما ترى.(69) ديوانه; 1 ، من قصيدته النفيسة ، يقولها في"نعم" ، وهي امرأة من قريش ، من بني جمح ، كان عمر كثير الذكر لها في شعره. وكأن شعره فيها من أصدق ما قال في امرأة ، وهذا الشطر أول القصيدة وتمامه;غَــدَاةَ غَــدٍ? أمْ رَائـحٌ فَمُهَجِّـر?"(70) ديوانه; 293 ، والنقائض; 7 ، يجيب حكيم بن معية الربعي ، وكان هجا جريرًا. قال أبو عبيدة; "شق العصا; التفرق ، ومن هذا يقال للرجل المخالف للجماعة; قد شق العصا. وأميرها; الذي تؤامره ، زوجها أو أبوها".(71) هذا نص خلت منه كتب اللغة ، وحفظه أبو جعفر. وهو صواب ، فإنهم قالوا; "البكيرة والباكورة والبكور" من النخل; التي تدرك في أول النخل ، فذكروا الصفات ، وتركوا الفعل. فهي زيادة ينبغي تقييدها.(72) في المخطوطة; "مثل الشمس حيا يعيب" ، !!! هكذا كتب وأعجم!!
{ رب اجعل لي آية } أي: علامة على وجود الولد قال { آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزًا } أي: ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز، وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة، وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره، فامتنع من الكلام ثلاثة أيام، وأمره الله أن يشكره ويكثر من ذكره بالعشي والإبكار، حتى إذا خرج على قومه من المحراب { فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا } أي: أول النهار وآخره.
(قال ربّ) مرّ إعرابها ،
(اجعل) فعل أمر دعائيّ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(اللام) حرف جرّ و (الياء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(آية) مفعول به أوّل منصوبـ (قال) فعل ماض والفاعل هو (آية) مبتدأ مرفوع و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(أن) حرف مصدري ونصبـ (لا) نافية
(تكلّم) مضارع منصوب، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(الناس) مفعول به منصوب.
والمصدر المؤوّلـ (ألّا تكلّم الناس) في محلّ رفع خبر المبتدأ آيتك.
(ثلاثة) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (تكلّم) ،
(أيّام) مضاف إليه مجرور
(إلّا) أداة استثناء
(رمزا) مستثنى منصوب على الاستثناء المنقطع-الإشارة ليست كلاما- أو المتّصل- الإشارة من بعض الكلام-
(الواو) عاطفة
(اذكر) فعل أمر والفاعل أنت
(ربّ) مفعول به منصوب و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(كثيرا) مفعول مطلق نائب عن المصدر فهو صفته(الواو) عاطفة
(سبّح) مثل اذكر
(بالعشيّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (سبّح) ،
(الواو) عاطفة
(الإبكار) معطوف على العشيّ مجرور مثله.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «ربّ اجعلـ (الندائيّة) » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «اجعل» لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «قالـ (الثانية) » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «آيتك ألا تكلّم الناس» في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «اذكر» في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول الثانية.
وجملة: «سبّح» في محلّ نصب معطوفة على جملة مقول القول الثانية.