إِنَّ اللَّهَ اصْطَفٰىٓ ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرٰهِيمَ وَءَالَ عِمْرٰنَ عَلَى الْعٰلَمِينَ
اِنَّ اللّٰهَ اصۡطَفٰۤى اٰدَمَ وَنُوۡحًا وَّاٰلَ اِبۡرٰهِيۡمَ وَاٰلَ عِمۡرٰنَ عَلَى الۡعٰلَمِيۡنَۙ
تفسير ميسر:
إن الله اختار آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران، وجعلهم أفضل أهل زمانهم.
يخبر تعالى أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض فاصطفى آدم عليه والسلام خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه الجنة ثم أهبطه منها لما له في ذلك من الحكمة واصطفى نوحا عليه السلام وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض لما عبد الناس الأوثان وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وانتقم له لما طالت مدته بين ظهراني قومه يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهارا فلم يزدهم ذلك إلا فرارا فدعا عليهم فأغرقهم الله عن آخرهم ولم ينج منهم إلا من اتبعه على دينه الذي بعثه الله به واصطفى آل إبراهيم ومنهم سيد البشر خاتم الأنبياء على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم وآل عمران والمراد بعمران هذا هو والد مريم بنت عمران أم عيسى ابن مريم عليه السلام.
قوله تعالى ; إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمينقوله تعالى ; إن الله اصطفى آدم ونوحا اصطفى اختار ، وقد تقدم في البقرة . وتقدم فيها اشتقاق آدم وكنيته ، والتقدير إن الله اصطفى دينهم وهو دين الإسلام ; فحذف المضاف . وقال الزجاج ; اختارهم للنبوة على عالمي زمانهم . ونوحا قيل إنه مشتق من ناح ينوح ، وهو اسم أعجمي إلا أنه انصرف لأنه على ثلاثة أحرف ، وهو شيخ المرسلين ، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام بتحريم البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر القرابات ، ومن قال ; إن إدريس كان قبله من المؤرخين فقد وهم على ما يأتي بيانه في " الأعراف " إن شاء الله تعالى .قوله تعالى ; وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين تقدم في البقرة معنى الآل وعلى ما يطلق مستوفى . وفي البخاري عن ابن عباس قال ; آل إبراهيم وآل عمران المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد ; يقول الله تعالى ; إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين وقيل ; آل إبراهيم إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - من آل إبراهيم . وقيل ; آل إبراهيم نفسه ، وكذا آل عمران ; ومنه قوله تعالى ; وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون . وفي الحديث ; لقد أعطي مزمارا من مزامير آل داود ; وقال الشاعر ;ولا تبك ميتا بعد ميت أحبه علي وعباس وآل أبي بكروقال آخر ;يلاقي من تذكر آل ليلى كما يلقى السليم من العدادأراد من تذكر ليلى نفسها . وقيل ; آل عمران آل إبراهيم ; كما قال ; ذرية بعضها من بعض . وقيل ; المراد عيسى ، لأن أمه ابنة عمران . وقيل ; نفسه كما ذكرنا . قال مقاتل ; هو [ ص; 60 ] عمران أبو موسى وهارون ، وهو عمران بن يصهر بن فاهاث بن لاوى بن يعقوب . وقال الكلبي ; هو عمران أبو مريم ، وهو من ولد سليمان عليه السلام . وحكى السهيلي ; عمران بن ماتان ، وامرأته حنة ( بالنون ) . وخص هؤلاء بالذكر من بين الأنبياء لأن الأنبياء والرسل بقضهم وقضيضهم من نسلهم . ولم ينصرف عمران لأن في آخره ألفا ونونا زائدتين . ومعنى قوله ; على العالمين أي على عالمي زمانهم ، في قول أهل التفسير . وقال الترمذي الحكيم أبو عبد الله محمد بن علي ; جميع الخلق كلهم . وقيل على العالمين ; على جميع الخلق كلهم إلى يوم الصور ، وذلك أن هؤلاء رسل وأنبياء فهم صفوة الخلق ; فأما محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد جازت مرتبته الاصطفاء لأنه حبيب ورحمة . قال الله تعالى ; وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين فالرسل خلقوا للرحمة ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خلق بنفسه رحمة ، فلذلك صار أمانا للخلق ، لما بعثه الله أمن الخلق العذاب إلى نفخة الصور . وسائر الأنبياء لم يحلوا هذا المحل ; ولذلك قال ، عليه السلام ; أنا رحمة مهداة يخبر أنه بنفسه رحمة للخلق من الله . وقوله ( مهداة ) أي هدية من الله للخلق . ويقال ; اختار آدم بخمسة أشياء ; أولها أنه خلقه بيده في أحسن صورة بقدرته ، والثاني أنه علمه الأسماء كلها ، والثالث أمر الملائكة بأن يسجدوا له ، والرابع أسكنه الجنة ، والخامس جعله أبا البشر . واختار نوحا بخمسة أشياء ; أولها أنه جعله أبا البشر ; لأن الناس كلهم غرقوا وصار ذريته هم الباقين ، والثاني أنه أطال عمره ; ويقال ; طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ، والثالث أنه استجاب دعاءه على الكافرين والمؤمنين ، والرابع أنه حمله على السفينة ، والخامس أنه كان أول من نسخ الشرائع ; وكان قبل ذلك لم يحرم تزويج الخالات والعمات . واختار إبراهيم بخمسة أشياء ; أولها أنه جعله أبا الأنبياء ; لأنه روي أنه خرج من صلبه ألف نبي من زمانه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - والثاني أنه اتخذه خليلا ، والثالث أنه [ ص; 61 ] أنجاه من النار ، والرابع أنه جعله إماما للناس ، والخامس أنه ابتلاه بالكلمات فوفقه حتى أتمهن . ثم قال ; ( وآل عمران ) فإن كان عمران أبا موسى وهارون فإنما اختارهما على العالمين حيث بعث على قومه المن والسلوى وذلك لم يكن لأحد من الأنبياء في العالم . وإن كان أبا مريم فإنه اصطفى له مريم بولادة عيسى بغير أب ولم يكن ذلك لأحد في العالم ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله ; إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; إن الله اجتبى آدمَ ونوحًا واختارهما لدينهما = وآل إبراهيم وآل عمران لدينهم الذي كانوا عليه، لأنهم كانوا أهل الإسلام. فأخبرَ الله عز وجل أنه اختار دين مَنْ ذكرنا على سائر الأديان التي خالفته. (18)وإنما عنى ب "آل إبراهيم وآل عمران "، المؤمنين.* * *وقد دللنا على أن "آل الرجل "، أتباعه وقومه، ومن هو على دينه. (19)* * *وبالذي قلنا في ذلك روي القول عن ابن عباس أنه كان يقوله.6851 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله; " إن الله اصطفى آدمَ ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين "، قال; هم المؤمنون من آل إبراهيم وآل عمران وآل ياسين وآل محمد، يقول الله عز وجل; إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ [سورة آل عمران; 68]، وهم المؤمنون.6852 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآلَ عمران على العالمين "، رجلان نبيَّان اصطفاهما الله على العالمين.6853 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله; " إنّ الله اصطفى آدمَ ونوحًا وآلَ إبراهيم وآلَ عمران على العالمين "، قال; ذكر الله أهلَ بيتين صالحين، ورجلين صالحين، ففضلهم &; 6-327 &; على العالمين، فكان محمدٌ من آل إبراهيم.6854 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، قال، حدثنا عباد، عن الحسن في قوله; " إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم " إلى قوله; وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ، قال; فضلهم الله على العالمين بالنبوّة، على الناس كلهم، كانوا هم الأنبياء الأتقياءَ المصطفين لربهم. (20)--------------------------الهوامش ;(18) انظر تفسير"اصطفى" فيما سلف 3; 91 ، 69 / ثم 5; 312 ، 313.(19) انظر ما سلف 2; 37 / 3; 222 ، تعليق; 1.(20) في المطبوعة; "المطيعين لربهم" ، كما في الدر المنثور 2; 17 ، 18 ، ولكن المخطوطة واضحة جدًا ، ومطابقة لقوله تعالى; "إن الله اصطفى آدم...".
يخبر تعالى باختيار من اختاره من أوليائه وأصفيائه وأحبابه، فأخبر أنه اصطفى آدم، أي: اختاره على سائر المخلوقات، فخلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له، وأسكنه جنته، وأعطاه من العلم والحلم والفضل ما فاق به سائر المخلوقات، ولهذا فضل بنيه، فقال تعالى: { ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا } واصطفى نوحا فجعله أول رسول إلى أهل الأرض حين عبدت الأوثان، ووفقه من الصبر والاحتمال والشكر والدعوة إلى الله في جميع الأوقات ما أوجب اصطفاءه واجتباءه، وأغرق الله أهل الأرض بدعوته، ونجاه ومن معه في الفلك المشحون، وجعل ذريته هم الباقين، وترك عليه ثناء يذكر في جميع الأحيان والأزمان. واصطفى آل إبراهيم وهو إبراهيم خليل الرحمن الذي اختصه الله بخلته، وبذل نفسه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان، ودعا إلى ربه ليلا ونهارا وسرا وجهارا، وجعله الله أسوة يقتدي به من بعده، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، ويدخل في آل إبراهيم جميع الأنبياء الذين بعثوا من بعده لأنهم من ذريته، وقد خصهم بأنواع الفضائل ما كانوا به صفوة على العالمين، ومنهم سيد ولد آدم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى جمع فيه من الكمال ما تفرق في غيره، وفاق صلى الله عليه وسلم الأولين والآخرين، فكان سيد المرسلين المصطفى من ولد إبراهيم. واصطفى الله آل عمران وهو والد مريم بنت عمران، أو والد موسى بن عمران عليه السلام، فهذه البيوت التي ذكرها الله هي صفوته من العالمين، وتسلسل الصلاح والتوفيق بذرياتهم.
(إنّ الله) مرّ إعرابها ،
(اصطفى) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (آدم) مفعول به منصوب، وامتنع من التنوين للعلميّة والعجمة
(الواو) عاطفة في المواضع الثلاثة
(نوحا، آل، آل) أسماء معطوفة على آدم منصوبة مثله
(إبراهيم) مضاف إليه مجرور وعلامة الجرّ الفتحة فهو ممنوع من الصرف ومثله
(عمران) ،
(على العالمين) جارّ ومجرور متعلّق بفعل اصطفى، وعلامة الجرّ الياء فهو ملحق بجمع المذكّر السالم.
جملة: «إنّ الله اصطفى» لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «اصطفى» في محلّ رفع خبر إنّ.