يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوٓءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُۥٓ أَمَدًۢا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُۥ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌۢ بِالْعِبَادِ
يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡسٍ مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡرٍ مُّحۡضَرًا ۖۚ ۛ وَّمَا عَمِلَتۡ مِنۡ سُوۡٓءٍ ۚۛ تَوَدُّ لَوۡ اَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهٗۤ اَمَدًاۢ بَعِيۡدًا ؕ وَيُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفۡسَهٗؕ وَاللّٰهُ رَءُوۡفٌۢ بِالۡعِبَادِ
تفسير ميسر:
وفي يوم القيامة يوم الجزاء تجد كل نفس ما عملت من خير ينتظرها موفرًا لتُجزَى به، وما عملت من عمل سيِّئ تجده في انتظارها أيضًا، فتتمنى لو أن بينها وبين هذا العمل زمنًا بعيدًا. فاستعدوا لهذا اليوم، وخافوا بطش الإله الجبار. ومع شدَّة عقابه فإنه سبحانه رءوف بالعباد.
يعني يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير وشر كما قال تعالى "ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وآخر" فما رأى من أعماله حسنا سره ذلك وأفرحه وما رأى من قبيح ساءه وغصه وود لو أنه تبرأ منه وأن يكون بينهما أمد بعيد كما يقول لشيطانه الذي كان مقرونا به في الدنيا وهو الذي جرأه على فعل السوء "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين" ثم قال تعالى مؤكدا ومهددا ومتوعدا "ويحذركم الله نفسه" أي يخوفكم عقابه ثم قال جل جلاله مرجيا لعباده لئلا ييأسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه "والله رؤوف بالعباد" قال الحسن البصري; من رأفته بهم حذرهم نفسه وقال غيره; أي رحيم بخلقه يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم وأن يتبعوا رسوله الكريم.
قوله تعالى ; يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد[ ص; 56 ] ( يوم ) منصوب متصل بقوله ; ويحذركم الله نفسه . يوم تجد . وقيل ; هو متصل بقوله ; وإلى الله المصير . يوم تجد . وقيل ; هو متصل بقوله ; والله على كل شيء قدير . يوم تجد ويجوز أن يكون منقطعا على إضمار اذكر ; ومثله قوله ; إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض .و ( محضرا ) حال من الضمير المحذوف من صلة " ما " تقديره يوم تجد كل نفس ، ما عملته من خير محضرا . هذا على أن يكون تجد من وجدان الضالة . و ( ما ) من قوله وما عملت من سوء عطف على ( ما ) الأولى . و ( تود ) في موضع الحال من ( ما ) الثانية . وإن جعلت تجد بمعنى تعلم كان محضرا المفعول الثاني ، وكذلك تكون تود في موضع المفعول الثاني ; تقديره يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت محضرا . ويجوز أن تكون " ما " الثانية رفعا بالابتداء ، و ( تود ) في موضع رفع على أنه خبر الابتداء ، ولا يصح أن تكون " ما " بمعنى الجزاء ; لأن تود مرفوع ، ولو كان ماضيا لجاز أن يكون جزاء ، وكان يكون معنى الكلام ; وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ; أي كما بين المشرق والمغرب . ولا يكون المستقبل إذا جعلت ( ما ) للشرط إلا مجزوما ; إلا أن تحمله على تقدير حذف الفاء ، على تقدير ; وما عملت من سوء فهي تود . أبو علي ; هو قياس قول الفراء عندي ; لأنه قال في قوله تعالى ; وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ; إنه على حذف الفاء . والأمد ; الغاية ، وجمعه آماد . ويقال ; استولى على الأمد ، أي غلب سابقا . قال النابغة ;إلا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمدوالأمد ; الغضب . يقال ; أمد أمدا ، إذا غضب غضبا .
القول في تأويل قوله عز وجل ; يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًاقال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; ويحذركم الله نفسه في يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا موفَّرًا،" وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا " = يعني غاية بعيدة، فإن مصيركم أيها القوم يومئذ إليه، فاحذروه على أنفسكم من ذنوبكم.* * *وكان قتادة يقول في معنى قوله; " محضرًا "، (1) ما;-6840 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا "، يقول; موفَّرًا.* * *قال أبو جعفر; وقد زعم [بعض] أهل العربية أنّ معنى ذلك; (2) واذكر يوم تجد. وقال; إن ذلك إنما جاء كذلك، لأن القرآن إنما نـزل للأمر والذكر، كأنه قيل لهم; اذكروا كذا وكذا، لأنه في القرآن في غير موضع; " واتقوا يوم كذا، وحين كذا ".* * *وأما " ما " التي مع " عملت "، فبمعنى " الذي"، ولا يجوز أن تكون جزاءً، لوقوع " تجد " عليه. (3) وأما قوله; " وما عملت من سوء "، فإنه معطوف على قوله; " ما " الأولى، و " عملت " صلةٌ بمعنى الرّفع، لمَّا قيل; " تود ". (4) &; 6-320 &; فتأويل الكلام; يوم تَجد كل نفس الذي عملت من خير محضرًا، والذي عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا* * *" والأمد " الغاية التي ينتهي إليها، ومنه قول الطرماح;كُـلُّ حَـيٍّ مُسْتَكْـمِلٌ عِدَّةَ الـعُمْـرِ, ومُـودٍ إِذَا انْقَضَـى أَمَـدُهْ (5)يعني; غاية أجله. وقد;-6841 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله; " وما عملت من سوء تودُّ لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا "، مكانًا بعيدًا.6842 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج; " أمدًا بعيدًا "، قال; أجلا.6843 - حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا &; 6-321 &; عباد بن منصور، عن الحسن في قوله; " وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا "، قال; يسر أحدَهم أن لا يلقى عمله ذاكَ أبدًا يكونُ ذلك مناه، وأما في الدنيا فقد كانت خطيئةً يستلذّها. (6)* * *القول في تأويل قوله ; وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)قال أبو جعفر; يقول جل ثناؤه; ويحذركم الله نفسه; أن تُسخِطوها عليكم بركوبكم ما يسخطه عليكم، فتوافونه يومَ تَجد كلُّ نفس ما عملت من خير محضرًا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا، وهو عليكم ساخط، فينالكم من أليم عقابه ما لا قِبَل لكم به. ثم أخبر عز وجل أنه رءوف بعباده رحيمٌ بهم، وأنّ من رأفته بهم; (7) تحذيرُه إياهم نفسه، وتخويفهم عقوبته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معاصيه، كما;-6844- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمرو، عن الحسن في قوله; " ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد "، قال; من رأفته بهم أن حذَّرهم نفسه. (8)------------------------الهوامش ;(1) هذا المعنى قلما تصيبه في كتب اللغة ، فأثبته فيها.(2) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.(3) الوقوع; التعدي ، وقد سلف شرح ذلك فاطلبه في فهرس المصطلحات.(4) في المطبوعة والمخطوطة; "كما قيل تود" ، والصواب ما أثبت. وقد استظهرت قراءتها من كلام الفراء في معاني القرآن 1; 206 ، ونص كلامه; "وقوله وما عملت من سوء - فإنك ترده أيضًا على (ما) ، فتجعل (عملت) صلة لها في مذهب رفع لقوله (تود لو أن بينها)" ، ويعني بذلك أن جملة"تود" مفعول ثان لقوله; "تجد" ، كما كان"محضرًا" مفعولا ثانيًا. وسيأتي ذلك بعد قليل في تفسيره.(5) ديوانه; 112 ، وهذه رواية الطبري ، وكان يروي ديوان الطرماح ، وقرأه بالمسجد الجامع بمصر ، وأملاه على الناس ، وشرح غريبة. ولا أدري أأخطأ أم عنده رواية أخرى غير التي وصلتنا ، فالشعر في ديوانه كما يلي; بعد أن ذكر دار صاحبته ، وما بقي بها من النؤى والرماد;تَـــرَكَ الدَّهْــرُ أهلَــهُ شُــعَبًافَاسْــتمَرَّتْ مِــنْ دُونِهِــمْ عُقَـدُهْوَكــذَاكَ الزَّمَــانُ يَطْـرُدُ بالنَّـاسِإلـــى اليَــوْمِ, يَوْمُــهُ وغَــدُهْلاَ يُلِيثَــانِ بِاخْتِلاَفِهِمَــا المَــرْءَ,وَإنْ طَــــالَ فِيهِمَـــا أَمَـــدُهْكُــلُّ حَـيٍّ مُسـتَكْمِلٌ عِـدَّةَ العُمْـرِ,وَمُـــودٍ إذَا انْقَضَـــى عَـــدَدُهْوقوله; "شعبًا" ، أي متفرقون ، واستمرت; اشتدت وأحكمت عقدة حبال الدهر ، فلم يعد له أمل في اجتماع أحبابه بعد الفراق. وقوله; "لا يليثان" ، من ألاثه يليثه; أخره ، وهو من"اللوث" ، وهو البطء والتأخير. يقول; إن اختلاف الأيام من يوم وغد ، لا يؤخران أجل المرء وإن طال عمره ، حتى يفنياه ويذهبا به. وقوله; "مود" أي; هالك ، إذا انقضى عدد أيامه وأكله في هذه الحياة الدنيا.(6) في المطبوعة; "خطيئته" وفي المخطوطة; "حطيته" هكذا نقطت ، ورأيت الصواب أن أقرأها كما أثبتها.(7) في المطبوعة; "ومن رأفته بهم" ، وفي المخطوطة; "وأرض رأفته بهم" ، وصواب قراءتها ما أثبت.(8) الأثر; 6844-"والحسن" ، هو الحسن البصري بلا ريب ، فقد نسب هذا الأثر إليه ابن كثير في تفسيره 2; 125 ، والسوطي في الدر المنثور 2; 17 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة; "عمرو بن الحسن" ، فظهر أنه خطأ لا شك فيه. أما "عمرو" ، فلم أستطع أن أقطع من يكون ، فمن روى عن الحسن ، ممن اسمه"عمرو" كثير.
{ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا } أي: كاملا موفرا لم ينقص مثقال ذرة، كما قال تعالى: { فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره } والخير: اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة صغيرها وكبيرها، كما أن السوء اسم جامع لكل ما يسخط الله من الأعمال السيئة صغيرها وكبيرها { وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا } أي: مسافة بعيدة، لعظم أسفها وشدة حزنها، فليحذر العبد من أعمال السوء التي لا بد أن يحزن عليها أشد الحزن، وليتركها وقت الإمكان قبل أن يقول { يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض } { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانًا خليلا } { حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين } فوالله لترك كل شهوة ولذة وان عسر تركها على النفس في هذه الدار أيسر من معاناة تلك الشدائد واحتمال تلك الفضائح، ولكن العبد من ظلمه وجهله لا ينظر إلا الأمر الحاضر، فليس له عقل كامل يلحظ به عواقب الأمور فيقدم على ما ينفعه عاجلا وآجلا، ويحجم عن ما يضره عاجلا وآجلا، ثم أعاد تعالى تحذيرنا نفسه رأفة بنا ورحمة لئلا يطول علينا الأمد فتقسو قلوبنا، وليجمع لنا بين الترغيب الموجب للرجاء والعمل الصالح، والترهيب الموجب للخوف وترك الذنوب، فقال { ويحذركم الله نفسه والله رءوفٌ بالعباد } فنسأله أن يمن علينا بالحذر منه على الدوام، حتى لا نفعل ما يسخطه ويغضبه.
(يوم) مفعول به لفعل محذوف تقديره اذكر ،
(تجد) مضارع مرفوع
(كلّ) فاعل مرفوع
(نفس) مضاف إليه مجرور
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(عملت) فعل ماض.. و (التاء) تاء التأنيث، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي
(من خير) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول عملت المقدّر
(محضرا) حال منصوبة من ما، والعامل فيه تجد ،
(الواو) عاطفة
(ما عملت من سوء) مثل ما عملت من خير ،
(تودّ) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره هي
(لو) حرف شرط غير جازم امتناع لامتناع ،
(أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(بين)ظرف مكان منصوب متعلّق بمحذوف خبر مقدّم و (ها) ضمير مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(بين) مثل الأول ومعطوف عليه و (الهاء) ضمير مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(أمدا) اسم أنّ مؤخّر منصوبـ (بعيدا) نعت لـ (أمدا) منصوب مثله.
والمصدر المؤوّل من أنّ واسمها وخبرها في محلّ رفع فاعل لفعل محذوف تقديره ثبت، أي ثبت حصول الأمد البعيد بينها وبينه.
(الواو) استئنافيّة
(يحذّر) مضارع مرفوع و (كم) ضمير متّصل مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(نفس) مفعول به ثان منصوب و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الواو) استئنافيّة
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(رؤف) خبر مرفوع
(بالعباد) جارّ ومجرور متعلّق برؤوف.
جملة: «تجد كلّ نفس» في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «عملت ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «عملت
(الثانية) » لا محلّ لها معطوفة على الجملة الأولى الصلة.
وجملة: «تودّ ... » في محلّ نصب حال، والعامل تجد.
وجملة: «
(ثبت حصول) المقدّرة» في محلّ نصب مفعول به لفعل تودّ » .
وجملة: «يحذّركم الله» لا محلّ لها استئنافيّة.وجملة: «الله رؤف بالعباد» لا محلّ لها استئنافيّة.