رَّبَّنَآ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلْإِيمٰنِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَـَٔامَنَّا ۚ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّـَٔاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ
رَبَّنَاۤ اِنَّنَا سَمِعۡنَا مُنَادِيًا يُّنَادِىۡ لِلۡاِيۡمَانِ اَنۡ اٰمِنُوۡا بِرَبِّكُمۡ فَاٰمَنَّا ۖرَبَّنَا فَاغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوۡبَنَا وَكَفِّرۡ عَنَّا سَيِّاٰتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الۡاَبۡرَارِۚ
تفسير ميسر:
يا ربنا إننا سمعنا مناديا -هو نبيك محمد صلى الله عليه وسلم- ينادي الناس للتصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، والعمل بشرعك، فأجبنا دعوته وصدَّقنا رسالته، فاغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وألحقنا بالصالحين.
"ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان" أي داعيا يدعو إلى الإيمان وهو الرسول صلى الله عليه وسلم "أن آمنوا بربكم فآمنا" أي يقول آمنوا بربكم فآمنا أي فاستجبنا له واتبعناه "ربنا فاغفر لنا ذنوبنا" أي بإيماننا واتباعنا نبيك أى استرها "وكفر عنا سيئاتنا" فيما بيننا وبينك "وتوفنا مع الأبرار" أي ألحقنا بالصالحين.
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أي محمدا صلى الله عليه وسلم ; قاله ابن مسعود وابن عباس وأكثر المفسرين .وقال قتادة ومحمد بن كعب القرظي ; هو القرآن , وليس كلهم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم .دليل هذا القول ما أخبر الله تعالى عن مؤمني الجن إذ قالوا ; " إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد " [ الجن ; 1 - 2 ] .وأجاب الأولون فقالوا ; من سمع القرآن فكأنما لقي النبي صلى الله عليه وسلم ; وهذا صحيح معنى .وأن من أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا في موضع نصب على حذف حرف الخفض , أي بأن آمنوا .وفي الكلام تقديم وتأخير , أي سمعنا مناديا للإيمان ينادي ; عن أبي عبيدة .وقيل ; اللام بمعنى إلى , أي إلى الإيمان ; كقوله ; " ثم يعودون لما نهوا عنه " [ المجادلة ; 8 ] .وقوله ; " بأن ربك أوحى لها " [ الزلزلة ; 5 ] وقوله ; " الحمد لله الذي هدانا لهذا " [ الأعراف ; 43 ] أي إلى هذا , ومثله كثير .وقيل ; هي لام أجل , أي لأجل الإيمان . رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا تأكيد ومبالغة في الدعاء .ومعنى اللفظين واحد ; فإن الغفر والكفر ; الستر . وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ أي أبرارا مع الأنبياء , أي في جملتهم .واحدهم بر وبار وأصله من الاتساع ; فكأن البر متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمة الله .
القول في تأويل قوله تعالى ; رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193)قال أبو جعفر; اختلف أهل التأويل في تأويل " المنادي" الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية.فقال بعضهم; ا " لمنادي" في هذا الموضع، القرآن.* ذكر من قال ذلك;8361 - حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب; " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال; هو الكتاب، ليس كلهم لقي النبي صلى الله عليه وسلم. (39)8362 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا منصور بن حكيم، عن خارجة، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي في قوله; " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال; ليس كل الناس سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكن المنادي القرآن. (40)* * *وقال آخرون; بل هو محمد صلى الله عليه وسلم .* ذكر من قال ذلك;8363 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله; " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "; قال; هو محمد صلى الله عليه وسلم.8364 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله; " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، قال; ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.* * *قال أبو جعفر; وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول محمد بن كعب، وهو أن يكون " المنادي" القرآن. لأن كثيرًا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات، ليسوا ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عاينه فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى ونداءه، ولكنه القرآن، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرًا عن الجن إذ سمعوا كلام الله يتلى عليهم أنهم قالوا; إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [سورة الجن; 1، 2]وبنحو ذلك;-8365 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان " إلى قوله; " وتوفَّنَا مع الأبرار "، سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها، وصبروا عليها. ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال، وعن مؤمن الجنّ كيف قال. فأما مؤمن الجن فقال; إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وأما مؤمن الإنس فقال; " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا "، الآية.* * *وقيل; " إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان "، يعني; ينادي إلى الإيمان، كما &; 7-482 &; قال تعالى ذكره; الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا [سورة الأعراف; 43] بمعنى; هدانا إلى هذا، (41) وكما قال الراجز; (42)أَوْحَــى لَهــا القَــرَارَ فَاسْـتَقَرَّتِوَشَـــدَّهَا بِالرَّاسِـــيَاتِ الثُّبَّــتِ (43)بمعنى; أوحى إليها، ومنه قوله; بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا [سورة الزلزلة; 5]* * *وقيل; يحتمل أن يكون معناه; إننا سمعنا مناديًا للإيمان، ينادي أن آمنوا بربكم. (44)* * *فتأويل الآية إذًا; ربنا سمعنا داعيًا يدعو إلى الإيمان= يقول; إلى التصديق بك، والإقرار بوحدانيتك، واتباع رسولك، وطاعته فيما أمرنا به ونهانا عنه مما جاء به من عندك=" فآمنا ربنا "، يقول; فصدقنا بذلك يا ربنا. =" فاغفر لنا ذنوبنا "، يقول; فاستر علينا خطايانا، ولا تفضحنا بها في القيامة على رءوس الأشهاد، بعقوبتك إيانا عليها، ولكن كفّرها عنا، وسيئات أعمالنا، فامحها بفضلك ورحمتك إيانا=" وتوفنا مع الأبرار "، (45) يعني بذلك; واقبضنا إليك إذا قبضتنا إليك، في عداد الأبرار، واحشرنا محشرهم ومعهم.* * *و " الأبرار " جمع " بَرَ"، وهم الذين برُّوا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم له، حتى أرضوه فرضي عنهم. (46)----------------------------الهوامش;(39) الأثر; 8361 -"قبيصة بن عقبة بن محمد السوائي" مضى برقم; 489 ، 2792 ، وهو ثقة معروف ، أخرج له الستة ، وتكلم بعضهم في روايته عن سفيان الثوري; بأنه يخطئ في بعض روايته ، بأنه سمع من الثوري صغيرًا.و"موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي" ، ضعيف جدا ، مضى برقم; 1875 ، 1876 ، 3291.(40) الأثر; 8362 -"منصور بن حكيم" ، لم أعرفه ولم أجد له ترجمة ، وكذلك"خارجة" لم أعرف من يكون فيمن اسمه"خارجة" ، وأخشى أن يكون فيهما تصحيف أو تحريف.(41) انظر ما سلف 1; 169.(42) هو العجاج.(43) سلف تخريجهما في 6; 405 ، تعليق; 3.(44) انظر معاني القرآن للفراء 1; 250 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 111.(45) انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة 1; 111.(46) وانظر تفسير"البر" فيما سلف 2; 8 / 3; 336 - 338 ، 556 / 4; 425 / 6; 587.
(ربّنا) مر إعرابه ،
(إننا) مثل إنك في الآية السابقة
(سمعنا) فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (نا) فاعلـ (مناديا) مفعول به منصوبـ (ينادي) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (للإيمان) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ينادي) ،
(أن) حرف مصدريّ » ،
(آمنوا) فعل أمر مبنيّ على حذفالنون ... والواو فاعلـ (بربّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (آمنوا) ، و (كم) ضمير مضاف إليه
(الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسببـ (آمنّا) مثل سمعنا
(ربّنا) مرّ اعرابه،
(الفاء) عاطفة تربط المسبّب بالسببـ (اغفر) فعل أمر دعائيّ، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(اللام) حرف جرّ و (نا) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (اغفر) ،
(ذنوب) مفعول به منصوب و (نا) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(كفّر عنّا سيّئاتنا) مثل اغفر لنا ذنوبنا، والجارّ متعلّق بـ (كفّر) ، وعلامة النصب في المفعول الكسرة
(الواو) عاطفة
(توفّ) أمر دعائيّ مبنيّ على حذف حرف العلّة و (نا) ضمير مفعول به، والفاعل أنت
(مع) ظرف مكان منصوب متعلّق بـ (توفّنا) ،
(الأبرار) مضاف إليه مجرور.
جملة: «ربّنا إننا ... » لا محلّ لها استئنافيّة مكرّرة للاسترحام.
وجملة: «إننا سمعنا ... » لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: «سمعنا مناديا» في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «ينادي ... » في محلّ نصب نعت لـ (مناديا) » .
وجملة: «آمنوا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) .
وجملة: «آمنّا» لا محلّ لها معطوفة على جملة آمنوا.
وجملة: «ربّنا
(الثانية) » لا محلّ لها اعتراضيّة استرحاميّة.
وجملة: «اغفر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة آمنا » .
وجملة: «كفّر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اغفر.وجملة: «توفّنا ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اغفر.