إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمٰنِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْـًٔا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
اِنَّ الَّذِيۡنَ اشۡتَرَوُا الۡكُفۡرَ بِالۡاِيۡمَانِ لَنۡ يَّضُرُّوا اللّٰهَ شَيۡـــًٔا ۚ وَلَهُمۡ عَذَابٌ اَ لِيۡمٌ
تفسير ميسر:
إن الذين استبدلوا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئًا، بل ضرر فِعْلِهم يعود على أنفسهم، ولهم في الآخرة عذاب موجع.
قال تعالى مخبرا عن ذلك إخبارا مقررا "إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان" أي استبدلوا هذا بهذا "لن يضروا الله شيئا" أي ولكن يضرون أنفسهم "ولهم عذاب أليم".
قوله تعالى ; إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليمقوله تعالى ; إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان تقدم في البقرة لن يضروا الله شيئا كرر للتأكيد . وقيل ; أي من سوء تدبيره استبدال الإيمان بالكفر وبيعه به ; فلا يخاف جانبه ولا تدبيره . وانتصب شيئا في الموضعين لوقوعه موقع المصدر ; كأنه قال ; لن يضروا الله ضررا قليلا ولا كثيرا . ويجوز انتصابه على تقدير حذف الباء ; كأنه قال ; لن يضروا الله بشيء .
القول في تأويل قوله ; إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالإيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه المنافقين الذين تقدَّم إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم; أن لا يحزنه مسارعتهم إلى الكفر، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم; إن هؤلاء الذين ابتاعوا الكفر بإيمانهم فارتدوا عن إيمانهم بعد دخولهم فيه، (21) ورضوا بالكفر بالله وبرسوله، عوضًا من الإيمان، لن يضروا الله بكفرهم وارتدادهم عن إيمانهم شيئًا، بل إنما يضرون بذلك أنفسهم، بإيجابهم بذلك لها من عقاب الله ما لا قِبل لها به.* * *وإنما حث الله جل ثناؤه بهذه الآيات من قوله; وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ إلى هذه الآية، عبادَه المؤمنين على إخلاص اليقين، ولانقطاع إليه في أمورهم، والرضى به ناصرًا وحدَه دون غيره من سائر خلقه= ورغَّب بها في جهاد أعدائه وأعداء دينه، وشجَّع بها قلوبهم، وأعلمهم أن من وليه بنصره فلن يخذل ولو اجتمع عليه جميعُ من خالفه وحادَّه، وأن من خذله فلن ينصره ناصرٌ ينفعُه نصرُه، ولو كثرت أعوانه ونصراؤه، (22) كما;-8265 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان "، أي; المنافقين=" لن يضروا الله شيئًا ولهم عذاب أليم "، أي; موجع. (23)8266 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال; هم المنافقون.------------------------------الهوامش;(21) انظر تفسير"الاشتراء" فيما سلف 1; 312 - 315 / 2; 341 ، 342 / 3; 228.(22) في المطبوعة; "أو نصراؤه" ، والصواب ما في المخطوطة.(23) الأثر; 8265 - سيرة ابن هشام; 3; 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها; 8263. وليس في سيرة ابن هشام تفسير"أليم".
كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على الخلق، مجتهدا في هدايتهم، وكان يحزن إذا لم يهتدوا، قال الله تعالى: { ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر } من شدة رغبتهم فيه، وحرصهم عليه { إنهم لن يضروا الله شيئا } فالله ناصر دينه، ومؤيد رسوله، ومنفذ أمره من دونهم، فلا تبالهم ولا تحفل بهم، إنما يضرون ويسعون في ضرر أنفسهم، بفوات الإيمان في الدنيا، وحصول العذاب الأليم في الأخرى، من هوانهم على الله وسقوطهم من عينه، وإرادته أن لا يجعل لهم نصيبا في الآخرة من ثوابه. خذلهم فلم يوفقهم لما وفق له أولياءه ومن أراد به خيرا، عدلا منه وحكمة، لعلمه بأنهم غير زاكين على الهدى، ولا قابلين للرشاد، لفساد أخلاقهم وسوء قصدهم. ثم أخبر أن الذين اختاروا الكفر على الإيمان، ورغبوا فيه رغبة من بذل ما يحب من المال، في شراء ما يحب من السلع { لن يضروا الله شيئا } بل ضرر فعلهم يعود على أنفسهم، ولهذا قال: { ولهم عذاب أليم } وكيف يضرون الله شيئا، وهم قد زهدوا أشد الزهد في الإيمان، ورغبوا كل الرغبة بالكفر بالرحمن؟! فالله غني عنهم، وقد قيض لدينه من عباده الأبرار الأزكياء سواهم، وأعد له -ممن ارتضاه لنصرته- أهل البصائر والعقول، وذوي الألباب من الرجال الفحول، قال الله تعالى: { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا } الآيات.
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (الذين) موصول في محلّ نصب اسم إنّ
(اشتروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ... والواو فاعلـ (الكفر) مفعول به منصوبـ (بالإيمان) جارّ ومجرور متعلّق بـ (اشتروا) بتضمينه معنى بدّلوا
(لن يضرّوا الله شيئا) مرّ اعرابها في الآية السابقة،
(الواو) عاطفة
(لهم عذاب أليم) مرّ إعراب نظيرها في الآية السابقة.
جملة: إنّ الذين اشتروا ... لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: اشتروا ... لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: لن يضرّوا ... في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «لهم عذاب ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة لن يضرّوا.