إِنَّمَا ذٰلِكُمُ الشَّيْطٰنُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
اِنَّمَا ذٰلِكُمُ الشَّيۡطٰنُ يُخَوِّفُ اَوۡلِيَآءَهٗ ۖ فَلَا تَخَافُوۡهُمۡ وَخَافُوۡنِ اِنۡ كُنۡتُمۡ مُّؤۡمِنِيۡنَ
تفسير ميسر:
إنَّما المثبِّط لكم في ذلك هو الشيطان جاءكم يخوِّفكم أنصاره، فلا تخافوا المشركين؛ لأنّهم ضعاف لا ناصر لهم، وخافوني بالإقبال على طاعتي إن كنتم مصدِّقين بي، ومتبعين رسولي.
قال تعالى "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" أي يخوفكم أولياءه ويوهمكم أنهم ذوو بأس وذوو شدة قال الله تعالى "فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين" أي إذا سول لكم وأوهمكم فتوكلوا علي وألجاءوا إلي فإني كافيكم وناصركم عليهم كما قال تعالى "أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه" إلى قوله "قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون" وقال تعالى "فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا" وقال تعالى "أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" وقال "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز" وقال "ولينصرن الله من ينصره" وقال تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم" الآية. وقال تعالى "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار".
قوله تعالى ; إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنينقال ابن عباس وغيره ; المعنى يخوفكم أولياءه ; أي بأوليائه ، أو من أوليائه ; فحذف حرف الجر ووصل الفعل إلى الاسم فنصب . كما قال تعالى ; لينذر بأسا شديدا أي لينذركم ببأس شديد ; أي يخوف المؤمن بالكافر . وقال الحسن والسدي ; المعنى يخوف أولياءه المنافقين ; ليقعدوا عن قتال المشركين . فأما أولياء الله فإنهم لا يخافونه إذا خوفهم . وقد قيل ; إن المراد هذا الذي يخوفكم بجمع الكفار شيطان من شياطين الإنس ; إما نعيم بن مسعود أو غيره ، على الخلاف في ذلك كما تقدم . فلا تخافوهم أي لا تخافوا الكافرين المذكورين في قوله ; إن الناس قد جمعوا لكم . أو يرجع إلى الأولياء إن قلت ; إن المعنى يخوف بأوليائه أي يخوفكم أولياءه .قوله تعالى ; وخافون أي خافوني في ترك أمري إن كنتم مصدقين بوعدي . والخوف في كلام العرب الذعر . وخاوفني فلان فخفته ، أي كنت أشد خوفا منه . والخوفاء المفازة لا ماء بها . ويقال ; ناقة خوفاء وهي الجرباء . والخافة كالخريطة من الأدم يشتار فيها العسل . قال سهل بن عبد الله ; اجتمع بعض الصديقين إلى إبراهيم الخليل فقالوا ; ما الخوف ؟ فقال ; لا تأمن حتى تبلغ المأمن . قال سهل ; وكان الربيع بن خيثم إذا مر بكير يغشى عليه ; فقيل لعلي بن أبي طالب ذلك ; فقال ; إذا أصابه ذلك فأعلموني . فأصابه فأعلموه ، فجاءه فأدخل يده في قميصه فوجد حركته عالية فقال ; أشهد أن هذا أخوف أهل زمانكم . فالخائف من الله تعالى هو [ ص; 266 ] أن يخاف أن يعاقبه إما في الدنيا وإما في الآخرة ; ولهذا قيل ; ليس الخائف الذي يبكي ويمسح عينيه ، بل الخائف الذي يترك ما يخاف أن يعذب عليه . ففرض الله تعالى على العباد أن يخافوه فقال ; وخافون إن كنتم مؤمنين وقال ; وإياي فارهبون . ومدح المؤمنين بالخوف فقال ; يخافون ربهم من فوقهم . ولأرباب الإشارات في الخوف عبارات مرجعها إلى ما ذكرنا . قال الأستاذ أبو علي الدقاق ; دخلت على أبي بكر بن فورك رحمه الله عائدا ، فلما رآني دمعت عيناه ، فقلت له ; إن الله يعافيك ويشفيك . فقال لي ; أترى أني أخاف من الموت ؟ إنما أخاف مما وراء الموت . وفي سنن ابن ماجه عن أبي ذر قال ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله لوددت أني كنت شجرة تعضد . خرجه الترمذي وقال ; حديث حسن غريب . ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال ; ( لوددت أني كنت شجرة تعضد ) ، والله أعلم .
القول في تأويل قوله ; إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُقال أبو جعفر; يعني بذلك تعالى ذكره; إنما الذي قال لكم، أيها المؤمنون; إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ، فخوفوكم بجموع عدوّكم ومسيرهم إليكم، من فعل الشيطان ألقاه على أفواه من قال ذلك لكم، يخوفكم بأوليائه من المشركين -أبي سفيان وأصحابه من قريش- لترهبوهم، وتجبنوا عنهم، كما;-8256 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله; " إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه "، يخوف والله المؤمنَ بالكافر، ويُرهب المؤمن بالكافر.8257 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد; " إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه "، قال; يخوّف المؤمنين بالكفار.8258 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "، يقول; الشيطان يخوّف المؤمنين بأوليائه.8259 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق; " إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه "، أي; أولئك الرهط، يعني النفر من عبد القيس، الذين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا، وما ألقى الشيطان على أفواههم=" يخوّف أولياءه "، أي; يرهبكم بأوليائه. (10)8260 - حدثني يونس قال، أخبرنا علي بن معبد، عن عتاب بن بشير مولى قريش، عن سالم الأفطس في قوله; " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "، قال; يخوفكم بأوليائه.* * *وقال آخرون; معنى ذلك، إنما ذلكم الشيطان يعظِّم أمر المشركين، أيها المنافقون، في أنفسكم فتخافونه.* ذكر من قال ذلك;8261 - حدثنا محمد قال، حدثنا أحمد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال; ذكر أمر المشركين وعِظمهم في أعين المنافقين فقال; " إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "، يعظم أولياءه في صدوركم فتخافونه.* * *قال أبو جعفر; فإن قال قائل; وكيف قيل; " يخوف أولياءه "؟ وهل يخوف الشيطان أولياءه؟ [وكيف] قيل= إن كان معناه يخوّفكم بأوليائه=" يخوف أولياءه "؟ (11) قيل; ذلك نظير قوله; لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا [سورة الكهف; 2] بمعنى; لينذركم بأسه الشديد، وذلك أن البأس لا يُنذر، وإنما ينذر به. (12)* * *وقد كان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول; معنى ذلك; يخوف الناسَ أولياءه، كقول القائل; " هو يُعطي الدراهم، ويكسو الثياب "، بمعنى; هو يعطي الناس الدراهم ويكسوهم الثياب، فحذف ذلك للاستغناء عنه.* * *قال أبو جعفر; وليس الذي شبه [من] ذلك بمشتبه، (13) لأن " الدراهم " في قول القائل; " هو يعطي الدراهم "، معلوم أن المعطَى هي" الدراهم "، وليس كذلك " الأولياء " -في قوله; " يخوف أولياءه "- مخوَّفين، (14) بل التخويف من الأولياء لغيرهم، فلذلك افترقا.* * *القول في تأويل قوله ; فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)قال أبو جعفر; يقول; فلا تخافوا، أيها المؤمنون، المشركين، ولا يعظُمَن عليكم أمرهم، ولا ترهبوا جمعهم، مع طاعتكم إياي، ما أطعتموني واتبعتم أمري، وإني متكفِّل لكم بالنصر والظفر، (15) ولكن خافون واتقوا أن تعصوني وتخالفوا أمري، فتهلكوا=" إن كنتم مؤمنين "، يقول; ولكن خافونِ دون المشركين ودون جميع خلقي، أنْ تخالفوا أمري، إن كنتم مصدِّقي رسولي وما جاءكم به من عندي.----------------الهوامش ;(10) الأثر; 8259 - سيرة ابن هشام 3; 128 ، وهو تتمة الآثار التي آخرها; 8253.(11) في المطبوعة والمخطوطة; "وهل يخوف الشيطان أولياءه؟ قيل إن كان معناه يخوفكم بأوليائه" وهو كلام لا يستقيم ، ورجحت أن الناسخ أسقط ما زدته بين القوسين.(12) انظر معاني القرآن للفراء 1; 248.(13) في المطبوعة; "الذي شبه ذلك بمشبه" ، والذي في المخطوطة مثله إلا أنه كتب"بمشتبه" ورجحت أن الناسخ أسقط"من" فوضعها بين القوسين ، مع إثبات نص المخطوطة ، وهو الصواب.(14) السياق; "وليس كذلك الأولياء. . . مخوفين".(15) في المخطوطة; "وإني متكلف لكم بالنصر" ، وهو خطأ فاحش ، تعالى ربنا عن أن يتكلف شيئًا ، وهو القادر الذي لا يؤوده شيء. وقد أصاب ناشر الطبعة السالفة فيما فعل.
{ إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه } أي: إن ترهيب من رهب من المشركين، وقال: إنهم جمعوا لكم، داع من دعاة الشيطان، يخوف أولياءه الذين عدم إيمانهم، أو ضعف. { فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين } أي: فلا تخافوا المشركين أولياء الشيطان، فإن نواصيهم بيد الله، لا يتصرفون إلا بقدره، بل خافوا الله الذي ينصر أولياءه الخائفين منه المستجيبين لدعوته. وفي هذه الآية وجوب الخوف من الله وحده، وأنه من لوازم الإيمان، فعلى قدر إيمان العبد يكون خوفه من الله، والخوف المحمود: ما حجز العبد عن محارم الله.
(إنّما) كافّة ومكفوفة
(ذا) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطاب و (الميم) حرف لجمع الذكور
(الشيطان) خبر مرفوع ،
(يخوف) مضارع مرفوع، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو ... والمفعول الأول مقدّر أي يخوّفكم
(أولياء) مفعول به ثان منصوب و (الهاء) ضمير مضاف إليه
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(لا) ناهية جازمة
(تخافوا) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعل و (هم) ضمير مفعول به
(الواو) عاطفة
(خافوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون، والواو فاعل و (النون) نون الوقاية و (الياء) المحذوفة للتخفيف ضمير مفعول به
(إن) حرف شرط جازم
(كنتم) فعل ماض ناقص مبنيّ على السكون ... و (تم) اسم كان
(مؤمنين) خبر منصوب وعلامة النصب الياء.
جملة: «ذلك الشيطان ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «يخوّف أولياءه» في محلّ نصب حال من الشيطان .وجملة: «لا تخافوهم» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر » .
وجملة: «خافون» في محلّ جزم معطوفة على جملة الجواب.
وجملة: «كنتم مؤمنين» لا محلّ لها استئنافيّة أو تفسيريّة ... وجواب الشرط المذكور محذوف دلّ عليه ما قبله أي إن كنتم مؤمنين فخافوني.