وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌۢ بِالْمُتَّقِينَ
وَمَا يَفۡعَلُوۡا مِنۡ خَيۡرٍ فَلَنۡ يُّكۡفَرُوۡهُ ؕ وَاللّٰهُ عَلِيۡمٌۢ بِالۡمُتَّقِيۡنَ
تفسير ميسر:
وأيُّ عمل قلَّ أو كَثُر من أعمال الخير تعمله هذه الطائفة المؤمنة فلن يضيع عند الله، بل يُشكر لهم، ويجازون عليه. والله عليم بالمتقين الذين فعلوا الخيرات وابتعدوا عن المحرمات؛ ابتغاء رضوان الله، وطلبًا لثوابه.
قال تعالى ههنا "وما يفعلوا من خير فلن يكفروه" أي لا يضيع عند الله بل يجزيهم به أوفر الجزاء "والله عليم بالمتقين" أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيع لديه أجر من أحسن عملا.
وما يفعلوا من خير فلن يكفروه قرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي وحفص وخلف بالياء فيهما ; إخبارا عن الأمة القائمة ، وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد . وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب ; لقوله تعالى ; كنتم خير أمة أخرجت للناس [ ص; 168 ] . وهي اختيار أبي حاتم ، وكان أبو عمرو يرى القراءتين جميعا الياء والتاء . ومعنى الآية ; وما تفعلوا من خير فلن تجحدوا ثوابه بل يشكر لكم وتجازون عليه .
القول في تأويل قوله ; يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل وعز; " يؤمنون بالله واليوم الآخر "، يصدِّقون بالله وبالبعث بعد الممات، ويعلمون أن الله مجازيهم بأعمالهم; وليسوا كالمشركين الذين يجحدون وحدانية الله، ويعبدون معه غيره، ويكذبون بالبعث بعد الممات، وينكرون المجازاة على الأعمال والثوابَ والعقابَ.* * *وقوله; " ويأمرون بالمعروف "، يقول; يأمرون الناس بالإيمان بالله ورسوله، وتصديق محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به. (72) " وينهون عن المنكر "، يقول; وينهون الناس عن الكفر بالله، وتكذيب محمد وما جاءهم به من عند الله; (73) يعني بذلك; أنهم ليسوا كاليهود والنصارى الذين يأمرون الناس بالكفر وتكذيب محمد فيما جاءهم به، وينهونهم عن المعروف من الأعمال، وهو تصديق محمد فيما أتاهم به من عند الله. =" ويسارعون في الخيرات "، يقول; ويبتدرون فعل الخيرات خشية أن يفوتهم ذلك قبل معاجلتهم مناياهم.* * *ثم أخبر جل ثناؤه أن هؤلاء الذين هذه صفتهم من أهل الكتاب، هم من عداد الصالحين، (74) لأن من كان منهم فاسقًا، قد باء بغضب من الله لكفره بالله وآياته، وقتلهم الأنبياء بغير حق، وعصيانه ربّه واعتدائه في حدوده.---------------------الهوامش ;(72) انظر تفسير"المعروف" فيما سلف ص; 105 تعليق; 2 ، والمراجع هناك.(73) انظر تفسير"المنكر" فيما سلف ص; 105 تعليق; 3 ، والمراجع هناك.(74) انظر تفسير"الصالح" فيما سلف 3; 91 / 6; 380.
{ يؤمنون بالله واليوم الآخر } أي: كإيمان المؤمنين إيمانا يوجب لهم الإيمان بكل نبي أرسله، وكل كتاب أنزله الله، وخص الإيمان باليوم الآخر لأن الإيمان الحقيقي باليوم الآخر يحث المؤمن به على ما يقر به إلى الله، ويثاب عليه في ذلك اليوم، وترك كل ما يعاقب عليه في ذلك اليوم { ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر } فحصل منهم تكميل أنفسهم بالإيمان ولوازمه، وتكميل غيرهم بأمرهم بكل خير، ونهيهم عن كل شر، ومن ذلك حثهم أهل دينهم وغيرهم على الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم وصفهم بالهمم العالية { و } أنهم { يسارعون في الخيرات } أي: يبادرون إليها فينتهزون الفرصة فيها، ويفعلونها في أول وقت إمكانها، وذلك من شدة رغبتهم في الخير ومعرفتهم بفوائده وحسن عوائده، فهؤلاء الذين وصفهم الله بهذه الصفات الجميلة والأفعال الجليلة { من الصالحين } الذين يدخلهم الله في رحمته ويتغمدهم بغفرانه وينيلهم من فضله وإحسانه، وأنهم مهما فعلوا { من خير } قليلا كان أو كثيرا { فلن يكفروه } أي: لن يحرموه ويفوتوا أجره، بل يثيبهم الله على ذلك أكمل ثواب، ولكن الأعمال ثوابها تبع لما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والتقوى، فلهذا قال { والله عليم بالمتقين } كما قال تعالى: { إنما يتقبل الله من المتقين }
(الواو) عاطفة
(ما) اسم شرط جازم مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم
(يفعلوا) مضارع مجزوم فعل الشرط وعلامة الجزم حذف النون ... والواو فاعلـ (من خير) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من(ما) ، أو هو تمييز له
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(لن) حرف نفي ونصبـ (يكفروا) مضارع مبنيّ للمجهول منصوب وعلامة النصب حذف النون ... والواو ضمير في محلّ رفع نائب فاعل و (الهاء) ضمير مفعول به بتضمين الفعل معنى يحرموا جزاءه.
(الواو) استئنافيّة
(الله) لفظ الجلالة مبتدأ مرفوع
(عليم) خبر مرفوع
(بالمتّقين) جارّ ومجرور متعلّق بعليم.
جملة: «يفعلوا من خير» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافية في السابقة.
وجملة: «لن يكفروه» في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: «الله عليم» لا محلّ لها استئنافيّة.