وَلِلَّهِ مَا فِى السَّمٰوٰتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ
وَلِلّٰهِ مَا فِى السَّمٰوٰتِ وَمَا فِى الۡاَرۡضِؕ وَاِلَى اللّٰهِ تُرۡجَعُ الۡاُمُوۡرُ
تفسير ميسر:
ولله ما في السموات وما في الأرض، ملكٌ له وحده خلقًا وتدبيرًا، ومصير جميع الخلائق إليه وحده، فيجازي كلا على قدر استحقاقه.
ولهذا قال تعالى "ولله ما في السموات وما في الأرض" أي الجميع ملك له وعبيد له وإلى الله ترجع الأمور أي هو الحاكم المتصرف في الدنيا والآخرة.
قال المهدوي ; وجه اتصال هذا بما قبله أنه لما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين وأنه لا يريد ظلما للعالمين , وصله بذكر اتساع قدرته وغناه عن الظلم لكون ما في السموات وما في الأرض في قبضته , وقيل ; هو ابتداء كلام , بين لعباده أن جميع ما في السموات وما في الأرض له حتى يسألوه ويعبدوه ولا يعبدوا غيره .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ (109)قال أبو جعفر; يعني بذلك جل ثناؤه; أنه يعاقب الذين كفروا بعد إيمانهم بما ذكر أنه معاقبهم به من العذاب العظيم وتسويد الوجوه، ويثيب أهلَ الإيمان به الذين ثبتوا على التصديق والوفاء بعهودهم التي عاهدوا عليها بما وصفَ أنه مثيبهم به من الخلود في جنانه، من غير ظلم منه لأحد الفريقين فيما فعل، لأنه لا حاجة به إلى الظلم. وذلك أن الظالم إنما يظلم غيره ليزداد إلى عزه عزة بظلمه إياه، أو إلى سلطانه سلطانًا، أو إلى ملكه ملكًا، = (1) أو إلى نقصان في بعض أسبابه يتمم بها ظلم غيره فيه ما كان ناقصًا من أسبابه عن التمام. (2) فأما من كان له جميع ما بين أقطار المشارق والمغارب، وما في الدنيا والآخرة، فلا معنى لظلمه أحدًا، فيجوز أن يظلم شيئًا، لأنه ليس من أسبابه شيء ناقصٌ يحتاج إلى تمام، فيتم ذلك بظلم &; 7-99 &; غيره، تعالى الله علوًّا كبيرًا. ولذلك قال جل ثناؤه عَقِيب قوله; وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ،" ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور ".* * *واختلف أهل العربية في وجه تكرير الله تعالى ذكره اسمه مع قوله; " وإلى الله ترجع الأمور " ظاهرًا، وقد تقدم اسمُه ظاهرًا مع قوله; " ولله ما في السماوات وما في الأرض ".فقال بعض أهل العربية من أهل البصرة; ذلك نظيرُ قول العرب; " أما زيدٌ فذهب زيدٌ"، وكما قال الشاعر; (3)لا أرَى المَـوْتَ يَسْـبِقُ المَـوْتَ شَيءٌنَغَّــصَ المَـوْتُ ذَا الغِنَـى وَالفَقِـيرَا (4)فأظهر في موضع الإضمار.* * *وقال بعض نحويي الكوفة; ليس ذلك نظير هذا البيت، لأن موضع " الموت " الثاني في البيت موضع كناية، لأنه كلمة واحدة، (5) وليس ذلك كذلك في الآية، لأن قوله; " ولله ما في السماوات وما في الأرض " خبرٌ، ليس من قوله; " وإلى الله ترجع الأمور " في شيء، وذلك أنّ كلّ واحدة من القصتين مفارقٌ معناها معنى الأخرى، مكتفية كل واحدة منهما بنفسها، غير محتاجة إلى الأخرى. وما قال الشاعر; " لا أرى الموت "، محتاجٌ إلى تمام الخبر عنه. (6)* * *قال أبو جعفر; وهذا القول الثاني عندنا أولى بالصواب، لأن كتاب الله عز وجل لا توجَّهُ معانيه وما فيه من البيان، (7) إلى الشواذ من الكلام والمعاني، وله في الفصيح من المنطق والظاهر من المعاني المفهوم، وجهٌ صحيح موجودٌ.وأما قوله; " وإلى الله ترجع الأمور " فإنه يعني تعالى ذكره; إلى الله مصير أمر جميع خلقه، الصالح منهم والطالح، والمحسن والمسيء، فيجازي كلا على قدر استحقاقهم منه الجزاء، بغير ظلم منه أحدا منهم.-----------------الهوامش ;(1) في المطبوعة; "وإلى ملكه" بالواو ، وأثبت ما في المخطوطة.(2) في المطبوعة; "وإلى ملكه ملكًا لنقصان في بعض أسبابه يتمم بما ظلم غيره فيه ما كان ناقصًا من أسبابه عن التمام" ، وهي جملة تشبه أن تكون مستقيمة ، بيد أن الطبري أراد أن الظالم يظلم ليزداد عزة إلى عزه - أو سلطانًا إلى سلطانه - أو ملكًا إلى ملكه - أو أن يتمم بظلمه ما كان ناقصًا من أسبابه. وعبارة الطبري التي أثبتها مستقيمة جدا على طريقته في العبارة.(3) هو عدى بن زيد ، وقد ينسب إلى ولده سوادة بن عدي ، وربما نسب لأمية بن أبي الصلت.(4) حماسة البحتري; 98 ، وشعراء الجاهلية; 468 ، وسيبويه 1; 30 ، وخزانة الأدب 1; 183 ، 2; 534 ، 4; 552 ، وأمالي ابن الشجري 1; 243 ، 288 ، وشرح شواهد المغني; 296 ، وهو من أبيات مفرقة في هذه الكتب وغيرها من حكمة عدي في تأمل الحياة والموت ، يقول قبل البيت;إنّ للدَّهْـــرِ صَوْلَــةً فَاحْذَرنْهَــالا تَبِيتَــنَّ قَــدْ أمِنْــتَ الدّهـورَاقَـدْ يَنَـامُ الفَتَـى صَحِيحًـا فَـيَرْدَىوَلَقَـــدْ بَــاتَ آمِنًــا مَسْــرُورَالا أَرَى المَــــوْتَ................. . . . . . . . . . . . . . . . . . .ثم يقول بعد أبيات;أَيْــنَ أيْــنَ الفِـرَارُ مِمَّـا سَـيَأْتِيلا أَرَى طَــائِرًا نَجَــا أَنْ يَطِــيرَاويقول; غني الناس وفقيرهم ، فيهم مفسد عليه حياته من مخافة هذا الموت ، ومن ترقبه ، هذا يخاف أن يسبقه الموت إلى ماله الذي جمع ، وذاك يفزع أن يسبقه الردى إلى ما يؤمل من متاع الدنيا. وكان هذا البيت في المخطوطة فاسدًا محرفًا ناقصًا ، وهو في المطبوعة سوى مستقيم.(5) الكناية; هو الضمير في اصطلاح بقية النحويين.(6) في المخطوطة والمطبوعة; "كما قال الشاعر" ، وهو غير مستقيم ، والصواب ما أثبت.(7) في المطبوعة; "لا يؤخذ معانيه" ، وفي المخطوطة; "لا يوحد" غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت ، والناسخ كثير التصحيف كما علمت ، والدال هي الهاء في آخر الكلمة.
أي: هو المالك لما في السماوات وما في الأرض، الذي خلقهم ورزقهم ويتصرف فيهم بقدره وقضائه، وفي شرعه وأمره، وإليه يرجعون يوم القيامة فيجازيهم بأعمالهم حسنها وسيئها.
(الواو) عاطفة
(لله) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر
(في السموات) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف صلة ما الأولـ (الواو) عاطفة
(ما) مثل الأول ومعطوف عليه
(في الأرض) مثل في السموات، متعلّق بصلة ما الثاني
(الواو) عاطفة
(إلى الله) جارّ ومجرور متعلّق بـ (ترجع) وهو فعل مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع
(الأمور) نائب فاعل مرفوع.
جملة: «لله ما في السموات ... » لا محلّ لها معطوفة على الجملة الاستئنافيّة في الآية السابقة.
وجملة: «ترجع الأمور» لا محلّ لها معطوفة على جملة لله ما في السموات.