مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ
مَنۡ جَآءَ بِالۡحَسَنَةِ فَلَهٗ خَيۡرٌ مِّنۡهَاۚ وَهُمۡ مِّنۡ فَزَعٍ يَّوۡمَٮِٕذٍ اٰمِنُوۡنَ
تفسير ميسر:
من جاء بتوحيد الله والإيمان به وعبادته وحده، والأعمال الصالحة يوم القيامة، فله عند الله من الأجر العظيم ما هو خير منها وأفضل، وهو الجنة، وهم يوم الفزع الأكبر آمنون.
قال قتادة بالإخلاص وقال زين العابدين هي لا إله إلا الله وقد بين تعالى في الموضع الآخر أن له عشر أمثالها "وهم من فزع يومئذ آمنون" كما قال في الآية الأخرى "لا يحزنهم الفزع الأكبر" وقال تعالى "أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة" وقال تعالى "وهم في الغرفات آمنون".
قوله تعالى ; من جاء بالحسنة فله خير منها قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما ; الحسنة ; لا إله إلا الله . وقال أبو معشر ; كان إبراهيم يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ولا يستثني أن الحسنة ; لا إله إلا الله محمد رسول الله . وقال علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم ; غزا رجل فكان إذا خلا بمكان قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له فبينما هو في أرض الروم في أرض جلفاء وبردى رفع صوته فقال ; لا إله إلا الله وحده لا شريك له فخرج عليه رجل على فرس عليه ثياب بيض فقال له ; والذي نفسي بيده إنها الكلمة التي قال الله تعالي ; من جاء بالحسنة فله خير منها وروى أبو ذر قال ; قلت ; يا رسول الله أوصني ، قال ; اتق الله وإذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها قال ; قلت ; يا رسول الله أمن الحسنات ; لا إله إلا الله ؟ قال ; من أفضل الحسنات وفي رواية قال ; نعم هي أحسن [ ص; 226 ] الحسنات . ذكره البيهقي ، وقال قتادة ; من جاء بالحسنة بالإخلاص والتوحيد . وقيل ; أداء الفرائض كلها .قلت ; إذا أتى بلا إله إلا الله على حقيقتها وما يجب لها على ما تقدم بيانه في سورة ( إبراهيم ) فقد أتى بالتوحيد والإخلاص والفرائض . فله خير منها قال ابن عباس ; أي وصل إليه الخير منها ; وقاله مجاهد وقيل ; فله الجزاء الجميل وهو الجنة وليس ( خير ) للتفضيل . قال عكرمة وابن جريج ; أما أن يكون له خير منها يعني من الإيمان فلا ، فإنه ليس شيء خيرا ممن قال ; لا إله إلا الله ، ولكن له منها خير . وقيل ; فله خير منها للتفضيل ، أي ثواب الله خير من عمل العبد وقوله وذكره ، وكذلك رضوان الله خير للعبد من فعل العبد ، قاله ابن عباس وقيل ; يرجع هذا إلى الإضعاف فإن الله تعالى يعطيه بالواحدة عشرا ; وبالإيمان في مدة يسيرة الثواب الأبدي . قاله محمد بن كعب وعبد الرحمن بن زيد وهم من فزع يومئذ آمنون قرأ عاصم وحمزة والكسائي ( فزع يومئذ ) بالإضافة . قال أبو عبيد ; وهذا أعجب إلي لأنه أعم التأويلين أن يكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم ، وإذا قال ; من فزع يومئذ صار كأنه فزع دون فزع . قال القشيري ; وقرئ ; ( من فزع ) بالتنوين ثم قيل يعني به فزعا واحدا كما قال ; لا يحزنهم الفزع الأكبر وقيل ; عنى الكثرة لأنه مصدر والمصدر صالح للكثرة .قلت ; فعلى هذا تكون القراءتان بمعنى . قال المهدوي ; ومن قرأ ; ( من فزع يومئذ ) بالتنوين ، انتصب ( يومئذ ) بالمصدر الذي هو ( فزع ) ويجوز أن يكون صفة ل ( فزع ) ويكون متعلقا بمحذوف ; لأن المصادر يخبر عنها بأسماء الزمان وتوصف بها ، ويجوز أن يتعلق باسم الفاعل الذي هو ( آمنون ) . والإضافة على الاتساع في الظروف ، ومن حذف التنوين وفتح الميم بناه لأنه ظرف زمان ، وليس الإعراب في ظرف الزمان متمكنا ، فلما أضيف إلى غير متمكن ولا معرب بني . وأنشد سيبويه ;على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب
يقول تعالى ذكره; ( مَنْ جَاءَ ) الله بتوحيده والإيمان به, وقول لا إله إلا الله موقنا به قلبه ( فَلَهُ ) من هذه الحسنة عند الله ( خَيرٌ ) يوم القيامة, وذلك الخير أن يثيبه الله ( مِنْهَا ) الجنة, ويؤمنِّه ( مِنْ فَزَعٍ ) الصيحة الكبرى وهي النفخ في الصور.( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ) يقول; ومن جاء بالشرك به يوم يلقاه, وجحود وحدانيته ( فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ ) في نار جهنم.وبنحو الذي قلنا في ذلك, قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن خلف العسقلاني, قال; ثني الفضل بن دكين, قال; ثنا يحيى بن أيوب البجلي, قال; سمعت أبا زرعة, قال; قال أبو هُريرة- قال يحيى; أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال; ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) قال; وهي لا إله إلا الله (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) قال; وهي الشرك.حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي, قال; ثنا أبو يحيى الحماني, عن النضر بن عربيّ, عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله; ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) قال; من جاء بلا إله إلا الله,( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ) , قال; بالشرك.حدثني عليّ, قال; ثنا أبو صالح, قال; ثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله; ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا ) يقول; من جاء بلا إله إلا الله ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ ) وهو الشرك.
ثم بين كيفية جزائه فقال: { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ } اسم جنس يشمل كل حسنة قولية أو فعلية أو قلبية { فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } هذا أقل التفضيل { وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } أي: من الأمر الذي فزع الخلق لأجله آمنون وإن كانوا يفزعون معهم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة