وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حٰذِرُونَ
وَاِنَّا لَجَمِيۡعٌ حٰذِرُوۡنَؕ
تفسير ميسر:
قال فرعون; إن بني إسرائيل الذين فرُّوا مع موسى لَطائفة حقيرة قليلة العدد، وإنهم لمالئون صدورنا غيظًا؛ حيث خالفوا ديننا، وخرجوا بغير إذننا، وإنا لجميع متيقظون مستعدون لهم.
"وإنا لجميع حاذرون" أي نحن كل وقت نحذر من غائلتهم; وقرأ طائفة من السلف "وإنا لجميع حاذرون" أي مستعدون بالسلاح وإني أريد أن أستأصل شأفتهم وأبيد خضراءهم فجوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم.
وإنا لجميع حاذرون أي مجتمع مستعد أخذنا حذرنا وأسلحتنا . وقرئ ; " حاذرون " ومعناه معنى ( حذرون ) أي فرقون خائفون . قال الجوهري ; وقرئ وإنا لجميع حاذرون و ( حذرون ) و ( حذرون ) بضم الذال حكاه الأخفش ; ومعنى " حاذرون " ; متأهبون ، ومعنى ( حذرون ) ; خائفون . قال النحاس ; ( حذرون ) قراءة المدنيين وأبي عمرو ، وقراءة أهل الكوفة ; " حاذرون " وهي معروفة عن عبد الله بن مسعود وابن عباس ، و ( حادرون ) بالدال غير المعجمة قراءة أبي عباد وحكاها المهدوي عن ابن أبي عمار ، والماوردي والثعلبي عن سميط بن عجلان . قال النحاس ; أبو عبيدة يذهب إلى أن معنى ( حذرون ) و " حاذرون " واحد . وهو قول سيبويه وأجاز ; هو حذر زيدا ; كما يقال ; حاذر زيدا ، وأنشد ;حذر أمورا لا تضير وآمن ما ليس منجيه من الأقداروزعم أبو عمر الجرمي أنه يجوز هو حذر زيدا على حذف " من " . فأما أكثر النحويين فيفرقون بين " حذر " و " حاذر " ; منهم الكسائي والفراء ومحمد بن يزيد ; فيذهبون إلى أن معنى حذر ; في خلقته الحذر ، أي متيقظ متنبه ، فإذا كان هكذا لم يتعد ، ومعنى " حاذر " مستعد . وبهذا جاء التفسير عن المتقدمين . قال عبد الله بن مسعود في قول الله عز وجل ; وإنا لجميع حاذرون قال ; مؤدون في السلاح والكراع مقوون ، فهذا ذاك بعينه . وقوله ; " مؤدون " معهم أداة . وقد قيل ; إن المعنى ; معنا سلاح وليس معهم سلاح يحرضهم على القتال ; فأما ( حادرون ) بالدال المهملة فمشتق من قولهم عين حدرة أي ممتلئة ; أي نحن ممتلئون غيظا عليهم ; ومنه قول الشاعر ; [ امرئ القيس ]وعين لها حدرة بدرة شقت مآقيهما من أخروحكى أهل اللغة أنه يقال ; رجل حادر إذا كان ممتلئ اللحم ; فيجوز أن يكون المعنى الامتلاء من السلاح . المهدوي ; الحادر ; القوي الشديد .
وقوله ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الكوفة ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) بمعنى; أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوّة وسلاح. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة; " وأنا لجميع حذرون " بغير ألف. وكان الفرّاء يقول; كأن الحاذر الذي يحذرك الآن, وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه إلا حذرا; ومن الحذر قول ابن أحمر;هَــلْ أُنسَــأَنْ يَوْمـا إلـى غَـيْرِهِإنِّـــي حَــوَالِيٌّ وآنّــي حَــذِر (4)والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ, فمصيب الصواب فيه.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا ابن بشار, قال; ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, قال; سمعت الأسود بن زيد يقرأ; ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) قال; مقوون مؤدون.حدثنا ابن حميد, قال; ثنا يحيى بن واضح, قال; ثنا عيسى بن عبيد, عن أيوب, عن أبي العرجاء, عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرأ; ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) يقول; مؤدون.حدثنا موسى, قال; ثنا عمرو, قال; ثنا أسباط, عن السديّ في قوله; ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) يقول; حذرنا, قال; جمعنا أمرنا.حدثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج, عن ابن جُرَيج; ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) قال; مؤدون معدون في السلاح والكراع.ثنا القاسم, قال; ثنا الحسين, قال; ثني حجاج أبو معشر, عن محمد بن قيس قال; كان مع فرعون ست مئة ألف حصان أدهم سوى ألوان الخيل.حدثنا عمرو بن عليّ, قال; ثنا أبو داود, قال; ثنا سليمان بن معاذ الضبي, عن عاصم بن بهدلة, عن أبي رزين, عن ابن عباس أنه قرأها; ( وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ) قال; مؤدون مقوون.----------------------الهوامش ;(4) البيت لابن أحمر الباهلي. قاله المؤلف. ونسبه في (اللسان; حول) إلى المرار بن منقذ العدوي. قال; ويقال رجل حوالي; للجيد الرأي ذي الحيلة كما قال ابن أحمر، ويقال للمرار بن منقذ العدوي * أو تنسـأن يــومي إلى غيــره *وقال في "حذر"; ورجل حذر وحذر (بكسر الذال وضمها) وحاذورة، وحذريان; متيقظ، شديد الحذر والفزع متحرز. وحاذر; متأهب معد، كأنه يحذر أن يفاجأ. والجمع "حذرون وحذارى". وفي التنزيل; (وإنا لجميع حاذرون"، وقرئ "حذرون" و "حذرون". الأخيرة بضم الذال، حكاه الأخفش. ومعنى "حاذرون" متأهبون، ومعنى "حذرون" خائفون. وقيل; معنى "حذرون" معدون. الأزهري. من قرأ (وإنا لجميع حاذرون) أي مستعدون. ومن قرأ "حذرون" فمعناه; إنا نخاف شرهم. وقال الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة، الورقة 229); وقوله; "حاذرون، وحذرون; حدثني أبو ليلى السجستاني، عن ابن جرير قاضي سجستان، أن ابن مسعود قرأ; (وإنا لجميع حاذرون). يقولون; مؤدون في السلاح. يقولون; ذوو أداة من السلاح. و "حذرون" وكأن الحاذر; الذي يحذرك الآن؛ وكأن "الحذر"; المخلوق حذرًا; ، لا تلقاه إلا حذرًا. ا ه.
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ أي: الحذر على الجميع منهم, وهم أعداء للجميع, والمصلحة مشتركة، فخرج فرعون وجنوده, في جيش عظيم, ونفير عام, لم يتخلف منهم سوى أهل الأعذار, الذين منعهم العجز.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة