وقوله; ( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ ) يقول; فعلنا ذلك؛ بهم لئلا يصدّقوا بهذا القرآن, حتى يروا العذاب الأليم في عاجل الدنيا, كما رأت ذلك الأمم الذين قص الله قصصهم في هذه السورة. ورفع قوله ( لا يُؤْمِنُونَ ) لأن العرب من شأنها إذا وضعت في موضع مثل هذا الموضع " لا " ربما جزمت ما بعدها, وربما رفعت فتقول; ربطت الفرس لا تنفلتْ, وأحكمت العقد لا ينحلّ, جزما ورفعا. وإنما تفعل ذلك لأن تأويل ذلك; إن لم أحكم العقد انحلّ, فجزمه على التأويل, ورفعه بأن الجازم غير ظاهر.ومن الشاهد على الجزم في ذلك قول الشاعر;لَـوْ كُـنْتَ إذْ جِئْتَنـا حـاوَلْتَ رؤْيَتَناأوْ جِئْتنـا ماشِـيا لا يَعْـرِف الفَـرَس (7)وقول الآخر;لَطالَمَـــا حَلأتَمَاهـــا لا تَــرِدْفَخَلِّياهـــا والسِّـــجَالَ تَبْـــتَرِدْ (8)-------------------------------الهوامش ;(6) سقط تفسير ابن زيد لما أراد من الآية، ولعله الكفر أو الشرك، أو نحوه، أو مثله.(7) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة الورقة 230) قال; وقوله; (كذلك سلكناه) تقول; سلكنا التكذيب في قلوب المجرمين كيلا يؤمنوا به حتى يروا العذاب الأليم. وإذا كان موقع كى في مثل هذا "لا" و "إن" جميعًا، صلح الجزم في "لا" والرفع. والعرب تقول; ربطت الفرس لا ينفلت; جزمًا ورفعًا وأوثقت العبد لا يفر; جزما ورفعًا؛ وإنما جزم، لأن تأويله; إن لم أربطه فر؛ فجزم على التأويل. أنشدني بعض بني عقيل;وَحَـتى رَأَيْنَـا أَحْسَـنَ الْفِعْـلِ بَيْنَنَـامُسَــاكَتَةً لا يَفْــرِقُ الشَّـرَّ فَـارِقُينشد رفعًا وجزمًا. وقال الآخر; "لو كنت إذ جئتنا.." البيت; رفعًا وجزمًا، وقوله; "لطالما حلأتماها.." الشاهد الآتي بعد من ذلك.(8) البيت في (اللسان; حلأ). وروايته; قد طالما.. إلخ، قال; حلأ الإبل والماشية عن الماء تحليئًا وتحلئة; طردها أو حبسها عن الورود، ومنعها أن ترده. وكذلك حلأ القوم عن الماء. وقال ابن الأعرابي; قالت قريبة; كان رجل عاشق لمرأة فتزوجها، فجاءها النساء، فقال بعضهن لبعض * قـد طالمـا حلأتماهـا لا تـرد *البيت. والسجال; جمع سجل وهو الدلو الضخمة المملوءة ماء (اللسان) والبيت شاهد كالذي قبله، على أن "لا ترد" يجوز فيه الرفع والجزم على التأويل الذي ذكره الفراء.