وَالْخٰمِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكٰذِبِينَ
وَالۡخَـامِسَةُ اَنَّ لَـعۡنَتَ اللّٰهِ عَلَيۡهِ اِنۡ كَانَ مِنَ الۡكٰذِبِيۡنَ
تفسير ميسر:
والذين يرمون زوجاتهم بالزنى، ولم يكن لهم شهداء على اتهامهم لهنَّ إلا أنفسهم، فعلى الواحد منهم أن يشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله; أشهد بالله أني صادق فيما رميتها به من الزنى، ويزيد في الشهادة الخامسة الدعوة على نفسه باستحقاقه لعنة الله إن كان كاذبًا في قوله.
فإذا قال ذلك بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء وحرمت عليه أبدا ويعطيها مهرها ويتوجه عليها حد الزنا ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين أي فيما رماها به.
وكيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن ; قل أشهد بالله لرأيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة وما وطئتها بعد رؤيتي .وإن شئت قلت ; لقد زنت وما وطئتها بعد زناها .يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات , فإن نكل عن هذه الأيمان أو عن شيء منها حد .وإذا نفى حملا قال ; أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد , وما هذا الحمل مني , ويشير إليه ; فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها ; وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها .ثم يقول في الخامسة ; علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين , وإن شاء قال ; إن كنت كاذبا فيما ذكرت عنها .فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد .وقال الشافعي ; يقول الملاعن أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجي فلانة بنت فلان , ويشير إليها إن كانت حاضرة , يقول ذلك أربع مرات , ثم يوعظه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول ; إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله ; فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه , ويقول ; إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبا ; فإن أبى تركه يقول ذلك ; لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنى .احتج بما رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حيث أمر المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول ; إنها موجبة .
والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين; ثم إن المرأة شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غَضَبَ الله عليها إن كان من الصادقين وفرق بينهما.حدثنا ابن المثنى، قال; ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عامر، قال; لما أنـزل; وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً قال عاصم بن عديّ; إن أنا رأيت فتكلمت جلدت ثمانين، وإن أنا سكت سكت على الغيظ، قال; فكأن ذلك شقّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال; فأنـزلت هذه الآية; ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ ) قال; فما لبثوا إلا جمعة، حتى كان بين رجل من قومه وبين امرأته، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله; ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ )... الآية، والخامسة; أن يقال له; إن عليك لعنة الله إن كنت من الكاذبين. وإن أقرّت المرأة بقوله رُجمت، وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بالله; إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن يقال لها; غضب الله عليك إن كان من الصادقين، فيدرأ عنها العذاب، ويفرق بينهما، فلا يجتمعان أبدا، ويُلحق الولد بأمه.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرمة، قوله; ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) قال; هلال بن أميَّة; والذي رميت به شريك بن سحماء، والذي استفتى عاصم بن عديّ.قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال; أخبرني الزهريّ عن الملاعنة والسنة فيها، عن حديث سهل بن سعد أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال; أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فأنـزل الله في شأنه ما ذكر من أمر المتلاعنين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; " قَدْ قَضَى اللهُ فيكَ وفِي امرْأتِكَ، فتلاعنا وأنا شاهد " ثم فارقها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت السنة بعدها أن يفرّق بين المتلاعنين، وكانت حاملة، فأنكره، فكان ابنها يُدعى إلى أمه، ثم جرت السنة أن ابنها يَرثها، وترث ما فرض الله لها.حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله; (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ)... إلى قوله; ( إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) قال; إذا شهد الرجل خمس شهادات، فقد برئ كل واحد من الآخر، وعِدَّتُها إن كانت حاملا أن تضع حملها، ولا يجْلد واحد منهما، وإن لم تحلف أقيم عليها الحدّ والرجْم.
{ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ْ} أي: يزيد في الخامسة مع الشهادة المذكورة، مؤكدا تلك الشهادات، بأن يدعو على نفسه، باللعنة إن كان كاذبا، فإذا تم لعانه، سقط عنه حد القذف، ظاهر الآيات، ولو سمى الرجل الذي رماها به، فإنه يسقط حقه تبعا لها. وهل يقام عليها الحد، بمجرد لعان الرجل ونكولها أم تحبس؟ فيه قولان للعلماء، الذي يدل عليه الدليل، أنه يقام عليها الحد، بدليل قوله: { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ ْ} إلى آخره، فلولا أن العذاب وهو الحد قد وجب بلعانه، لم يكن لعانها دارئا له.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة