وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ
وَلَوۡلَا فَضۡلُ اللّٰهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهٗ وَاَنَّ اللّٰهَ تَوَّابٌ حَكِيۡمٌ
تفسير ميسر:
ولولا تفضُّل الله عليكم ورحمته- أيها المؤمنون- بهذا التشريع للأزواج والزوجات، لأحلَّ بالكاذب من المتلاعنين ما دعا به على نفسه، وأن الله تواب لمن تاب مِن عباده، حكيم في شرعه وتدبيره.
أي لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم "وأن الله تواب" أي على عباده. وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة "حكيم" فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهي عنه وقد وردت الأحاديث بمقتضي العمل بهذه الآية وذكر سبب نزولها وفيمن نزل فيه من الصحابة. قال الإمام أحمد حدثنا يزيد أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال; لما نزلت "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا" قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار; "أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟" فقالوا يا رسول الله; لا تلمه فإنه رجل غيور والله ما تزوج امرأ قط إلا بكرا وما طلق امرأة قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته فقال سعد; والله يا رسول الله إني لأعلم إنها لحق وإنها من الله ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لى أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته - قال فما لبثوا إلا يسيرا - حتي جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال; يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه واجتمعت عليه الأنصار وقالوا; قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس فقال هلال; والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به والله يعلم أني لصادق. فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الوحي وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك فى تربد وجهه يعني فأمسكوا عنه حتي فرغ من الوحي فنزلت "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله" الآية فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال; "أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا" فقال هلال; قد كنت أرجو ذلك من ربي عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أرسلوا إليها" فجاءت فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا فقال هلال; والله يا رسول الله لقد صدقت عليها فقالت; كذب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "لاعنوا بينهما" فقيل لهلال; اشهد فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فلما كانت الخامسة قيل له; يا هلال اتق الله فإن عذاب الدنيا أهون من الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فقال; والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم قيل للمرأة; اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين وقيل لها عند الخامسة اتقي الله فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت; والله لا أفضح قومي فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقضى أن لا يدعي ولدها لأب ولا يرمي ولدها ومن رماها أو رمي ولدها فعليه الحد وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أنهما يفترقان من غير طلاق ولا متوفى عنها وقال; "إن جاءت به أصيهب أريشح حمش الساقين فهو لهلال وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فهو الذي رميت به" فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن" قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر وكان يدعي لأمه" ولا يدعي لأب ورواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون به نحوه مختصرا ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة. فمنها ما قال البخاري; حدثني محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن حسان حدثني عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم; "البينة أو حد في ظهرك" فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول "البينة وإلا حد في ظهرك" فقال هلال; والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهرى من الحد فنزل جبريل وأنزل عليه; "والذين يرمون أزواجهم - فقرأ حتى بلغ - إن كان من الصادقين" فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول; "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب" ثم قامت فشهدت فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا; إنها موجبة قال ابن عباس فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت; لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء" فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن" انفرد به البخاري من هذا الوجه وقد رواه من غير وجه عن ابن عباس وغيره. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور الزيادي حدثنا يونس بن محمد حدثنا صالح وهو ابن عمر حدثنا عاصم يعني ابن كليب عن أبيه حدثني ابن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى امرأته برجل فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يردده حتى أنزل الله تعالى "والذين يرمون أزواجهم" فقرأ حتى فرغ من الآيتين فأرسل إليهما فدعاهما فقال; "إن الله تعالى قد أنزل فيكما" فدعا الرجل فقرأ عليه فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه فقال له; "كل شيء أهون عليه من لعنة الله" ثم أرسله فقال; "لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين" ثم دعاها فقرأ عليها فشهدت أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها وقال; "ويحك كل شيء أهون من غضب الله" ثم أرسلها فقالت; غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "أما والله لأقضين بينكما قضاء فصلا قال فولدت فما رأيت مولودا بالمدينة أكثر منه فقال "إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا وإن جاءت به لكذا وكذا فهو لكذا" فجاءت به يشبه الذي قذفت به. وقال الإمام أحمد حدثنا يحيي بن سعيد حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال; سمعت سعيد بن جبير قال سئلت عن المتلاعنين أيفرق بينهما فى إمارة ابن الزبير فما دريت ما أقول فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلت; يا أبا عبدالرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما؟ فقال سبحان الله إن أول من سأل عن ذلك فلان ابن فلان فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فسكت فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال الذي سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله تعالى هذه الآيات في سورة النور "والذين يرمون أزواجهم" حتى بلغ "أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين" فبدأ بالرجل فوعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال; والذي بعثك بالحق ما كذبت ثم ثني بالمرأة فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت المرأة; والذي بعثك بالحق إنه لكاذب. قال فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم ثني بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما رواه النسائي في التفسير من حديث عبد الملك بن أبي سليمان به وأخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال الإمام أحمد حدثنا يحيي بن حماد حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال; كنا جلوسا عشية الجمعة في المسجد فقال رجل من الأنصار; أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا إن قتله قتلتموه وإن تكلم جلدتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لإن أصبحت صحيحا لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فسأله فقال; يا رسول الله إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا إن قتله قتلتموه وإن تكلم جلدتموه وإن سكت سكت على غيظ اللهم احكم قال; فنزلت آية اللعان فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به. انفرد بإخراجه مسلم فرواه من طرق عن سليمان بن مهران الأعمش به وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا أبو كامل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن شهاب عن سهل بن سعد قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدى فقال له; سل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد رجلا مع امرأته فقتله أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل قال فلقيه عويمر فقال; ما صنعت؟ قال ما صنعت إنك لم تأتني بخير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عويمر; والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيها قال; فدعا بهما ولاعن بينهما قال عويمر; إن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها قال; ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم; "أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العنين عظيم الأليتين فلا أراه إلا قد صدق وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا" فجاءت به على النعت المكروه. أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي ورواه البخاري أيضا من طرق عن الزهري به فقال حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع حدثنا فليح عن الزهري عن سهل بن سعد أن رجلا أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت رجلا رأى مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ فأنزل الله تعالى فيهما ما ذكر في القرآن من التلاعن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد قضى فيك وفي امرأتك" قال فتلاعنا وأنا شاهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففارقها فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين وكان حاملا فأنكر حملها وكان ابنها يدعي إليها ثم جرت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها. وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا إسحاق بن الضيف حدثنا النضر بن شميل حدثنا يونس ابن أبي إسحاق عن أبيه عن زيد بن بتيع عن حذيفة " قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر "لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا؟" قال كنت والله فاعلا به شرا. قال "فأنت يا عمر؟ " قال كنت والله فاعلا كنت أقول لعن الله الأعجز فإنه خبيث. قال فنزلت " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " ثم قال لا نعلم أحدأ أسنده إلا النضر بن شميل عن يونس بن إسحاق ثم رواه من حديث الثوري عن أبي إسحاق عن زيد ابن بتيع مرسلا فالله أعلم وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك " قال; لأول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته فرفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربعة شهود وإلا فحد في ظهرك" فقال يا رسول الله إن الله يعلم أني لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئذبه ظهري من الجلد فأنزل الله آية اللعان " والذين يرمون أزواجهم" إلى آخر الآية قال فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال "اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا" فشهد بذلك أربع شهادات ثم قال له في الخامسة "ولعنه الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا" ففعل ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا فشهدت بذلك أربع شهادات ثم قال لها في الخامسة "وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا" قال فلما كانت الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت على القول ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال "انظروا فإن جاءت به جعدا حمش الساقين فهو لشريك بن سحماء وإن جاءت به أبيض سبطا قصير العينين فهو لهلال بن أمية فجاءت به جعدا حمش الساقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن".