سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنّٰى تُسْحَرُونَ
سَيَقُوۡلُوۡنَ لِلّٰهِؕ قُلۡ فَاَنّٰى تُسۡحَرُوۡنَ
تفسير ميسر:
سيجيبون; بأن ذلك كلَّه لله، قل لهم; كيف تذهب عقولكم وتُخْدَعون وتُصْرفون عن توحيد الله وطاعته، وتصديق أمر البعث والنشور؟
وقوله " سيقولون لله " أي سيعترفون أن السيد العظيم الذي يجير ولا يجار عليه هو الله تعالى وحده لا شريك له " قل فأنى تسحرون " أي فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره مع اعترافكم وعلمكم بذلك.
فأنى تسحرون أي فكيف تخدعون وتصرفون عن طاعته وتوحيده . أو كيف يخيل إليكم أن تشركوا به ما لا يضر ولا ينفع ! والسحر هو التخييل . وكل هذا احتجاج على العرب المقرين بالصانع وقرأ أبو عمرو ( سيقولون لله ) في الموضعين الأخيرين ؛ وهي قراءة أهل [ ص; 135 ] العراق . الباقون لله ، ولا خلاف في الأول أنه لله ؛ لأنه جواب ل ( قل لمن الأرض ومن فيها ) فلما تقدمت اللام في لمن رجعت في الجواب . ولا خلاف أنه مكتوب في جميع المصاحف بغير ألف . وأما من قرأ ( سيقولون لله ) فلأن السؤال بغير لام فجاء الجواب على لفظه ، وجاء في الأول لله لما كان السؤال باللام . وأما من قرأ لله باللام في الأخيرين وليس في السؤال لام فلأن معنى قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ; قل لمن السماوات السبع ورب العرش العظيم . فكان الجواب لله ؛ حين قدرت اللام في السؤال . وعلة الثالثة كعلة الثانية . وقال الشاعر ;إذا قيل من رب المزالف والقرى ورب الجياد الجرد قلت لخالدأي لمن المزالف .ودلت هذه الآيات على جواز جدال الكفار وإقامة الحجة عليهم . وقد تقدم في ( البقرة ) . ونبهت على أن من ابتدأ بالخلق والاختراع والإيجاد والإبداع هو المستحق للألوهية والعبادة .
فإنهم يقولون; إن ملكوت كلّ شيء والقدرة على الأشياء كلها لله، فقل لهم يا محمد; ( فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) يقولون; فمن أيّ وجه تصرفون عن التصديق بآيات الله، والإقرار بأخباره وأخبار رسوله، والإيمان بأن الله القادر على كل ما يشاء، وعلى بعثكم أحياء بعد مماتكم، مع علمكم بما تقولون من عظيم سلطانه وقدرته؟!وكان ابن عباس فيما ذكر عنه يقول في معنى قوله ( تُسْحَرُونَ ) ما حدثني به عليّ، قال; ثنا عبد الله قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله; ( فأنى تُسْحَرُونَ ) يقول; تكذبون.وقد بيَّنت فيما مضى السِّحْر; أنه تخييل الشيء إلى الناظر أنه على خلاف ما هو به من هيئته، فذلك معنى قوله; ( فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ) إنما معناه; فمن أيّ وجه يخيل إليكم الكذب حقا; والفاسد صحيحا، فتصرفون عن الإقرار بالحقّ الذي يدعوكم إليه رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
{ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ } أي: سيقرون أن الله المالك لكل شيء، المجير، الذي لا يجار عليه. { قُلْ } لهم حين يقرون بذلك، ملزما لهم، { فَأَنَّى تُسْحَرُونَ } أي: فأين تذهب عقولكم، حيث عبدتم من علمتم أنهم لا ملك لهم، ولا قسط من الملك، وأنهم عاجزون من جميع الوجوه، وتركتم الإخلاص للمالك العظيم القادر المدبر لجميع الأمور، فالعقول التي دلتكم على هذا، لا تكون إلا مسحورة، وهي - بلا شك- قد سحرها الشيطان، بما زين لهم، وحسن لهم، وقلب الحقائق لهم، فسحر عقولهم، كما سحرت السحرة أعين الناس.
(سيقولون لله قل) انظر إعرابها سابقا ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(أنّى) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حال من النائب الفاعل في(تسحرون) ، فالظرف ضمّن معنى كيف.
جملة: «سيقولون ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «
(الملكوت) لله ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «قل ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «أنّى تسحرون» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن كنتم تعلمون هذا فأنى تسحرون.. وجملة الشرط المقدّرة في محلّ نصب مقول القول.