وَإِنَّ هٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَا۠ رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
وَاِنَّ هٰذِهٖۤ اُمَّتُكُمۡ اُمَّةً وَّاحِدَةً وَّاَنَا رَبُّكُمۡ فَاتَّقُوۡنِ
تفسير ميسر:
وإنَّ دينكم- يا معشر الأنبياء- دين واحد وهو الإسلام، وأنا ربكم فاتقوني بامتثال أوامري واجتناب زواجري.
وقوله" وإن هذه أمتكم أمة واحدة " أي دينكم يا معشر الأنبياء دين واحد وملة واحدة وهو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ولهذا قال " وأنا ربكم فاتقون " وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الأنبياء وإن قوله " أمة واحدة " منصوب على الحال.
قوله تعالى ; وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقونفيه أربع مسائل ;الأولى ; قوله تعالى ; وإن هذه أمتكم أمة واحدة المعنى ; هذا الذي تقدم ذكره هو دينكم وملتكم فالتزموه . والأمة هنا الدين ؛ وقد تقدم محامله ؛ ومنه قوله تعالى ; إنا وجدنا آباءنا على أمة أي على دين . وقال النابغة ;حلفت فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أمة وهو طائعالثانية ; قرئ ( وإن هذه ) بكسر ( إن ) على القطع ، وبفتحها وتشديد النون . قال الخليل ; هي في موضع نصب لما زال الخافض ؛ أي أنا عالم بأن هذا دينكم الذي أمرتكم أن تؤمنوا به . وقال الفراء ; ( أن ) متعلقة بفعل مضمر تقديره ; واعلموا أن هذه أمتكم . وهي عند سيبويه متعلقة بقوله ; فاتقون ؛ والتقدير فاتقون لأن أمتكم واحدة . وهذا كقوله تعالى ; وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ؛ أي لأن المساجد لله فلا تدعوا معه غيره . وكقوله ; لإيلاف قريش ؛ أي فليعبدوا رب هذا البيت لإيلاف قريش .الثالثة ; وهذه الآية تقوي أن قوله تعالى ; يا أيها الرسل إنما هو مخاطبة لجميعهم ، وأنه بتقدير حضورهم . وإذا قدرت يا أيها الرسل مخاطبة لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فلق اتصال هذه الآية واتصال قوله ; فتقطعوا . أما أن قوله ; وأنا ربكم فاتقون وإن كان قيل للأنبياء فأممهم داخلون فيه بالمعنى ؛ فيحسن بعد ذلك اتصال .
اختلفت القرّاء في قراءة قوله; ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) ، فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة ( وأنَّ ) بالفتح، بمعنى; إني بما تعملون عليم، وأن هذه أمتكم أمة واحدة، فعلى هذا التأويل (أن) في موضع خفض، عطف بها على (ما) من قوله; بِمَا تَعْمَلُونَ ، وقد يحتمل أن تكون في موضع نصب إذا قرئ ذلك كذلك. ويكون معنى الكلام حينئذ; واعلموا أن هذه، ويكون نصبها بفعل مضمر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين بالكسر; ( وَإِنْ ) هذه على الاستئناف، والكسر في ذلك عندي على الابتداء هو الصواب؛ لأن الخبر من الله عن قيله لعيسى; يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ مبتدأ، فقوله; ( وَإِنَّ هَذِهِ ) مردود عليه عطفا به عليه، فكان معنى الكلام; وقلنا لعيسى; يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، وقلنا; وإن هذه أمتكم أمة واحدة. وقيل; إن الأمة الذي في هذا الموضع; الدِّين والملة.*ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، في قوله; ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال; الملة والدين.وقوله; ( وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ )يقول; وأنا مولاكم فاتقون بطاعتي تأمنوا عقابي ، ونصبت أمة واحدة على الحال. وذُكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك رفعا. وكان بعض نحويِّي البصرة يقول; رَفْع ذلك إذا رفع على الخبر، ويجعل أمتكم نصبا على البدل من هذه. وأما نحويو الكوفة فيأبون ذلك إلا في ضرورة شعر، وقالوا; لا يقال; مررت بهذا غلامكم; لأن هذا لا تتبعه إلا الألف واللام والأجناس، لأن " هذا " إشارة إلى عدد، فالحاجة في ذلك إلى تبيين المراد من المشار إليه أيّ الأجناس هو، وقالوا; وإذا قيل; هذه أمتكم أمة واحدة، والأمة غائبة ، وهذه حاضرة، قالوا; فغير جائز أن يبين عن الحاضر بالغائب، قالوا; فلذلك لم يجز; إن هذا زيد قائم، من أجل أن هذا محتاج إلى الجنس لا إلى المعرفة.
ولهذا قال تعالى للرسل: { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أمَّةً } أي: جماعتكم -يا معشر الرسل- جماعة { وَاحِدَةً } متفقة على دين واحد، وربكم واحد.{ فَاتَّقُونِ } بامتثال أوامري، واجتناب زواجري. وقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، لأنهم بهم يقتدون، وخلفهم يسلكون، فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } فالواجب من كل المنتسبين إلى الأنبياء وغيرهم، أن يمتثلوا هذا، ويعملوا به
(الواو) عاطفة في الموضعين
(أمّة) حال منصوبة من أمّتكم ،
(الفاء) عاطفة لربط المسبّب بالسبب، والنون في(فاتّقون) هي نون الوقاية جاءت قبل ياء المتكلّم المحذوفة لمناسبة آخر الآي.
جملة: «إنّ هذه أمّتكم ... » لا محلّ لها معطوفة على جواب النداء .
وجملة: «أنا ربّكم ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة إنّ هذه أمّتكم.
وجملة: «اتّقون» لا محلّ لها معطوفة على مستأنف مقدّر أي: تنبّهوا فاتّقون.