هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ
هَيۡهَاتَ هَيۡهَاتَ لِمَا تُوۡعَدُوۡنَ
تفسير ميسر:
بعيد حقًا ما توعدون به أيها القوم من أنكم بعد موتكم تُخْرَجون أحياء من قبوركم.
وقالوا " أيعدك أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون " أي بَعُدَ بَعُدَ ذلك.
قوله تعالى ; هيهات هيهات لما توعدونقال ابن عباس ; هي كلمة للبعد ؛ كأنهم قالوا بعيد ما توعدون ؛ أي أن هذا لا يكون ما يذكر من البعث . وقال أبو علي ; هي بمنزلة الفعل ؛ أي بعد ما توعدون . وقال ابن الأنباري ; وفي هيهات عشر لغات ; هيهات لك ( بفتح التاء ) وهي قراءة الجماعة . وهيهات لك ( بخفض التاء ) ؛ ويروى عن أبي جعفر بن القعقاع . وهيهات لك ( بالخفض والتنوين ) يروى عن عيسى بن عمر . وهيهات لك ( برفع التاء ) ؛ الثعلبي ; وبها قرأ نصر بن عاصم وأبو العالية . وهيهات لك ( بالرفع والتنوين ) وبها قرأ أبو حيوة الشامي ؛ ذكره الثعلبي أيضا . وهيهاتا لك ( بالنصب والتنوين ) قال الأحوص ;تذكرت أياما مضين من الصبا وهيهات هيهاتا إليك رجوعهاواللغة السابعة ; أيهات أيهات ؛ وأنشد الفراء ;فأيهات أيهات العقيق ومن به وأيهات خل بالعقيق نواصلهقال المهدوي ; وقرأ عيسى الهمداني ( هيهات هيهات ) بالإسكان . قال ابن الأنباري ; ومن العرب من يقول ( أيهان ) بالنون ، ومنهم من يقول ( أيها ) بلا نون . وأنشد الفراء ;ومن دوني الأعيان والقنع كله وكتمان أيها ما أشت وأبعدافهذه عشر لغات . فمن قال هيهات بفتح التاء جعله مثل أين وكيف . وقيل ; لأنهما أداتان مركبتان مثل خمسة عشر ، وبعلبك ، ورام هرمز ، وتقف على الثاني بالهاء ؛ كما تقول ; [ ص; 115 ] خمس عشرة ، وسبع عشرة . وقال الفراء ; نصبها كنصب ثمت وربت ، ويجوز أن يكون الفتح إتباعا للألف والفتحة التي قبلها . ومن كسره جعله مثل أمس وهؤلاء . قال ;وهيهات هيهات إليك رجوعهاقال الكسائي ; ومن كسر التاء وقف عليها بالهاء ؛ فيقول هيهاه . ومن نصبها وقف بالتاء وإن شاء بالهاء . ومن ضمها فعلى مثل منذ وقط وحيث . ومن قرأ ( هيهات ) بالتنوين فهو جمع ذهب به إلى التنكير ؛ كأنه قال بعدا بعدا . وقيل ; خفض ونون تشبيها بالأصوات بقولهم ; غاق وطاق . وقال الأخفش ; يجوز في هيهات أن تكون جماعة فتكون التاء التي فيها تاء الجميع التي للتأنيث . ومن قرأ ( هيهات ) جاز أن يكون أخلصها اسما معربا فيه معنى البعد ، ولم يجعله اسما للفعل فيبنيه . وقيل ; شبه التاء بتاء الجمع ، كقوله تعالى ; فإذا أفضتم من عرفات . قال الفراء ; وكأني أستحب الوقف على التاء ؛ لأن من العرب من يخفض التاء على كل حال ؛ فكأنها مثل عرفات وملكوت وما أشبه ذلك . وكان مجاهد ، وعيسى بن عمر ، وأبو عمرو بن العلاء ، والكسائي ، وابن كثير يقفون عليها ( هيهاه ) بالهاء . وقد روي عن أبي عمرو أيضا أنه كان يقف على هيهات بالتاء ، وعليه بقية القراء لأنها حرف . قال ابن الأنباري . من جعلهما حرفا واحدا لا يفرد أحدهما من الآخر ، وقف على الثاني بالهاء ولم يقف على الأول ؛ فيقول ; هيهات هيهاه ، كما يقول خمس عشرة ، على ما تقدم . ومن نوى إفراد أحدهما من الآخر وقف فيهما جميعا بالهاء والتاء ؛ لأن أصل الهاء تاء .
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن قول الملأ من ثمود أنهم قالوا; هيهات هيهات ; أي بعيد ما توعدون أيه القوم، من أنكم بعد موتكم ومصيركم ترابا وعظاما مخرجون أحياءً من قبوركم، يقولون; ذلك غير كائن.وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك;حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله; هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يقول; بعيد بعيد.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر، عن قَتادة، في قوله; هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ قال; يعني البعث. والعرب تُدخل اللام مع هيهات في الاسم الذي يصحبها وتنـزعها منه، تقول; هيهات لك هيهات، وهيهاتَ ما تبتغي هيهات; وإذا أسقطت اللام رفعت الاسم بمعنى هيهات، كأنه قال; بعيد ما ينبغي لك; كما قال جرير;فَهَيْهَـاتَ هَيْهَـات العَقِيـقُ وَمَـنْ بِـهِوهَيْهَــاتَ خِـلٌّ بـالْعَقِيقِ نُواصِلُـهْ (2)كأنه قال; العقيق وأهله، وإنما أدخلت اللام مع هيهات في الاسم ، لأنهم قالوا; هيهات أداة غير مأخوذة من فعل، فأدخلوا معها في الاسم اللام، كما أدخلوها مع هلمّ &; 19-31 &; لك، إذ لم تكن مأخوذة من فعل، فإذا قالوا ; أقبل، لم يقولوا لك، لاحتمال الفعل ضمير الاسم.واختلف أهل العربية في كيفية الوقف على هيهات، فكان الكسائي يختار الوقوف فيها بالهاء؛ لأنها منصوبة، وكان الفرّاء يختار الوقوف عليها بالتاء، ويقول; من العرب من يخفض التاء، فدلّ على أنها ليست بهاء التأنيث، فصارت بمنـزلة دراك ونظار، وأما نصب التاء فيهما؛ فلأنهما أداتان، فصارتا بمنـزلة خمسة عشر، وكان الفرّاء يقول; إن قيل ; إن كل واحدة مستغنية بنفسها ، يجوز الوقوف عليها، وإن نصبها كنصب قوله; ثمت جلست; وبمنـزلة قوله الشاعر.مـــاوِيَّ يـــا رُبَّتَمــا غــارَةٍشَـــعْوَاءَ كاللَّذْعَـــة بالمِيســمِ (3)قال; فنصب هيهات بمنـزلة هذه الهاء التي في " ربت " لأنها دخلت على حرف، على ربّ وعلى ثم، وكانا أداتين، فلم تغيرهما عن أداتهما فنصبا.واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الأمصار غير أبي جعفر; هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ بفتح التاء فيهما. وقرأ ذلك أبو جعفر; هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ بكسر التاء فيهما. والفتح فيهما هو القراءة عندنا؛ لإجماع الحجة من القراء عليه.------------------------الهوامش ;(2) البيت لجرير بن عطية الخطفي ( لسان العرب ; هيه) . والرواية فيه ; "العقيق وأهله " وفي الديوان (طبعة الصاوي ص479) .فأيهـاتَ أيهـاتَ العَقِيـقُ وَمَـنْ بِـهِوأيهــاتَ وَصْـلٍّ بـالعَقِيقِ نُوَاصِلُـهْوهو من قصيدة يجيب بها الفرزدق . والعقيق ; واد لبنى كلاب ، نقله البكري في معجم ما استعجم ، عن عمارة بن عقيل ، وهيهات وأيهات ; كلمة معناها البعد ، وقيل هيهات كلمة تبعيد قال جرير ; " فهيهات ... " البيت . والتاء مفتوحة مثل كيف ، وأصلها هاء ، وناس يكسرونها على كل حال ، قال حميد الأرقط يصف إبلا قطعت بلادًا حتى صارت في القفار;هَيْهــاتَ مَــنْ مُصْبَحُهَـا هيهـاتهَيْهَــات حَجْــرٌ مِـنْ صُنَيْبِعَـاتِوقال الفراء ; نصب هيهات بمنزلة نصب ربة وثمة ، وأنشد ;مَـــاوِيَّ يـــا رُبَّتَمــا غَــارَةٍشَـــعْوَاءَ كاللَّذْعَـــةِ بِالمِيسَــمِ(3) البيت في ( اللسان ;هيه، رب ) قال في الثاني ; الفرق بين ربما ورب أن رب لا يليها غير الاسم ، وأما ربما فإنه زيدت (ما) مع (رب) ليليها الفعل ، تقول رب رجل جاءني ، وربما جاءني زيد ، وكذلك ربتما ، وأنشد ابن الأعرابي " ماوي... " إلخ وقال الكسائي ; أظنهم امتنعوا من جزم الباء ( أي تسكين باء رب ) لكثرة دخول التاء فيها في قولهم ; ربت رجل . يريد أن تاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا أو في نية الفتح ، فلما كانت تاء التأنيث تدخلها كثيرًا امتنعوا من إسكان ما قبل هاء التأنيث ، وآثروا النصب ( يعني بالنصب الفتح) . ا هـ . وقال في شعا ; أشعى القوم الغارة إشعاء أشعلوها ، وغارة شعواء . فاشية متفرقة وأنشد ابن الأعرابي ; " ماوي .... البيت ; والميسم ; المكواة . أو الشيء الذي يوسم به الدواب ، والجمع ; مواسم ومياسم .
أي: بعيد بعيد ما يعدكم به، من البعث، بعد أن تمزقتم وكنتم ترابا وعظاما، فنظروا نظرا قاصرا، ورأوا هذا بالنسبة إلى قدرهم غير ممكن، فقاسوا قدرة الخالق بقدرهم، تعالى الله. فأنكروا قدرته على إحياء الموتى، وعجزوه غاية التعجيز، ونسوا خلقهم أول مرة، وأن الذي أنشأهم من العدم، فإعادته لهم بعد البلى أهون عليه، وكلاهما هين لديه، فلم لا ينكرون أول خلقهم، ويكابرون المحسوسات، ويقولون: إننا لم نزل موجودين، حتى يسلم لهم إنكارهم للبعث، وينتقلوا معهم إلى الاحتجاج على إثبات وجود الخالق العظيم؟. وهنا دليل آخر، وهو: أن الذي أحيا الأرض بعد موتها، إن ذلك لمحيي الموتى، إنه على كل شيء قدير، وثم دليل آخر، وهو ما أجاب به المنكرين للبعث في قوله: { بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } فقال في جوابهم: { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ } أي في البلى، { وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ }
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة