إِنِّى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوٓا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ
اِنِّىۡ جَزَيۡتُهُمُ الۡيَوۡمَ بِمَا صَبَرُوۡۤا ۙ اَنَّهُمۡ هُمُ الۡفَآٮِٕزُوۡنَ
تفسير ميسر:
إني جزيت هذا الفريق من عبادي المؤمنين الفوز بالجنة؛ بسبب صبرهم على الأذى وطاعة الله.
فقال تعالى " إني جزيتهم اليوم بما صبروا " أي على أذاكم لهم واستهزائكم بهم " أنهم هم الفائزون " بالسعادة والسلامة والجنة والنجاة من النار.
إني جزيتهم اليوم بما صبروا على أذاكم ، وصبروا على طاعتي . أنهم هم الفائزون قرأ حمزة ، والكسائي بكسر الهمزة على ابتداء المدح من الله تعالى لهم ، وفتح الباقون ؛ أي لأنهم هم الفائزون . ويجوز نصبه بوقوع الجزاء عليه ، تقديره ; إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة .قلت ; وينظر إلى معنى هذا قوله تعالى في آخر المطففين ; فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون إلى آخر السورة ، على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى . ويستفاد من هذا ; التحذير من السخرية ، والاستهزاء بالضعفاء والمساكين ، والاحتقار لهم ، والإزراء عليهم ، والاشتغال بهم فيما لا يغني ، وأن ذلك مبعد من الله - عز وجل - .
وقوله; ( إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا ) يقول تعالى ذكره; إني أيُّها المشركون بالله المخلَّدون في النار، جَزَيْت الذين اتخذتموهم في الدنيا سخريا من أهل الإيمان بي، وكنتم منهم تضحكون اليوم، بما صبروا على ما كانوا يلقَون بينكم من أذى سخريتكم وضحككم منهم في الدنيا( أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ).اختلفت القرّاء في قراءة; " إنَّهُمْ" فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة; ( " أنَّهُمْ " بفتح الألف من " أنهم " بمعنى; جزيتهم هذا ، فأن في قراءة هؤلاء في موضع نصب، بوقوع قوله جزيتهم عليها؛ لأن معنى الكلام عندهم; إني جزيتهم اليوم الفوز بالجنة؛ وقد يحتمل النصب من وجه آخر، وهو أن يكون موجَّها معناه; إلى أني جزيتهم اليوم بما صبروا؛ لأنهم هم الفائزون بما صبروا في الدنيا، على ما لَقُوا في ذات الله، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة; " إنّي" بكسر الألف منها، بمعنى الابتداء، وقالوا; ذلك ابتداء من الله مدحهم.وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ بكسر الألف؛ لأن قوله; " جَزَيْتُهُم "، قد عمل في الهاء والميم، والجزاء إنما يعمل في منصوبين، وإذا عمل في الهاء والميم لم يكن له العمل في " أن " فيصير عاملا في ثلاثة إلا أن ينوي به التكرير، فيكون نصب " أنّ" حينئذ بفعل مضمر، لا بقوله; جزيتهم ، وإن هي نصبت بإضمار لام، لم يكن له أيضا كبير معنى; لأن جزاء الله عباده المؤمنين بالجنة، إنما هو على ما سَلَف من صالح أعمالهم في الدنيا، وجزاؤه إياهم، وذلك في الآخرة هو الفوز، فلا معنى لأن يَشْرُط لهم الفوز بالأعمال ثم يخبر أنهم إنما فازوا، لأنهم هم الفائزون.فتأويل الكلام إذ كان الصواب من القراءة ما ذكرنا; إني جزيتهم اليوم الجنة بما صبروا في الدنيا على أذاكم بها في أنهم اليوم هم الفائزون بالنعيم الدائم والكرامة الباقية أبدا؛ بما عملوا من صالحات الأعمال في الدنيا، ولقوا في طلب رضاي من المكاره فيها.
{ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا } على طاعتي، وعلى أذاكم، حتى وصلوا إلي. { أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } بالنعيم المقيم، والنجاة من الجحيم، كما قال في الآية الأخرى: { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ } الآيات.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة