إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنٰىٓ أُولٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
اِنَّ الَّذِيۡنَ سَبَقَتۡ لَهُمۡ مِّنَّا الۡحُسۡنٰٓىۙ اُولٰٓٮِٕكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُوۡنَۙ
تفسير ميسر:
إن الذين سبقت لهم منا سابقة السعادة الحسنة في علمنا بكونهم من أهل الجنة، أولئك عن النار مبعدون، فلا يدخلونها ولا يكونون قريبًا منها.
وقوله " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى " قال عكـرمة الرحمة وقال غيره السعادة " أولئك عنها مبعدون " لما ذكر تعالى أهل النار وعذابهم بسبب شركهم بالله عطف بذكر السعداء من المؤمنين بالله ورسوله وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا كما قال تعالى " للذين أحسنوا الحسنى وزيادة " وقال " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن الله مآبهم وثوابهم ونجاهم من العذاب وحصل لهم جزيل الثواب.
قوله تعالى ; إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أي الجنة أولئك عنها أي عن النار مبعدون فمعنى الكلام الاستثناء ؛ ولهذا قال بعض أهل العلم ; إن هاهنا بمعنى ( إلا ) وليس في القرآن غيره . وقال محمد بن حاطب ; سمعت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يقرأ هذه الآية على المنبر إن الذين سبقت لهم منا الحسنى فقال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ; إن عثمان منهم .
وأما قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به ، فقال بعضهم; عني به كل من سبقت له من الله السعادة من خلقه أنه عن النار مُبعد.*ذكر من قال ذلك; حدثنا محمد بن بشار ، قال ; ثنا محمد بن جعفر ، قال ; ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن سعد وليس بابن ماهَك عن محمد بن حاطب ، قال; سمعت عليا يخطب فقرأ هذه الآية ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) ، قال; عثمان رضي الله عنه منهم.وقال آخرون; بل عني; منْ عبد مِن دون الله ، وهو لله طائع ولعبادة من يَعبد كاره.ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن عمرو ، قال ; ثنا أبو عاصم ، قال ; ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال ; ثنا الحسن ، قال ; ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) قال; عيسى ، وعزير ، والملائكة.حدثنا القاسم ، قال ; ثنا الحسين ، قال; ثني حجاج ، عن ابن جُرَيح ، عن مجاهد ، مثله.قال ابن جريج; قوله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ثم استثنى فقال ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) .حدثنا ابن حميد ، قال ; ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، والحسن البصري قالا قال في سورة الأنبياء إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ثم استثنى فقال ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) فقد عُبدت الملائكة من دون الله ، وعُزَيرٌ وعيسى من دون الله.حدثنا أبو كُرَيب ، قال ; ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد ( أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) قال; عيسى.حدثني إسماعيل بن سيف ، قال ; ثنا علي بن مسهر ، قال ; ثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) قال; عيسى ، وأمه ، وعُزَير ، والملائكة.حدثنا ابن حميد ، قال ; ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال; جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة ، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له النضر بن الحارث ، وكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ . . . إلى قوله ( وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ ) ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عبد الله بن الزّبَعْرى بن قيس بن عديّ السهمي حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزّبَعْرى ; والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد ، وقد زعم أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعري; أما والله لو وجدته لخصمته ، فسلوا محمدا; أكلّ من عبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عُزَيرا ، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم ، فعجب الوليد بن المغيرة ومن كان في المجلس من قول عبد الله بن الزّبَعْرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزّبَعْرى، فقال; رسول الله صلى الله عليه وسلم; " نعم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبد ، إنما يعبدون الشياطين ومن أمرهم بعبادته " ، فأنـزل الله عليه ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) . . . . إلى خَالِدُونَ أي عيسى ابن مريم ، وعُزير ، ومن عبدوا من الأحبار والرهبان الذي مضوا على طاعة الله ، فاتخذهم من بعدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ، فأنـزل الله فيما ذكروا أنهم يعبدون الملائكة وأنها بنات الله وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . . . إلى قوله نَجْزِي الظَّالِمِينَ .حُدثت عن الحسين ، قال; سمعت أبا معاذ يقول; أخبرنا عبيد ، قال; سمعت الضحاك ، قال; يقول ناس من الناس (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) يعني من الناس أجمعين ، فليس كذلك ، إنما يعني من يعبد الآلهة وهو لله مطيع مثل عيسى وأمه وعُزَير والملائكة ، واستثنى الله هؤلاء الآلهة المعبودة التي هي ومن يعبدها في النار.حدثنا ابن سنان القزاز ، قال ; ثنا الحسن بن الحسين الأشقر ، قال ; ثنا أبو كدينة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال; لما نـزلت إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ قال المشركون; فإن عيسى يُعبد وعُزَير والشمس والقمر يُعبدون، فأنـزل الله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) لعيسى وغيره.وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب قول من قال; عني بقوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) ما كان من معبود ، كان المشركون يعبدونه والمعبود لله مطيع وعابدوه بعبادتهم إياه بالله كفّار ، لأن قوله تعالى ذكره ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) ابتداء كلام محقق لأمر كان ينكره قوم ، على نحو الذي ذكرنا في الخبر عن ابن عباس ، فكأن المشركين قالوا لنبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذ قال لهم إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ; ما الأمر كما تقول ، لأنا نعبد الملائكة ، ويعبد آخرون المسيح وعُزَيرا ، فقال عزّ وجلّ ردا عليهم قولهم; بل ذلك كذلك ، وليس الذي سبقت لهم منا الحسنى هم عنها مبعدون ، لأنهم غير معنيين بقولنا إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ، فأما قول الذين قالوا ذلك استثناء من قوله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ فقول لا معنى له ، لأن الاستثناء إنما هو إخراج المستثنى من المستثنى منه ، ولا شك أن الذين سبقت لهم منا الحسنى إنما هم إما ملائكة وإما إنس أو جانٌ ، وكلّ هؤلاء إذا ذكرتها العرب فإن أكثر ما تذكرها بمن ، لا بما ، والله تعالى ذكره إنما ذكر المعبودين الذين أخبر أنهم حَصَب جهنم بما ، قال إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ إنما أريد به ما كانوا يعبدونه من الأصنام والآلهة من الحجارة والخشب ، لا من كان من الملائكة والإنس ، فإذا كان ذلك كذلك لما وصفنا ، فقوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) جواب من الله للقائلين ما ذكرنا من المشركين مبتدأ ، وأما الحُسنى فإنها الفُعلى من الحسن ، وإنما عني بها السعادة السابقة من الله لهم .كما حدثني يونس ، قال; أخبرنا ابن وهب ، قال; قال ابن زيد ، في قوله ( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ) قال; الحسنى; السعادة ، وقال; سبقت السعادة لأهلها من الله ، وسبق الشقاء لأهله من الله.
تفسير الآيتين 101 و102 :ـوأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى } أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة. { أُولَئِكَ عَنْهَا } أي: عن النار { مُبْعَدُونَ } فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها، بل يبعدون عنها، غاية البعد، حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها، { وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ } من المآكل، والمشارب، والمناكح والمناظر، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مستمر لهم ذلك، يزداد حسنه على الأحقاب.
(لهم) متعلّق بـ (سبقت) ،
(منّا) متعلّق بحال من الحسنى ، و (الحسنى) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة المقدّرة على الألف، وهو نعت لمنعوت محذوف أي المنزلة الحسنى
(عنها) متعلّق بالخبر
(مبعدون) .
جملة: «إنّ الذين ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «سبقت.. الحسنى» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) .
وجملة: «أولئك عنها مبعدون» في محلّ رفع خبر إنّ.
(لا) نافية
(الواو) واو الحالـ (في ما) متعلّق بـ (خالدون) خبر المبتدأ هم.وجملة: «لا يسمعون ... » في محلّ رفع خبر ثان للحرف إنّ .
وجملة: «هم.. خالدون» في محلّ نصب حال من فاعل لا يسمعون .
وجملة: «اشتهت أنفسهم» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع نعت ليومكم، والعائد محذوف أي توعدونه
(توعدون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع.. و (الواو) نائب الفاعل.
وجملة: «لا يحزنهم الفزع ... » في محلّ رفع خبر ثالث للحرف إنّ .
وجملة: «تتلقّاهم الملائكة ... » في محلّ رفع معطوفة على جملة لا يحزنهم.
وجملة: «هذا يومكم ... » في محلّ نصب مقول القول لقول مقدّر أي:
يقولون ... وجملة القول في محلّ نصب حال من الملائكة.
وجملة: كنتم توعدون لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «توعدون ... » في محلّ نصب خبر كنتم.
(يوم) بدل من العائد المقدّر في(توعدون) منصوبـ (كطيّ) متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله نطوي
(للكتب) متعلّق بالمصدر طيّ.
والمصدر المؤوّلـ (ما بدأنا..) في محلّ جرّ بالكاف متعلّق بمحذوف مفعول مطلق عامله نعيده أي: نعيده إعادة كبدئنا أول خلق ،
(أوّل) مفعولبه منصوب عامله بدأنا ،
(وعدا) مفعول مطلق منصوب لفعل محذوف
(علينا) متعلّق بنعت لـ (وعدا) ..
وجملة: «نطوي ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «بدأنا ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(ما) .
وجملة: «نعيده» لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «
(وعدنا) وعدا ... » لا محلّ لها استئناف بيانيّ.
وجملة: «إنّا كنّا فاعلين» لا محلّ لها استئناف مؤكّد لمعنى ما سبق.
وجملة: «كنّا فاعلين» في محلّ رفع خبر إنّ.