قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلٰى مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيِّنٰتِ وَالَّذِى فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِى هٰذِهِ الْحَيٰوةَ الدُّنْيَآ
قَالُوۡا لَنۡ نُّؤۡثِرَكَ عَلٰى مَا جَآءَنَا مِنَ الۡبَيِّنٰتِ وَالَّذِىۡ فَطَرَنَا فَاقۡضِ مَاۤ اَنۡتَ قَاضٍ ؕ اِنَّمَا تَقۡضِىۡ هٰذِهِ الۡحَيٰوةَ الدُّنۡيَا
تفسير ميسر:
قال السحرة لفرعون; لن نفضلك، فنطيعك، ونتبع دينك، على ما جاءنا به موسى من البينات الدالة على صدقه ووجوب متابعته وطاعة ربه، ولن نُفَضِّل ربوبيتك المزعومة على ربوبية اللهِ الذي خلقنا، فافعل ما أنت فاعل بنا، إنما سلطانك في هذه الحياة الدنيا، وما تفعله بنا، ما هو إلا عذاب منتهٍ بانتهائها.
و"قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات" أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين والذي فطرنا يحتمل أن يكون قسما ويحتمل أن يكون معطوفا على البينات يعنون لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم المبتدي خلقنا من الطين فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت فاقض ما أنت قاض أي فافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك إنما تقضي هذه الحياة الدنيا أي إنما لك تسلط في هذه الدار وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار.
قوله تعالى ; قالوا يعني السحرة لن نؤثرك أي لن نختارك على ما جاءنا من البينات قال ابن عباس ; يريد من اليقين والعلم . وقال عكرمة وغيره ; لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة ؛ فلهذا قالوا لن نؤثرك . وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب ، فقيل لها ; غلب موسى وهارون ؛ فقالت ; آمنت برب موسى وهارون . فأرسل إليها فرعون فقال ; انظروا أعظم صخرة فإن مضت على قولها فألقوها عليها ؛ فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة ، فمضت على قولها فانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح . وقيل ; قال مقدم السحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى ; انظر إلى هذه الحية هل تخوفت فتكون جنيا أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع ؛ فقال ; ما تخوفت ؛ فقال ; آمنت برب هارون وموسى .والذي فطرنا قيل ; هو معطوف على ما جاءنا من البينات أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ولا على الذي فطرنا أي خلقنا . وقيل ; هو قسم أي والله لن نؤثرك . فاقض ما أنت قاض التقدير ما أنت قاضيه . وليست ما هاهنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر ؛ لأن تلك توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بابتداء وخبر . قال ابن عباس ; فاصنع ما أنت صانع . وقيل ; فاحكم ما أنت حاكم ؛ أي من القطع والصلب . وحذفت الياء من قاض في الوصل لسكونها وسكون التنوين . واختار سيبويه إثباتها في الوقف لأنه قد زالت علة الساكنين . إنما تقضي هذه الحياة الدنيا أي إنما ينفذ أمرك فيها . وهي منصوبة على الظرف ، والمعنى ; إنما تقضي في متاع هذه الحياة الدنيا . أو وقت هذه الحياة الدنيا ، فتقدر حذف المفعول . ويجوز أن يكون التقدير ; إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا ، فتنتصب انتصاب المفعول وما كافة لإن . وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل ما بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي ورفعت هذه الحياة الدنيا .
وقوله ( قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ) يقول جلّ ثناؤه; وقال فرعون للسحرة; أصدقتم وأقررتم لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم ( إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ) يقول; إن موسى لعظيمكم ( الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ).كما حدثنا ابن حميد، قال; ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال; حُدثت عن وهب بن منبه، قال; لما قالت السحرة ( آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ) قال لهم فرعون، وأسف ورأى الغلبة والبينة; ( آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ) ; أي لعظيم السحار الذي علمكم.وقوله; ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ) يقول; فلأقطعن أيديكم وأرجلكم مخالفا بين قطع ذلك، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرجلين، أو يسرى اليدين، ويمنى الرجلين، فيكون ذلك قطعا من خلاف، وكان فيما ذُكر أوّل من فعل ذلك فرعون، وقد ذكرنا الرواية بذلك. وقوله ( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) يقول; ولأصلبنكم على جذوع النخل، كما قال الشاعر;هُـمْ صَلَبُـوا العَبْـدِيّ فِـي جِذعِ نَخْلَةٍفَــلا عَطَسَـتْ شَـيْبان إلا بأجْدَعـا (2)يعني على، جذع نخلة، وإنما قيل; في جذوع، لأن المصلوب على الخشبة يرفع في طولها، ثم يصير عليها، فيقال; صلب عليها.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) لما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من الله فخروا سجدا، وآمنوا عند ذلك، قال عدو الله ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ )... الآية.حدثنا موسى بن هارون، قال; ثنا عمرو، قال; ثنا أسباط، عن السديّ، قال فرعون; ( فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) فقتلهم وقطعهم، كما قال عبد الله بن عباس حين قالوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وقال; كانوا في أوّل النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء.وقوله ( وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ) يقول; ولتعلمنَّ أيها السحرة أينا أشدّ عذابا لكم، وأدوم، أنا أو موسى.---------------الهوامش;(2) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري ( اللسان ; عبد ) قال ; قال سيبويه ; النسبة إلى عبد القيس عبدي ، وهو من القسم الذي أضيف فيه الأول ، لأنهم لو قالوا ; قيسي ، لالتبس بالمضاف إلى قيس عيلان ونحوه ، قال سويد بن أبي كاهل ; " وهو صلبوا . . . البيت " . قال ابن بري ; قوله بأجدعا ، أي بأنف أجدع ، فحذف الموصوف ، وأقام صفته مكانه . واستشهد المؤلف بقوله ; صلبوا العبدي في جذع نخلة أي على جذع نخلة ، كقول القرآن ; وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ . وإنما ذلك على الاستعارة التبعية في الحرف ( في ) بتشبيه الاستعلاء بالظرفية ، بجامع التمكن في كل منهما
ولهذا لما عرف السحرة الحق، ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق، أجابوه بقولهم: { لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ } أي: لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب، على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده، المعظم المبجل وحده، وأن ما سواه باطل، ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا، هذا لا يكون { فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ } مما أوعدتنا به من القطع، والصلب، والعذاب. { إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } أي: إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا، ينقضي ويزول ولا يضرنا، بخلاف عذاب الله، لمن استمر على كفره، فإنه دائم عظيم. وهذا كأنه جواب منهم لقوله: { وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى } وفي هذا الكلام، من السحرة، دليل على أنه ينبغي للعاقل، أن يوازن بين لذات الدنيا، ولذات الآخرة، وبين عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.
(على ما) متعلّق بـ (نؤثرك) ،
(من البيّنات) متعلّق بحال من الضمير
(نا) ،
(الواو) عاطفة- أو واو القسم-
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ معطوف على الموصول ما ،
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به ،
(قاض) خبر أنت مرفوع، وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء المحذوفة فهو اسم منقوص
(إنّما) كافّة ومكفوفة،
(هذه) منصوب على نزع الخافض أي : في هذه ،
(الحياة) بدل من اسم الإشارة منصوب- أو عطف بيان-
(الدينا) نعت للحياة منصوب، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف.جملة: «قالوا ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «لن نؤثرك ... » في محلّ نصب مقول القول.
وجملة: «جاءنا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «فطرنا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .
وجملة: «اقض ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن أردت عقابنا فاقض.
وجملة: «أنت قاض ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «تقضي ... » لا محلّ لها تعليليّة.
73-
(بربّنا) متعلّق بـ (آمنّا) ،
(اللام) للتعليلـ (يغفر) منصوب بأن مضمرة بعد اللام
(لنا) متعلّق بـ (يغفر) ،
(الواو) عاطفة
(ما) موصول في محلّ نصب معطوف على خطايا ،
(عليه) متعلّق بـ (أكرهتنا) ،
(من السحر) حال من الهاء في(عليه) .
والمصدر المؤوّلـ (أن يغفر..) في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (آمنّا) .
(الواو) عاطفة
(أبقى) معطوف على
(خير) بالواو الثانية مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف.
وجملة: «إنّا آمنّا ... » لا محلّ لها استئناف تعليليّ آخر.
وجملة: «آمنّا ... » في محلّ رفع خبر إنّ.
وجملة: «يغفر ... » لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ
(أن) المضمر.
وجملة: «أكرهتنا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) .
وجملة: «الله خير ... » في محلّ نصب معطوفة على مقول القول.