وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحٰىٓ
وَاَنَا اخۡتَرۡتُكَ فَاسۡتَمِعۡ لِمَا يُوۡحٰى
تفسير ميسر:
وإني اخترتك يا موسى لرسالتي، فاستمع لما يوحى إليك مني.
وقوله"وأنا اخترتك " كقوله إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي" أي على جميع الناس من الموجودين في زمانه وقد قيل إن الله تعالى قال يا موسى أتدري لم خصصتك بالتكليم من بين الناس ؟ قال لا قال لأني لم يتواضع إلي أحد تواضعك وقوله فاستمع لما يوحى أي استمع الآن ما أقول لك وأوحيه إليك.
قوله تعالى ; وأنا اخترتك أي اصطفيتك للرسالة . وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو وعاصم والكسائي ( وأنا اخترتك ) . وقرأ حمزة ( وأنا اخترناك ) . والمعنى واحد إلا أن وأنا اخترتك هاهنا أولى من جهتين ; إحداهما أنها أشبه بالخط ، والثانية أنها أولى بنسق الكلام ؛ لقوله - عز وجل - ; يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك وعلى هذا النسق جرت المخاطبة ؛ قاله النحاس .قوله تعالى ; فاستمع لما يوحى فيه مسألة واحدة ; قال ابن عطية ; وحدثني أبي - رحمه الله - قال ; سمعت أبا الفضل الجوهري رحمه الله تعالى يقول ; لما قيل لموسى صلوات الله وسلامه عليه ; فاستمع لما يوحى وقف على حجر ، واستند إلى حجر ، ووضع يمينه على شماله ، وألقى ذقنه على صدره ، ووقف يستمع ، وكان كل لباسه صوفا .قلت ; حسن الاستماع كما يجب قد مدح الله عليه فقال ; الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وذم على خلاف هذا الوصف فقال ; نحن أعلم بما يستمعون به الآية . فمدح المنصت لاستماع كلامه مع حضور العقل ، وأمر عباده بذلك أدبا لهم ، فقال ; وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وقال هاهنا ; فاستمع لما يوحى لأن بذلك ينال الفهم عن الله تعالى . روي عن وهب بن منبه أنه قال ; من أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر ، والإصغاء بالسمع ، وحضور العقل ، والعزم على العمل ، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى ؛ وهو أن يكف العبد جوارحه ، ولا يشغلها . فيشتغل قلبه عما يسمع ، ويغض طرفه فلا يلهو قلبه بما يرى ، ويحصر عقله فلا يحدث نفسه بشيء سوى ما يستمع إليه ، ويعزم على أن يفهم فيعمل بما يفهم . وقال سفيان بن عيينة أول العلم الاستماع ، ثم الفهم ، ثم الحفظ ، ثم العمل ، ثم النشر ؛ فإذا استمع العبد [ ص; 97 ] إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه - عليه الصلاة والسلام - بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يحب ، وجعل له في قلبه نورا .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة القرّاء الذين قرءوا " وأنَّا " بتشديد النون، و (أنا) بفتح الألف من " أنا " ردّا على; نودي يا موسى، كأن معنى الكلام عندهم; نودي يا موسى إني أنا ربك، وأنا اخترتك، وبهذه القراءة قرأ ذلك عامَّة قرّاء الكوفة. وأما عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة فقرءوه; (وأنا اخْتَرْتُكَ) بتخفيف النون على وجه الخبر من الله عن نفسه أنه اختاره.قال أبو جعفر; والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال; إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما قرّاء أهل العلم بالقرآن، مع اتفاق معنييهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب فيه، وتأويل الكلام; نودي أنَّا اخترناك. فاجتبيناك لرسالتنا إلى من نرسلك إليه ( فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ) يقول; فاستمع لوحينا الذي نوحيه إليك وعه، واعمل به.
{ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ } أي: تخيرتك واصطفيتك من الناس، وهذه أكبر نعمة ومنة أنعم الله بها عليه، تقتضي من الشكر ما يليق بها، ولهذا قال: { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } أي: ألق سمعك للذي أوحي إليك، فإنه حقيق بذلك، لأنه أصل الدين ومبدأه، وعماد الدعوة الإسلامية.
(الواو) عاطفة
(أنا) ضمير منفصل مبتدأ خبره جملة اخترتك
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر
(لما) متعلّق بـ (استمع) ،
(يوحى) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع، وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الألف، ونائب الفاعل هو وهو العائد. وجملة: «أنا اخترتك ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء. وجملة: «اخترتك ... » في محلّ رفع خبر المبتدأ
(أنا) . وجملة: «استمع ... » في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن عرفت قدرك فاستمع وجملة: «يوحى ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما)