قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْءَاخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صٰدِقِينَ
قُلۡ اِنۡ كَانَتۡ لَـکُمُ الدَّارُ الۡاٰخِرَةُ عِنۡدَ اللّٰهِ خَالِصَةً مِّنۡ دُوۡنِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الۡمَوۡتَ اِنۡ کُنۡتُمۡ صٰدِقِيۡنَ
تفسير ميسر:
قل -أيها الرسول- لليهود الذين يدَّعون أن الجنة خاصة بهم؛ لزعمهم أنهم أولياء الله من دون الناس، وأنهم أبناؤه وأحباؤه; إن كان الأمر كذلك فادْعُوا على الكاذبين منكم أو من غيركم بالموت، إن كنتم صادقين في دعواكم هذه.
قال محمد بن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنه - يقول الله تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - "قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" أي ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب فأبوا ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قوله تعالى ; قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين لما ادعت اليهود دعاوى باطلة حكاها الله عز وجل عنهم في كتابه ، كقوله تعالى ; لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ، وقوله ; وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وقالوا ; نحن أبناء الله وأحباؤه أكذبهم الله عز وجل وألزمهم الحجة فقال قل لهم يا محمد ; إن كانت لكم الدار الآخرة يعني الجنة . فتمنوا الموت إن كنتم صادقين في أقوالكم ; لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة في الدنيا ، لما يصير إليه من نعيم الجنة ، ويزول عنه من أذى الدنيا ، فأحجموا عن تمني ذلك فرقا من الله لقبح أعمالهم ومعرفتهم بكفرهم في قولهم ; نحن أبناء الله وأحباؤه وحرصهم على الدنيا ، ولهذا قال تعالى مخبرا عنهم بقوله الحق ; ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين تحقيقا لكذبهم . وأيضا لو تمنوا الموت لماتوا ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقامهم من النار . وقيل ; إن الله صرفهم عن إظهار التمني ، وقصرهم على الإمساك ليجعل ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وسلم ، فهذه ثلاثة أوجه في تركهم التمني . وحكى عكرمة عن ابن عباس في قوله ; فتمنوا الموت أن المراد ادعوا بالموت على أكذب الفريقين منا ومنكم ، فما دعوا لعلمهم بكذبهم .فإن قيل ; فالتمني يكون باللسان تارة وبالقلب أخرى ، فمن أين علم أنهم لم يتمنوه بقلوبهم ؟ قيل له ; نطق القرآن بذلك بقوله ولن يتمنوه أبدا ولو تمنوه بقلوبهم لأظهروه بألسنتهم ردا على النبي صلى الله عليه وسلم وإبطالا لحجته ، وهذا بين .قوله تعالى ; خالصة نصب على خبر كان ، وإن شئت كان حالا ويكون عند الله في موضع الخبر . أبدا ظرف زمان يقع على القليل والكثير ، كالحين والوقت ، وهو هنا من أول العمر إلى الموت . وما في قوله بما بمعنى الذي والعائد محذوف ، والتقدير قدمته ، وتكون مصدرية ولا تحتاج إلى عائد . وأيديهم في موضع رفع ، حذفت الضمة من [ ص; 34 ] الياء لثقلها مع الكسرة ، وإن كانت في موضع نصب حركتها ; لأن النصب خفيف ، ويجوز إسكانها في الشعر . والله عليم بالظالمين ابتداء وخبر .
القول في تأويل قوله تعالى ; قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)قال أبو جعفر; وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره, وفضح بها أحبارهم وعلماءهم. وذلك أن الله جل ثناؤه أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم، فيما كان بينه وبينهم من الخلاف. كما أمره الله أن يدعو الفريق الآخر من النصارى - إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه وجادلوا فيه - إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة. (1) وقال لفريق اليهود; إن كنتم محقين فتمنوا الموت, فإن ذلك غير ضاركم، إن كنتم محقين فيما تدعون من الإيمان وقرب المنـزلة &; 2-362 &; من الله. بل إن أعطيتم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم، فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونصبها وكدر عيشها، والفوز بجوار الله في جنانه, إن كان الأمر كما تزعمون; من أن الدار الآخرة لكم خالصة دوننا. وإن لم تعطوها علم الناس أنكم المبطلون ونحن المحقون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم. فامتنعت اليهود من إجابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، لعلمها أنها تمنت الموت هلكت، فذهبت دنياها، وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها. كما امتنع فريق النصارى - الذين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في عيسى ، إذْ دعوا إلى المباهلة - من المباهلة.فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال; " لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ولرأوا مقاعدهم من النار. ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم، لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا ".1566 - حدثنا بذلك أبو كريب قال، حدثنا زكريا بن عدي قال، حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن عبد الكريم, عن عكرمة, عن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. (2)&; 2-363 &;1567 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام بن علي, عن الأعمش, عن ابن عباس في قوله; (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، قال; لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. (3)1568 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن عبد الكريم الجزري, عن عكرمة في قوله; (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، قال; قال ابن عباس; لو تمنى اليهود الموت لماتوا. (4)1569 - حدثني موسى قال، أخبرنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي, عن ابن عباس مثله.1570 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد - قال أبو جعفر; فيما أروي; أنبأنا - عن سعيد، أو عكرمة, عن ابن عباس قال; لو تمنوه يوم قال ذلك لهم, ما بقي على ظهر الأرض يهودي إلا مات. (5)قال أبو جعفر; فانكشف - لمن كان مشكلا عليه أمر اليهود يومئذ - كذبهم وبهتهم وبغيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وظهرت حجة رسول الله وحجة أصحابه عليهم, ولم تزل والحمد لله ظاهرة عليهم وعلى غيرهم من سائر أهل الملل.&; 2-364 &;وإنما أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم; (تمنوا الموت إن كنتم صادقين)، لأنهم -فيما ذكر لنا- قالوا; نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة; 18]، وقالوا; لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة; 111]. فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; قل لهم إن كنتم صادقين فيما تزعمون، فتمنوا الموت. فأبان الله كذبهم بامتناعهم من تمني ذلك, وأفلج حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.* * *وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يدعو اليهود أن يتمنوا الموت, وعلى أي وجه أمروا أن يتمنوه. فقال بعضهم; أمروا أن يتمنوه على وجه الدعاء على الفريق الكاذب منهما.* ذكر من قال ذلك;1571 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد, عن سعيد، أو عكرمة, عن ابن عباس قال; قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم; (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، أي; ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب. (6)* * *وقال آخرون بما;-1572 - حدثني بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله; (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس)، وذلك أنهم قالوا; لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى [البقرة; 111]، وقالوا; نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة; 18] فقيل لهم; (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين).1573 - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر, عن &; 2-365 &; الربيع, عن أبي العالية قال; قالت اليهود; (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى)، وقالوا; نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ فقال الله; (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين)، فلم يفعلوا.1574 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني ابن أبي جعفر, عن أبيه، عن الربيع قوله; (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة) الآية, وذلك بأنهم قالوا; لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ، وقالوا; نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ . (7)* * *وأما تأويل قوله; (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة)، فإنه يقول; قل يا محمد; إن كان نعيم الدار الآخرة ولذاتها لكم يا معشر اليهود عند الله. فاكتفى بذكر " الدار "، من ذكر نعيمها، لمعرفة المخاطبين بالآية معناها. وقد بينا معنى " الدار الآخرة ". فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (8)* * *وأما تأويل قوله; (خالصة)، فإنه يعني به; صافية. كما يقال; " خلص لي فلان " بمعنى صار لي وحدي وصفا لي. يقال منه; " خلص لي هذا الشيء فهو يخلص خلوصا وخالصة, و " الخالصة " مصدر مثل " العافية ". ويقال للرجل; " هذا خُلْصاني", يعني خالصتي من دون أصحابي.* * *وقد روي عن ابن عباس أنه كان يتأول قوله; (خالصة); خاصة. وذلك تأويل قريب من معنى التأويل الذي قلناه في ذلك.1575 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك، عن ابن عباس; (قل إن كانت لكم &; 2-366 &; الدار الآخرة)، قال; " قل " يا محمد لهم - يعني اليهود -; إن كانت لكم الدار الآخرة " - يعني; الجنة (9) -(عند الله خالصة)، يقول; خاصة لكم.* * *وأما قوله; (من دون الناس)، فإن الذي يدل عليه ظاهر التنـزيل أنهم قالوا; لنا الدار الآخرة عند الله خالصة من دون جميع الناس. ويبين أن ذلك كان قولهم - من غير استثناء منهم من ذلك أحدا من بني آدم - إخبار الله عنهم أنهم قالوا; لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ، إلا أنه روي عن ابن عباس قول غير ذلك;1576 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك, عن ابن عباس; (من دون الناس)، يقول; من دون محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين استهزأتم بهم, وزعمتم أن الحق في أيديكم, وأن الدار الآخرة لكم دونهم.* * *وأما قوله; (فتمنوا الموت) فإن تأويله; تشهوه وأريدوه. وقد روي عن ابن عباس أنه قال في تأويله; فسلوا الموت. ولا يعرف " التمني" بمعنى " المسألة " في كلام العرب. ولكن أحسب أن ابن عباس وجه معنى " الأمنية " - إذ كانت محبة النفس وشهوتها - إلى معنى الرغبة والمسألة, إذْ كانت المسألة، هي رغبة السائل إلى الله فيما سأله.1577 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا بشر بن عمارة, عن أبي روق, عن الضحاك عن ابن عباس; (فتمنوا الموت)، فسلوا الموت، (إن كنتم صادقين).-------------------الهوامش ;(1) وذلك ما جاء في سورة آل عمران ; 61 ، وانظر خبره في التفسير والسير .(2) الحديث ; 1566 - إسناده صحيح . أبو كريب ; هو محمد بن العلاء . زكريا بن عدي ابن زريق التيمي الكوفي ; ثقة جليل ورع قال ابن سعد ; " كان رجلا صالحا صدوقا" . وهو مترجم في التهذيب ، وفي الكبير للبخاري 2 /1 / 387 - 388 ، والصغير ; 232 ، وابن سعد 6 ; 284 ، وابن أبي حاتم 1/2/600 ، ووقع هنا في المطبوعة"أبو زكريا" وزيادة"أبو" خطأ من ناسخ أو طابع ، عبيد الله بن عمرو ; هو أبو وهب الجزري الرقي ، ثقة معروف أخرج له أصحاب الكتب الستة ، وترجمته في التهذيب ، وابن سعد 7 /2 /182 ، والصغير للبخاري ; 203 ، وابن أبي حاتم 2 /2 / 328 - 329 . عبد الكريم ; هو ابن مالك الجزري الحراني ، وهو ثقة ثبت صاحب سنة ، من شيوخ ابن جريج ومالك والثوري وأضرابهم . ترجمته في التهذيب ، والصغير للبخاري ; 148 ، وابن أبي حاتم 3 / 1 /58 - 59 .والحديث رواه أحمد في المسند ; 2226 ، عن أحمد بن عبد الملك الحراني ، عن عبيد الله ، وهو ابن عمرو ، بهذا الإسناد ، ولكن لم يذكر لفظه ، أحاله على الرواية قبله ; 2225 ، من طريق فرات بن سلمان الحضرمي ، عن عبد الكريم ، به ، بزيادة في أوله . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8 ; 228 ، عن الرواية المطولة ، وقال ; "في الصحيح طرف من أوله" ، ثم قال ; "رواه أحمد ، أبو يعلى ، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح" . أقول ; ورجال أحمد في الإسناد ; 2226 - رجال الصحيح أيضًا . وذكر السيوطي 1 ; 89 بعضه ، ونسبه أيضًا إلى الشيخين ، والترمذي ، والنسائي ، وابن مردويه ، وأبي نعيم .(3) الخبر ; 1567 - هو موقوف على ابن عباس ، في معنى الحديث قبله . ولكن إسناده هذا منقطع . الأعمش ; لم يدرك ابن عباس .(4) الخبر ; 1568- هو بعض الحديث السابق ; 1566 ، وإسناده صحيح . وظاهره هنا أنه موقوف على ابن عباس ، ولكنه مرفوع بالروايات الأخر .(5) الأثر ; 1570 - في ابن هشام 2 ; 191 .(6) الأثر ; 1571 - في سيرة ابن هشام 2 ; 191 ، وفيها ; "أكذب عند الله" ، وانظر رقم ; 1578 .(7) الأثر ; 1574 - في المطبوعة" . . حدثنا إسحاق قال حدثني أبو جعفر عن الربيع" وهذا إسناد فاسد ، وهو كثير الدوران في التفسير ، وأقرب ذلك رقم ; 1563(8) انظر ما سلف 1 ; 245 .
أي: { قُلْ } لهم على وجه تصحيح دعواهم: { إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ } يعني الجنة { خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ } كما زعمتم, أنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى, وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة، فإن كنتم صادقين بهذه الدعوى { فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ } وهذا نوع مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وليس بعد هذا الإلجاء والمضايقة لهم بعد العناد منهم, إلا أحد أمرين: إما أن يؤمنوا بالله ورسوله، وإما أن يباهلوا على ما هم عليه بأمر يسير عليهم, وهو تمني الموت الذي يوصلهم إلى الدار التي هي خالصة لهم, فامتنعوا من ذلك. فعلم كل أحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ولرسوله, مع علمهم بذلك، ولهذا قال تعالى { وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } من الكفر والمعاصي, لأنهم يعلمون أنه طريق لهم إلى المجازاة بأعمالهم الخبيثة، فالموت أكره شيء إليهم, وهم أحرص على الحياة من كل أحد من الناس, حتى من المشركين الذين لا يؤمنون بأحد من الرسل والكتب. ثم ذكر شدة محبتهم للدنيا فقال: { يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ } وهذا أبلغ ما يكون من الحرص, تمنوا حالة هي من المحالات، والحال أنهم لو عمروا العمر المذكور, لم يغن عنهم شيئا ولا دفع عنهم من العذاب شيئا. { وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } تهديد لهم على المجازاة بأعمالهم.
(قل) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(إن) حرف شرط جازم
(كان) فعل ماض ناقص مبنيّ على الفتح في محلّ جزم فعل الشرط، و (التاء) للتأنيث
(اللام) حرف جرّ و (كم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم ،
(الدار) اسم كانت مرفوع على حذف مضاف أي نعيم الدار
(الآخرة) نعت لـ (الدار) مرفوع مثله،
(عند) ظرف مكان منصوب متعلّق بـ (خالصة) ، أو بمحذوف خبر كان
(الله) لفظ الجلالة مضاف اليه
(خالصة) حال منصوبة من الدار
(من دون) جارّ ومجرور متعلّق بـ (خالصة) ،
(الناس) مضاف إليه مجرور
(الفاء) رابطة لجواب الشرط
(تمنّوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعلـ (الموت) مفعول به منصوبـ (إن كنتم صادقين) مثل إن كنتم مؤمنين جملة: «قل ... » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «كانت لكم الدار» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «تمنّوا ... » في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاءوجملة: «كنتم صادقين» لا محلّ لها استئنافيّة.. وهي قيد للشرط الأول، وجوابها محذوف دل عليه الجواب الأول