أُولٰٓئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيٰوةَ الدُّنْيَا بِالْءَاخِرَةِ ۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ
اُولٰٓٮِٕكَ الَّذِيۡنَ اشۡتَرَوُا الۡحَيٰوةَ الدُّنۡيَا بِالۡاٰخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ الۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنۡصَرُوۡنَ
تفسير ميسر:
أولئك هم الذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، فلا يخفف عنهم العذاب، وليس لهم ناصر ينصرهم مِن عذاب الله.
"أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة" واختاروها "فلا يخفف عنهم العذاب" أي لا يفتر عنهم ساعة واحدة ولا هم ينصرون أي وليس لهم ناصر ينقذهم مما هم فيه من العذاب الدائم السرمدي ولا يجيرهم منه.
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ قال سيبويه ; ضمت الواو في " اشتروا " فرقا بينها وبين الواو الأصلية , نحو ; " وأن لو استقاموا على الطريقة " .[ الجن ; 16 ] .وقال ابن كيسان ; الضمة في الواو أخف من غيرها لأنها من جنسها .وقال الزجاج ; حركت بالضم كما فعل في " نحن " .وقرأ ابن أبي إسحاق ويحيى بن يعمر بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين .وروى أبو زيد الأنصاري عن قعنب أبي السمال العدوي أنه قرأ بفتح الواو لخفة الفتحة وإن كان ما قبلها مفتوحا .وأجاز الكسائي همز الواو وضمها كأدؤر .واشتروا ; من الشراء .والشراء هنا مستعار .والمعنى استحبوا الكفر على الإيمان , كما قال ; " فاستحبوا العمى على الهدى " [ فصلت ; 17 ] فعبر عنه بالشراء ; لأن الشراء إنما يكون فيما يحبه مشتريه .فأما أن يكون معنى شراء المعاوضة فلا ; لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فيبيعون إيمانهم .وقال ابن عباس ; أخذوا الضلالة وتركوا الهدى .ومعناه استبدلوا واختاروا الكفر على الإيمان .وإنما أخرجه بلفظ الشراء توسعا ; لأن الشراء والتجارة راجعان إلى الاستبدال , والعرب تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئا بشيء .قال أبو ذؤيب ; فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
القول في تأويل قوله تعالى ; أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86)قال أبو جعفر; يعني بقوله جل ثناؤه أولئك الذين أخبر عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب، فيفادون أسراهم من اليهود, ويكفرون ببعض, فيقتلون من حرم الله عليهم قتله من أهل ملتهم, ويخرجون من داره من حرم الله عليهم إخراجه من داره, نقضا لعهد الله وميثاقه في التوراة إليهم. فأخبر جل ثناؤه أن هؤلاء [هم] الذين اشتروا رياسة الحياة الدنيا على الضعفاء وأهل الجهل والغباء من أهل ملتهم, (45) وابتاعوا المآكل الخسيسة الرديئة فيها بالإيمان، الذي كان يكون لهم به في الآخرة - لو كانوا أتوا به مكان الكفر - الخلود في الجنان. وإنما وصفهم الله جل ثناؤه &; 2-317 &; بأنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، لأنهم رضوا بالدنيا بكفرهم بالله فيها، عوضا من نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين. فجعل حظوظهم من نعيم الآخرة بكفرهم بالله، ثمنا لما ابتاعوه به من خسيس الدنيا، (46) كما;-1482 - حدثنا بشر، حدثنا يزيد قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله; (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة)، استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة. (47)* * *قال أبو جعفر; ثم أخبر الله جل ثناؤه أنهم إذْ باعوا حظوظهم من نعيم الآخرة - بتركهم طاعته, وإيثارهم الكفر به والخسيس من الدنيا عليه - لا حظ لهم في نعيم الآخرة, وأن الذي لهم في الآخرة العذاب، غير مخفف عنهم فيها العذاب. لأن الذي يخفف عنه فيها من العذاب، هو الذي له حظ في نعيمها, ولا حظ لهؤلاء، لاشترائهم - بالذي كان في الدنيا - دنياهم بآخرتهم. (48)* * *وأما قوله; (ولا هم ينصرون) فإنه أخبر عنهم أنه لا ينصرهم في الآخرة أحد، فيدفع عنهم بنصرته عذاب الله - لا بقوته ولا بشفاعته ولا غيرهما.--------------الهوامش;(45) ما بين القوسين زيادة ، لا يستقيم الكلام بطرحها .(46) انظر ما مضى 1 ; 312 ; - 315 في معنى"الاشتراء" .(47) الأثر ; 1482 - كان في المطبوعة ; "حدثنا يزيد . . " بإسقاط ; "حدثنا بشر قال" ، وهذا إسناده إلى قتادة ، كثير الدوران ، وأقربه فيما مضى رقم ; 1475 .(48) في المطبوعة ; "لاشترائهم الذي كان في الدنيا ودنياهم بآخرتهم" ، وهو كلام سقيم ، ولعل الصواب ما أثبت .
وهذا الفعل المذكور في هذه الآية, فعل للذين كانوا في زمن الوحي بالمدينة، وذلك أن الأوس والخزرج - وهم الأنصار - كانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم مشركين, وكانوا يقتتلون على عادة الجاهلية، فنزلت عليهم الفرق الثلاث من فرق اليهود, بنو قريظة, وبنو النضير, وبنو قينقاع، فكل فرقة منهم حالفت فرقة من أهل المدينة. فكانوا إذا اقتتلوا أعان اليهودي حليفه على مقاتليه الذين تعينهم الفرقة الأخرى من اليهود, فيقتل اليهودي اليهودي, ويخرجه من دياره إذا حصل جلاء ونهب، ثم إذا وضعت الحرب أوزارها, وكان قد حصل أسارى بين الطائفتين فدى بعضهم بعضا. والأمور الثلاثة كلها قد فرضت عليهم، ففرض عليهم أن لا يسفك بعضهم دم بعض, ولا يخرج بعضهم بعضا، وإذا وجدوا أسيرا منهم, وجب عليهم فداؤه، فعملوا بالأخير وتركوا الأولين, فأنكر الله عليهم ذلك فقال: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ } وهو فداء الأسير { وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } وهو القتل والإخراج. وفيها أكبر دليل على أن الإيمان يقتضي فعل الأوامر واجتناب النواهي، وأن المأمورات من الإيمان، قال تعالى: { فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وقد وقع ذلك فأخزاهم الله, وسلط رسوله عليهم, فقتل من قتل, وسبى من سبى منهم, وأجلى من أجلى. { وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ } أي: أعظمه { وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ثم أخبر تعالى عن السبب الذي أوجب لهم الكفر ببعض الكتاب, والإيمان ببعضه فقال: { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ } توهموا أنهم إن لم يعينوا حلفاءهم حصل لهم عار, فاختاروا النار على العار، فلهذا قال: { فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } بل هو باق على شدته, ولا يحصل لهم راحة بوقت من الأوقات، { وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } أي: يدفع عنهم مكروه
(أولاء) اسم إشارة مبنيّ على الكسر في محلّ رفع مبتدأ و (الكاف) حرف خطابـ (الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ رفع خبر
(اشتروا) فعل ماض مبنيّ على الضمّ المقدّر على الألف المحذوفةلالتقاء الساكنين.. والواو فاعلـ (الحياة) مفعول به منصوبـ (الدنيا) نعت لـ (الحياة) منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة
(بالآخرة) جارّ ومجرور متعلّق بـ (اشتروا) بتضمينه معنى استبدلوا
(الفاء) عاطفة للربط السببي
(لا) نافية
(يخفّف) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع
(عن) حرف جرّ و (هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ (يخفّف) ،
(العذاب) نائب فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(لا) زائدة لتأكيد النفي(هم) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ
(ينصرون) مضارع مبنيّ للمجهول مرفوع وعلامة الرفع ثبوت النون.. والواو نائب فاعل جملة: «أولئك الذين ... » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «اشتروا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) وجملة: «لا يخفّف عنهم العذاب» لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلةوجملة: «لا هم ينصرون» لا محلّ لها معطوفة على جملة لا يخفّف وجملة: «ينصرون» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(هم)