أَوْ كَالَّذِى مَرَّ عَلٰى قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلٰى عُرُوشِهَا قَالَ أَنّٰى يُحْىِۦ هٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ۖ فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُۥ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلٰى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَانظُرْ إِلٰى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِّلنَّاسِ ۖ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلٰى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
اَوۡ كَالَّذِىۡ مَرَّ عَلٰى قَرۡيَةٍ وَّ هِىَ خَاوِيَةٌ عَلٰى عُرُوۡشِهَا ۚ قَالَ اَنّٰى يُحۡىٖ هٰذِهِ اللّٰهُ بَعۡدَ مَوۡتِهَا ۚ فَاَمَاتَهُ اللّٰهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهٗ ؕ قَالَ كَمۡ لَبِثۡتَؕ قَالَ لَبِثۡتُ يَوۡمًا اَوۡ بَعۡضَ يَوۡمٍؕ قَالَ بَلۡ لَّبِثۡتَ مِائَةَ عَامٍ فَانۡظُرۡ اِلٰى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمۡ يَتَسَنَّهۡۚ وَانْظُرۡ اِلٰى حِمَارِكَ وَلِنَجۡعَلَكَ اٰيَةً لِّلنَّاسِ وَانْظُرۡ اِلَى الۡعِظَامِ كَيۡفَ نُـنۡشِزُهَا ثُمَّ نَكۡسُوۡهَا لَحۡمًا ؕ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهٗ ۙ قَالَ اَعۡلَمُ اَنَّ اللّٰهَ عَلٰى كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيۡرٌ
تفسير ميسر:
أو هل رأيت -أيها الرسول- مثل الذي مرَّ على قرية قد تهدَّمت دورها، وخَوَتْ على عروشها، فقال; كيف يحيي الله هذه القرية بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام، ثم ردَّ إليه روحه، وقال له; كم قدر الزمان الذي لبثت ميتًا؟ قال; بقيت يومًا أو بعض يوم، فأخبره بأنه بقي ميتًا مائة عام، وأمره أن ينظر إلى طعامه وشرابه، وكيف حفظهما الله من التغيُّر هذه المدة الطويلة، وأمره أن ينظر إلى حماره كيف أحياه الله بعد أن كان عظامًا متفرقة؟ وقال له; ولنجعلك آية للناس، أي; دلالة ظاهرة على قدرة الله على البعث بعد الموت، وأمره أن ينظر إلى العظام كيف يرفع الله بعضها على بعض، ويصل بعضها ببعض، ثم يكسوها بعد الالتئام لحمًا، ثم يعيد فيها الحياة؟ فلما اتضح له ذلك عِيانًا اعترف بعظمة الله، وأنه على كل شيء قدير، وصار آية للناس.
تقدم قوله تعالى "ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه" وهو في قوة قوله هل رأيت مثل الذي حاج إبراهيم في ربه ولهذا عطف عليه بقوله "أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها" اختلفوا في هذا المار من هو فروى ابن أبي حاتم عن عصام بن داود عن آدم بن أبي إياس عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي بن أبي طالب أنه قال; هو عزير ورواه ابن جرير عن ناجية نفسه وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بريدة وهذا القول هو المشهور وقال وهب بن منبه وعبدالله بن عبيد هو أرميا بن حلقيا قال محمد بن إسحاق عمن لا يتهم عن وهب بن منبه أنه قال; وهو اسم الخضر عليه السلام وقال ابن أبي حاتم; حدثنا أبي قال سمعت سليمان بن محمد اليساري الجاري من أهل الجاري ابن عم مطرف قال سمعت سلمان يقول إن رجلا من أهل الشام يقول إن الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه اسمه حزقيل بن بوار وقال مجاهد بن جبر هو رجل من بني إسرائيل وأما القرية فالمشهور أنها بيت المقدس مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها "وهي خاوية" أي ليس فيها أحد من قولهم خوت الدار تخوي خويا. وقوله "على عروشها" أي ساقطة سقوفها وجدرانها على عرصاتها فوقف متفكرا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة وقال "أنى يحيي هذه الله بعد موتها" وذلك لما رأى من دثورها وشدة خرابها وبعدها عن العودة إلى ما كانت عليه قال الله تعالى "فأماته الله مائة عام ثم بعثه" قال وعمرت البلدة بعد مضي سبعين سنة من موته وتكامل ساكنوها وتراجع بنو إسرائيل إليها فلما بعثه الله عز وجل بعد موته كان أول شيء أحيا الله فيه عينيه لينظر بهما إلى صنع الله فيه كيف يحيي بدنه فلما استقل سويا قال الله له أي بواسطة الملك "كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم" قال وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر النهار فلما رأى الشمس باقية ظن أنها شمس ذلك اليوم فقال "أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه" وذلك أنه كان معه فيما ذكر عنب وتين وعصير فوجده كما تقدم لم يتغير منه شيء لا العصير استحال ولا التين حمض ولا أنتن ولا العنب نقص "وانظر إلى حمارك" أي كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر "ولنجعلك آية للناس" أي دليلا على المعاد "وانظر إلى العظام كيف ننشزها" أي نرفعها فيركب بعضها على بعض وقد روى الحاكم في مستدركه من حديث نافع بن أبي نعيم عن إسماعيل بن حكيم عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ "كيف ننشزها" بالزاي ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقرئ "ننشرها" أي نحييها قاله مجاهد "ثم نكسوها لحما" وقال السدي وغيره تفرقت عظام حماره حوله يمينا ويسارا فنظر إليها وهي تلوح من بياضها فبعث الله ريحا فجمعتها من كل موضع من تلك المحلة ثم ركب كل عظم في موضعه حتى صار حمارا قائما من عظام لا لحم عليها ثم كساها الله لحما وعصبا وعروقا وجلدا وبعث الله ملكا فنفخ في منخري الحمار فنهق كله بأذن الله عز وجل وذلك كله بمرأى من العزير فعند ذلك لما تبين له هذا كله "قال أعلم أن الله على كل شيء قدير" أي أنا عالم بهذا وقد رأيته عيانا فأنا أعلم أهل زماني بذلك وقرأ آخرون قال اعلم على أنه أمر له بالعلم.
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قديرقوله تعالى ; أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها " أو " للعطف حملا على المعنى والتقدير عند الكسائي والفراء ; هل رأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه ، أو كالذي مر على قرية . وقال المبرد ; المعنى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ، ألم تر من مر! كالذي مر على قرية . فأضمر في الكلام من هو . وقرأ أبو سفيان بن حسين " أو كالذي مر " بفتح الواو ، وهي واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام الذي معناه التقرير . وسميت القرية قرية لاجتماع الناس فيها ، من قولهم ; قريت الماء أي جمعته ، وقد تقدم . قال سليمان بن بريدة وناجية بن كعب وقتادة وابن عباس والربيع وعكرمة والضحاك ; الذي مر على القرية هو عزير . وقال وهب بن منبه وعبد الله بن عبيد بن عمير وعبد الله بن بكر بن مضر ; هو إرمياء وكان نبيا . وقال ابن إسحاق ; إرمياء هو الخضر ، وحكاه النقاش عن وهب بن منبه . قال ابن عطية ; وهذا كما تراه ، إلا أن يكون اسما وافق اسما ؛ لأن الخضر معاصر لموسى ، وهذا الذي مر على القرية هو بعده بزمان من سبط هارون فيما رواه وهب بن منبه .قلت ; إن كان الخضر هو إرمياء فلا يبعد أن يكون هو ؛ لأن الخضر لم يزل حيا من وقت موسى حتى الآن على الصحيح في ذلك ، على ما يأتي بيانه في سورة " الكهف " . وإن كان مات قبل هذه القصة فقول ابن عطية صحيح ، والله أعلم . وحكى النحاس ومكي عن مجاهد أنه [ ص; 264 ] رجل من بني إسرائيل غير مسمى . قال النقاش ; ويقال هو غلام لوط عليه السلام . وحكى السهيلي عن القتبي هو شعيا في أحد قوليه . والذي أحياها بعد خرابها كوشك الفارسي . والقرية المذكورة هي بيت المقدس في قول وهب بن منبه وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم . قال ; وكان مقبلا من مصر وطعامه وشرابه المذكوران تين أخضر وعنب وركوة من خمر . وقيل من عصير . وقيل ; قلة ماء هي شرابه . والذي أخلى بيت المقدس حينئذ بختنصر وكان واليا على العراق للهراسب ثم ليستاسب بن لهراسب والد اسبندياد . وحكى النقاش أن قوما قالوا ; هي المؤتفكة . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح ; إن بختنصر غزا بني إسرائيل فسبى منهم أناسا كثيرة فجاء بهم وفيهم عزير بن شرخيا وكان من علماء بني إسرائيل فجاء بهم إلى بابل ، فخرج ذات يوم في حاجة له إلى دير هزقل على شاطئ الدجلة . فنزل تحت ظل شجرة وهو على حمار له ، فربط الحمار تحت ظل الشجرة ثم طاف بالقرية فلم ير بها ساكنا وهي خاوية على عروشها فقال ; أنى يحيي هذه الله بعد موتها وقيل ; إنها القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت ، قاله ابن زيد . وعن ابن زيد أيضا أن القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ، مر رجل عليهم وهم عظام نخرة تلوح فوقف ينظر فقال ; أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام . قال ; ابن عطية ; وهذا القول من ابن زيد مناقض لألفاظ الآية ، إذ الآية إنما تضمنت قرية خاوية لا أنيس فيها ، والإشارة ب " هذه " إنما هي إلى القرية . وإحياؤها إنما هو بالعمارة ووجود البناء والسكان . وقال وهب بن منبه وقتادة والضحاك والربيع وعكرمة ; القرية بيت المقدس لما خربها بختنصر البابلي . وفي الحديث الطويل حين أحدثت بنو إسرائيل الأحداث وقف إرمياء أو عزير على القرية وهي كالتل العظيم وسط بيت المقدس ؛ لأن بختنصر أمر جنده بنقل التراب إليه حتى جعله كالجبل ، ورأى إرمياء البيوت قد سقطت حيطانها على سقفها فقال ; أنى يحيي هذه الله بعد موتها .والعريش ; سقف البيت . وكل ما يتهيأ ليظل أو يكن فهو عريش ، ومنه عريش الدالية ، ومنه قوله تعالى ; ومما يعرشون . قال السدي ; يقول هي ساقطة على سقفها ، أي سقطت السقف ثم سقطت الحيطان عليها ، واختاره الطبري . وقال غير السدي ; معناه خاوية من الناس والبيوت قائمة ، وخاوية معناها خالية ، وأصل الخواء الخلو ، يقال ; خوت الدار وخويت تخوى خواء ( ممدود ) وخويا ; أقوت ، وكذلك إذا سقطت ، ومنه قوله تعالى ; فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ؛ أي خالية ، ويقال ساقطة ، كما يقال ; فهي خاوية على عروشها أي ساقطة على [ ص; 265 ] سقفها . والخواء الجوع لخلو البطن من الغذاء . وخوت المرأة وخويت أيضا خوى أي خلا جوفها عند الولادة . وخويت لها تخوية إذا عملت لها خوية تأكلها وهي طعام . والخوي البطن السهل من الأرض على فعيل . وخوى البعير إذا جافى بطنه عن الأرض في بروكه ، وكذلك الرجل في سجوده .قوله تعالى ; قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها معناه من أي طريق وبأي سبب ، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكان ، كما يقال الآن في المدن الخربة التي يبعد أن تعمر وتسكن ; أنى تعمر هذه بعد خرابها . فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبته . وضرب له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه ، والمثال الذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أن سؤاله إنما كان على إحياء الموتى من بني آدم ، أي أنى يحيي الله موتاها . وقد حكى الطبري عن بعضهم أنه قال ; كان هذا القول شكا في قدرة الله تعالى على الإحياء ، فلذلك ضرب له المثل في نفسه . قال ابن عطية ; وليس يدخل شك في قدرة الله تعالى على إحياء قرية بجلب العمارة إليها وإنما يتصور الشك من جاهل في الوجه الآخر ، والصواب ألا يتأول في الآية شك .قوله تعالى ; فأماته الله مائة عام " مائة " نصب على الظرف . والعام ; السنة ، يقال ; سنون عوم وهو تأكيد للأول ، كما يقال ; بينهم شغل شاغل . وقال العجاج ;من مر أعوام السنين العوموهو في التقدير جمع عائم ، إلا أنه لا يفرد بالذكر ؛ لأنه ليس باسم وإنما هو توكيد ، قاله الجوهري . وقال النقاش ; العام مصدر كالعوم ، سمي به هذا القدر من الزمان لأنها عومة من الشمس في الفلك . والعوم كالسبح ، وقال الله تعالى ; كل في فلك يسبحون . قال ابن عطية ; هذا بمعنى قول النقاش ، والعام على هذا كالقول والقال ، وظاهر هذه الإماتة أنها بإخراج الروح من الجسد . وروي في قصص هذه الآية أن الله تعالى بعث لها ملكا من الملوك يعمرها ويجد في ذلك حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل . وقد قيل ; إنه لما مضى لموته سبعون سنة أرسل الله ملكا من ملوك فارس عظيما يقال له " كوشك " فعمرها في ثلاثين سنة .قوله تعالى ; ثم بعثه معناه أحياه ، وقد تقدم الكلام فيه .قوله تعالى ; قال كم لبثت اختلف في القائل له كم لبثت ، فقيل . الله جل وعز ، [ ص; 266 ] ولم يقل له إن كنت صادقا كما قال للملائكة على ما تقدم . وقيل ; سمع هاتفا من السماء يقول له ذلك . وقيل ; خاطبه جبريل . وقيل ; نبي . وقيل ; رجل مؤمن ممن شاهده من قومه عند موته وعمر إلى حين إحيائه فقال له ; كم لبثت .قلت ; والأظهر أن القائل هو الله تعالى ، لقوله ; وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما والله أعلم . وقرأ أهل الكوفة " كم لبت " بإدغام الثاء في التاء لقربها منها في المخرج . فإن مخرجهما من طرف اللسان وأصول الثنايا وفي أنهما مهموستان . قال النحاس ; والإظهار أحسن لتباين مخرج الثاء من مخرج التاء . ويقال ; كان هذا السؤال بواسطة الملك على جهة التقرير . و " كم " في موضع نصب على الظرف .قال لبثت يوما أو بعض يوم إنما قال هذا على ما عنده وفي ظنه ، وعلى هذا لا يكون كاذبا فيما أخبر به ، ومثله قول أصحاب الكهف قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم ، وإنما لبثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين - على ما يأتي - ولم يكونوا كاذبين لأنهم أخبروا عما عندهم ، كأنهم قالوا ; الذي عندنا وفي ظنوننا أننا لبثنا يوما أو بعض يوم . ونظيره قول النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين ; لم أقصر ولم أنس . ومن الناس من يقول ; إنه كذب على معنى وجود حقيقة الكذب فيه ولكنه لا مؤاخذة به ، وإلا فالكذب الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه وذلك لا يختلف بالعلم والجهل ، وهذا بين في نظر الأصول . فعلى هذا يجوز أن يقال ; إن الأنبياء لا يعصمون عن الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه إذا لم يكن عن قصد ، كما لا يعصمون عن السهو والنسيان . فهذا ما يتعلق بهذه الآية ، والقول الأول أصح . قال ابن جريج وقتادة والربيع ; أماته الله غدوة يوم ثم بعث قبل الغروب فظن هذا اليوم واحدا فقال ; لبثت يوما ، ثم رأى بقية من الشمس فخشي أن يكون كاذبا فقال ; أو بعض يوم . فقيل ; بل لبثت مائة عام ، ورأى من عمارة القرية وأشجارها ومبانيها ما دله على ذلك .قوله تعالى ; فانظر إلى طعامك وهو التين الذي جمعه من أشجار القرية التي مر عليها . وشرابك لم يتسنه قرأ ابن مسعود " وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه " . وقرأ طلحة بن مصرف وغيره " وانظر لطعامك وشرابك لمائة سنة " . وقرأ الجمهور بإثبات الهاء في الوصل إلا الأخوان فإنهما يحذفانها ، ولا خلاف أن الوقف عليها بالهاء . وقرأ طلحة بن مصرف أيضا " لم يسن " " وانظر " أدغم التاء في السين ، فعلى قراءة الجمهور الهاء أصلية ، وحذفت الضمة [ ص; 267 ] للجزم ، ويكون " يتسنه " من السنة أي لم تغيره السنون . قال الجوهري ; ويقال سنون ، والسنة واحدة السنين ، وفي نقصانها قولان ; أحدهما الواو ، والآخر الهاء . وأصلها سنهة مثل الجبهة ؛ لأنه من سنهت النخلة وتسنهت إذا أتت عليها السنون . ونخلة سناء أي تحمل سنة ولا تحمل أخرى ، وسنهاء أيضا ، قال بعض الأنصار ;فليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائحوأسنهت عند بني فلان أقمت عندهم ، وتسنيت أيضا . واستأجرته مساناة ومسانهة أيضا . وفي التصغير سنية وسنيهة . قال النحاس ; من قرأ " لم يتسن " و " انظر " قال في التصغير ; سنية وحذفت الألف للجزم ، ويقف على الهاء فيقول ; " لم يتسنه " تكون الهاء لبيان الحركة . قال المهدوي ; ويجوز أن يكون أصله من سانيته مساناة ، أي عاملته سنة بعد سنة ، أو من سانهت بالهاء ، فإن كان من سانيت فأصله يتسنى فسقطت الألف للجزم ، وأصله من الواو بدليل قولهم " سنوات " والهاء فيه للسكت ، وإن كان من سانهت فالهاء لام الفعل ، وأصل سنة على هذا سنهة . وعلى القول الأول سنوة . وقيل ; هو من أسن الماء إذا تغير ، وكان يجب أن يكون على هذا يتأسن . أبو عمرو الشيباني ; هو من قوله حمإ مسنون فالمعنى لم يتغير . الزجاج ، ليس كذلك ؛ لأن قوله ( مسنون ) ليس معناه ( متغير ) وإنما معناه ( مصبوب ) على سنة الأرض . قال المهدوي ; وأصله على قول الشيباني " يتسنن " فأبدلت إحدى النونين ياء كراهة التضعيف فصار يتسنى ، ثم سقطت الألف للجزم ودخلت الهاء للسكت . وقال مجاهد ; لم يتسنه لم ينتن . قال النحاس ; أصح ما قيل فيه إنه من السنة ، أي لم تغيره السنون . ويحتمل أن يكون من السنة وهي الجدب ، ومنه قوله تعالى ; ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ، وقوله عليه السلام اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف . يقال منه ; أسنت القوم أي أجدبوا ، فيكون المعنى لم يغير طعامك القحوط والجدوب ، أو لم تغيره السنون والأعوام ، أي هو باق على طراوته وغضارته .[ ص; 268 ] قوله تعالى ; وانظر إلى حمارك قال وهب بن منبه وغيره ; وانظر إلى اتصال عظامه وإحيائه جزءا جزءا . ويروى أنه أحياه الله كذلك حتى صار عظاما ملتئمة ، ثم كساه لحما حتى كمل حمارا ، ثم جاءه ملك فنفخ فيه الروح فقام الحمار ينهق ، على هذا أكثر المفسرين . وروي عن الضحاك ووهب بن منبه أيضا أنهما قالا ; بل قيل له ; وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه شيء مائة عام ، وإنما العظام التي نظر إليها عظام نفسه بعد أن أحيا الله منه عينيه ورأسه ، وسائر جسده ميت ، قالا ; وأعمى الله العيون عن إرمياء وحماره طول هذه المدة .قوله تعالى ; ولنجعلك آية للناس قال الفراء ; إنما أدخل الواو في قوله ( ولنجعلك ) دلالة على أنها شرط لفعل بعده ، معناه ولنجعلك آية للناس ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك . وإن شئت جعلت الواو مقحمة زائدة . وقال الأعمش ; موضع كونه آية هو أنه جاء شابا على حاله يوم مات ، فوجد الأبناء والحفدة شيوخا . عكرمة ; وكان يوم مات ابن أربعين سنة . وروي عن علي رضوان الله عليه أن عزيرا خرج من أهله وخلف امرأته حاملا ، وله خمسون سنة فأماته الله مائة عام ، ثم بعثه فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة وله ولد من مائة سنة فكان ابنه أكبر منه بخمسين سنة . وروي عن ابن عباس قال ; لما أحيا الله عزيرا ركب حماره فأتى محلته فأنكر الناس وأنكروه ، فوجد في منزله عجوزا عمياء كانت أمة لهم ، خرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة ، فقال لها ; أهذا منزل عزير ؟ فقالت نعم! ثم بكت وقالت ; فارقنا عزير منذ كذا وكذا سنة قال ; فأنا عزير ، قالت ; إن عزيرا فقدناه منذ مائة سنة . قال ; فالله أماتني مائة سنة ثم بعثني . قالت ; فعزير كان مستجاب الدعوة للمريض وصاحب البلاء فيفيق ، فادع الله يرد علي بصري ، فدعا الله ومسح على عينيها بيده فصحت مكانها كأنها أنشطت من عقال . قالت ; أشهد أنك عزير ثم انطلقت إلى ملإ بني إسرائيل وفيهم ابن لعزير شيخ ابن مائة وثمان وعشرين سنة ، وبنو بنيه شيوخ ، فقالت ; يا قوم ، هذا والله عزير فأقبل إليه ابنه مع الناس فقال ابنه ; كانت لأبي شامة سوداء مثل الهلال بين كتفيه ، فنظرها فإذا هو عزير . وقيل ; جاء وقد هلك كل من يعرف ، فكان آية لمن كان حيا من قومه إذ كانوا موقنين بحاله سماعا . قال ابن عطية ; وفي إماتته هذه المدة ثم إحيائه بعدها أعظم آية ، وأمره كله آية غابر الدهر ، ولا يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض .قوله تعالى ; وانظر إلى العظام كيف ننشزها قرأ الكوفيون وابن عامر بالزاي والباقون بالراء ، وروى أبان عن عاصم " ننشرها " بفتح النون وضم الشين والراء ، وكذلك قرأ ابن عباس والحسن وأبو حيوة ، فقيل ; هما لغتان في الإحياء بمعنى ، كما يقال رجع ورجعته ، [ ص; 269 ] وغاض الماء وغضته ، وخسرت الدابة وخسرتها ، إلا أن المعروف في اللغة أنشر الله الموتى فنشروا ، أي أحياهم الله فحيوا ، قال الله تعالى ; ثم إذا شاء أنشره ويكون نشرها مثلا ( نشر الثوب ) . نشر الميت ينشر نشورا أي عاش بعد الموت ، قال الأعشى ;حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشرفكأن الموت طي للعظام والأعضاء ، وكأن الإحياء وجمع الأعضاء بعضها إلى بعض نشر . وأما قراءة ننشزها بالزاي فمعناه نرفعها . والنشز ; المرتفع من الأرض ، قال ;ترى الثعلب الحولي فيها كأنه إذا ما علا نشزا حصان مجللقال مكي ; المعنى ; انظر إلى العظام كيف نرفع بعضها على بعض في التركيب للإحياء ؛ لأن النشز الارتفاع ، ومنه المرأة النشوز ، وهي المرتفعة عن موافقة زوجها ، ومنه قوله تعالى ; وإذا قيل انشزوا فانشزوا ؛ أي ارتفعوا وانضموا . وأيضا فإن القراءة بالراء بمعنى الإحياء ، والعظام لا تحيا على الانفراد حتى ينضم بعضها إلى بعض ، والزاي أولى بذلك المعنى ، إذ هو بمعنى الانضمام دون الإحياء . فالموصوف بالإحياء هو الرجل دون العظام على انفرادها ، ولا يقال ; هذا عظم حي ، وإنما المعنى فانظر إلى العظام كيف نرفعها من أماكنها من الأرض إلى جسم صاحبها للإحياء . وقرأ النخعي " ننشزها " بفتح النون وضم الشين والزاي ، وروي ذلك عن ابن عباس وقتادة . وقرأ أبي بن كعب " ننشيها " بالياء .والكسوة ; ما وارى من الثياب ، وشبه اللحم بها . وقد استعاره لبيد للإسلام فقال ;الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالاوقد تقدم أول السورة .قوله تعالى ; فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير بقطع الألف . وقد روي أن الله جل ذكره أحيا بعضه ثم أراه كيف أحيا باقي جسده . قال قتادة ; إنه جعل ينظر كيف يوصل بعض عظامه إلى بعض ؛ لأن أول ما خلق الله منه رأسه وقيل له ; انظر ، فقال عند ذلك ; ( أعلم ) بقطع الألف ، أي أعلم هذا . وقال الطبري ; المعنى في قوله فلما تبين له أي لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه قال ; أعلم . قال ابن عطية ; وهذا خطأ ؛ لأنه ألزم ما لا يقتضيه اللفظ ، وفسر على القول الشاذ والاحتمال الضعيف ، وهذا عندي ليس بإقرار بما كان قبل ينكره كما زعم الطبري ، بل هو قول بعثه الاعتبار ، كما يقول الإنسان [ ص; 270 ] المؤمن إذا رأى شيئا غريبا من قدرة الله تعالى ; لا إله إلا الله ونحو هذا . وقال أبو علي ; معناه أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته .قلت ; وقد ذكرنا هذا المعنى عن قتادة ، وكذلك قال مكي رحمه الله ، قال مكي ; إنه أخبر عن نفسه عندما عاين من قدرة الله تعالى في إحيائه الموتى ، فتيقن ذلك بالمشاهدة ، فأقر أنه يعلم أن الله على كل شيء قدير ، أي أعلم أنا هذا الضرب من العلم الذي لم أكن أعلمه على معاينة ، وهذا على قراءة من قرأ ( أعلم ) بقطع الألف وهم الأكثر من القراء . وقرأ حمزة والكسائي بوصل الألف ، ويحتمل وجهين ; أحدهما قال له الملك ; اعلم ، والآخر هو أن ينزل نفسه منزلة المخاطب الأجنبي المنفصل ، فالمعنى فلما تبين له قال لنفسه ; اعلمي يا نفس هذا العلم اليقين الذي لم تكوني تعلمين معاينة ، وأنشد أبو علي في مثل هذا المعنى ( للشاعر الأعشى ;ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعا أيها الرجلألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعاك ما عاد السليم المسهداقال ابن عطية ; وتأنس أبو علي في هذا الشعر بقول الشاعر ;تذكر من أنى ومن أين شربه يؤامر نفسيه كذي الهجمة الإبلقال مكي ; ويبعد أن يكون ذلك أمرا من الله جل ذكره له بالعلم ؛ لأنه قد أظهر إليه قدرته ، وأراه أمرا أيقن صحته وأقر بالقدرة فلا معنى لأن يأمره الله بعلم ذلك ، بل هو يأمر نفسه بذلك وهو جائز حسن . وفي حرف عبد الله ما يدل على أنه أمر من الله تعالى له بالعلم على معنى الزم هذا العلم لما عاينت وتيقنت ، وذلك أن في حرفه ; قيل اعلم . وأيضا فإنه موافق لما قبله من الأمر في قوله انظر إلى طعامك و انظر إلى حمارك و انظر إلى العظام فكذلك واعلم أن الله وقد كان ابن عباس يقرؤها " قيل اعلم " ويقول أهو خير أم إبراهيم ؟ إذ قيل له ; واعلم أن الله عزيز حكيم . فهذا يبين أنه من قول الله سبحانه له لما عاين من الإحياء .
أو كالذي مر على قريةالقول في تأويل قوله تعالى ; { أو كالذي مر على قرية } يعني تعالى ذكره بقوله ; { أو كالذي مر على قريه } نظير الذي عنى بقوله ; { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } من تعجيب محمد صلى الله عليه وسلم منه . وقوله ; { أو كالذي مر على قريه } عطف على قوله ; { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } . وإنما عطف قوله ; { أو كالذي } على قوله ; { إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } وإن اختلف لفظاهما , لتشابه جنسهما , لأن قوله , { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه } بمعنى ; هل رأيت يا محمد كالذي حاج إبراهيم في ربه , ثم عطف عليه بقوله ; { أو كالذي مر على قريه } لأن من شأن العرب العطف بالكلام على معنى نظير له قد تقدمه وإن خالف لفظه لفظه . وقد زعم بعض نحويي البصرة أن " الكاف " في قوله , { أو كالذي مر على قريه } زائدة , وأن المعنى ; ألم ترى إلى الذي حاج إبراهيم جميعا , أو الذي مر على قرية . وقد بينا قبل فيما مضى أنه غير جائز أن يكون في كتاب الله شيء لا معنى له بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . واختلف أهل التأويل في الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها , فقال بعضهم ; هو عزير . ذكر من قال ذلك ; 4591 - حدثنا محمد بن بشار , قال , ثنا عبد الرحمن , قال ; ثنا سفيان , عن أبي إسحاق , عن ناجية بن كعب . { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها } قال ; عزير . 4592 - حدثنا ابن حميد . قال ; ثنا يحيى بن واضح , قال ; ثنا أبو خزيمة , قال ; سمعت سليمان بن بريدة في قوله ; { أو كالذي مر على قريه } قال ; هو عزير . 4593 - حدثنا بشر , قال , ثنا يزيد . قال ; ثنا سعيد , عن قتادة ; { أو كالذي مر على قريه خاوية على عروشها } قال , ذكر لنا أنه عزير . 4594 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتاده مثله . 4595 - حدثت عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه قوله ; { أو كالذي مر على قريه } قال ; قال الربيع ; ذكر لنا والله أعلم أن الذي أتى على القرية هو عزير . 4596 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين قال ; ثني حجاج عن ابن جريج , عن عكرمة ; { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } قال ; عزير . 4597 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط عن السدي ; { أو كالذي مر على قرية } قال ; عزير . 4598 - حدثت عن الحسين , قال ; سمعت أبا معاذ يقول ; أخبرنا عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها } إنه هو عزير . 4599 - حدثني يونس , قال ; قال لنا سلم الخواص ; كان ابن عباس يقول ; هو عزير . وقال آخرون ; هو إرميا بن حلقيا وزعم محمد بن إسحاق أن إرميا هو الخضر . 4600 - حدثنا بذلك ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثنا ابن إسحاق , قال ; اسم الخضر فيما كان وهب بن منبه يزعم عن بني إسرائيل , إرميا بن حلقيا , وكان من سبط هارون بن عمران . ذكر من قال ذلك ; 4601 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; ثنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب , وقف في ناحية الجبل , فقال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } . 4602 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثني ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه , قال ; هو إرميا . * - حدثني محمد بن عسكر , قال ; ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال ; سمعت عبد الصمد بن معقل , عن وهب بن منبه , مثله . 4603 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى بن ميمون , عن قيس بن سعد , عن عبد الله بن عبيد بن عمير في قول الله ; { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } قال ; كان نبيا وكان اسمه إرميا . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن قيس بن سعد , عن عبد الله بن عبيد , مثله . 4604 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرني بكر بن مضر قال ; يقولون والله أعلم ; إنه إرميا . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال ; إن الله تعالى ذكره عجب نبيه صلى الله عليه وسلم ممن قال إذ رأى قرية خاوية على عروشها ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } مع علمه أنه ابتدأ خلقها من غير شيء , فلم يقنعه علمه بقدرته على ابتدائها , حتى قال ; أنى يحييها الله بعد موتها ! ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قبله البيان على اسم قائل ذلك , وجائز أن يكون ذلك عزيرا , وجائز أن يكون إرميا , ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه , إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك . وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله على إحيائه خلقه بعد مماتهم , وإعادتهم بعد فنائهم , وأنه الذي بيده الحياة والموت من قريش , ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب , وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل بإطلاعه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم على ما يزيل شكهم في نبوته , ويقطع عذرهم في رسالته , إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه من الأنباء التي لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم وقومه , ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب , ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم وقومه منهم , بل كان أميا وقومه أميون , فكان معلوما بذلك عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله إليه . ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر ويزيل الشك , ولكن القصد كان إلى ذم قيله , فأبان تعالى ذكره ذلك لخلقه . واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } فقال بعضهم ; هي بيت المقدس . ذكر من قال ذلك ; 4605 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر ومحمد بن عبد الملك , قالا ; ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال ; ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال ; لما رأى إرميا هدم بيت المقدس كالجبل العظيم , قال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } . 4606 - ثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه , قال ; هي بيت المقدس . * - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , قال ; ثني ابن إسحاق عمن لا يتهم أنه سمع وهب بن منبه يقول ذلك . 4607 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة , قال ; ذكر لنا أنه بيت المقدس , أتى عزير بعدما خربه بختنصر البابلي . 4608 - حدثنا عن الحسين , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; ثنا عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { أو كالذي مر على قريه وهي خاوية على عروشها } أنه مر على الأرض المقدسة . 4609 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة في قوله ; { أو كالذي مر على قرية } قال ; القرية ; بيت المقدس , مر بها عزير بعد إذ خربها بختنصر . 4610 - حدثنا عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع ; { أو كالذي مر على قريه } قال ; القرية بيت المقدس , مر عليها عزير وقد خربها بختنصر . وقال آخرون ; بل هي القرية التي كان الله أهلك فيها الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت , فقال لهم الله موتوا . ذكر من قال ذلك ; 4611 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره ; { ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف } قال ; قرية كان نزل بها الطاعون , ثم اقتص قصتهم التي ذكرناها في موضعها عنه , إلى أن بلغ فقال لهم الله موتوا في المكان الذي ذهبوا يبتغون فيه الحياة , فماتوا ثم أحياهم الله { إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون } . 2 243 قال ; ومر بها رجل وهي عظام تلوح , فوقف ينظر , فقال { أنى يحيي هذه الله بعد موتها , فأماته الله مائة عام ثم بعثه } إلى قوله { لم يتسنه } . والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } سواء لا يختلفان .وهي خاوية على عروشهاالقول في تأويل قوله تعالى ; { وهي خاوية على عروشها } . يعني تعالى ذكره بقوله ; { وهي خاويه } وهي خالية من أهلها وسكانها , يقال من ذلك ; خوت الدار تخوي خواء وخويا , وقد يقال للقرية ; خويت , والأول أعرب وأفصح . وأما في المرأة إذا كانت نفساء فإنه يقال ; خويت تخوى خوى منقوصا , وقد يقال فيها ; خوت تخوي , كما يقال في الدار , وكذلك خوي الجوف يخوى خواء شديدا , ولو قيل في الجوف ما قيل في الدار وفي الدار ما قيل في الجوف كان صوابا , غير أن الفصيح ما ذكرت . وأما العروش ; فإنها الأبنية والبيوت , واحدها عرش , وجمع قليله أعرش , وكل بناء فإنه عرش , ويقال ; عرش فلان دارا يعرش ويعرش , وعرش تعريشا , ومنه قول الله تعالى ذكره ; { وما كانوا يعرشون } 7 137 يعني يبنون , ومنه قيل عريش مكه , يعني به ; خيامها وأبنيتها . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك . 4612 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , قال , قال ابن جريج , قال ابن عباس ; خاوية ; خراب . قال ابن جريج ; بلغنا أن عزيرا خرج فوقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر , فوقف فقال ; أبعد ما كان لك من القدس والمقاتلة والمال ما كان ! فحزن . 4613 - حدثت عن الحسين , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; ثنا عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { وهي خاوية على عروشها } قال ; هي خراب . 4614 - حدثنا عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , قال ; مر عليها عزير وقد خربها بختنصر . 4615 - حدثت عن موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { وهي خاوية على عروشها } يقول ; ساقطة على سقفها .قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عامالقول في تأويل قوله تعالى ; { قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } ومعنى ذلك فيما ذكرت ; أن قائله لما مر ببيت المقدس , أو بالموضع الذي ذكر الله أنه مر به خرابا بعدما عهده عامرا , قال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها لا } ؟ فقال بعضهم ; كان قيله ما قال من ذلك شكا في قدرة الله على إحيائه . فأراه الله قدرته على ذلك بضربه المثل له في نفسه , ثم أراه الموضع الذي أنكر قدرته على عمارته وإحيائه , أحيا ما رآه قبل خرابه , وأعمر ما كان قبل خرابه . وذلك أن قائل ذلك كان فيما ذكر لنا عهده عامرا بأهله وسكانه , ثم رآه خاويا على عروشه , قد باد أهله وشتتهم القتل والسباء , فلم يبق منهم بذلك المكان أحد , وخربت منازلهم ودورهم , فلم يبق إلا الأثر . فلما رآه كذلك بعد الحال التي عهده عليها , قال ; على أي وجه يحيي هذه الله بعد خرابها فيعمرها ! استنكارا فيما قاله بعض أهل التأويل . فأراه كيفية إحيائه ذلك بما ضربه له في نفسه . وفيما كان من شرابه وطعامه , ثم عرفه قدرته على ذلك وعلى غيره بإظهاره إحياء ما كان عجيبا عنده في قدرة الله إحياؤه لرأي عينه حتى أبصره ببصره , فلما رأى ذلك قال ; { أعلم أن الله على كل شيء قدير } . وكان سبب قيله ذلك كالذي ; 4616 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه اليماني أنه كان يقول ; قال الله لإرميا حين بعثه نبيا إلى بني إسرائيل ; يا إرميا من قبل أن أخلقك اخترتك , ومن قبل أن أصورك في رحم أمك قدستك , ومن قبل أن أخرجك من بطنها طهرتك , ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك , ومن قبل أن تبلغ الأشد اخترتك , ولأمر عظيم اجتبيتك , فبعث الله تعالى ذكره إرميا إلى ملك بني إسرائيل يسدده ويرشده , ويأتيه بالبر من الله فيما بينه وبينه ; قال ; ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل , وركبوا المعاصي , واستحلوا المحارم , ونسوا ما كان الله صنع بهم , وما نجاهم من عدوهم سنحاريب , فأوحى الله إلى إرميا ; أن ائت قومك من بني إسرائيل , فاقصص عليهم ما آمرك به , وذكرهم نعمتي عليهم وعرفهم أحداثهم , ثم ذكر ما أرسل الله به إرميا إلى قومه من بني إسرائيل , قال ; ثم أوحى الله إلى إرميا ; إني مهلك بني إسرائيل بيافث , ويافث أهل بابل , وهم من ولد يافث بن نوح ; فلما سمع إرميا وحي ربه , صاح وبكى وشق ثيابه , ونبذ الرماد على رأسه , فقال ; ملعون يوم ولدت فيه , ويوم لقيت التوراة , ومن شر أيامي يوم ولدت فيه , فما أبقيت آخر الأنبياء إلا لما هو شر علي , لو أراد بي خيرا ما جعلني آخر الأنبياء من بني إسرائيل , فمن أجلي تصيبهم الشقوة والهلاك ; فلما سمع الله تضرع الخضر وبكاءه وكيف يقول ; ناداه ; إرميا أشق عليك ما أوحيت إليك ؟ قال ; نعم يا رب أهلكني في بني إسرائيل ما لا أسر به , فقال الله ; وعزتي العزيزة لا أهلك بيت المقدس وبني إسرائيل حتى يكون الأمر من قبلك في ذلك , ففرح عند ذلك إرميا لما قال له ربه , وطابت نفسه , وقال ; لا والذي بعث موسى وأنبياءه بالحق , لا آمر ربي بهلاك بني إسرائيل أبدا , ثم أتى ملك بني إسرائيل , وأخبره بما أوحى الله إليه , ففرح واستبشر , وقال ; إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة قدمناها لأنفسنا , وإن عفا عنا فبقدرته ; ثم إنهم لبثوا بعد هذا الوحي ثلاث سنين لم يزدادوا إلا معصية , وتمادوا في الشر , وذلك حين اقترب هلاكهم , فقل الوحي , حتى لم يكونوا يتذكرون الآخرة , وأمسك عنهم حين ألهتهم الدنيا وشأنها , فقال ملكهم ; يا بني إسرائيل انتهوا عما أنتم عليه قبل أن يمسكم بأس من الله , وقبل أن يبعث عليكم ملوك لا رحمة لهم بكم , فإن ربكم قريب التوبة , مبسوط اليدين بالخير , رحيم من تاب إليه , فأبوا عليه أن ينزعوا عن شيء مما هم عليه , وإن الله ألقى في قلب بختنصر بن نعون بن زادان أن يسير إلى بيت المقدس , ثم يفعل فيه ما كان جده سنحاريب أراد أن يفعله , فخرج في ستمائة ألف راية يريد أهل بيت المقدس ; فلما فصل سائرا أتى ملك بني إسرائيل الخبر أن بختنصر أقبل هو وجنوده يريدكم , فأرسل الملك إلى إرميا , فجاءه فقال ; يا إرميا أين ما زعمت لنا أن ربنا أوحى إليك أن لا يهلك أهل بيت المقدس حتى يكون منك الأمر في ذلك , فقال إرميا للملك ; إن ربي لا يخلف الميعاد , وأنا به واثق ; فلما اقترب الأجل , ودنا انقطاع ملكهم , وعزم الله على هلاكهم , بعث الله ملكا من عنده , فقال له ; اذهب إلى إرميا فاستفته , وأمره بالذي يستفتيه فيه , فأقبل الملك إلى إرميا , وقد تمثل له رجلا من بني إسرائيل , فقال له إرميا ; من أنت ؟ قال ; رجل من بني إسرائيل أستفتيك في بعض أمري , فأذن له , فقال الملك ; يا نبي الله أتيتك أستفتيك في أهل رحمي , وصلت أرحامهم بما أمرني الله به , لم آت إليهم إلا حسنا , ولم آلهم كرامة , فلا تزيدهم كرامتي إياهم إلا إسخاطا لي , فأفتني فيهم يا نبي الله , فقال له ; أحسن فيما بينك وبين الله , وصل ما أمرك الله به أن تصل , وأبشر بخير , فانصرف عنه الملك ; فمكث أياما ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل الذي جاءه , فقعد بين يديه , فقال له إرميا ; من أنت ؟ قال ; أنا الرجل الذي أتيتك في شأن أهلي , فقال له نبي الله , أوما طهرت لك أخلاقهم بعد , ولم تر منهم الذي تحب , فقال ; يا نبي الله , والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى أهل رحمه إلا وقد أتيتها إليهم وأفضل من ذلك , فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; ارجع إلى أهلك فأحسن إليهم , أسأل الله الذي يصلح عباده الصالحين أن يصلح ذات بينكم , وأن يجمعكم على مرضاته , ويجنبكم سخطه , فقال الملك من عنده , فلبث أياما , وقد نزل بختنصر بجنوده حول بيت المقدس أكثر من الجراد , ففزع بنو إسرائيل فزعا شديدا , وشق ذلك على ملك بني إسرائيل , فدعا إرميا , فقال ; يا نبي الله , أين ما وعدك الله , إني بربي واثق , ثم إن الملك أقبل إلى إرميا وهو قاعد على جدار بيت المقدس يضحك ويستبشر بنصر ربه الذي وعده , فقعد بين يديه , فقال له إرميا ; من أنت ؟ قال ; أنا الذي كنت استفتيتك في شأن أهلي مرتين , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ; أولم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه ؟ فقال الملك ; يا نبي الله كل شيء كان يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه , وأعلم أنما قصدهم في ذلك سخطي , فلما أتيتهم اليوم رأيتهم في عمل لا يرضي الله , ولا يحبه الله , فقال النبي صلى الله عليه وسلم ; على أي عمل رأيتهم ؟ قال ; يا نبي الله رأيتهم على عمل عظيم من سخط الله , ولو كانوا على مثل ما كانوا عليه قبل اليوم لم يشتد عليهم غضبي , وصبرت لهم ورجوتهم , ولكن غضبت اليوم لله ولك , فأتيتك لأخبرك خبرهم , وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق إلا ما دعوت عليهم ربك أن يهلكهم , فقال إرميا ; يا مالك السموات والأرض , إن كانوا على حق وصواب فأبقهم , وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه , فأهلكهم ; فلما خرجت الكلمة من في إرميا أرسل الله صاعقة من السماء في بيت المقدس , فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها ; فلما رأى ذلك إرميا صاح وشق ثيابه , ونبذ الرماد على رأسه , فقال يا ملك السماء , ويا أرحم الراحمين أين ميعادك الذي وعدتني ؟ فنودي إرميا إنه لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك التي أفتيت بها رسولنا , فاستيقن النبي صلى الله عليه وسلم أنها فتياه التي أفتى بها ثلاث مرات , وأنه رسول ربه , فطار إرميا حتى خالط الوحوش , ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس , فوطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم , وخرب بيت المقدس , ثم أمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفه في بيت المقدس , فقذفوا فيه التراب حتى ملئوه , ثم انصرف راجعا إلى أرض بابل , واحتمل معه سبايا بني إسرائيل , وأمرهم أن يجمعوا من كان في بيت المقدس كلهم , فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل , فاختار منهم تسعين ألف صبي ; فلما خرجت غنائم جنده , وأراد أن يقسمهم فيهم , قالت له الملوك الذين كانوا معه ; أيها الملك , لك غنائمنا كلها , واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل , ففعل , فأصاب كل واحد منهم أربعة غلمة , وكان من أولئك الغلمان ; دانيال , وعزاريا , ومسايل , وحنانيا . وجعلهم بختنصر ثلاث فرق ; فثلثا أقر بالشام , وثلثا سبى , وثلثا قتل , وذهب بأسبية بيت المقدس حتى أقدمها بابل وبالصبيان التسعين الألف حتى أقدمهم بابل , فكانت هذه الواقعة الأولى التي ذكر الله تعالى ذكره نبي الله بأحداثهم وظلمهم , فلما ولى بختنصر عنه راجعا إلى بابل بمن معه من سبايا بني إسرائيل , أقبل إرميا على حمار له معه عصير من عنب في زكرة وسلة تين , حتى أتى إيليا , فلما وقف عليها , ورأى ما بها من الخراب دخله شك , فقال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } وحماره وعصيره وسلة تينه عنده حيث أماته الله , ومات حماره معه , فأعمى الله عنه العيون , فلم يره أحد , ثم بعثه الله تعالى , فقال له ; { كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول ; لم يتغير { وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } فنظر إلى حماره يتصل بعضه إلى بعض , وقد مات معه بالعروق والعصب , ثم كيف كسي ذلك منه اللحم , حتى استوى , ثم جرى فيه الروح , فقام ينهق , ونظر إلى عصيره وتينه , فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير . فلما عاين من قدرة الله ما عاين قال ; أعلم أن الله على كل شيء قدير , ثم عمر الله إرميا بعد ذلك , فهو الذي يرى بفلوات الأرض والبلدان . 4617 - حدثني محمد بن عسكر وابن زنجويه , قالا ; ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال ; ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول ; أوحى الله إلى إرميا وهو بأرض مصر أن الحق بأرض إيليا , فإن هذه ليست لك بأرض مقام , فركب حماره , حتى إذا كان ببعض الطريق , ومعه سلة من عنب وتين , وكان معه سقاء حديد , فملأه ماء , فلما بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى والمساجد , ونظر إلى خراب لا يوصف , ورأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم , قال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } وسار حتى تبوأ منها منزلا , فربط حماره بحبل جديد . وعلق سقاءه , وألقى الله عليه السبات ; فلما نام نزع الله روحه مائة عام ; فلما مرت من المائة سبعون عاما , أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس عظيم يقال له يوسك , فقال ; إن الله يأمرك أن تنفر بقومك فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها , حتى تعود أعمر ما كانت , فقال الملك ; أنظرني ثلاثه أيام حتى أتأهب لهذا العمل ولما يصلحه من أداء العمل , فأنظره ثلاثة أيام , فانتدب ثلاثمائة قهرمان , ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل , وما يصلحه من أداة العمل , فسار إليها قهارمته , ومعهم ثلاثمائة ألف عامل ; فلما وقعوا في العمل رد الله روح الحياة في عين إرميا , وأخر جسده ميتا , فنظر إلى إيليا وما حولها من القرى والمساجد والأنهار والحروث تعمل وتعمر وتجدد , حتى صارت كما كانت . وبعد ثلاثين سنة تمام المائه , رد إليه الروح , فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه , ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب , ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة , وقد أتى على ذلك ريح مائة عام وبرد مائة عام وحر مائة عام , لم تتغير ولم تنتقض شيئا , وقد نحل جسم إرميا من البلى , فأنبت الله له لحما جديدا , ونشز عظامه وهو ينظر , فقال له الله ; { انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } . 4618 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } إن إرميا لما خرب بيت المقدس وحرقت الكتب , وقف في ناحية الجبل , فقال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام } ثم رد الله من رد من بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته يعمرونها ثلاثين سنة تمام المائة ; فلما ذهبت المائة رد الله روحه وقد عمرت على حالها الأولى , فجعل ينظر إلى العظام كيف تلتام بعضها إلى بعض , ثم نظر إلى العظام كيف تكسى عصبا ولحما . { فلما تبين } له ذلك { قال أعلم أن الله على كل شيء قدير } فقال الله تعالى ذكره ; { انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } قال ; فكان طعامه تينا في مكتل , وقلة فيها ماء . 4619 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { أو كالذي مر على قريه وهي خاويه على عروشها } وذلك أن عزيرا مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين ; فلما مر بالقرية فرآها , وقف عليها وقلب يده وقال ; كيف يحيي هذه الله بعد موتها ؟ ليس تكذيبا منه وشكا . فأماته الله وأمات حماره , فهلكا ومر عليهما مائة سنة . ثم إن الله أحيا عزيرا فقال له ; كم لبثت ؟ قال له ; لبثت يوما أو بعض . قيل له ; بل لبثت مائة عام , فانظر إلى طعامك من التين والعنب , وشرابك من العصير { لم يتسنه } . الآية .ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عامالقول في تأويل قوله تعالى ; { ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل مائة عام } . يعني تعالى ذكره بقوله ; { ثم بعثه } ثم أثاره حيا من بعد مماته . وقد دللنا على معنى البعث فيما مضى قبل . وأما معنى قوله ; { كم لبثت } فإن كم استفهام في كلام العرب عن مبلغ العدد , وهو في هذا الموضع نصب ب " لبثت " , وتأويله ; قال الله له ; كم قدر الزمان الذي لبثت ميتا قبل . أن أبعثك من مماتك حيا ؟ قال المبعوث بعد مماته ; لبثت ميتا إلى أن بعثتني حيا يوما واحدا أو بعض يوم . وذكر أن المبعوث هو إرميا أو عزير , أو من كان ممن أخبر الله عنه هذا الخبر . وإنما قال ; { لبثت يوما أو بعض يوم } لأن الله تعالى ذكره كان قبض روحه أول النهار , ثم رد روحه آخر النهار بعد المائة عام فقيل له ; كم لبثت ؟ قال ; لبثت يوما ; وهو يرى أن الشمس قد غربت فكان ذلك عنده يوما لأنه ذكر أنه قبض روحه أول النهار وسئل عن مقدار لبثه ميتا آخر النهار وهو يرى أن الشمس قد غربت , فقال ; لبثت يوما , ثم رأى بقية من الشمس قد بقيت لم تغرب , فقال ; أو بعض يوم , بمعنى ; بل بعض يوم , كما قال تعالى ذكره ; { وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون } 37 147 بمعنى ; بل يزيدون . فكان قوله ; { أو بعض يوم } رجوعا منه عن قوله ; { لبثت يوما } . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ; 4620 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة قوله ; { ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم } قال ; ذكر لنا أنه مات ضحى , ثم بعثه قبل غيبوبة الشمس , فقال ; لبثت يوما . ثم التفت فرأى بقية من الشمس , فقال ; أو بعض يوم . فقال ; بل لبثت مائة عام . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتادة ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } قال ; مر على قرية فتعجب , فقال ; أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! فأماته الله أول النهار , فلبث مائة عام , ثم بعثه في آخر النهار , فقال ; كم لبثت ؟ قال ; لبثت يوما أو بعض يوم , قال ; بل لبثت مائة عام . 4621 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , قال ; قال الربيع ; أماته الله مائة عام , ثم بعثه , قال ; كم لبثت ؟ قال ; لبثت يوما أو بعض يوم . قال ; بل لبثت مائة عام . 4622 - حدثنا القاسم , قال ; ثنا الحسين , قال , ثني حجاج , قال ; قال ابن جريج ; لما وقف على بيت المقدس وقد خربه بختنصر , قال ; أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! كيف يعيدها كما كانت ؟ فأماته الله . قال ; وذكر لنا أنه مات ضحى , وبعث قبل غروب الشمس بعد مائة عام , فقال ; كم لبثت ؟ قال ; يوما . فلما رأى الشمس , قال ; أو بعض يوم .فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنهالقول في تأويل قوله تعالى ; { فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } . يعني تعالى ذكره بقوله ; { فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } لم تغيره السنون التي أتت عليه . وكان طعامه فيما ذكر بعضهم سلة تين وعنب وشرابه قلة ماء . وقال بعضهم ; بل كان طعامه سلة عنب وسلة تين وشرابه زق من عصير . وقال آخرون ; بل كان طعامه سلة تين , وشرابه دن خمر أو زكرة خمر . وقد ذكرنا فيما مضى قول بعضهم في ذلك ونذكر ما فيه فيما يستقبل إن شاء الله . وأما قوله { لم يتسنه } ففيه وجهان من القراءة ; أحدهما ; " لم يتسن " بحذف الهاء في الوصل وإثباتها في الوقف . ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه زائدة صلة كقوله ; { فبهداهم اقتده } 6 90 وجعل فعلت منه ; تسنيت تسنيا , واعتل في ذلك بأن السنة تجمع سنوات , فيكون تفعلت على نهجه . ومن قال في السنه سنينة فجائز على ذلك وإن كان قليلا أن يكون تسننت تفعلت , أبدلت النون ياء لما كثرت النونات كما قالوا ; تظنيت وأصله الظن ; وقد قال قوم . هو مأخوذ من قوله ; { من حمإ مسنون } 15 26 وهو المتغير . وذلك أيضا إذا كان كذلك , فهو أيضا مما بدلت نونه ياء , وهو قراءة عامة قراء الكوفة . والآخر منهما ; إثبات الهاء في الوصل والوقف , ومن قرأه كذلك فإنه يجعل الهاء في يتسنه لام الفعل ويحملها مجزومة بلم , ويحصل فعلت منه تسنهت , ويفعل ; أتسنه تسنها , وقال في تصغير السنه ; سنيهة , ومنه ; أسنهت عند القوم , وتسنهت عندهم ; إذا أقمت سنة , هذه قراءة عامة قراء أهل المدينة والحجاز . والصواب من القراءة عندي في ذلك , إثبات الهاء في الوصل والوقف , لأنها مثبتة في مصحف المسلمين , ولإثباتها وجه صحيح في كلتا الحالتين في ذلك . ومعنى قوله ; { لم يتسنه } لم يأت عليه السنون فيتغير , على لغة من قال ; أسنهت عندكم أسنه ; إذا أقام سنة , وكما قال الشاعر ; وليست بسنهاء ولا رجبية ولكن عرايا في السنين الجوائح فجعل الهاء في السنة أصلا , وهي اللغة الفصحى , وغير جائز حذف حرف من كتاب الله في حال وقف أو وصل لإثباته وجه معروف في كلامها . فإن اعتل معتل بأن المصحف قد ألحقت فيه حروف هن زوائد على نية الوقف , والوجه في الأصل عند القراءة حذفهن , وذلك كقوله ; { فبهداهم اقتده } 6 90 وقوله ; { يا ليتني لم أوت كتابيه } 69 25 فإن ذلك هو مما لم يكن فيه شك أنه من الزوائد , وأنه ألحق على نية الوقف . فأما ما كان محتملا أن يكون أصلا للحرف غير زائد فغير جائز , وهو في مصحف المسلمين مثبت صرفه إلى أنه من الزوائد والصلات . على أن ذلك وإن كان زائدا فيما لا شك أنه من الزوائد , فإن العرب قد تصل الكلام بزائد , فتنطق به على نحو منطقها به في حال القطع , فيكون وصلها إياه وقطعها سواء . وذلك من فعلها دلالة على صحة قراءة من قرأ جميع ذلك بإثبات الهاء في الوصل والوقف , غير أن ذلك وإن كان كذلك فلقوله ; { لم يتسنه } حكم مفارق حكم ما كان هاؤه زائدا لا شك في زيادته فيه . ومما يدل على صحة ما قلنا , من أن الهاء في يتسنه من لغة من قال ; " قد أسنهت " و " المسانهة " , ما ; 4623 - حدثت به عن القاسم بن سلام , قال ; ثنا ابن مهدي , عن أبي الجراح , عن سليمان بن عمير , قال ; ثني هانئ مولى عثمان , قال ; كنت الرسول بين عثمان وزيد بن ثابت , فقال زيد ; سله عن قوله ; لم يتسن , أو لم يتسنه ؟ فقال عثمان ; اجعلوا فيها هاء . 4624 - حدثت عن القاسم , وحدثنا محمد بن محمد العطار , عن القاسم , وحدثنا أحمد والعطار جميعا , عن القاسم , قال ; ثنا ابن مهدي , عن ابن المبارك , قال ; ثني أبو وائل شيخ من أهل اليمن عن هانئ البربري , قال ; كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف , فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها ; " لم يتسن " و " فأمهل الكافرين " و " لا تبديل للخلق " . قال ; فدعا بالدواة , فمحا إحدى اللامين وكتب ; { لا تبديل لخلق الله } 30 30 ومحا " فأمهل " وكتب ; { فمهل الكافرين } 86 17 وكتب ; " لم يتسنه " ألحق فيها الهاء . ولو كان ذلك من " يتسنى " أو " يتسنن " لما ألحق فيه أبي هاء لا موضع لها فيه , ولا أمر عثمان بإلحاقها فيها . وقد روي عن زيد بن ثابت في ذلك نحو الذي روي فيه عن أبي بن كعب . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله { لم يتسنه } فقال بعضهم بمثل الذي قلنا فيه من أن معناه لم يتغير . ذكر من قال ذلك ; 4625 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة بن المفضل , عن محمد بن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه ; { لم يتسنه } لم يتغير . 4626 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة قوله ; { لم يتسنه } لم يتغير . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال ; أخبرنا عبد الرزاق , قال ; أخبرنا معمر , عن قتادة , مثله . 4627 - حدثني موسى بن هارون , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول ; فانظر إلى طعامك من التين والعنب , وشرابك من العصير لم يتسنه , يقول ; لم يتغير فيحمض التين والعنب , ولم يختمر العصير هما حلوان كما هما . وذلك أنه مر جائيا من الشام على حمار له معه عصير وعنب وتين , فأماته الله , وأمات حماره , ومر عليهما مائة سنة . 4628 - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; أخبرنا عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } يقول ; لم يتغير , وقد أتى عليه مائة عام . * - حدثني المثنى , قال ; أخبرنا إسحاق , قال ; ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , بنحوه . 4629 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عبد الله , قال ; ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله ; { لم يتسنه } لم يتغير . 4630 - حدثنا سفيان , قال ; ثنا أبي , عن النضر , عن عكرمة ; { لم يتسنه } لم يتغير . 4631 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد ; { لم يتسنه } لم يتغير في مائة سنة . 4632 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرني بكر بن مضر , قال ; يزعمون في بعض الكتب أن إرميا كان بإيليا حين خربها بختنصر , فخرج منها إلى مصر فكان بها , فأوحى الله إليه أن اخرج منها إلى بيت المقدس . فأتاها فإذا هي خربة , فنظر إليها فقال ; أنى يحيي هذه الله بعد موتها ! فأماته الله مائة عام ثم بعثه , فإذا حماره حي قائم على رباطه , وإذا طعامه سل عنب وسل تين لم يتغير عن حاله . قال يونس ; قال لنا سلم الخواص ; كان طعامه وشرابه سل عنب وسل تين وزق عصير . وقال آخرون ; معنى ذلك ; لم ينتن . ذكر من قال ذلك ; 4633 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد قوله ; { لم يتسنه } لم ينتن . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4634 - حدثني القاسم , قال ; ثنا الحسن , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , قال ; قال مجاهد قوله ; { إلى طعامك } قال ; سل تين , { وشرابك } دن خمر , { لم يتسنه } يقول ; لم ينتن . وأحسب أن مجاهدا والربيع ومن قال في ذلك بقولهما رأوا أن قوله ; { لم يتسنه } من قول الله تعالى ذكره ; { من حمإ مسنون } 15 26 بمعنى المتغير الريح بالنتن من قول القائل ; تسنن . وقد بينت الدلالة فيما مضى على أن ذلك ليس كذلك . فإن ظن ظان أنه من الآسن من قول القائل ; أسن هذا الماء يأسن أسنا , كما قال الله تعالى ذكره ; { فيها أنهار من ماء غير آسن } 47 15 فإنه ذلك لو كان كذلك لكان الكلام ; فانطر إلى طعامك وشرابك لم يتأسن , ولم يكن يتسنه . فإنه منه , غير أنه ترك همزة , قيل ; فإنه وإن ترك همزه فغير جائز تشديد نونه , لأن النون غير مشددة , وهي في يتسنه مشددة , ولو نطق من يتأسن بترك الهمزة لقيل يتسن بتخفيف نونه بغير هاء تلحق فيه , ففي ذلك بيان واضح أنه غير جائز أن يكون من الأسن .وانظر إلى حماركالقول في تأويل قوله تعالى ; { وانظر إلى حمارك } اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ; { وانظر إلى حمارك } فقال بعضهم ; معنى ذلك ; وانظر إلى إحيائي حمارك , وإلى عظامه كيف أنشزها ثم أكسوها لحما . ثم اختلف متأولو ذلك في هذا التأويل , فقال بعضهم ; قال الله تعالى ذكره ذلك له بعد أن أحياه خلقا سويا , ثم أراد أن يحيي حماره ; تعريفا منه تعالى ذكره له كيفية إحيائه القرية التي رآها خاوية على عروشها , فقال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } مستنكرا إحياء الله إياها . ذكر من قال ذلك ; 4635 - حدثنا ابن حميد , قال ; ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , عمن لا يتهم , عن وهب بن منبه , قال ; بعثه الله فقال ; { كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم } إلى قوله ; { ثم نكسوها لحما } قال ; فنظر إلى حماره يتصل بعض إلى بعض , وقد كان مات معه بالعروق والعصب , ثم كسا ذلك منه اللحم حتى استوى ثم جرى فيه الروح , فقام ينهق . ونظر إلى عصيره وتينه , فإذا هو على هيئته حين وضعه لم يتغير . فلما عاين من قدرة الله ما عاين , قال ; { أعلم أن الله على كل شيء قدير } . 4636 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; ثم إن الله أحيا عزيرا , فقال ; كم لبثت ؟ قال ; لبثت يوما أو بعض يوم . قال ; بل لبثت مائة عام , فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه , وانظر إلى حمارك قد هلك وبليت عظامه , وانظر إلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما . فبعث الله ريحا , فجاءت بعظام الحمار من كل سهل وجبل ذهبت به الطير والسباع , فاجتمعت , فركب بعضها في بعض وهو ينظر , فصار حمارا من عظام ليس له لحم ولا دم . ثم إن الله كسا العظام لحما ودما , فقام حمارا من لحم ودم وليس فيه روح . ثم أقبل ملك يمشي حتى أخذ بمنخر الحمار , فنفخ فيه فنهق الحمار , فقال ; أعلم أن الله على كل شيء قدير . فتأويل الكلام على ما تأوله قائل هذا القول ; وانظر إلى إحيائنا حمارك , وإلى عظامه كيف ننشزها ثم نكسوها لحما , ولنجعلك آية للناس . فيكون في قوله ; { وانظر إلى حمارك } متروك من الكلام , استغني بدلالة ظاهره عليه من ذكره , وتكون الألف واللام في قوله ; { وانظر إلى العظام } بدلا من الهاء المرادة في المعنى , لأن معناه ; وانظر إلى عظامه ; يعني إلى عظام الحمار . وقال آخرون منهم ; بل قال الله تعالى ذكره ذلك له بعد أن نفخ فيه الروح في عينه , قالوا ; وهي أول عضو من أعضائه نفخ الله فيه الروح , وذلك بعد أن سواه خلقا سويا , وقبل أن يحيي حماره . ذكر من قال ذلك ; 4637 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , قال ; ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال ; كان هذا رجلا من بني إسرائيل نفخ الروح في عينيه , فنظر إلى خلقه كله حين يحييه الله , وإلى حماره حين يحييه الله . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد مثله . 4638 - حدثنا القاسم , قال ; حدثنا الحسين , قال ; ثني حجاج , عن ابن جريج , قال ; بدأ بعينيه فنفخ فيهما الروح , ثم بعظامه فأنشزها , ثم وصل بعضها إلى بعض , ثم كساها العصب , ثم العروق , ثم اللحم . ثم نظر إلى حماره , فإذا حماره قد بلي وابيضت عظامه في المكان الذي ربطه فيه , فنودي ; يا عظام اجتمعي , فإن الله منزل عليك روحا ! فسعى كل عظم إلى صاحبه , فوصل العظام , ثم العصب , ثم العروق . ثم اللحم , ثم الجلد , ثم الشعر , وكان حماره جذعا , فأحياه الله كبيرا قد تشنن , فلم يبق منه إلا الجلد من طول الزمن , وكان طعامه سل عنب وشرابه دن خمر . قال ابن جريج عن مجاهد ; نفخ الروح في عينيه , ثم نظر بهما إلى خلقه كله حين نشره الله , وإلى حماره حين يحييه الله . وقال آخرون ; بل جعل الله الروح في رأسه وبصره وجسده ميتا , فرأى حماره قائما كهيئته يوم ربطه وطعامه وشرابه كهيئته يوم حل البقعة , ثم قال الله له ; انظر إلى عظام نفسك كيف ننشزها . ذكر من قال ذلك ; 4639 - حدثني محمد بن سهل بن عسكر , قال ; ثنا إسماعيل بن عبد الكريم , قال ; ثني عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول ; رد الله روح الحياة في عين إرميا وآخر جسده ميت , فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه , ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه , لم يطعم ولم يشرب , ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة . 4640 - حدثت عن الحسين , قال ; سمعت أبا معاذ , قال ; ثنا عبيد بن سليمان , قال ; سمعت الضحاك يقول في قوله ; { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } فنظر إلى حماره قائما قد مكث مائة عام , وإلى طعامه لم يتغير قد أتى عليه مائة عام , { وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما } فكان أول شيء أحيا الله منه رأسه , فجعل ينظر إلى سائر خلقه يخلق . * - حدثني المثنى , قال ; ثنا إسحاق , قال ; ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك في قوله ; { فأماته الله مائة عام ثم بعثه } فنظر إلى حماره قائما , وإلى طعامه وشرابه لم يتغير , فكان أول شيء خلق منه رأسه , فجعل ينظر إلى كل شيء منه يوصل بعضه إلى بعض . فلما تبين له , قال ; أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4641 - حدثنا بشر بن معاذ , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة , قال ; ذكر لنا أنه أول ما خلق الله منه رأسه , ثم ركبت فيه عيناه , ثم قيل له ; انظر ! فجعل ينظر , فجعلت عظامه تواصل بعضها إلى بعض , وبعين نبي الله عليه السلام كان ذلك . فقال ; أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4642 - حدثنا عن عمار , قال ; ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع ; { وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك } وكان حماره عنده كما هو , { ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها } . قال الربيع ; ذكر لنا والله أعلم أنه أول ما خلق منه عيناه , ثم قيل انظر , فجعل ينظر إلى العظام يتواصل بعضها إلى بعض وذلك بعينيه . فقيل ; أعلم أن الله على كل شيء قدير . 4643 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرنا ابن زيد قال قوله ; { وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك } واقفا عليك منذ مائة سنة , { ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام } يقول ; وانظر إلى عظامك كيف نحييها حين سألتنا كيف نحيي هذه الأرض بعد موتها . قال ; فجعل الله الروح في بصره وفي لسانه , ثم قال ; ادع الآن بلسانك الذي جعل الله فيه الروح , وانظر ببصرك ! قال ; فكان ينظر إلى الجمجمة , قال ; فنادى ; ليلحق كل عظم بأليفه , قال ; فجاء كل عظم إلى صاحبه , حتى اتصلت وهو يراها , حتى أن الكسرة من العظم لتأتي إلى الموضع الذي انكسرت منه , فتلصق به حتى وصل إلى جمجمته , وهو يرى ذلك . فلما اتصلت شدها بالعصب والعروق , وأجرى عليها اللحم والجلد , ثم نفخ فيها الروح , ثم قال ; { انظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له } ذلك { قال أعلم أن الله على شيء قدير } . قال ; ثم أمر فنادى تلك العظام التي قال ; { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } كما نادى عظام نفسه , ثم أحياها الله كما أحياه . 4644 - حدثني يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; أخبرني بكر بن مضر , قال ; يزعمون في بعض الكتب أن الله أمات إرميا مائة عام , ثم بعثه , فإذا حماره حي قائم على رباطه . قال ; ورد الله إليه بصره وجعل الروح فيه قبل أن يبعث بثلاثين سنة , ثم نظر إلى بيت المقدس وكيف عمر وما حوله . قال ; فيقولون والله أعلم ; إنه الذي قال الله تعالى ذكره ; { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية . .. } آية . ومعنى الآية على تأويل هؤلاء ; وانظر إلى حمارك , ولنجعلك آية للناس , وانظر إلى عظامك كيف ننشزها بعد بلاها , ثم نكسوها لحما , فنحييها بحياتك , فتعلم كيف يحيي الله القرى وأهلها بعد مماتها . وأولى الأقوال في هذه الآية بالصواب قول من قال ; إن الله تعالى ذكره بعث قائل { أنى يحيي هذه الله بعد موتها } من مماته , ثم أراه نظير ما استنكر من إحياء الله القرية التي مر بها بعد مماتها عيانا من نفسه وطعامه وحماره , فحمل تعالى ذكره ما أراه من إحيائه نفسه وحماره مثلا لما استنكر من إحيائه أهل القرية التي مر بها خاويه على عروشها , وحمل ما أراه من العبرة في طعامه وشرابه عبرة له وحجة عليه في كيفية إحيائه منازل القرية وجنانها , وذلك هو معنى قول مجاهد الذي ذكرناه قبل . وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية , لأن قوله ; { وانظر إلى العظام } إنما هو بمعنى ; وانظر إلى العظام التي تراها ببصرك كيف ننشزها , ثم نكسوها لحما , وقد كان حماره أدركه من البلى في قول أهل التأويل جميعا نظير الذي لحق عظام من خوطب بهذا الخطاب , فلم يمكن صرف معنى قوله ; { وانظر إلى العظام } إلى أنه أمر له بالنظر إلى عظام الحمار دون عظام المأمور بالنظر إليها , ولا إلى أنه أمر له بالنطر إلى عظام نفسه دون عظام الحمار . وإذا كان ذلك كذلك , وكان البلى قد لحق عظامه وعظام حماره , كان الأولى بالتأويل أن يكون الأمر بالنظر إلى كل ما أدركه طرفه مما قد كان البلى لحقه لأن الله تعالى ذكره جعل جميع ذلك عليه حجة وله عبرة وعظة .ولنجعلك آية للناسالقول في تأويل قوله تعالى ; { ولنجعلك آية للناس } يعني تعالى ذكره بذلك ; { ولنجعلك آية للناس } أمتناك مائة عام ثم بعثناك . وإنما أدخلت الواو مع اللام التي في قوله ; { ولنجعلك آية للناس } وهو بمعنى " كي " , لأن في دخولها في كي وأخواتها دلالة على أنها شرط لفعل بعدها , يعني ; ولنجعلك كذا وكذا فعلنا ذلك , ولو لم تكن قبل اللام أعني لام كي واو كانت اللام شرطا للفعل الذي قبلها , وكان يكون معناه ; وانظر إلى حمارك , لنجعلك آية للناس . وإنما عنى بقوله ; { ولنجعلك آية } ولنجعلك حجة على من جهل قدرتي , وشك في عظمتي , وأنا القادر على فعل ما أشاء من إماتة وإحياء , وإنشاء , وإنعام وإذلال , وإقتار وإغناء , بيدي ذلك كله , لا يملكه أحد دوني , ولا يقدر عليه غيري . وكان بعض أهل التأويل يقول ; كان آية للناس بأنه جاء بعد مائة عام إلى ولده وولد ولده شابا وهم شيوخ . ذكر من قال ذلك ; 4645 - حدثني المثنى , قال ; أخبرنا إسحاق , قال ; ثنا قبيصة بن عقبة , عن سفيان , قال ; سمعت الأعمش يقول ; { ولنجعلك آية للناس } قال ; جاء شابا وولده شيوخ . وقال آخرون ; معنى ذلك أنه جاء وقد هلك من يعرفه , فكان آية لمن قدم عليه من قومه . ذكر من قال ذلك ; 4646 - حدثني موسى , قال , ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي , قال ; رجع إلى أهله , فوجد داره قد بيعت وبنيت , وهلك من كان يعرفه , فقال ; اخرجوا من داري ! قالوا ; ومن أنت ؟ قال ; أنا عزير . قالوا ; أليس قد هلك عزير منذ كذا وكذا ؟ قال ; فإن عزيرا أنا هو , كان من حالي وكان . فلما عرفوا ذلك , خرجوا له من الدار ودفعوها إليه . والذي هو أولى بتأويل الآية من القول , أن يقال ; إن الله تعالى ذكره , أخبر أنه حمل الذي وصف صفته في هذه الآية حجة للناس , فكان ذلك حجة على من عرفه من ولده وقومه ممن علم موته , وإحياء الله إياه بعد مماته , وعلى من بعث إليه منهم .وانظر إلى العظام كيف ننشزهاالقول في تأويل قوله تعالى ; { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } قد دللنا فيما مضى قبل على أن العظام التي أمر بالنظر إليها هي عظام نفسه وحماره , وذكرنا اختلاف المختلفين في تأويل ذلك وما يعني كل قائل بما قاله في ذلك بما أغنى عن إعادته . وأما قوله ; { كيف ننشزها } فإن القراء اختلفت في قراءته , فقرأ بعضهم ; { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } بضم النون وبالزاي , وذلك قراءة عامة قراء الكوفيين , بمعنى ; وانظر كيف نركب بعضها على بعض , وننقل ذلك إلى مواضع من الجسم . وأصل النشز ; الارتفاع , ومنه قيل ; قد نشز الغلام إذا ارتفع طوله وشب , ومنه نشوز المرأة على زوجها , ومن ذلك قيل للمكان المرتفع من الأرض ; نشز ونشز ونشاز , فإذا أردت أنك رفعته , قلت ; أنشزته إنشازا , ونشز هو ; إذا ارتفع . فمعنى قوله ; { وانظر إلى العظام كيف ننشزها } في قراءة من قرأ ذلك بالزاي ; كيف نرفعها من أماكنها من الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسم . وممن تأول ذلك هذا التأويل جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك ; 4647 - حدثني المثنى , قال ; ثنا عبد الله بن صالح , قال ; ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس في قوله ; { كيف ننشزها } كيف نخرجها . 4648 - حدثني موسى , قال ; ثنا عمرو , قال ; ثنا أسباط , عن السدي ; { كيف ننشزها } قال ; نحركها . وقرأ ذلك آخرون ; " وانظر إلى العظام كيف ننشرها " بضم النون , قالوا من قول القائل ; أنشر الله الموتى فهو ينشرهم إنشارا . وذلك قراءة عامة قراء أهل المدينة , بمعنى ; وانظر إلى العظام كيف نحييها ثم نكسوها لحما . ذكر من قال ذلك ; 4649 - حدثني محمد بن عمرو , قال ; ثنا أبو عاصم , قال ; ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد ; " كيف ننشرها " قال ; انظر إليها حين يحييها الله . * - حدثنا المثنى قال ; ثنا أبو حذيفة , قال ; ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 4650 - حدثنا بشر , قال ; ثنا يزيد , قال ; ثنا سعيد , عن قتادة مثله . 4651 - حدثنا يونس , قال ; أخبرنا ابن وهب , قال ; قال ابن زيد في قوله ; " وانظر إلى العظام كيف ننشرها " قال ; كيف نحييها . واحتج بعض قراء ذلك بالراء وضم نون أوله بقوله ; { ثم إذا شاء أن
وهذا أيضا دليل آخر على توحد الله بالخلق والتدبير والإماتة والإحياء، فقال: ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها ) أي: قد باد أهلها وفني سكانها وسقطت حيطانها على عروشها، فلم يبق بها أنيس بل بقيت موحشة من أهلها مقفرة، فوقف عليها ذلك الرجل متعجبا و ( قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) استبعادا لذلك وجهلا بقدرة الله تعالى، فلما أراد الله به خيرا أراه آية في نفسه وفي حماره، وكان معه طعام وشراب، ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ) استقصارا لتلك المدة التي مات فيها لكونه قد زالت معرفته وحواسه وكان عهد حاله قبل موته، فقيل له ( بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ) أي: لم يتغير بل بقي على حاله على تطاول السنين واختلاف الأوقات عليه، ففيه أكبر دليل على قدرته حيث أبقاه وحفظه عن التغير والفساد، مع أن الطعام والشراب من أسرع الأشياء فسادا ( وانظر إلى حمارك ) وكان قد مات وتمزق لحمه وجلده وانتثرت عظامه، وتفرقت أوصاله ( ولنجعلك آية للناس ) على قدرة الله وبعثه الأموات من قبورهم، لتكون أنموذجا محسوسا مشاهدا بالأبصار، فيعلموا بذلك صحة ما أخبرت به الرسل ( وانظر إلى العظام كيف ننشزها ) أي: ندخل بعضها في بعض، ونركب بعضها ببعض ( ثم نكسوها لحما ) فنظر إليها عيانا كما وصفها الله تعالى، ( فلما تبين له ) ذلك وعلم قدرة الله تعالى ( قال أعلم أن الله على كل شيء قدير ) والظاهر من سياق الآية أن هذا رجل منكر للبعث أراد الله به خيرا، وأن يجعله آية ودليلا للناس لثلاثة أوجه أحدها قوله ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) ولو كان نبيا أو عبدا صالحا لم يقل ذلك، والثاني: أن الله أراه آية في طعامه وشرابه وحماره ونفسه ليراه بعينه فيقر بما أنكره، ولم يذكر في الآية أن القرية المذكورة عمرت وعادت إلى حالتها، ولا في السياق ما يدل على ذلك، ولا في ذلك كثير فائدة، ما الفائدة الدالة على إحياء الله للموتى في قرية خربت ثم رجع إليها أهلها أو غيرهم فعمروها؟! وإنما الدليل الحقيقي في إحيائه وإحياء حماره وإبقاء طعامه وشرابه بحاله، والثالث في قوله: ( فلما تبين له ) أي: تبين له أمر كان يجهله ويخفى عليه، فعلم بذلك صحة ما ذكرناه، والله أعلم.
(أو) حرف عطف
(الكاف) هنا اسم بمعنى مثل في محلّ جرّ معطوفة على الموصول الأول في الآية السابقة والتقدير: ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم أو مثل الذي مرّ..
(الذي) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(مرّ) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو وهو العائد
(على قرية) جارّ ومجرور متعلّق بـ (مرّ) ،
(الواو) حاليّة
(هي) ضمير منفصل في محلّ رفع مبتدأ
(خاوية) خبر مرفوع
(على عروش) جار ومجرور متعلّق بخاوية ،
(ها) ضمير مضاف إليه
(قال) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (أنّى) بمعنى كيف في محلّ نصب حال من هذه ،
(يحيى) مضارع مرفوع وعلامة الرفع الضمّة المقدّرة على الياء
(ها) حرف تنبيه
(ذه) اسم إشارة مبنيّ في محلّ نصب مفعول به مقدّم،
(الله) فاعل مرفوع
(بعد) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (يحيي) ،
(موت) مضاف إليه مجرور و (ها) ضمير مضاف إليه..
(الفاء) استئنافيّة
(أمات) فعل ماض و (الهاء) ضمير مفعول به
(الله) فاعل مرفوع
(مائة) ظرف زمان منصوب متعلّق بـ (أمات) بتضمينه معنى ألبثه ميّتا مائة عام
(عام) مضاف إليه مجرور
(ثمّ) حرف عطف
(بعثه) مثل أماته والفاعل هو (قال) مثل الأول والفاعل الله
(كم) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب على الظرفية الزمانية متعلّق بـ (لبثت) وهو فعل ماض مبنيّ على السكون.. و (التاء) فاعلـ (قال) مثل الأول والفاعل يعود إلى الذي مر
(لبثت) مثل الأولـ (يوما) مفعول فيه منصوب متعلّق بـ (لبثت) ،
(أو) حرف عطف
(بعض) معطوف على
(يوما) منصوب مثله
(يوم) مضاف إليه مجرور
(قال) مثل الثاني
(بل) للابتداء والإضرابـ (لبثت مائة عام) مثل لبثت بعض يوم
(الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر أي: إن لم تطمئنّ فانظر..
(انظر) فعل أمر والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(إلى الطعام) جارّ ومجرور متعلّق بـ (انظر) ، و (الكاف) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(شرابك) معطوف على طعامك مجرور مثله ومضاف إليه
(لم) حرف نفي وقلب وجزم
(يتسنّه) مضارع مجزوم والفاعل ضمير مستتر تقديره هو ،
(الواو) عاطفة
(انظر إلى حمارك) مثل انظر إلى طعامك(الواو) عاطفة
(اللام) لام التعليلـ (نجعل) مضارع منصوب بـ (أن) مضمرة بعد اللام و (الكاف) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(آية) مفعول به ثان منصوبـ (للناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لآية والمصدر المؤوّلـ (أن نجعلك) في محلّ جرّ باللام متعلّق بفعل محذوف تقديره فعلنا ذلك لتعلم ولنجعلك آية للناس(الواو) عاطفة
(انظر إلى العظام) مثل انظر إلى طعامك
(كيف) اسم استفهام مبنيّ في محلّ نصب حالـ (ننشز) مضارع مرفوع و (ها) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(ثم) حرف عطف
(نكسوها) مثل ننشزها
(لحما) مفعول به ثان منصوب.
(الفاء) استئنافيّة
(لمّا) ظرفيّة حينيّة متعلّقة بـ (قال) متضمّنة معنى الشرط
(تبيّن) فعل ماض، والفاعل مقدّر دلّ عليه الكلام المتقدّم أي تبيّن كيفية الإحياء ،
(اللام) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ باللام متعلّق بـ (تبيّن)
(قال) فعل ماض والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (أعلم) مضارع مرفوع والفاعل مستتر تقديره أنا
(أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(الله) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوبـ (على كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بقدير،
(شيء) مضاف إليه مجرور
(قدير) خبر أنّ مرفوع والمصدر المؤوّلـ (أنّ الله.. قدير) سدّ مسدّ مفعولي أعلم جملة: «مرّ» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذي) .وجملة: «هي» خاوية في محلّ نصب حال من قرية وجملة: «قال أنّى..» في محلّ نصب حال من فاعل مرّ أو لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «يحيي» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «أماته» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «بعثه» لا محلّ لها معطوفة على جملة أماته وجملة: «قال..
(الثانية) » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «كم لبثت؟» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «قال ...
(الثالثة) » لا محلّ لها استئناف بياني ّوجملة: «لبثت يوما» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «قال ...
(الرابعة) » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «بل لبثت» لا محلّ لها استئنافيّة وجملة مقول القول محذوفة أي: قال ما لبثت يوما أو بعض يوم بل لبثت مائة عام وجملة «انظر إلى طعامك» في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي: إن لم تطمئنّ فانظروجملة: «لم يتسنه» في محلّ نصب حال من الطعام والشراب معا بمعنى الغذاء أو من الشراب لأنه المتأخّروجملة: «انظر إلى حمارك» في محلّ جزم معطوفة على جملة انظر إلى طعامك.وجملة: «نجعلك» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ المقدّر أن وجملة: «انظر الى العظام» في محلّ جزم معطوفة على جملة انظر إلى طعامك وجملة: «ننشزها» في محلّ نصب حال من العظام وجملة: «نكسوها» في محلّ نصب معطوفة على جملة ننشزهاوجملة: «تبيّن» في محلّ جرّ مضاف إليهوجملة: «قال..» لا محلّ لها جواب شرط غير جازموجملة: «أعلم» في محلّ نصب مقول القول