أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيٰهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ
اَلَمۡ تَرَ اِلَى الَّذِيۡنَ خَرَجُوۡا مِنۡ دِيَارِهِمۡ وَهُمۡ اُلُوۡفٌ حَذَرَ الۡمَوۡتِ ۖ فَقَالَ لَهُمُ اللّٰهُ مُوۡتُوۡا ثُمَّ اَحۡيَاھُمۡؕ اِنَّ اللّٰهَ لَذُوۡ فَضۡلٍ عَلَى النَّاسِ وَلٰـكِنَّ اَکۡثَرَ النَّاسِ لَا يَشۡکُرُوۡنَ
تفسير ميسر:
ألم تعلم -أيها الرسول- قصة الذين فرُّوا من أرضهم ومنازلهم، وهم ألوف كثيرة؛ خشية الموت من الطاعون أو القتال، فقال لهم الله; موتوا، فماتوا دفعة واحدة عقوبة على فرارهم من قدر الله، ثم أحياهم الله تعالى بعد مدة؛ ليستوفوا آجالهم، وليتعظوا ويتوبوا؟ إن الله لذو فضل عظيم على الناس بنعمه الكثيرة، ولكن أكثر الناس لا يشكرون فضل الله عليهم.
وروي عن ابن عباس أنهم كانوا أربعة آلاف وعنه كانوا ثمانية آلاف وقال أبو صالح; تسعة آلاف وعن ابن عباس أربعون ألفا وقال وهب بن منبه وأبو مالك; كانوا بضعة وثلاثين ألفا. وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال; كانوا أهل قرية يقال لها ذاوردان. وكذا قال السدي وأبو صالح وزاد من قبل واسط وقال سعيد بن عبد العزيز; كانوا من أهل أذرعات وقال ابن جريج عن عطاء قال; هذا مثل وقال علي بن عاصم; كانوا من أهل ذاوردان قرية على فرسخ من قبل واسط وقال وكيع بن الجراح في تفسيره. حدثنا سفيان عن ميسرة بن حبيب النهدي عن المنهال بن عمرو الأسدي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت" قال; كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون قالوا; نأتي أرضا ليس بها موت حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا قال الله لهم "موتوا" فماتوا فمر عليهم نبي من الأنبياء فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم فذلك قوله عز وجل "ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت" الآية وذكر غير واحد من السلف أن هؤلاء القوم كانوا أهل بلدة في زمان بني إسرائيل استوخموا أرضهم وأصابهم بها وباء شديد فخرجوا فرارا من الموت هاربين إلى البرية فنزلوا واديا أفيح فملاءوا ما بين عدوتيه فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي والآخر من أعلاه فصاحا بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد فحيزوا إلى حظائر وبنى عليهم جدران وفنوا وتمزقوا وتفرقوا فلما كان بعد دهر مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له حزقيل فسأل الله أن يحييهم على يديه فأجابه إلى ذلك وأمره أن يقول; أيتها العظام البالية إن الله يأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض ثم أمره فنادى أيتها العظام إن الله يأمرك بأن تكتسي لحما وعصبا وجلدا فكان ذلك وهو يشاهده ثم أمره فنادى أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره فقاموا أحياء ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة وهم يقولون; سبحانك لا إله إلا أنت وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة ولهذا قال "إن الله لذو فضل على الناس" أي فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة والدلالات الدامغة "ولكن أكثر الناس لا يشكرون" أي لا يقومون بشكر ما أنعم الله به عليهم في دينهم ودنياهم وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يغني حذر من قدر وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه فإن هؤلاء خرجوا فرارا من الوباء طلبا لطول الحياة فعوملوا بنقيض قصدهم وجاءهم الموت سريعا في آن واحد ومن هذا القبيل الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد; حدثنا إسحاق بن عيسى أخبرنا مالك وعبدالرزاق أخبرنا معمر كلاهما عن الزهري عن عبد الحميد بن عبدالرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبدالله بن الحارث بن نوفل عن عبدالله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام فذكر الحديث فجاءه عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبا لبعض حاجته فقال; إن عندي من هذا علما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول; إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه" فحمد الله عمر ثم انصرف وأخرجاه في الصحيحين من حديث الزهري به بطريق أخرى لبعضه قال أحمد; حدثنا حجاج ويزيد العمي قالا أخبرنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن عبدالله بن عامر بن ربيعة أن عبدالرحمن بن عوف أخبر عمر وهو في الشام عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أن هذا السقم عذب به الأمم قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا" قال فرجع عمر من الشام وأخرجه في الصحيحين من حديث مالك عن الزهري بنحوه.
قوله تعالى ; ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون [ ص; 210 ] فيه ست مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; ( ألم تر ) هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم . والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين . ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين . وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " ألم تر " بجزم الراء ، وحذفت الهمزة حذفا من غير إلقاء حركة لأن الأصل ألم ترء .وقصة هؤلاء أنهم قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء ، وكانوا بقرية يقال لها ( داوردان ) فخرجوا منها هاربين فنزلوا واديا فأماتهم الله تعالى . قال ابن عباس ; كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا ; نأتي أرضا ليس بها موت ، فأماتهم الله تعالى ، فمر بهم نبي فدعا الله تعالى فأحياهم . وقيل ; إنهم ماتوا ثمانية أيام . وقيل ; سبعة ، والله أعلم . قال الحسن ; أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم ، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم . وقيل ; إنما فعل ذلك بهم معجزة لنبي من أنبيائهم ، قيل ; كان اسمه شمعون . وحكى النقاش أنهم فروا من الحمى . وقيل ; إنهم فروا من الجهاد ولما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي عليه السلام ، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك ، فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء ، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله تعالى ; وقاتلوا في سبيل الله ، قاله الضحاك . قال ابن عطية ; وهذا القصص كله لين الأسانيد ، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم ، ليروا هم وكل من خلف من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى لا بيد غيره ، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر . وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد ، هذا قول الطبري وهو ظاهر وصف الآية .قوله تعالى ; وهم ألوف قال الجمهور ; هي جمع ألف . قال بعضهم ; كانوا ستمائة ألف . وقيل ; كانوا ثمانين ألفا . ابن عباس ; أربعين ألفا . أبو مالك ; ثلاثين ألفا . السدي ; سبعة وثلاثين ألفا . وقيل ; سبعين ألفا ، قاله عطاء بن أبي رباح . وعن ابن عباس أيضا أربعين ألفا ، وثمانية آلاف ، رواه عنه ابن جريج . وعنه أيضا ثمانية آلاف ، وعنه أيضا أربعة آلاف ، وقيل ; ثلاثة آلاف . والصحيح أنهم زادوا على عشرة آلاف لقوله تعالى ; ( وهم ألوف ) وهو جمع الكثرة ، ولا يقال في عشرة فما دونها ألوف . وقال ابن زيد في لفظة ألوف ; إنما معناها وهم مؤتلفون ، أي لم تخرجهم فرقة قومهم ولا فتنة بينهم إنما كانوا مؤتلفين ، فخالفت هذه الفرقة فخرجت فرارا من الموت وابتغاء الحياة بزعمهم ، فأماتهم الله في منجاهم بزعمهم . فألوف [ ص; 211 ] على هذا جمع آلف ، مثل جالس وجلوس . قال ابن العربي ; أماتهم الله تعالى مدة عقوبة لهم ثم أحياهم ، وميتة العقوبة بعدها حياة ، وميتة الأجل لا حياة بعدها . قال مجاهد ; إنهم لما أحيوا رجعوا إلى قومهم يعرفون أنهم كانوا موتى ولكن سحنة الموت على وجوههم ، ولا يلبس أحد منهم ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم . ابن جريج عن ابن عباس ; وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني إسرائيل إلى اليوم . وروي أنهم كانوا بواسط العراق . ويقال ; إنهم أحيوا بعد أن أنتنوا ، فتلك الرائحة موجودة في نسلهم إلى اليوم .الثانية ; حذر الموت أي لحذر الموت ، فهو نصب لأنه مفعول له . و ( موتوا ) أمر تكوين ، ولا يبعد أن يقال ; نودوا وقيل لهم ; موتوا . وقد حكي أن ملكين صاحا بهم ; موتوا فماتوا ، فالمعنى قال لهم الله بواسطة الملكين " موتوا " ، والله أعلم .الثالثة ; أصح هذه الأقوال وأبينها وأشهرها أنهم خرجوا فرارا من الوباء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ; خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا ، فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله . وقال عمرو بن دينار في هذه الآية ; وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقي أناس ، ومن خرج أكثر ممن بقي ، قال ; فنجا الذين خرجوا ومات الذين أقاموا ، فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم ، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم . وقال الحسن ; خرجوا حذارا من الطاعون فأماتهم الله ودوابهم في ساعة واحدة ، وهم أربعون ألفا .قلت ; وعلى هذا تترتب الأحكام في هذه الآية . فروى الأئمة واللفظ للبخاري من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الوجع فقال رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارا منه وأخرجه أبو عيسى الترمذي فقال ; حدثنا قتيبة أنبأنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن عامر بن سعد عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الطاعون فقال ; بقية رجز أو عذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا [ ص; 212 ] عليها قال ; حديث حسن صحيح . وبمقتضى هذه الأحاديث عمل عمر والصحابة رضوان الله عليهم لما رجعوا من سرغ حين أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بالحديث ، على ما هو مشهور في الموطأ وغيره . وقد كره قوم الفرار من الوباء والأرض السقيمة ، روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ; الفرار من الوباء كالفرار من الزحف . وقصة عمر في خروجه إلى الشام مع أبي عبيدة معروفة ، وفيها ; أنه رجع . وقال الطبري ; في حديث سعد دلالة على أن على المرء توقي المكاره قبل نزولها ، وتجنب الأشياء المخوفة قبل هجومها ، وأن عليه الصبر وترك الجزع بعد نزولها ، وذلك أنه عليه السلام نهى من لم يكن في أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها ، ونهى من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارا منه ، فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق من الأمور غوائلها ، سبيله في ذلك سبيل الطاعون . وهذا المعنى نظير قوله عليه السلام ; لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا .قلت ; وهذا هو الصحيح في الباب ، وهو مقتضى قول الرسول عليه السلام ، وعليه عمل أصحابه البررة الكرام رضي الله عنهم ، وقد قال عمر لأبي عبيدة محتجا عليه لما قال له ; أفرارا من قدر الله! فقال عمر ; لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نعم ، نفر من قدر الله إلى قدر الله . المعنى ; أي لا محيص للإنسان عما قدره الله له وعليه ، ولكن أمرنا الله تعالى بالتحرز من المخاوف والمهلكات ، وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات . ثم قال له ; أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله عز وجل . فرجع عمر من موضعه ذلك إلى المدينة . قال الكيا الطبري ; ولا نعلم خلافا أن الكفار أو قطاع الطريق إذا قصدوا بلدة ضعيفة لا طاقة لأهلها بالقاصدين فلهم أن يتنحوا من بين أيديهم ، وإن كانت الآجال المقدرة لا تزيد ولا تنقص . وقد قيل ; إنما نهي عن الفرار منه لأن الكائن بالموضع الذي الوباء فيه لعله قد أخذ [ ص; 213 ] بحظ منه ، لاشتراك أهل ذلك الموضع في سبب ذلك المرض العام ، فلا فائدة لفراره ، بل يضيف إلى ما أصابه من مبادئ الوباء مشقات السفر ، فتتضاعف الآلام ويكثر الضرر فيهلكون بكل طريق ويطرحون في كل فجوة ومضيق ، ولذلك يقال ; ما فر أحد من الوباء فسلم ، حكاه ابن المدائني . ويكفي في ذلك موعظة قوله تعالى ; ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ولعله إن فر ونجا يقول ; إنما نجوت من أجل خروجي عنه فيسوء اعتقاده . وبالجملة فالفرار منه ممنوع لما ذكرناه ، ولما فيه من تخلية البلاد ; ولا تخلو من مستضعفين يصعب عليهم الخروج منها ، ولا يتأتى لهم ذلك ، ويتأذون بخلو البلاد من المياسير الذين كانوا أركانا للبلاد ومعونة للمستضعفين . وإذا كان الوباء بأرض فلا يقدم عليه أحد أخذا بالحزم والحذر والتحرز من مواضع الضرر ، ودفعا للأوهام المشوشة لنفس الإنسان ، وفي الدخول عليه الهلاك ، وذلك لا يجوز في حكم الله تعالى ، فإن صيانة النفس عن المكروه واجبة ، وقد يخاف عليه من سوء الاعتقاد بأن يقول ; لولا دخولي في هذا المكان لما نزل بي مكروه . فهذه فائدة النهي عن دخول أرض بها الطاعون أو الخروج منها ، والله أعلم . وقد قال ابن مسعود ; الطاعون فتنة على المقيم والفار ، فأما الفار فيقول ; فبفراري نجوت ، وأما المقيم فيقول ; أقمت فمت ، وإلى نحو هذا أشار مالك حين سئل عن كراهة النظر إلى المجذوم فقال ; ما سمعت فيه بكراهة ، وما أرى ما جاء من النهي عن ذلك إلا خيفة أن يفزعه أو يخيفه شيء يقع في نفسه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الوباء ; إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه . وسئل أيضا عن البلدة يقع فيها الموت وأمراض ، فهل يكره الخروج منها ؟ فقال ; ما أرى بأسا خرج أو أقام .الرابعة ; في قوله عليه السلام ; إذا وقع الوباء بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه . دليل على أنه يجوز الخروج من بلدة الطاعون على غير سبيل الفرار منه ، إذا اعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وكذلك حكم الداخل إذا أيقن أن دخولها لا يجلب إليه قدرا لم يكن الله قدره له ، فباح له الدخول إليه والخروج منه على هذا الحد الذي ذكرناه ، والله أعلم .الخامسة ; في فضل الصبر على الطاعون وبيانه . الطاعون وزنه فاعول من الطعن ، غير أنه لما عدل به عن أصله وضع دالا على الموت العام بالوباء ، قاله الجوهري . ويروى من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ; فناء أمتي بالطعن والطاعون - قالت ; [ ص; 214 ] الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال ; غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط . قال العلماء ; وهذا الوباء قد يرسله الله نقمة وعقوبة على من يشاء من العصاة من عبيده وكفرتهم ، وقد يرسله شهادة ورحمة للصالحين ، كما قال معاذ في طاعون عمواس ; إنه شهادة ورحمة لكم ودعوة نبيكم ، اللهم أعط معاذا وأهله نصيبهم من رحمتك . فطعن في كفه رضي الله عنه . قال أبو قلابة ; قد عرفت الشهادة والرحمة ولم أعرف ما دعوة نبيكم ؟ فسألت عنها فقيل ; دعا عليه السلام أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون حين دعا ألا يجعل بأس أمته بينهم فمنعها فدعا بهذا . ويروى من حديث جابر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف . وفي البخاري عن يحيى بن يعمر عن عائشة أنها أخبرته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم ; أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد . وهذا تفسير لقوله عليه الصلاة والسلام ; ( الطاعون شهادة والمطعون شهيد ) . أي الصابر عليه المحتسب أجره على الله العالم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله عليه ، ولذلك تمنى معاذ أن يموت فيه لعلمه أن من مات فهو شهيد . وأما من جزع من الطاعون وكرهه وفر منه فليس بداخل في معنى الحديث ، والله أعلم .السادسة ; قال أبو عمر ; لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم فر من الطاعون إلا ما ذكره ابن المدائني أن علي بن زيد بن جدعان هرب من الطاعون إلى السيالة فكان يجمع كل [ ص; 215 ] جمعة ويرجع ، فكان إذا جمع صاحوا به ; فر من الطاعون! فمات بالسيالة . قال ; وهرب عمرو بن عبيد ورباط بن محمد إلى الرباطية فقال إبراهيم بن علي الفقيمي في ذلك ;ولما استفز الموت كل مكذب صبرت ولم يصبر رباط ولا عمرووذكر أبو حاتم عن الأصمعي قال ; هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى بأهله نحو سفوان ، فسمع حاديا يحدو خلفه ;لن يسبق الله على حمار ولا على ذي منعة طيارأو يأتي الحتف على مقدار قد يصبح الله أمام الساريوذكر المدائني قال ; وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها ( سكر ) . فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك بن مروان . فقال له عبد العزيز ; ما اسمك ؟ فقال له ; طالب بن مدرك . فقال ; أوه ما أراني راجعا إلى الفسطاط ! فمات في تلك القرية .
القول في تأويل قوله ; أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْقال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره; " ألم تر "، ألم تعلم، يا محمد؟= وهو من " رؤية القلب " لا " رؤية العين "، (166) لأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدرك الذين أخبر الله عنهم هذا الخبر، و " رؤية القلب "; ما رآه، وعلمه به. (167) فمعنى ذلك; ألم تعلم يا محمد، الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟* * *ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ; " وهم ألوف " .فقال بعضهم; في العدد، بمعنى جماع " ألف ".* ذكر من قال ذلك;5596- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا وكيع= قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال بن عمرو, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم &; 5-267 &; وهم ألوف حذر الموت "، كانوا أربعة آلاف، خرجوا فرارا من الطاعون, قالوا; " نأتي أرضا ليس فيها موت "! حتى إذا كانوا بموضع كذا وكذا, قال لهم الله ; " موتوا ". فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم, فأحياهم، فتلا هذه الآية; إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ . (168)5597- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان, عن ميسرة النهدي, عن المنهال, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال; كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم الله, فمر عليهم نبي من الأنبياء, فدعا ربه أن يحييهم حتى يعبدوه, فأحياهم.5598- حدثنا محمد بن سهل بن عسكر قال، أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم قال، حدثني عبد الصمد; أنه سمع وهب بن منبه يقول; أصاب ناسا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمان, فشكوا ما أصابهم وقالوا; " يا ليتنا قد متنا فاسترحنا مما نحن فيه "! فأوحى الله إلى حزقيل; إن قومك صاحوا من البلاء, وزعموا أنهم ودوا لو ماتوا فاستراحوا, وأي راحة لهم في الموت؟ أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت؟ فانطلق إلى جبانة كذا وكذا, فإن فيها أربعة آلاف= قال وهب; وهم الذين قال الله; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "= فقم فيهم فنادهم، وكانت عظامهم قد تفرقت, فرقتها الطير والسباع. فناداهم حزقيل فقال; (169) " يا أيتها العظام إن الله يأمرك أن تجتمعي" ! فاجتمع عظام كل &; 5-268 &; إنسان منهم معا. (170) ثم نادى ثانية حزقيل فقال; " أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي اللحم "، فاكتست اللحم, وبعد اللحم جلدا, فكانت أجسادا. ثم نادى حزقيل الثالثة فقال; " أيتها الأرواح، إن الله يأمرك أن تعودي في أجسادك "! (171) فقاموا بإذن الله, وكبروا تكبيرة واحدة. (172)5599- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، يقول; عدد كثير خرجوا فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله, ثم أحياهم وأمرهم أن يجاهدوا عدوهم، فذلك قوله; وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .5600- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن أشعث بن أسلم البصري قال; بينما عمر يصلي ويهوديان خلفه = وكان عمر إذا أراد أن يركع خوى= (173) فقال أحدهم لصاحبه، (174) أهو هو؟ فلما انفتل عمر قال; (175) &; 5-269 &; أرأيت قول أحدكما لصاحبه; أهو هو؟ (176) فقالا إنا نجده في كتابنا; (177) " قرنا من حديد، يعطى ما يعطى حزقيل الذي أحيى الموتى بإذن الله ". فقال عمر; ما نجد في كتاب الله " حزقيل " ولا " أحيى الموتى بإذن الله "، إلا عيسى. فقالا أما تجد في كتاب الله وَرُسُلا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ، (178) [سورة النساء; 164]، فقال عمر; بلى! قالا وأما إحياء الموتى فسنحدثك; إن بني إسرائيل وقع عليهم الوباء, فخرج منهم قوم حتى إذا كانوا على رأس ميل أماتهم الله, فبنوا عليهم حائطا, حتى إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال شاء الله, (179) فبعثهم الله له, فأنـزل الله في ذلك; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، الآية. (180)5601- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الحجاج بن أرطأة قال; كانوا أربعة آلاف.&; 5-270 &;5602- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، إلى قوله; ( ثُمَّ أَحْيَاهُمْ )، قال; كانت قرية يقال لها داوردان قبل واسط، (181) وقع بها الطاعون, فهرب عامة أهلها فنـزلوا ناحية منها, فهلك من بقي في القرية وسلم الآخرون, فلم يمت منهم كبير. (182) فلما ارتفع الطاعون رجعوا سالمين, فقال الذين بقوا; أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا, لو صنعنا كما صنعوا بقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم! فوقع في قابل فهربوا, وهم بضعة وثلاثون ألفا, حتى نـزلوا ذلك المكان, وهو واد أفيح, (183) فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه; أن موتوا ! فماتوا, حتى إذا هلكوا وبليت أجسادهم, مر بهم نبي يقال له حزقيل، فلما رآهم وقف عليهم فجعل يتفكر فيهم ويلوى شدقه وأصابعه, (184) فأوحى الله إليه; يا حزقيل, أتريد أن أريك فيهم كيف أحييهم؟ = قال; وإنما كان تفكره أنه تعجب من قدرة الله عليهم= فقال; نعم! فقيل له; ناد! فنادى; " يا أيتها العظام، إن الله يأمرك أن تجتمعي!"، فجعلت تطير العظام بعضها إلى بعض، حتى كانت أجسادا من عظام، ثم أوحى الله إليه أن ناد; " يا أيتها العظام, إن الله يأمرك أن تكتسي لحما "، فاكتست لحما ودما، وثيابها التي ماتت فيها وهي عليها. ثم قيل له; ناد ! فنادى; " يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي", فقاموا.5603- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, قال; فزعم منصور بن المعتمر, عن مجاهد; أنهم قالوا حين أحيوا; " سبحانك ربنا وبحمدك &; 5-271 &; لا إله إلا أنت "، فرجعوا إلى قومهم أحياء يعرفون أنهم كانوا موتى, سحنة الموت على وجوههم، (185) لا يلبسون ثوبا إلا عاد دسما مثل الكفن، (186) حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم. (187)5604- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا عبد الرحمن بن عوسجة, عن عطاء الخراساني; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، قال; كانوا ثلاثة آلاف أو أكثر.5605- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس; كانوا أربعين ألفا وثمانية آلاف، (188) حظر عليهم حظائر, وقد أروحت أجسادهم وأنتنوا، (189) فإنها لتوجد اليوم في ذلك السبط من اليهود تلك الريح, وهم ألوف فرارا من الجهاد في سبيل الله, فأماتهم الله ثم أحياهم, فأمرهم بالجهاد, فذلك قوله; وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الآية.5606- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحاق, &; 5-272 &; عن وهب بن منبه أن كالب بن يوقنا لما قبضه الله بعد يوشع, (190) خلف فيهم - يعني في بني إسرائيل - حزقيل بن بوزي= (191) وهو ابن العجوز، وإنما سمي" ابن العجوز " أنها سألت الله الولد وقد كبرت وعقمت, فوهبه الله لها, فلذلك قيل له " ابن العجوز "= وهو الذي دعا للقوم الذين ذكر الله في الكتاب لمحمد صلى الله عليه وسلم كما بلغنا; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ". (192) .5607- حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثني محمد بن إسحاق قال; بلغني أنه كان من حديثهم أنهم خرجوا فرارا من بعض الأوباء= من الطاعون، أو من سقم كان يصيب الناس= حذرا من الموت, وهم ألوف، حتى إذا نـزلوا بصعيد من البلاد قال لهم الله; " موتوا "، فماتوا جميعا. فعمد أهل تلك البلاد فحظروا عليهم حظيرة دون السباع, ثم تركوهم فيها, وذلك أنهم كثروا عن أن يغيبوا. فمرت بهم الأزمان والدهور, حتى صاروا عظاما نخرة، فمر بهم حزقيل بن بوزى, (193) فوقف عليهم, فتعجب لأمرهم ودخلته رحمة لهم، (194) فقيل له; أتحب أن يحييهم الله؟ فقال; نعم! فقيل له; نادهم فقل; (195) " أيتها العظام الرميم التي قد رمت وبليت, ليرجع كل عظم إلى صاحبه ". فناداهم بذلك, فنظر إلى العظام تواثب يأخذ بعضها بعضا. ثم قيل له; قل; " أيها اللحم والعصب والجلد، اكس العظام بإذن ربك "، قال; فنظر إليها والعصب يأخذ العظام ثم اللحم والجلد والأشعار, حتى استووا خلقا ليست فيهم الأرواح. ثم دعا لهم بالحياة, فتغشاه من السماء شيء &; 5-273 &; كربه حتى غشي عليه منه، (196) ثم أفاق والقوم جلوس يقولون; " سبحان الله, سبحان الله " قد أحياهم الله. (197)* * *وقال آخرون; معنى قوله " وهم ألوف " وهم مؤتلفون. (198)* ذكر من قال ذلك;5608- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قول الله; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم "، قال; قرية كانت نـزل بها الطاعون, فخرجت طائفة منهم وأقامت طائفة، فألح الطاعون بالطائفة التي أقامت, والتي خرجت لم يصبهم شيء. (199) ثم ارتفع, ثم نـزل العام القابل, فخرجت طائفة أكثر من التي خرجت أولا فاستحر الطاعون بالطائفة التي أقامت. فلما كان العام الثالث، نـزل فخرجوا بأجمعهم وتركوا ديارهم, فقال الله تعالى ذكره; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف "، ليست الفرقة أخرجتهم، كما يخرج للحرب والقتال، قلوبهم مؤتلفة, إنما خرجوا فرارا. فلما كانوا حيث ذهبوا يبتغون الحياة, قال لهم الله; " موتوا "، في المكان الذي ذهبوا إليه يبتغون فيه الحياة. فماتوا، ثم أحياهم الله، إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ . قال; ومر بها رجل وهي عظام تلوح، (200) فوقف &; 5-274 &; ينظر فقال; " أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟"، فأماته الله مائة عام. (201)* * ** ذكر الأخبار عمن قال; كان خروج هؤلاء القوم من ديارهم فرارا من الطاعون.5609- حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا ابن أبي عدي, عن الأشعث, عن الحسن في قوله; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال. خرجوا فرارا من الطاعون, فأماتهم قبل آجالهم, ثم أحياهم إلى آجالهم.5610- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الحسن في قوله; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال; فروا من الطاعون, فقال لهم الله; (مُوتُوا) ثم أحياهم ليكملوا بقية آجالهم.5611- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى , عن ابن أبي نجيح, عن عمرو بن دينار في قول الله تعالى ذكره; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "، قال; وقع الطاعون في قريتهم, فخرج أناس وبقي أناس، فهلك الذين بقوا في القرية، وبقي الآخرون. ثم وقع الطاعون في قريتهم الثانية, فخرج أناس وبقي أناس، ومن خرج أكثر ممن بقي. فنجى الله الذين خرجوا, وهلك الذين بقوا. فلما كانت الثالثة خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم [وقد أنكروا قريتهم، ومن تركوا]. وكثروا بها, حتى يقول بعضهم لبعض; من أنتم؟ (202)&; 5-275 &;5612- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح قال; سمعت عمرو بن دينار يقول; وقع الطاعون في قريتهم= ثم ذكر نحو حديث محمد بن عمرو, عن أبي عاصم.5613- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا سويد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف " الآية، مقتهم الله على فرارهم من الموت, فأماتهم الله عقوبة، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليستوفوها, ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم.5614- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن حصين, عن هلال بن يساف في قوله تعالى; " ألم تر إلى الذين خرجوا " الآية، قال; هؤلاء القوم من بني إسرائيل، (203) كان إذا وقع فيهم الطاعون خرج أغنياؤهم وأشرافهم، وأقام فقراؤهم وسفلتهم. قال; فاستحر الموت على المقيمين منهم, ونجا من خرج منهم. فقال الذين خرجوا; لو أقمنا كما أقام هؤلاء، لهلكنا كما هلكوا ! وقال المقيمون; لو ظعنا كما ظعن هؤلاء، لنجونا كما نجوا ! فظعنوا جميعا في عام واحد, أغنياؤهم وأشرافهم وفقراؤهم وسفلتهم. فأرسل عليهم الموت فصاروا عظاما تبرق. قال; فجاءهم أهل القرى فجمعوهم في مكان واحد, فمر بهم نبي فقال; يا رب لو شئت أحييت هؤلاء فعمروا بلادك وعبدوك! قال; أو أحب إليك أن أفعل؟ قال نعم! قال; فقل; كذا وكذا، فتكلم به, فنظر إلى العظام , وإن العظم ليخرج من عند العظم الذي ليس منه إلى العظم الذي هو منه. ثم تكلم بما أمر, فإذا العظام تكسى لحما. ثم أمر بأمر فتكلم به, فإذا هم قعود يسبحون ويكبرون. ثم قيل لهم; وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ&; 5-276 &;5615- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن حماد بن عثمان, عن الحسن; أنه قال في الذين أماتهم الله ثم أحياهم قال; هم قوم فروا من الطاعون, فأماتهم الله عقوبة ومقتا, ثم أحياهم لآجالهم. (204)* * *قال أبو جعفر; وأولى القولين في تأويل قوله; " وهم ألوف " بالصواب, قول من قال; " عنى بالألوف كثرة العدد "= دون قول من قال; " عنى به الائتلاف "، بمعنى ائتلاف قلوبهم, وأنهم خرجوا من ديارهم من غير افتراق كان منهم ولا تباغض, ولكن فرارا; إما من الجهاد, وإما من الطاعون= لإجماع الحجة على أن ذلك تأويل الآية, ولا يعارض بالقول الشاذ ما استفاض به القول من الصحابة والتابعين.* * *وأولى الأقوال- في مبلغ عدد القوم الذين وصف الله خروجهم من ديارهم- بالصواب, قول من حد عددهم بزيادة عن عشرة آلاف، دون من حده بأربعة آلاف، وثلاثة آلاف، وثمانية آلاف. وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عنهم أنهم كانوا ألوفا, وما دون العشرة آلاف لا يقال لهم; " ألوف ". وإنما يقال " هم آلاف "، إذا كانوا ثلاثة آلاف فصاعدا إلى العشرة آلاف. وغير جائز أن يقال; هم خمسة ألوف، أو عشرة ألوف.وإنما جمع قليله على " أفعال "، (205) ولم يجمع على " أفعل "= مثل سائر الجمع القليل الذي يكون ثاني مفرده ساكنا (206) للألف التي في أوله. وشأن العرب في كل &; 5-277 &; حرف كان أوله، ياء أو واوا أو ألفا، اختيار جمع قليله على أفعال, كما جمعوا " الوقت "" أوقاتا " و " اليوم "" أياما ", و " اليسر " و " أيسارا "، للواو والياء اللتين في أول ذلك. وقد يجمع ذلك أحيانا على " أفعل ", إلا أن الفصيح من كلامهم ما ذكرنا, ومنه قول الشاعر; (207)كــانوا ثلاثــة آلــف وكتيبــةألفيــن أعجــم مـن بنـي الفـدام (208)* * *وأما قوله; " حذر الموت "، فإنه يعني; أنهم خرجوا من حذر الموت، فرارا منه. (209) كما; -5616- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، &; 5-278 &; حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله; " حذر الموت "، فرارا من عدوهم, حتى ذاقوا الموت الذي فروا منه. فأمرهم فرجعوا، وأمرهم أن يقاتلوا في سبيل الله، وهم الذين قالوا لنبيهم; ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [سورة البقرة; 246]* * *قال أبو جعفر; وإنما حث الله تعالى ذكره عباده بهذه الآية، على المواظبة على الجهاد في سبيله، (210) والصبر على قتال أعداء دينه. وشجعهم بإعلامه إياهم وتذكيره لهم، أن الإماتة والإحياء بيديه وإليه، دون خلقه= وأن الفرار من القتال والهرب من الجهاد ولقاء الأعداء، إلى التحصن في الحصون، والاختباء في المنازل والدور، غير منج أحدا من قضائه إذا حل بساحته, ولا دافع عنه أسباب منيته إذا نـزل بعقوته, (211) كما لم ينفع الهاربين من الطاعون= الذين وصف الله تعالى ذكره صفتهم في قوله; " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت "= فرارهم من أوطانهم, وانتقالهم من منازلهم إلى الموضع الذي أملوا بالمصير إليه السلامة, وبالموئل النجاة من المنية, حتى أتاهم أمر الله, فتركهم جميعا خمودا صرعى، وفي الأرض هلكى, ونجا مما حل بهم الذين باشروا كرب الوباء، وخالطوا بأنفسهم عظيم البلاء.* * *القول في تأويل قوله ; إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243)قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بذلك; إن الله لذو فضل ومن. على خلقه، بتبصيره إياهم سبيل الهدى، وتحذيره لهم طرق الردى, وغير ذلك من نعمه التي &; 5-279 &; ينعمها عليهم في دنياهم ودينهم، وأنفسهم وأموالهم- كما أحيى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بعد إماتته إياهم، وجعلهم لخلقه مثلا وعظة يتعظون بهم، عبرة يعتبرون بهم، وليعلموا أن الأمور كلها بيده, فيستسلموا لقضائه, ويصرفوا الرغبة كلها والرهبة إليه. (212)ثم أخبر تعالى ذكره أن أكثر من ينعم عليه من عباده بنعمه الجليلة، ويمن عليه بمننه الجسيمة, يكفر به ويصرف الرغبة والرهبة إلى غيره, ويتخذ إلها من دونه, كفرانا منه لنعمه التي توجب أصغرها عليه من الشكر ما يفدحه، ومن الحمد ما يثقله, فقال تعالى ذكره; " ولكن أكثر الناس لا يشكرون "، يقول; لا يشكرون نعمتي التي أنعمتها عليهم، وفضلي الذي تفضلت به عليهم, بعبادتهم غيري، وصرفهم رغبتهم ورهبتهم إلى من دوني ممن لا يملك لهم ضرا ولا نفعا, ولا يملك موتا ولا حياة ولا نشورا. (213)--------------الهوامش ;(166) انظر ما سلف في معنى"الرؤية" 3 ; 75-79 .(167) في المطبوعة ; "وعلمه به" بزيادة الواو ، وهي فاسدة ، والصواب من المخطوطة .(168) الأثران ; 5596 ، 5597- أخرجه الحاكم في المستدرك 2 ; 281 ، وقال ; "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي"ميسرة ، لم يرويا له وروى له البخاري في الأدب المفرد . وانظر ابن كثير 1 ; 590 ، والدر المنثور 1 ; 310 . و"ميسرة" ، هو ; "ميسرة بن حبيب النهدي" ، مترجم في التهذيب .(169) في المخطوطة ; "فناداه" ، وعلى الهاء من فوق حرف"ط" ، وفي الدر المنثور 1 ; 311"فنادى حزقيل" ، وفي المطبوعة ; "فناداهم" ، وأثبت ما في تاريخ الطبري 1 ; 237 .(170) بعد هذا في الدر المنثور 1 ; 311 ; [ثم قال ; "أيتها العظام ، إن الله يأمرك أن ينبت العصب والعقب" فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب] . وفي تاريخ الطبري ; "يا أيتها العظام النخرة"(171) في المطبوعة ; "إلى أجسادك" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وتاريخ الطبري ، والدر المنثور .(172) الأثر ; 5598 ; "محمد بن سهل بن عسكر" التميمي ، أبو بكر النجاري الحافظ الجوال قال النسائي وابن عدي ; "ثقة" سكن بغداد ومات بها سنة 251 ، مترجم في التهذيب و"إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه الصنعاني" ، روى عن ابن عمه إبراهيم بن عقيل ، وعمه عبد الصمد بن معقل ، وروى عنه أحمد بن حنبل ، قال النسائي ; ليس به بأس ، وذكره ابن حبان في الثقات . توفي باليمن سنة 210 . مترجم في التهذيب . والأثر رواه الطبري بهذا الإسناد في التاريخ 1 ; 237 ، والدر المنثور 1 ; 311 .(173) خوى الرجل في سجوده ; تجافى وفرج ما بين عضديه وجنبيه وفي الحديث ; أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد خوى .(174) في المطبوعة ; "فقال أحدهم" ، والصواب من المخطوطة وتاريخ الطبري .(175) انفتل فلان من صلاته ; انصرف بعد قضائها ، ومثله ; "فتل وجهه عن القوم" ، صرفه ولواه عنهم .(176) في المخطوطة والمطبوعة ; "رأيت" بغير همزة استفهام ، والصواب من الطبري ، والدر المنثور . وقول العرب"أرأيت كذا" ، يريدون به معنى الاستخبار ، بمعنى أخبرني عن كذا .(177) في المطبوعة وتاريخ الطبري ; "إنا نجد في كتابنا" ، وفي المخطوطة والد المنثور ; "نجده" وهو الذي أثبت . وفي تاريخ الطبري بعد"يعطي ما أعطى حزقيل" . والقرن (بفتح فسكون) ; الحصن ، والقرن أيضًا ; الجبيل المنفرد . وقرن الجبل ; أعلاه .(178) في المطبوعة ; "رسلا لم يقصصهم" بحذف الواو ، وبالياء من"يقصصهم" ، وفي المخطوطة كذلك إلا أن"الياء" غير منقوطة ، وأثبت نص الآية ، على ما جاءت في تاريخ الطبري .(179) في المطبوعة ; "فقام عليهم ما شاء الله" ، والصواب من المراجع والمخطوطة .(180) الأثر ; 5600- رواه الطبري في تاريخه 1 ; 238 ، وأخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 ; 311 . وفي المطبوعة والمخطوطة والدر ; "أشعث بن أسلم البصري" ، وفي التاريخ"أشعث عن سالم النصري" ، و"أشعث بن أسلم العجلي البصري ثم الربعي" ، روى عن أبيه أنه رأى أبا موسى الأشعري ، روى عنه سعيد بن أبي عروبة . مترجم في ابن أبي حاتم 1 /1 /269 . وأما"سالم النصري" ، فهو ; سالم بن عبد الله النصري ، هو"سالم سبلان" ، مترجم في التهذيب وابن أبي حاتم 2 /1 /184 ، روى عن عمان وعائشة وأبي سعيد ، وأبي هريرة . روى عنه سعيد المقبري ، وبكير بن عبد الله وغيرهما . وأنا أظن أن الذي في التاريخ أقرب إلى الصواب .(181) في المخطوطة ; "دار وردان" بزيادة راء ، والصواب ما في تاريخ الطبري ، والدر المنثور ، ومعجم البلدان ، وهي من نواحي شرقي واسط ، بينهما فرسخ .(182) في التاريخ ; "فلم يمت منهم كثير" .(183) الأفيح والفياح ; الواسع المنتشر النواحي ، ويقال ; روضة فيحاء ، من ذلك .(184) في المطبوعة ; "يلوي شدقيه" ، وأثبت ما في المخطوطة وتاريخ الطبري . ولوى شدقه ; أماله متعجبا مما يرى ويشهد .(185) السحنة (بفتح فسكون) ; الهيئة واللون والحال ، وبشرة الوجه والمنظر .(186) في المخطوطة والمطبوعة ; "إلا عاد كفنا دسما" ، وضبط في التاريخ بضم الدال وسكون السين ، وهو خطأ ، فإن هذا جمع أدسم ودسما ، وليس هذا مقام جمع . وقوله ; "كفنا دسما مثل الكفن" ليس بلبسان عربي ، فحذفتها وأثبت ما في التاريخ ، وأما الرواية الأخرى في الدر المنثور فهي ; "إلا عاد كفنا دسما" ، بحذف"مثل الكفن" ، فهذه أو تلك هي الصواب .والدسم ; ودك اللحم والشحم . وفلان ; دسم الثوب وأدسم الثوب ، إذا كان ثوبه متلطخا وسخا قد علق به وضر اللحم والشحم . وأكفان الموتى دسم ، لما يسيل من أجسادهم بعد تهرئهم وتعفن أبدانهم .(187) الأثران ; 5602 ، 5603- في تاريخ الطبري 1 ; 237 ، 238 ، والدر المنثور 1 ; 310 بغير هذا اللفظ .(188) في المخطوطة والمطبوعة"أو ثمانية آلاف" ، وهو لا يستقيم ، والصواب في الدر المنثور 1 ; 311 .(189) الحظائر جمع حظيرة ; ما أحاط بالشيء ، تكون من قصب وخشب ، ليقي البرد والريح والعادية . وحظ حظيرة ; اتخذها . والحظر ; الحبس والمنع . أروح الماء واللحم وغيرهما وأراح ; تغيرت رائحته وأنتن .(190) في التاريخ ; "يوفنا" بالفاء .(191) في التاريخ ; "بوذي" بالذال .(192) الأثر ; 5606- في تاريخ الطبري 1 ; 237 ، ثم 238 مختصرا ، والدر المنثور ; 1 ; 311 .(193) في التاريخ ; "بوذى" بالذال .(194) في المخطوطة والمطبوعة ; "ودخله رحمة . . . " ، وأثبت ما في تاريخ الطبري .(195) في المخطوطة والمطبوعة ; "نادهم فقال . . . " ، والصواب من التاريخ .(196) في المخطوطة ; "فتغساه من السماء كربه" غير منقوطة . وفي المطبوعة ; "فتغشاهم من السماء كدية" ، وهذا كلام بلا معنى ، وما أثبته هو نص الطبري في التاريخ . وكربه الأمر ; غشيه واشتد عليه وأخذ بنفسه ، فهو مكروب النفس .(197) الأثر ; 5607- في تاريخ الطبري 1 ; 238 .(198) يعني أنه جمع"إلف" (بكسر الهمزة وسكون اللام) . وقال ابن سيده في"ألوف" ; "وعندي أنه جمع آلف ، كشاهد وشهود" ، وانظر سائر كتب التفسير .(199) في المطبوعة ; "لم يصبها" ، وأثبت ما في المخطوطة .(200) لاح البرق والسيف والعظم يلوح ; تلألأ ولمح ، وذلك لبياض العظام في ضوء الشمس .(201) الأثر ; 5608- أخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 ; 311 مختصرا . وسيأتي مختصرا برقم ; 5905 .(202) في المخطوطة ; "فرجعوا إلى بلادهم ، وقد قريتهم ومن تركوا ، وكثروا بها ، يقول بعضهم لبعض" ، بياض بين الكلام ، أما المطبوعة فقد أسقطت هذا البياض ، فجعلت الكلام ; "فرجعوا إلى بلادهم وكروا بها ، حتى يقول بعضهم لبعض" ، بزيادة"حتى" ، فآثرت أن استظهر معنى الكلام ، فأثبت ما في المخطوطة ، وظننت أن مكان البياض ما أثبت . هذا ولم أجد هذا الأثر في مكان آخر .(203) في المطبوعة ; "كان هؤلاء القوم من بني إسرائيل ، إذا وقع فيهم الطاعون" وفي المخطوطة ; "كان هؤلاء قوما من بني إسرائيل ، كان إذا وقع . . . " ، وضرب الناسخ على ألف"قوما" ، وجعلها"قوم" ، فتبين لي أن"كان" زائدة من الناسخ ، كما جاءت على الصواب في الدر المنثور 1 ; 311 .(204) الأثر ; 5615-"حماد بن عثمان" ، وروى عن عبد العزيز الأعمى عن أنس . روى عنه سعيد بن أبي أيوب ، وروى عن الحسن البصري قال ابن أبي حاتم ; "سألت أبي عن حماد بن عثمان فقال ; هو مجهول" . ترجم له البخاري في الكبير 2 /1 /20 ، وابن أبي حاتم 1 /2 /144 .(205) في المخطوطة ; "وإنما جمع قليله وكثيره على أفعال" ، وزيادة"كثيره" خطأ ، والصواب ما في المطبوعة .(206) في المخطوطة ; "وعلى سائر مثل الجمع القليل" ، والصواب ما في المطبوعة .(207) هو بكير ، أصم بني الحارث بن عباد .(208) النقائض ; 645 ، وتاريخ الطبري 2 ; 155 ، والأغاني 20 ; 139 ، واللسان (ألف) وغيرها . وهذا البيت من أبيات له في يوم ذي قار ، وهو اليوم الذي انتصفت فيه العرب من العجم ، وهزمت كسرى أبرويز بن هرمز . وكانت وقعة ذي قار بعد يوم بدر بأشهر ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرها قال ; "هذا يوم انتصفت فيه العرب من العجم ، وبي نصروا" . وكانت بنو شيبان في هذا اليوم أهل جد وحد ، فمدحهم الأعشى وبكير الأصم .هذا وقد روى الطبري هنا"كانوا ثلاثة آلف" ، ورواية المراجع جميعا ;"عربا ثلاثة آلف . . . "وذلك أن كسرى عقد للنعمان بن زرعة على تغلب والنمر ، وعقد لخالد بن يزيد البهراني على قضاعة وإياد ، وعقد لإياس بن قبيصة على جميع العرب ، ومعه كتيبتاه ; الشهباء والدوسر ، فكانت العرب ثلاثة آلف . وعقد أيضًا للهامرز التستري على ألف من الأساورة ، وعقد الخنابزين على ألف ، فكانت العجم ألفين . (الأغاني 20/134) ، فهذا تصحيح الرواية المجمع عليها وبيانها ، وأول هذه الأبيات ;إن كــنت ســاقية المدامـة أهلهـافاســقي عــلى كـرم بنـي همـاموأبــا ربيعــة كلهــا ومحلمــاســـبقا بغايــة أمجــد الأيــامضربـوا بنـي الأحـرار يـوم لقوهمبالمشــرفي عــلى مقيــل الهـامعربـــا ثلاثـــة آلـــف . . .. . . . . . . . . . . . . . . . . . .وعنى بقوله ; "بني الفدام" ، الفرس . وذلك أن المجوس كان مما يتدينون به أنهم إذا شرابا ، شدوا على أفواههم خرقة كاللثام ، فسميت هذه الطائفة منهم ; بنو الفدام .(209) انظر ما سلف 1 ; 354 ، 355 في تفسير ; "حذر الموت" وإعرابها .(210) في المطبوعة ; "في سبيل الله" وأثبت ما في المخطوطة .(211) في المخطوطة والمطبوعة ; "بعقوبته" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة . وعقوة الدار ; ساحتها وما حولها قريبا منها . يقال ; نزل بعقوته ، ونزلت الخيل بعقوة العدو .(212) في المطبوعة ; "فيستسلمون . . . ويصرفون" ، وفي المخطوطة ; "فيستسلمون . . . ويصرفوا"(213) عند هذا الموضع انتهى جزء من التقسيم القديم ، وفي المخطوطة بعده ما نصه ;"وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وسلم كثيرا" .ثم يبدأ التقسيم التالي بما نصه ;"بسم الله الرحمن الرحيمرب أعن"
يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم، بأن الذي أخرجهم منها حذر الموت من وباء أو غيره، يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت، ولكن لا يغني حذر عن قدر، { فقال الله لهم موتوا } فماتوا { ثم } إن الله تعالى { أحياهم } إما بدعوة نبي أو بغير ذلك، رحمة بهم ولطفا وحلما، وبيانا لآياته لخلقه بإحياء الموتى، ولهذا قال: { إن الله لذو فضل } أي: عظيم { على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون } فلا تزيدهم النعمة شكرا، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم.
(همزة) للاستفهام وتفيد التنبيه والتعجبـ (لم) حرف نفي وقلب وجزم
(تر) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلّة ،
(إلى) حرف جرّ
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ متعلّق بـ (تر)
(خرجوا) فعل ماض.. والواو فاعلـ (من ديار) جارّ ومجرور متعلّق بـ (خرجوا) ، و (هم) ضمير متّصل مضاف إليه
(الواو) حاليّة
(هم) ضمير منفصل مبتدأ
(ألوف) خبر مرفوع
(حذر) مفعول لأجله منصوبـ (الموت) مضاف إليه مجرور
(الفاء) عاطفة
(قال) فعل ماض
(اللام) حرف جرّ و (هم) متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ (قال) ،
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(موتوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون.. والواو فاعلـ (ثمّ) حرف عطف
(أحيا) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف و (هم) مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (الله) لفظ الجلالة اسم إن منصوبـ (اللام) هي المزحلقة تفيد التوكيد
(ذو) خبر إنّ مرفوع وعلامة الرفع الواو فهو من الأسماء الخمسة ،
(فضل) مضاف إليه مجرور
(على الناس) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف نعت لفضلـ (الواو) عاطفة
(لكنّ) حرف استدراك ونصبـ (أكثر) اسم لكنّ منصوبـ (الناس) مضاف إليه مجرور
(لا) نافية
(يشكرون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل جملة: «لم تر إلى الذين..» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «خرجوا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) وجملة: «هم ألوف» في محلّ نصب حال وجملة: «قال لهم الله» لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.وجملة: «موتوا» في محلّ نصب مقول القول وجملة: «أحياهم» لا محلّ لها معطوفة على جملة مقدّرة أي فماتوا ثمّ أحياهموجملة: «إن الله لذو فضل» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «لكنّ أكثر الناس..» لا محلّ لها معطوفة على جملة إنّ الله لذو.وجملة: «لا يشكرون» في محلّ رفع خبر لكنّ