وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۗ أَوَلَوْ كَانَ ءَابَآؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْـًٔا وَلَا يَهْتَدُونَ
وَاِذَا قِيۡلَ لَهُمُ اتَّبِعُوۡا مَآ اَنۡزَلَ اللّٰهُ قَالُوۡا بَلۡ نَـتَّبِعُ مَآ اَلۡفَيۡنَا عَلَيۡهِ اٰبَآءَنَا ؕ اَوَلَوۡ كَانَ اٰبَآؤُهُمۡ لَا يَعۡقِلُوۡنَ شَيۡـًٔـا وَّلَا يَهۡتَدُوۡنَ
تفسير ميسر:
وإذا قال المؤمنون ناصحين أهل الضلال; اتبعوا ما أنزل الله من القرآن والهدى، أصرُّوا على تقليد أسلافهم المشركين قائلين; لا نتبع دينكم، بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا. أيتبعون آباءهم ولو كانوا لا يعقلون عن الله شيئًا، ولا يدركون رشدًا؟
يقول تعالى; وإذا قيل لهؤلاء الكفرة من المشركين اتبعوا ما أنزل الله على رسوله واتركوا ما أنتم عليه من الضلال والجهل قالوا في جواب ذلك بل نتبع ما ألفينا أي ما وجدنا عليه آباءنا أي من عبادة الأصنام والأنداد. قال الله تعالى منكرا عليهم "أولو كان آباؤهم" أي الذين يقتدون بهم ويقتفون أثرهم "لا يعقلون شيئا ولا يهتدون" أي ليس لهم فهم ولا هداية. وروى ابن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أنها نزلت في طائفة من اليهود دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فقالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا فأنزل الله هذه الآية. ثم ضرب لهم تعالى مثلا - كما قال تعالى - "للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء".
قوله تعالى ; وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدونفيه سبع مسائل ; الأولى ; قوله تعالى ; وإذا قيل لهم يعني كفار العرب . ابن عباس ; نزلت في اليهود . الطبري ; الضمير في لهم عائد على الناس من قوله تعالى ; يا أيها الناس كلوا . وقيل ; هو عائد على من في قوله تعالى ; ومن الناس من يتخذ من دون الله الآية .قوله تعالى ; اتبعوا ما أنزل الله أي بالقبول والعمل . قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ألفينا ; وجدنا . وقال الشاعر ;فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر الله إلا قليلاالثانية ; قوله تعالى ; أولو كان آباؤهم الألف للاستفهام ، وفتحت الواو لأنها واو عطف ، عطفت جملة كلام على جملة ; لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا ; نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون ، فقرروا على التزامهم هذا ، إذ هي حال آبائهم .مسألة ; قال علماؤنا ; وقوة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التقليد ، ونظيرها ; وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا الآية . وهذه الآية والتي قبلها مرتبطة بما قبلهما ، وذلك أن الله سبحانه أخبر عن جهالة العرب فيما تحكمت فيه بآرائها السفيهة في البحيرة والسائبة والوصيلة ، فاحتجوا بأنه أمر وجدوا عليه آباءهم فاتبعوهم في ذلك ، وتركوا ما أنزل الله على رسوله وأمر به في دينه ، فالضمير في لهم عائد عليهم في الآيتين جميعا .الثالثة ; تعلق قوم بهذه الآية في ذم التقليد لذم الله تعالى الكفار باتباعهم لآبائهم في الباطل ، واقتدائهم بهم في الكفر والمعصية . وهذا في الباطل صحيح ، أما التقليد في الحق فأصل من أصول الدين ، وعصمة من عصم المسلمين يلجأ إليها الجاهل المقصر عن درك النظر .[ ص; 199 ] واختلف العلماء في جوازه في مسائل الأصول على ما يأتي ، وأما جوازه في مسائل الفروع فصحيح .الرابعة ; التقليد عند العلماء حقيقته قبول قول بلا حجة ، وعلى هذا فمن قبل قول النبي صلى الله عليه وسلم من غير نظر في معجزته يكون مقلدا ، وأما من نظر فيها فلا يكون مقلدا . وقيل ; هو اعتقاد صحة فتيا من لا يعلم صحة قوله . وهو في اللغة مأخوذ من قلادة البعير ، فإن العرب تقول ; قلدت البعير إذا جعلت في عنقه حبلا يقاد به ، فكأن المقلد يجعل أمره كله لمن يقوده حيث شاء ، وكذلك قال شاعرهم ;وقلدوا أمركم لله دركم ثبت الجنان بأمر الحرب مضطلعاالخامسة ; التقليد ليس طريقا للعلم ولا موصلا له ، لا في الأصول ولا في الفروع ، وهو قول جمهور العقلاء والعلماء ، خلافا لما يحكى عن جهال الحشوية والثعلبية من أنه طريق إلى معرفة الحق ، وأن ذلك هو الواجب ، وأن النظر والبحث حرام ، والاحتجاج عليهم في كتب الأصول .السادسة ; فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه ويحتاج إليه أن يقصد أعلم من في زمانه وبلده فيسأله عن نازلته فيمتثل فيها فتواه ، لقوله تعالى ; فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه ، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس . وعلى العالم أيضا فرض أن يقلد عالما مثله في نازلة خفي عليه فيها وجه الدليل والنظر ، وأراد أن يجدد الفكر فيها والنظر حتى يقف على المطلوب ، فضاق الوقت عن ذلك ، وخاف على العبادة أن تفوت ، أو على الحكم أن يذهب ، سواء كان ذلك المجتهد الآخر صحابيا أو غيره ، وإليه ذهب القاضي أبو بكر وجماعة من المحققين .السابعة ; قال ابن عطية ; أجمعت الأمة على إبطال التقليد في العقائد . وذكر فيه غيره خلافا كالقاضي أبي بكر بن العربي وأبي عمر وعثمان بن عيسى بن درباس الشافعي . قال ابن درباس في كتاب " الانتصار " له ; وقال بعض الناس يجوز التقليد في أمر التوحيد ، وهو خطأ لقوله تعالى ; إنا وجدنا آباءنا على أمة . فذمهم بتقليدهم آباءهم وتركهم اتباع الرسل ، كصنيع أهل الأهواء في تقليدهم كبراءهم وتركهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم في دينه ، ولأنه فرض على [ ص; 200 ] كل مكلف تعلم أمر التوحيد والقطع به ، وذلك لا يحصل إلا من جهة الكتاب والسنة ، كما بيناه في آية التوحيد ، والله يهدي من يريد .قال ابن درباس ; وقد أكثر أهل الزيغ القول على من تمسك بالكتاب والسنة أنهم مقلدون . وهذا خطأ منهم ، بل هو بهم أليق وبمذاهبهم أخلق ، إذ قبلوا قول ساداتهم وكبرائهم فيما خالفوا فيه كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة رضي الله عنهم ، فكانوا داخلين فيمن ذمهم الله بقوله ; ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا إلى قوله ; كبيرا وقوله ; إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون . ثم قال لنبيه ; قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ثم قال لنبيه عليه السلام ( فانتقمنا منهم ) الآية . فبين تعالى أن الهدى فيما جاءت به رسله عليهم السلام . وليس قول أهل الأثر في عقائدهم ; إنا وجدنا أئمتنا وآباءنا والناس على الأخذ بالكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من الأمة ، من قولهم ; إنا وجدنا آباءنا وأطعنا سادتنا وكبراءنا بسبيل ; لأن هؤلاء نسبوا ذلك إلى التنزيل وإلى متابعة الرسول ، وأولئك نسبوا إفكهم إلى أهل الأباطيل ، فازدادوا بذلك في التضليل ، ألا ترى أن الله سبحانه أثنى على يوسف عليه السلام في القرآن حيث قال ; إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس . فلما كان آباؤه عليه وعليهم السلام أنبياء متبعين للوحي وهو الدين الخالص الذي ارتضاه الله ، كان اتباعه آباءه من صفات المدح . ولم يجئ فيما جاءوا به ذكر الأعراض وتعلقها بالجواهر وانقلابها فيها ، فدل على أن لا هدى فيها ولا رشد في واضعيها .قال ابن الحصار ; وإنما ظهر التلفظ بها في زمن المأمون بعد المائتين لما ترجمت كتب الأوائل وظهر فيها اختلافهم في قدم العالم وحدوثه ، واختلافهم في الجوهر وثبوته ، والعرض وماهيته ، فسارع المبتدعون ومن في قلبه زيغ إلى حفظ تلك الاصطلاحات ، وقصدوا بها الإغراب على أهل السنة ، وإدخال الشبه على الضعفاء من أهل الملة . فلم يزل الأمر كذلك إلى أن ظهرت البدعة ، وصارت للمبتدعة شيعة ، والتبس الأمر على السلطان ، حتى قال الأمير بخلق القرآن ، وجبر الناس عليه ، وضرب أحمد بن حنبل على ذلك .فانتدب رجال من أهل السنة كالشيخ أبي الحسن الأشعري وعبد الله بن كلاب وابن [ ص; 201 ] مجاهد والمحاسبي وأضرابهم ، فخاضوا مع المبتدعة في اصطلاحاتهم ، ثم قاتلوهم وقتلوهم بسلاحهم وكان من درج من المسلمين من هذه الأمة متمسكين بالكتاب والسنة ، معرضين عن شبه الملحدين ، لم ينظروا في الجوهر والعرض ، على ذلك كان السلف .قلت ; ومن نظر الآن في اصطلاح المتكلمين حتى يناضل بذلك عن الدين فمنزلته قريبة من النبيين . فأما من يهجن من غلاة المتكلمين طريق من أخذ بالأثر من المؤمنين ، ويحض على درس كتب الكلام ، وأنه لا يعرف الحق إلا من جهتها بتلك الاصطلاحات فصاروا مذمومين لنقضهم طريق المتقدمين من الأئمة الماضين ، والله أعلم . وأما المخاصمة والجدال بالدليل والبرهان فذلك بين في القرآن ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ (170)قال أبو جعفر; وفي هذه الآية وجهان من التأويل.أحدهما; أن تكون " الهاء والميم " من قوله; " وإذا قيلَ لهم " عائدة على مَنْ في قوله; وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ، فيكون معنى الكلام; ومن الناس مَنْ يَتخذُ من دُون الله أندادًا, وإذا قيل لهم; اتبعوا ما أنـزل الله. قالوا; بل نتبع ما ألفينا عَليه آباءنا.والآخر; أن تكون " الهاء والميم " اللتان في قوله; " وإذا قيل لهم "، من ذكر النَّاسُ الذين في قوله; يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا ، فيكون ذلك انصرافًا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب، كما في قوله تعالى ذكره; حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [سورة يونس; 22]* * *قال أبو جعفر; وأشبه عندي بالصواب وأولى بتأويل الآية (1) أن تكون " الهاء والميم " في قوله; " لهم "، من ذكر النَّاسُ , وأن يكون ذلك رجوعًا من الخطاب إلى الخبر عن الغائب. لأن ذلك عَقيب قوله; يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ . فلأنْ يكون خبرًا عنهم، أولى من أن يكون خبرًا عن الذين أخبرَ أنّ منهم مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ، مع ما بينهما من الآيات، وانقطاع قَصَصهم بقصة مُستأنفة غيرها = وأنها نـزلت في قوم من اليهود قالوا ذلك، (2) إذ دعوا إلى الإسلام، كما;-2446- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق, عن محمد بن أبي محمد, عن عكرمة, أو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال; دَعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودَ من أهل الكتاب إلى الإسلام ورَغَّبهم فيه, وحذرهم عقاب الله ونقمته, فقال له رَافع بن خارجة، ومَالك بن عوف; بل نَتبع ما ألفينا عليه آباءنا، فإنهم كانوا أعلم وخيرًا منا! فأنـزل الله في ذلك من قولهما (3) " وإذا قيلَ لهُم اتبعوا ما أنـزل اللهُ قالوا بَل نتِّبع ما ألفينا عَليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يَهتدون ". (4)2447- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير، أو عكرمة، عن ابن عباس مثله - إلا أنه قال; فقال له أبو رَافع بن خارجة، ومالك بن عوف. (5)* * *وأما تأويل قوله; " اتبعوا ما أنـزلَ الله "، فإنه; اعملوا بما أنـزل الله في كتابه على رسوله, فأحِلُّوا حلاله، وحرِّموا حرامه, واجعلوه لكم إمامًا تأتمون به, وقائدًا تَتبعون أحكامه.* * *وقوله; " ألفينا عَليه آباءنا "، يعني وَجدنا, كما قال الشاعر; (6)فَأَلْفَيْتُــــهُ غَـــيْرَ مُسْـــتَعْتِبٍوَلا ذَاكِـــرِ اللــهَ إلا قَلِيــــلا (7)يعني; وجدته، وكما;-2448- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " قالوا بَل نَتبع ما ألفينا عليه آباءنا "، أي; ما وجدنا عليه آباءنا.2449- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع مثله.قال أبو جعفر; فمعنى الآية; وإذا قيل لهؤلاء الكفار; كلوا مما أحلّ الله لكم، ودَعوا خُطوات الشيطان وطريقه، واعملوا بما أنـزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه - استكبروا عن الإذعان للحقّ وقالوا; بل نأتم بآبائنا فنتَّبع ما وجدناهم عليه، من تحليل ما كانوا يُحلُّون، وتحريم ما كانوا يحرّمون.* * *قال الله تعالى ذكره; " أوَ لو كانَ آباؤهم " -يعني; آباء هؤلاء الكفار الذين مضوا على كفرهم بالله العظيم-" لا يعقلون شيئًا " من دين الله وفرائضه، وأمره ونهيه, فيُتَّبعون على ما سَلكوا من الطريق، ويؤتمُّ بهم في أفعالهم -" ولا يَهتدون " لرشد، فيهتدي بهم غيرهم, ويَقتدي بهم من طَلب الدين, وأراد الحق والصواب؟يقول تعالى ذكره لهؤلاء الكفار; فكيف أيها الناس تَتَّبعون ما وجدتم عليه آباءكم فتتركون ما يأمرُكم به ربكم، وآباؤكم لا يعقلون من أمر الله شيئًا، ولا هم مصيبون حقًّا، ولا مدركون رشدًا؟ وإنما يَتّبع المتبعُ ذا المعرفة بالشيء المستعملَ له في نفسه, فأما الجاهل فلا يتبعه -فيما هو به جاهل- إلا من لا عقل له ولا تمييز.------------الهوامش ;(1) في المطبوعة ; "وأشبه عندي وأولى بالآية" ، وهو كلام مختل ، ورددته إلى عبارة الطبري في تأويل أكثر الآيات السالفة .(2) في المطبوعة ; "وإنما نزلت في قوم من اليهود" ، وهو خطأ ناطق ، واضطراب مفسد للكلام . والصواب ما أثبت . يقول أبو جعفر إن أولى الأقوال بالصواب أن تكون الآية نزلت في ذكر عرب الجاهلية الذين حرموا ما حرموا على أنفسهم ، كما ذكر في تفسير الآيتين السالفتين (168 ، 169) ، ويستبعد أن يكون المعنى بها من ورد ذكرهم في الآية (165) ، كما يستبعد قول من قال إنها نزلت في اليهود ، في الخبر الذي سيرويه بعد . فقوله ; "وأنها نزلت" عطف على قوله"خبرًا" في قوله ; "أولى من أن يكون خبرًا عن الذين أخبر أن منهم من يتخذ . . . " .(3) في المطبوعة ; "فأنزل الله من قولهم ذلك" . وهو خطأ محض ، ورددتها إلى نصها في سيرة ابن هشام ، كما سيأتي مرجعه .(4) الأثر رقم ; 2446- في سيرة ابن هشام 2 ; 200-201 ، مع اختلاف يسير في لفظه .(5) الأثر رقم ; 2447- انظر الأثر ; 2446 .(6) هو أبو الأسود الدؤلي .(7) ديوانه ; 49 (نفائس المخطوطات) ، سيبوبه 1 ; 85 ، والأغاني 11 ; 107 ، وأمالي بن الشجرى 1 ; 283 والصدقة والصديق ; 151 ، والخزانة 4 ; 554 ، وشرح شواهد المغني ; 316 ، واللسان (عتب) . وهو من أبيات قالها في امرأة كان يجلس إليها بالبصرة ، وكانت برزة جميلة ، فقالت له يومًا ; يا أبا الأسود ، هل لك أن أتزوجك؟ فإني امرأة صناع الكف ، حسنة التدبير ، قانعة بالميسور . قال ; نعم . فجمعت أهلها وتزوجته . ثم إنه وجدها على خلاف ما قالت ، فأسرعت في ماله ، ومدت يدها في خيانته ، وأفشت عليه سره ، فغدا على من كان حضر تزويجه ، فسألهم أن يجتمعوا عنده ، ففعلوا . فقال لهم ;أَرَيْــتَ امْــرءًا كــنتُ لَـمْ أَبْلُـهُأتَــانِي, فَقَــالَ ; اتّخِــذْنِي خـليلاَفخالَلْتَــــهُ, ثُــــمَّ صَافيْتُـــهفَلَــمْ أَسْــتَفِدْ مِــنْ لَدُنْــهُ فتيـلاَوَأَلفَيْتُــــهُ حِــــينَ جَرَّبْتُـــهكَــذُوبَ الحَــدِيثِ سَـرُوقًا بَخِــيلاَفَذَكَّرْتُــــه, ثُــــمَّ عَاتبتُـــهُعِتَابًــا رَفِيقًـــا وَقَــوْلاً جَــمِيلاَفَأَلْفَيْتُــــهُ غَـــيْرَ مُسْـــتَعْتِبٍوَلاَ ذَاكِــــرِ اللـــهَ إلاَّ قَلِيـــلاَأَلسْــــتُ حَقِيقًـــا بِتَوْدِيعِـــهِوَإتْبَــاع ذلِــكَ صَرْمًــا طَـوِيلاَ?!قالوا ; بلى والله يا أبا الأسود! قال ; تلك صاحبتكم ، وقد طلقتها ، وأنا أحب أن أستر ما أنكرت من أمرها . ثم صرفها معهم .قال ابن الشجرى ; "والذي حسن لقائل هذا البيت حذف التنوين لالتقاء الساكنين ، ونصب اسم الله تعالى ، واختيار ذلك على حذف التنوين للإضافة وجر اسم الله - أنه لو أضاف لتعرف بإضافته إلى المعرفة ، ولو فعل ذلك لم يوافق المعطوف المعطوف عليه في التنكير ، فحذف التنوين لالتقاء الساكنين ، وأعمل اسم الفاعل" .واستعجب الرجل ; رجع عن الإساءة وطلب الرضا ، فهو مستعتب .
ثم أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله - مما تقدم وصفه - رغبوا عن ذلك وقالوا: { بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا } فاكتفوا بتقليد الآباء, وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس, وأشدهم ضلالا وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق, ورغبتهم عنه, وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم, وحسن قصدهم, لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده, ووازن بينه وبين غيره, تبين له الحق قطعا, واتبعه إن كان منصفا.
(الواو) عاطفة
(إذا) ظرف لما يستقبل من الزمان مبنيّ في محلّ نصب متعلّق بـ (قالوا)
(قيل) فعل ماض مبنيّ للمجهولـ (اللام) حرف جرّ و (هم) ضمير متّصل في محلّ جرّ متعلّق بـ (قيل) .
(اتّبعوا) فعل أمر مبنيّ على حذف النون ... والواو فاعلـ (ما) اسم موصول في محل نصب مفعول به
(أنزل) فعل ماض
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(قالوا) فعل ماض وفاعله
(بل) حرف إضراب وابتداء
(نتّبع) مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن
(ما) مثل الأولـ (ألفى) فعل ماض مبنيّ على السكون و (نا) ضمير متّصل في محلّ رفع فاعلـ (على) حرف جرّ و (الهاء) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف مفعول به ثان
(آباء) مفعول به أول منصوب و (نا) مضاف إليه
(الهمزة) للاستفهام الإنكاري
(الواو) عاطفة تقدّمت عليها الهمزة للصدارة
(لو) حرف شرط غير جازم
(كان) فعل ماض ناقص
(آباء) اسم كان مرفوع و (هم) ضمير متّصل مضاف إليه
(لا) نافية
(يعقلون) مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (شيئا) مفعول به منصوبـ (الواو) عاطفة
(لا يهتدون) مثل لا يعقلون جملة: «قيل لهم ... » في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «اتّبعوا ... » في محلّ رفع نائب فاعل وجملة: «أنزل الله» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) وجملة: «قالوا ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.. ومقول القول مقدّر أي: قالوا لا نتّبع ما أنزل الله وجملة: «نتّبع» لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «ألفينا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني وجملة: «كان آباؤهم ... » في محلّ نصب معطوفة على جملة حاليّة مقدّرة أي: وإنّهم ليتّبعون آباءهم في كلّ حال ولو كانوا لا يعقلون وجملة: «لا يعقلون» في محلّ نصب خبر كان وجملة: «لا يهتدون» في محلّ نصب معطوفة على جملة لا يعقلون.وجواب لو محذوف تقديره لاتّبعوهم