إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنٰتِ وَالْهُدٰى مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنّٰهُ لِلنَّاسِ فِى الْكِتٰبِ ۙ أُولٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّٰعِنُونَ
اِنَّ الَّذِيۡنَ يَكۡتُمُوۡنَ مَآ اَنۡزَلۡنَا مِنَ الۡبَيِّنٰتِ وَالۡهُدٰى مِنۡۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنّٰهُ لِلنَّاسِ فِى الۡكِتٰبِۙ اُولٰٓٮِٕكَ يَلۡعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلۡعَنُهُمُ اللّٰعِنُوۡنَۙ
تفسير ميسر:
إن الذين يُخْفون ما أنزلنا من الآيات الواضحات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وهم أحبار اليهود وعلماء النصارى وغيرهم ممن يكتم ما أنزل الله من بعد ما أظهرناه للناس في التوراة والإنجيل، أولئك يطردهم الله من رحمته، ويدعو عليهم باللعنة جميع الخليقة.
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله قال أبو العالية نزلت في أهل الكتاب كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك فكما أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء والطير في الهواء فهؤلاء بخلاف العلماء فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون وقد ورد في الحديث المسند من طرائق يشد بعضها بعضا عن أبي هريرة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار" والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا شيئا "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى" الآية وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن المنهال بن عمرو عن زاذان بن عمرو عن البراء بن عازب قال; كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال "إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه يسمعها كل دابة غير الثقلين فتلعنه كل دابة سمعت صوته فذلك قول الله تعالى "أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون" يعنى دواب الأرض" ورواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح عن عامر بن محمد به وقال عطاء بن أربي رباح; كل دابة والجن والإنس وقال مجاهد إذا أجدبت الأرض قال البهائم هذا من أجل عصاة بني آدم لعن الله عصاة بني آدم وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة "ويلعنهم اللاعنون" يعني تلعنهم الملائكة والمؤمنون وقد جاء في الحديث "إن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر" وجاء في هذه الآية أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون واللاعنون أيضا وهم كل فصيح وأعجمي إما بلسان المقال أو الحال أن لو كان له عقل ويوم القيامة والله أعلم.
قوله تعالى ; إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنونوفيه سبع مسائل ;الأولى ; أخبر الله تعالى أن الذي يكتم ما أنزل من البينات والهدى ملعون . واختلفوا من المراد بذلك ، فقيل ; أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد كتم اليهود أمر الرجم . وقيل ; المراد كل من كتم الحق ، فهي عامة في كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه ، وذلك مفسر في قوله صلى الله عليه وسلم ; من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار . رواه أبو هريرة وعمرو بن العاص أخرجه ابن ماجه . ويعارضه قول عبد الله بن [ ص; 173 ] مسعود ; ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة . وقال عليه السلام ; حدث الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب الله ورسوله . وهذا محمول على بعض العلوم ، كعلم الكلام أو ما لا يستوي في فهمه جميع العوام ، فحكم العالم أن يحدث بما يفهم عنه ، وينزل كل إنسان منزلته ، والله تعالى أعلم .الثانية ; هذه الآية هي التي أراد أبو هريرة رضي الله عنه في قوله ; لولا آية في كتاب الله تعالى ما حدثتكم حديثا . وبها استدل العلماء على وجوب تبليغ العلم الحق ، وتبيان العلم على الجملة ، دون أخذ الأجرة عليه ، إذ لا يستحق الأجرة على ما عليه فعله ، كما لا يستحق الأجرة على الإسلام ، وقد مضى القول في هذا .وتحقيق الآية هو ; أن العالم إذا قصد كتمان العلم عصى ، وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه مع غيره . وأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية وللحديث . أما أنه لا يجوز تعليم الكافر القرآن والعلم حتى يسلم ، وكذلك لا يجوز تعليم المبتدع الجدال والحجاج ليجادل به أهل الحق ، ولا يعلم الخصم على خصمه حجة يقطع بها ماله ، ولا السلطان تأويلا يتطرق به إلى مكاره الرعية ، ولا ينشر الرخص في السفهاء فيجعلوا ذلك طريقا إلى ارتكاب المحظورات ، وترك الواجبات ونحو ذلك . يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ; لا تمنعوا الحكمة أهلها فتظلموهم ولا تضعوها في غير أهلها فتظلموها . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ; لا تعلقوا الدر في أعناق الخنازير ، يريد تعليم الفقه من ليس من أهله . وقد قال سحنون ; [ ص; 174 ] إن حديث أبي هريرة وعمرو بن العاص إنما جاء في الشهادة . قال ابن العربي ; والصحيح خلافه ; لأن في الحديث ( من سئل عن علم ) ولم يقل عن شهادة ، والبقاء على الظاهر حتى يرد عليه ما يزيله ، والله أعلم .الثالثة ; قوله تعالى ; من البينات والهدى يعم المنصوص عليه والمستنبط ، لشمول اسم الهدى للجميع . وفيه دليل على وجوب العمل بقول الواحد ; لأنه لا يجب عليه البيان إلا وقد وجب قبول قوله ، وقال ; إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فحكم بوقوع البيان بخبرهم .فإن قيل ; إنه يجوز أن يكون كل واحد منهم منهيا عن الكتمان ومأمورا بالبيان ليكثر المخبرون ويتواتر بهم الخبر . قلنا ; هذا غلط ; لأنهم لم ينهوا عن الكتمان إلا وهم ممن يجوز عليهم التواطؤ عليه ، ومن جاز منهم التواطؤ على الكتمان فلا يكون خبرهم موجبا للعلم ، والله تعالى أعلم .الرابعة ; لما قال ; من البينات والهدى دل على أن ما كان من غير ذلك جائز كتمه ، لا سيما إن كان مع ذلك خوف فإن ذلك آكد في الكتمان . وقد ترك أبو هريرة ذلك حين خاف فقال ; حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين ، فأما أحدهما فبثثته ، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم . أخرجه البخاري . قال أبو عبد الله ; البلعوم مجرى الطعام . قال علماؤنا ; وهذا الذي لم يبثه أبو هريرة وخاف على نفسه فيه الفتنة أو القتل إنما هو مما يتعلق بأمر الفتن والنص على أعيان المرتدين والمنافقين ، ونحو هذا مما لا يتعلق بالبينات والهدى ، والله تعالى أعلم .الخامسة ; قوله تعالى ; من بعد ما بيناه الكناية في بيناه ترجع إلى ما أنزل من البينات والهدى . والكتاب ; اسم جنس ، فالمراد جميع الكتب المنزلة .السادسة ; قوله تعالى ; أولئك يلعنهم الله أي يتبرأ منهم ويبعدهم من ثوابه ويقول لهم ; عليكم لعنتي ، كما قال للعين ; وإن عليك لعنتي . وأصل اللعن في اللغة الإبعاد والطرد ، وقد تقدم .[ ص; 175 ] السابعة ; قوله تعالى ; ويلعنهم اللاعنون قال قتادة والربيع ; المراد ب اللاعنون الملائكة والمؤمنون . قال ابن عطية ; وهذا واضح جار على مقتضى الكلام . وقال مجاهد وعكرمة ; هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم . قال الزجاج ; والصواب قول من قال ; اللاعنون الملائكة والمؤمنون ، فأما أن يكون ذلك لدواب الأرض فلا يوقف على حقيقته إلا بنص أو خبر لازم ولم نجد من ذينك شيئا .قلت ; قد جاء بذلك خبر رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ; يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون قال ; ( دواب الأرض ) . أخرجه ابن ماجه عن محمد بن الصباح أنبأنا عمار بن محمد عن ليث عن أبي المنهال عن زاذان عن البراء إسناد حسن .فإن قيل ; كيف جمع من لا يعقل جمع من يعقل ؟ قيل ; لأنه أسند إليهم فعل من يعقل ، كما قال ; رأيتهم لي ساجدين ولم يقل ساجدات ، وقد قال ; لم شهدتم علينا ، وقال ; وتراهم ينظرون إليك ، ومثله كثير ، وسيأتي إن شاء الله تعالى . وقال البراء بن عازب وابن عباس ; اللاعنون كل المخلوقات ما عدا الثقلين ; الجن والإنس ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ; الكافر إذا ضرب في قبره فصاح سمعه الكل إلا الثقلين ولعنه كل سامع . وقال ابن مسعود والسدي ; ( هو الرجل يلعن صاحبه فترتفع اللعنة إلى السماء ثم تنحدر فلا تجد صاحبها الذي قيلت فيه أهلا لذلك ، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجده [ ص; 176 ] أهلا فتنطلق فتقع على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله تعالى ، فهو قوله ; ويلعنهم اللاعنون فمن مات منهم ارتفعت اللعنة عنه فكانت فيمن بقي من اليهود ) .
القول في تأويل قوله تعالى ; إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِقال أبو جعفر; يعني بقوله; (58) " إنّ الذين يَكتمون مَا أنـزلنا منَ البينات ", علماءَ اليهود وأحبارَها، وعلماءَ النصارى, لكتمانهم الناسَ أمرَ محمد صلى الله عليه وسلم, وتركهم اتباعه وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.* * *و " البينات " التي أنـزلها الله; (59) ما بيّن من أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبعثه وصفته، في الكتابين اللذين أخبر الله تعالى ذكره أنّ أهلهما يجدون صفته فيهما.* * *ويعني تعالى ذكره ب " الهدى " ما أوضح لَهم من أمره في الكتب التي أنـزلها على أنبيائهم, فقال تعالى ذكره; إنّ الذين يكتمون الناسَ الذي أنـزلنا في كتبهم من البيان من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته، وصحة الملة التي أرسلته بها وحقِّيَّتها، فلا يخبرونهم به، ولا يعلنون من تبييني ذلك للناس وإيضاحِيه لهم، (60) في الكتاب الذي أنـزلته إلى أنبيائهم أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ * إِلا الَّذِينَ تَابُوا الآية. كما;-2370- حدثنا أبو كريب قال، وحدثنا يونس بن بكير -وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة- قالا جميعًا، حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال، حدثني سعيد بن جبير, أو عكرمة, عن ابن عباس قال; سألَ مُعاذ بن جبل أخو بنى سَلِمة، وسعد بن مُعاذ أخو بني عبد الأشهل، وخارجة بن زيد أخو بني الحارث بن الخزرج, نفرًا من أحبار يَهود - قال أبو كريب; عما في التوراة, وقال ابن حميد; عن بَعض مَا في التوراة - فكتموهم إياه, وأبوْا أن يُخبروهم عنه, فأنـزل الله تعالى ذكره فيهم; " إنّ الذين يَكتمون مَا أنـزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيَّناه للناس في الكتاب أولئك يَلعنهم الله وَيَلعنهم اللاعنون ". (61)2371- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله; " إنّ الذين يَكتمونَ مَا أنـزلنا من البينات والهدى " قال، هم أهل الكتاب.2372- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله.2373- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه عن الربيع في قوله; " إنّ الذين يكتمون ما أنـزلنا من البينات والهدى " قال، كتموا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوبًا عندهم, فكتموه حسدًا وبغيًا.2374- حدثنا بشر بن معاذ; قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة; " إنّ الذين يَكتمون مَا أنـزلنا من البينات والهدى من بَعد مَا بيَّناه للناس في الكتاب "، أولئكَ أهلُ الكتاب، كتموا الإسلام وهو دين الله, وكتموا محمدًا صلى الله عليه وسلم, وهم يَجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل.2374م- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي; " إنّ الذين يَكتمونَ ما أنـزلنا من البينات والهدى من بَعد مَا بيَّناه للناس في الكتاب "، زعموا أن رجلا من اليهود كان له صديقٌ من الأنصار يُقال له ثَعلبة بن غَنَمة، (62) قال له; هل تجدون محمدًا عندكم؟ قال; لا! = قال; مُحمد; " البينات ". (63)* * *القول في تأويل قوله تعالى ; مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ[قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بقوله; " من بعد ما بيناه للناس "]، (64) بعضَ الناس، لأن العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته ومَبعثه لم يكن إلا عند أهل الكتاب دون غيرهم, وإياهم عَنى تعالى ذكره بقوله; " للناس في الكتاب "، ويعني بذلك; التوراة والإنجيل.* * *وهذه الآية وإن كانت نـزلت في خاصٍّ من الناس, فإنها معنيٌّ بها كل كاتمٍ علمًا فرضَ الله تعالى بيانه للناس.وذلك نظير الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال2375- من سُئل عَن علم يَعلمهُ فكتمه, ألجِمَ يوم القيامة بلجام من نار." (65)* * *وكان أبو هريرة يقول ما;-2376- حدثنا به نصر بن علي الجهضمي قال، حدثنا حاتم بن وردان قال، حدثنا أيوب السختياني, عن أبي هريرة قال، لولا آيةٌ من كتاب الله ما حدَّثتكم! وتلا " إنّ الذين يكتمونَ مَا أنـزلنا من البينات والهدى من بَعد ما بيَّناه للناس في الكتاب أولئك يَلعنهم اللهُ ويَلعنهم اللاعنون "، (66)2377- حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثنا أبو زرعة وَهْب الله بن راشد، عن يونس قال، قال ابن شهاب, قال ابن المسيب; قال أبو هريرة; لولا آيتان أنـزلهما الله في كتابه ما حدَّثت شيئًا; إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْـزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ إلى آخر الآية، والآية الأخرى; وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ إلى آخر الآية [سورة آل عمران; 187]. (67)* * *القول في تأويل قوله تعالى ; أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ (159)قال أبو جعفر; يعني تعالى ذكره بقوله; " أولئك يَلعنهم الله "، هؤلاء الذين يكتمون ما أنـزلهُ الله من أمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفَته وأمر دينه، أنه الحق -من بعد ما بيَّنه الله لهم في كتبهم- يلعنهم بكتمانهم ذلك، وتركهم تَبيينه للناس.* * *و " اللعنة "" الفَعْلة ", من " لعنه الله " بمعنى أقصاه وأبعده وأسْحَقه. وأصل " اللعن "; الطرْد، (68) كما قال الشماخ بن ضرار, وذكر ماءً ورَد عليه;ذَعَــرْتُ بِـهِ القَطَـا وَنَفَيْـتُ عَنْـهُمَقَــامَ الـذِّئْبِ كَـــالرَّجُلِ الَّلعِيـــنِ (69)يعني; مقامَ الذئب الطريد. و " اللعين " من نعت " الذئب ", وإنما أراد; مقام الذئب الطريد واللعين كالرَّجل. (70)* * *فمعنى الآية إذًا; أولئك يُبعدهم الله منه ومن رحمته, ويسألُ ربَّهم اللاعنون أنْ يلعنهم، لأن لعنةَ بني آدم وسائر خَلق الله مَا لَعنوا أن يقولوا; " اللهم العنه " إذْ كان معنى " اللعن " هو ما وصفنا من الإقصاء والإبعاد.وإنما قلنا إن لعنة اللاعنين هي ما وصفنا; من مسألتهم رَبَّهم أن يَلعَنهم, وقولهم; " لعنه الله " أو " عليه لعنة الله "، لأن;-2378- محمد بن خالد بن خِداش ويعقوب بن إبراهيم حدثاني قالا حدثنا إسماعيل بن علية, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله; " أولئك يَلعنهم الله ويَلعنهم اللاعنون "، البهائم, قال; إذا أسنَتَتِ السَّنة، (71) قالت البهائم; هذا من أجل عُصَاة بني آدم, لعنَ الله عُصَاة بني آدم!* * *ثم اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله تعالى ذكره ب " اللاعنين ". فقال بعضهم; عنى بذلك دوابَّ الأرض وهَوامَّها.* ذكر من قال ذلك;2379- حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد قال; تلعنهم دوابُّ الأرض، وما شاءَ الله من الخنافس والعقارب تقول; نُمْنَعَ القطرَ بذنوبهم.2380- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد; " أولئك يَلعنهم الله ويَلعنهم اللاعنون " قال، دواب الأرض، العقاربُ والخنافس، يقولون; مُنِعنا القطرَ بخطايا بني آدم.2381- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام, عن عمرو، عن منصور, عن مجاهد; " ويلعنهم اللاعنون " قال، تلعنهم الهوامّ ودواب الأرض، تقول; أمسك القطرُ عنا بخطايا بني آدم.2382- حدثنا مُشرف بن أبان الحطاب البغدادي قال، حدثنا وكيع, عن سفيان, عن خصيف, عن عكرمة في قوله; " أولئك يَلعنهم اللهُ ويَلعنهم اللاعنون " قال، يلعنهم كل شيء حتى الخنافس والعقاربُ، يقولون; مُنعنا القطرَ بذنوب بني آدم. (72)2383- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد; " ويلعنهم اللاعنون " قال، اللاعنون; البهائم.2383م- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله; " ويلعنهم اللاعنون "، البهائمُ، تلعن عُصاةَ بَني آدم حين أمسك الله عنهم بذنوب بني آدم المطر، فتخرج البهائم فتلعنهم.2384- حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله; " أولئك يَلعنهم الله &;ويَلعنهم اللاعنون "، البهائم; الإبل والبقرُ والغنم, فتلعن عُصاةَ بني آدم إذا أجدبت الأرض.* * *فإن قال لنا قائل; ومَا وَجْهُ الذين وجَّهوا تأويلَ قوله; " ويلعنهم اللاعنون "، إلى أن اللاعنين هم الخنافسُ والعقارب ونحو ذلك من هَوامِّ الأرض, وقد علمتَ أنّها إذا جَمعتْ مَا كان من نَوع البهائم وغير بني آدم، (73) فإنما تجمعه بغير " الياء والنون " وغير " الواو والنون ", وإنما تجمعه ب " التاء ", وما خالفَ ما ذكرنا, فتقول; " اللاعنات " ونحو ذلك؟قيل; الأمر وإن كان كذلك, فإنّ من شأن العرَب إذا وصفت شيئًا من البهائم أو غيرها - مما حُكم جَمعه أن يكون ب " التاء " وبغير صورة جمع ذُكْرَانِ بني آدم - بما هُو منْ صفة الآدميين، أن يجمعوه جمع ذكورهم, كما قال تعالى ذكره; وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا [سورة فصلت; 21]، فأخرج خطابهم على مثال خطاب بني آدم، إذ كلَّمتهم وكلَّموها, وكما قال; يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ [سورة النمل; 18]، وكما قال; وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ [سورة يوسف; 4].* * *وقال آخرون; عنى الله تعالى ذكره بقوله; " ويَلعنهم اللاعنون "، الملائكة والمؤمنين.* ذكر من قال ذلك;2385- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة; " ويَلعنهم اللاعنون "، قال، يَقول; اللاعنون من ملائكة الله ومن المؤمنين. (74)2386- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة في قوله; " ويلعنهم اللاعنون "، الملائكة.2387- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر, عن أبيه, عن الربيع بن أنس قال; " اللاعنون "، من ملائكة الله والمؤمنين.* * *وقال آخرون; يعني ب " اللاعنين "، كل ما عدا بني آدم والجنّ.* ذكر من قال ذلك;2388- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط, عن السدي; " ويلعنهم اللاعنون " قال، قال البراء بن عازب; إنّ الكافر إذا وُضع في قبره أتته دَابة كأن عينيها قِدْران من نُحاس، معها عمود من حديد, فتضربه ضربة بين كتفيه، فيصيح، فلا يسمع أحد صوته إلا لعنه, ولا يبقى شَيء إلا سمع صوته, إلا الثقلين الجن والإنس.2389- حدثنا المثنى قال, حدثنا إسحاق قال, حدثنا أبو زهير, عن جويبر, عن الضحاك في قوله; " أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون " قال، الكافر إذا وضع في حفرته، ضُرب ضربة بمطرق (75) فيصيح صيحةً، يسمع صَوْته كل شيء إلا الثقلين الجن والإنس، فلا يسمع صيحته شَيء إلا لعنه.* * *قال أبو جعفر; وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال; " اللاعنون "، الملائكةُ والمؤمنون. لأن الله تعالى ذكره قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحلّ بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين, فقال تعالى ذكره; إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، (76) فكذلك &; 3-258 &; اللعنة التي أخبر الله تعالى ذكره أنها حَالَّة بالفريق الآخر; الذين يكتمونَ ما أنـزل الله من البينات والهدى من بعد ما بينه للناس، (77) هي لعنة الله، ولعنة الذين أخبر أن لعنتهم حالّة بالذين كفروا وماتوا وهم كفار، (78) وهم " اللاعنون ", لأن الفريقين جميعًا أهلُ كفر.* * *وأما قول من قال إن " اللاعنين " هم الخنافس والعقارب وما أشبه ذلك من دبيب الأرض وهَوامِّها، (79) فإنه قول لا تدرك حَقيقته إلا بخبر عن الله أن ذلك من فعلها تَقوم به الحجة, ولا خبرَ بذلك عن نبي الله صلى الله عليه وسلم, فيجوز أن يقال إنّ ذلك كذلك.وإذْ كان ذلك كذلك, فالصواب من القول فيما قالوه أن يقال; إن الدليل من ظاهر كتاب الله موجودٌ بخلاف [قول] أهل التأويل، (80) وهو ما وصفنا. فإنْ كان جائزًا أن تكون البهائم وسائرُ خلق الله، تَلعن الذين يَكتمون ما أنـزل الله في كتابه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ونبوّته, بعد علمهم به, وتلعن معهم جميع الظَّلمة - فغير جائز قطعُ الشهادة في أن الله عنى ب " اللاعنين " البهائمَ والهوامَّ ودَبيب الأرض, إلا بخبر للعذر قاطع. ولا خبرَ بذلك، وظاهر كتابا لله الذي ذكرناه دالٌّ على خلافه. (81)-------------الهوامش ;(58) في المطبوعة ; يقول ; "إن الذين يكتمون . . . " ، وهو خطأ ناسخ ، صوابه ما أثبت .(59) في المطبوعة ; "من البينات" ، كأنه متصل بالكلام قبله ، وهو لا يستقيم ، وكأن الصواب ما أثبت .(60) كان في المطبوعة"ولا يعلمون من تبييني ذلك للناس وإيضاحي لهم" ، وهي عبارة لا تستقيم وسياق معنى الآية يقتضي ما أثبت ، من جعل"يعلمون""يعلنونه" ، وزيادة"بعد" ، وجعل"إيضاحي""إيضاحيه" .(61) الأثر رقم ; 2370- في سيرة ابن هشام 2 ; 200 كما في رواية ابن حميد .(62) في سيرة ابن هشام ، وغيرها بالغين المعجمة غير مضبوط باللفظ ، ولكن ابن حجر ضبطه في الإصابة ، وقال ; "بفتح المهملة والنون" ، ولم يذكر شكًا ولا اختلافًا في ضبطه بالغين المعجمة .(63) قوله ; "قال ; محمد البينات" من تفسير السدي ، ليس من الخطاب بين ثعلبة بن غنمة واليهودي . ويعني أن البينات التي يكتمونها هي محمد صلى الله عليه وسلم ، أي صفته ونعته في كتابهم .(64) الزيادة بين القوسين لا بد منها ، وقد استظهرتها من نهج أبي جعفر في جميع تفسيره . وهذا سقط من الناسخ بلا ريب .(65) الحديث ; 2375- هذا حديث صحيح . ذكره الطبري هنا معلقًا دون إسناد . وقد رواه أحمد في المسند ; 7561 ، من حديث أبي هريرة . وخرجناه في شرح المسند ، وفي صحيح ابن حبان بتحقيقنا ، رقم ; 95 .(66) الحديث ; 2376- نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ; ثقة ، من شيوخ أصحاب الكتب الستة . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/2/106 ، وابن أبي حاتم 4/1/471 .حاتم بن وردان السعدي ; ثقة ، روى له الشيخان . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/72 ، وابن أبي حاتم 1/2/260 .أيوب السختياني ; مضى في ; 2039 . ولكن روايته هنا عن أبي هريرة منقطعة ، فإنه ولد سنة 66 ، وأبو هريرة مات سنة 59 أو نحوها . ومعنى الحديث صحيح ثابت عن أبي هريرة ، بروايات أخر متصلة ، كما سنذكر في الحديث بعده .(67) الحديث ; 2377- محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ; الإمام الحافظ المصري ، فقيه عصره ، قال ابن خزيمة ; "ما رأيت في فقهاء الإسلام أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين - منه" . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3/2/300-301 ، وتذكرة الحفاظ 2 ; 115-116 .أبو زرعة وهب الله بن راشد المصري ، مؤذن الفسطاط ; ثقة ، قال أبو حاتم ; "محله الصدق" . ترجمه ابن أبي حاتم 4/2/27 ، وقال ; "روى عنه عبد الرحمن ، ومحمد ، وسعد ، بنو عبد الله بن عبد الحكم" . وترجم أيضًا في لسان الميزان 6 ; 235 ، ونقل عن ابن يونس ، أنه مات في ربيع الأول سنة 211"وكانت القضاة تقبله" ، وروى عنه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم . في فتوح مصر مرارًا ، منها في ص ; 182 س 3-4 ; "حدثنا وهب الله بن راشد ، أخبرنا يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب . . . " . وهذا الإسناد ثابت في تاريخ ولاة مصر للكندي ، ص 33 ، عن علي بن قديد ، عن عبد الرحمن ; "حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد" . وذكره الدولابي في الكنى والأسماء 1 ; 182 ، وروى ; "حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، والربيع بن سليمان الجيزى ، قالا ; حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد ، إلخ" . ورواية الربيع الجيزى عنه ، ثابتة في كتاب الولاة ، ص 313 ، أيضًا .وهذا الاسم"وهب الله" ; من نادر الأسماء ، لم أره -فيما رأيت- إلا لهذا الشيخ ، ولم يذكره أصحاب المشتبه ، بل لم يذكره الزبيدي في شرح القاموس ، على سعة اطلاعه . واشتبه أمره على ناسخي الطبري أو طابعيه ، فثبت في المطبوعة هكذا ; "ثنا أبو زرعة وعبد الله بن راشد"؛ فحرفوا"وهب الله" إلى"وعبد الله" - فجعلوه راويين!يونس ; هو ابن يزيد الأيلي ، وهو ثقة ، عرف بالراوية عن الزهري وملازمته . قال أحمد بن صالح ; "نحن لا نقدم في الزهري أحدًا على يونس" ، وقال ; "كان الزهري إذا قدم أيلة نزل على يونس ، وإذا سار إلى المدينة زامله يونس" . مترجم في التهذيب ، والكبير 4/2/406 ، وابن أبي حاتم 4/2/247-249 ، وابن سعد 7/2/206 .وهذا الحديث جزء من حديث مطول ، رواه مسلم 2 ; 261-262 ، من طريق ابن وهب ، عن يونس ، عن ابن شهاب -فذكر حديثًا عن عائشة- ثم ; "قال ابن شهاب ; وقال ابن المسيب ; إن أبا هريرة قال . . . " .ورواه عبد الرزاق في تفسيره ، ص 14-15 ، عن معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، بنحوه مطولا . ورواه أحمد في المسند ; 7691 ، عن عبد الرزاق .ورواه البخاري 5 ; 21 (فتح) ، بنحوه ، من رواية إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن الأعرج . ورواه البخاري أيضًا 1 ; 190-191 (فتح) من رواية مالك ، عن الزهري ، عن الأعرج وكذلك رواه ابن سعد 2/2/118 ، وأحمد في المسند ; 7274- كلاهما من طريق مالك .وروى الحاكم في المستدرك 2 ; 271 ، نحوه مختصرًا ، من طريق أبي أسامة ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة ، وقال ; "هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه" . ووافقه الذهبي .(68) انظر ما سلف 2 ; 328 .(69) سلف تخريجه وشرحه في 2 ; 328 . وفي التعليق هناك خطأ صوابه"مجاز القرآن ; 46" .(70) كان في المطبوعة ; "الطريد واللعين" ، والصواب طرح الواو .(71) أسنتت الأرض والسنة ; أجدبت ، وعام مسنت مجدب . والسنة ; القحط والجدب . وكان في المطبوعة ; "أسنت" ، والصواب ما أثبت . وفي الدر المنثور 1 ; 162 ; "إذا اشتدت السنة" .(72) الخبر ; 2382- مشرف بن أبان الحطاب البغدادي ; ثبت هنا على الصواب ، كما ظهر في ; 1951 . وقد مضى ذلك مغلوطًا"بشر بن أبان" ; 1383 .(73) الضمير في قوله ; "أنها إذا جمعت" ، للعرب ، وإن لم يجر لها ذكر في الكلام .(74) في المطبوعة ; "يزيد بن زريع عن قتادة" بإسقاط"قال حدثنا سعيد" ، والصواب ما أثبته ، وهو إسناد دائر في التفسير أقربه رقم ; 2374 .(75) المطرق والمطرقة ; وهي أداة الحداد التي يضرب بها الحديد .(76) هي الآية رقم ; 161 ، تأتي بعد قليل .(77) في المطبوعة ; "من بعد ما بيناه للناس" ، وهو سهو ناسخ .(78) في المطبوعة ; "هي لعنة الله التي أخبر أن لعنتهم حالة . . . " ، والصواب ما أثبت .(79) كل ماش على وجه الأرض يقال له ; دابة ودبيب .(80) ما بين القوسين زيادة ، أخشى أن تكون سقطت من ناسخ .(81) في المطبوعة ; "وكتاب الله الذي ذكرناه" ، وهو كلام لا يقال . والصواب ما أثبت . والذي ذكره آنفًا ; "إن الدليل من ظاهر كتاب الله . . . " .هذا ، ورد قول هؤلاء القائلين بما قالوه ، مبين لك عن نهج الطبري وتفسيره ، وكاشف لك عن طريقته في رد الأخبار التي رواها عن التابعين ، في كل ما يحتاج إلى خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاطع بالبيان عما ذكروه . والطبري قد يذكر مثل هذه الأخبار ، ثم لا يذكر حجته في ردها ، لأنه كره إعادة القول وتريده فيما جعله أصلا في التفسير ، كما بين ذلك في"رسالة التفسير" ، ثم في تفسيره بعد ، ورد أشباهه في مواضع متفرقة منه . أما إذا كان في شيء من ذلك خبر قاطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يدع ذكره ، فإذا لم يذكر -فيما أشبه ذلك- خبرًا عن رسول الله ، فاعلم أنه يدع لقارئ كتابه علم الوجه الذي يرد به هذا القول .
هذه الآية وإن كانت نازلة في أهل الكتاب, وما كتموا من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته, فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله { مِنَ الْبَيِّنَاتِ } الدالات على الحق المظهرات له، { وَالْهُدَى } وهو العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم, ويتبين به طريق أهل النعيم, من طريق أهل الجحيم، فإن الله أخذ الميثاق على أهل العلم, بأن يبينوا الناس ما منّ الله به عليهم من علم الكتاب ولا يكتموه، فمن نبذ ذلك وجمع بين المفسدتين, كتم ما أنزل الله, والغش لعباد الله، فأولئك { يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ } أي: يبعدهم ويطردهم عن قربه ورحمته. { وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } وهم جميع الخليقة, فتقع عليهم اللعنة من جميع الخليقة, لسعيهم في غش الخلق وفساد أديانهم, وإبعادهم من رحمة الله, فجوزوا من جنس عملهم، كما أن معلم الناس الخير, يصلي الله عليه وملائكته, حتى الحوت في جوف الماء, لسعيه في مصلحة الخلق, وإصلاح أديانهم, وقربهم من رحمة الله, فجوزي من جنس عمله، فالكاتم لما أنزل الله, مضاد لأمر الله, مشاق لله, يبين الله الآيات للناس ويوضحها، وهذا يطمسها فهذا عليه هذا الوعيد الشديد.
(إنّ) حرف مشبّه بالفعلـ (الذين) اسم موصول في محلّ نصب اسم إنّ
(يكتمون) فعل مضارع مرفوع.. والواو فاعلـ (ما) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(أنزلنا) فعل ماض وفاعل، ومفعوله محذوف أي أنزلناه
(من البيّنات) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول أنزلنا
(الواو) عاطفة
(الهدى) معطوف على البينات مجرور مثله وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة
(من بعد) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يكتمون) ،
(ما) حرف مصدري
(بيّنا) مثل أنزلنا و (الهاء) مفعول به والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن
(للناس) جارّ ومجرور متعلّق بـ (بيّنا) والمصدر المؤوّلـ (ما بيّناه) في محلّ جرّ مضاف إليه(في الكتاب) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من مفعول بيّناه.أو بـ (بيّنا) ،
(أولاء) اسم إشارة مبنيّ في محلّ رفع مبتدأ و (الكاف) حرف خطابـ (يلعن) مضارع مرفوع و (هم) متّصل مفعول به
(الله) لفظ الجلالة فاعل مرفوع
(الواو) عاطفة
(يلعنهم) مثل الأولـ (اللاعنون) فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو جملة: «إنّ الذين يكتمون» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «يكتمون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) وجملة: «أنزلنا» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) وجملة: «بيّنّاه» لا محلّ لها صلة الموصول الحرفي أو الاسمي وجملة: «أولئك يلعنهم الله» في محل رفع خبر إن ّوجملة: «يلعنهم الله» في محلّ رفع خبر المبتدأ
(أولئك) .وجملة: «يلعنهم اللاعنون» في محلّ رفع معطوفة على جملة يلعنهم الله