الرسم العثمانيتِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
الـرسـم الإمـلائـيتِلۡكَ اُمَّةٌ قَدۡ خَلَتۡۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَـكُمۡ مَّا كَسَبۡتُمۡۚ وَلَا تُسۡـَٔـلُوۡنَ عَمَّا كَانُوۡا يَعۡمَلُوۡنَ
تفسير ميسر:
تلك أُمَّة من أسلافكم قد مضَتْ، لهم أعمالهم، ولكم أعمَالكم، ولا تُسْألون عن أعمالهم، وهم لا يُسْألون عن أعمالكم، وكلٌّ سيجازى بما فعله، لا يؤاخذ أحد بذنب أحد، ولا ينفعُ أحدًا إلا إيمانُه وتقواه.
وقوله تعالى "تلك أمة قد خلت" أي مضت" لها ما كسبت ولكم ما كسبتم" أي إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إليهم إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم "ولا تسئلون عما كانوا يعملون" وقال أبو العالية والربيع وقتادة "تلك أمة قد خلت" يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ولهذا جاء في الأثر "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
قوله تعالى ; تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون قوله تعالى ; تلك أمة قد خلت تلك مبتدأ ، وأمة خبر ، قد خلت نعت لأمة ، وإن شئت كانت خبر المبتدأ ، وتكون أمة بدلا من تلك . لها ما كسبت ما في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة على قول الكوفيين . ولكم ما كسبتم مثله ، يريد من خير وشر . وفي هذا دليل على أن العبد يضاف إليه أعمال وأكساب ، وإن كان الله تعالى أقدره على ذلك ، إن [ ص; 131 ] كان خيرا فبفضله وإن كان شرا فبعدله ، وهذا مذهب أهل السنة ، والآي في القرآن بهذا المعنى كثيرة . فالعبد مكتسب لأفعاله ، على معنى أنه خلقت له قدرة مقارنة للفعل ، يدرك بها الفرق بين حركة الاختيار وحركة الرعشة مثلا ، وذلك التمكن هو مناط التكليف . وقال الجبرية بنفي اكتساب العبد ، وإنه كالنبات الذي تصرفه الرياح . وقالت القدرية والمعتزلة خلاف هذين القولين ، وإن العبد يخلق أفعاله .قوله تعالى ; ولا تسألون عما كانوا يعملون أي لا يؤاخذ أحد بذنب أحد ، مثل قوله تعالى ; ولا تزر وازرة وزر أخرى أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى ، وسيأتي .
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى ; { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } يَعْنِي تَعَالَى ذِكْره بِقَوْلِهِ ; { تِلْكَ أُمَّة قَدْ خَلَتْ } إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ . يَقُول لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى دَعَوْا ذِكْر إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَوْلَادهمْ بِغَيْرِ مَا هُمْ أَهْله وَلَا تَنْحَلُوهُمْ كُفْر الْيَهُودِيَّة وَالنَّصْرَانِيَّة فَتُضِيفُوهَا إلَيْهِمْ , فَإِنَّهُمْ أُمَّة - وَيَعْنِي بِالْأُمَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِع الْجَمَاعَة , وَالْقَرْن مِنْ النَّاس - قَدْ خَلَتْ ; مَضَتْ لِسَبِيلِهَا . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي قَدْ مَاتَ فَذَهَبَ ; قَدْ خَلَا , لِتَخَلِّيهِ مِنْ الدُّنْيَا , وَانْفِرَاده بِمَا كَانَ مِنْ الْأُنْس بِأَهْلِهِ وَقُرَنَائِهِ فِي دُنْيَاهُ , وَأَصْله مِنْ قَوْلهمْ ; خَلَا الرَّجُل , إذَا صَارَ بِالْمَكَانِ الَّذِي لَا أَنِيس لَهُ فِيهِ وَانْفَرَدَ مِنْ النَّاس , فَاسْتَعْمَلَ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَمُوت عَلَى ذَلِكَ الْوَجْه . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْره لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; إنَّ لِمَنْ نَحَلْتُمُوهُ بِضَلَالِكُمْ وَكُفْركُمْ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِي وَرُسُلِي مَا كَسَبَتْ . وَالْهَاء وَالْأَلِف فِي قَوْله ; { لَهَا } عَائِدَة إنْ شِئْت عَلَى " تِلْكَ " , وَإِنْ شِئْت عَلَى " الْأُمَّة " . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ; { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أَيْ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر , وَلَكُمْ يَا مَعْشَر الْيَهُود وَالنَّصَارَى مِثْل ذَلِكَ مَا عَمِلْتُمْ . وَلَا تُؤَاخَذُونَ أَنْتُمْ أَيّهَا النَّاحِلُونَ مَا نَحَلْتُمُوهُمْ مِنْ الْمِلَل , فَسَأَلُوا عَمَّا كَانَ إبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَوَلَدهمْ يَعْمَلُونَ فَيَكْسِبُونَ مِنْ خَيْر وَشَرّ ; لِأَنَّ لِكُلِّ نَفْس مَا كَسَبَتْ , وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ . فَدَعَوْا انْتِحَالهمْ وَانْتِحَال مِلَلهمْ , فَإِنَّ الدَّعَاوَى غَيْر مُغْنِيَتكُمْ عِنْد اللَّه , وَإِنَّمَا يُغْنِي عَنْكُمْ عِنْده مَا سَلَف لَكُمْ مِنْ صَالِح أَعْمَالكُمْ إنْ كُنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا وَقَدَّمْتُمُوهَا .
ثم قال تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } أي: مضت { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ } أي: كل له عمله, وكل سيجازى بما فعله, لا يؤخذ أحد بذنب أحد ولا ينفع أحدا إلا إيمانه وتقواه فاشتغالكم بهم وادعاؤكم, أنكم على ملتهم, والرضا بمجرد القول, أمر فارغ لا حقيقة له، بل الواجب عليكم, أن تنظروا حالتكم التي أنتم عليها, هل تصلح للنجاة أم لا؟
(تي) اسم إشارة مبني على السكون على الياء المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ رفع مبتدأ و (اللام) للبعد و (الكاف) للخطابـ (أمّة) خبر مرفوع
(قد) حرف تحقيق
(خلت) فعل ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على، الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين.. و (التاء) للتأنيث والفاعل ضمير مستتر تقديره هي
(اللام) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(ما) اسم موصول في محلّ رفع مبتدأ مؤخّر على حذف مضاف أي جزاءما كسبت ،
(كسبت) فعل ماض.. و (التاء) للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر تقديره هي والعائد محذوف أي كسبته.
(الواو) عاطفة
(لكم) مثل لها متعلّق بمحذوف خبر مقدّم
(ما) مثل الأولـ (كسبتم) فعل وفاعل والعائد محذوف أي كسبتموه
(الواو) استئنافيّة
(لا) نافية
(تسألون) مضارع مبني للمجهول مرفوع.. والواو نائب فاعلـ (عن) حرف جرّ
(ما) اسم موصول في محلّ جرّ متعلّق بـ (تسألون) ،
(كانوا) فعل ماض ناقص.. والواو اسم كان
(يعملون) مضارع مرفوع.. والواو فاعل جملة: «تلك أمّة..» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «قد خلت..» في محلّ رفع نعت لأمّةوجملة: «لها ما كسبت» لا محلّ لها استئنافيّة وجملة: «كسبت» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الأولوجملة: «لكم ما كسبتم» معطوفة على جملة لها ما كسبت تأخذ محلّها من الإعراب في الأوجه الثلاثةوجملة: «كسبتم» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثاني وجملة: «لا تسألون..» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «كانوا يعملون» لا محلّ لها صلة الموصولـ (ما) الثالث وجملة: «يعملون» في محلّ نصب خبر
(كانوا) .
- القرآن الكريم - البقرة٢ :١٣٤
Al-Baqarah2:134