مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَآ أَوْ مِثْلِهَآ ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلٰى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ
مَا نَنۡسَخۡ مِنۡ اٰيَةٍ اَوۡ نُنۡسِهَا نَاۡتِ بِخَيۡرٍ مِّنۡهَآ اَوۡ مِثۡلِهَا ؕ اَلَمۡ تَعۡلَمۡ اَنَّ اللّٰهَ عَلٰى كُلِّ شَىۡءٍ قَدِيۡرٌ
تفسير ميسر:
ما نبدِّل من آية أو نُزِلها من القلوب والأذهان نأت بأنفع لكم منها، أو نأت بمثلها في التكليف والثواب، ولكلٍ حكمة. ألم تعلم -أيها النبي- أنت وأمتك أن الله قادر لا يعجزه شيء؟
قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "ما ننسخ من آية" ما نبدل من آية وقال ابن جريج عن مجاهد "ما ننسخ من آية" أي ما نمحو من آية وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "ما ننسخ من آية" قال نثبت خطها ونبدل حكمها حدث به عن أصحاب عبدالله بن مسعود رضي الله عنهم وقال ابن أبي حاتم; وروي عن أبي العالية ومحمد بن كعب القرظي نحو ذلك وقال الضحاك "ما ننسخ من آية" ما ننسك وقال عطاء أما "ما ننسخ" فما نترك من القرآن وقال ابن أبي حاتم يعني ترك فلم ينزل على محمد وقال السدى "ما ننسخ من آية" نسخها قبضها وقال ابن أبي حاتم; يعني قبضها رفعها مثل قوله "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وقوله "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا" وقال ابن جرير "ما ننسخ من آية" ما ينقل من حكم آية إلى غيره فنبدله ونغيره وذلك أن يحول الحلال حراما والحرام حلالا والمباح محظورا والمحظور مباحا ولا يكون ذلك إلا في الأمر والنهي والحظر والإطلاق والمنع والإباحة فأما الأخبار فلا يكون فيها ناسخ ولا منسوخ وأصل النسخ من نسخ الكتاب وهو نقله من نسخة أخرى إلى غيرها فكذلك معنى نسخ الحكم إلى غيره إنما هو تحويله ونقل عبارة إلى غيرها وسواء نسخ حكمها أو خطها إذ هي في كلتا حالتيها منسوخة وأما علماء الأصول فاختلفت عباراتهم في حد النسخ والأمر في ذلك قريب لأن معنى النسخ الشرعي معلوم عند العلماء ولحظ بعضهم أنه رفع الحكم بدليل شرعي متأخر فاندرج في ذلك نسخ الأخف بالأثقل وعكسه والنسخ لا إلى بدله وأما تفاصيل أحكام النسخ وذكر أنواعه وشروطه فمبسوطة في أصول الفقه وقال الطبراني أخبرنا أبو سنبل عبيدالله بن عبدالرحمن بن وافد أخبرنا أبي أخبرنا العباس بن الفضل عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه قال; قرأ رجلان سورة أقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانا يقرآن بها فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فأصبحا غاديين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنها مما نسخ وأنسي فالهوا عنها" فكان الزهري يقرؤها" ما ننسخ من آية أو ننسها" بضم النون الخفيفة سليمان بن الأرقم ضعيف وقد روى أبو بكر بن الأنباري عن أبيه عن نصر بن داود عن أبي عبيد الله عن عبدالله بن صالح عن الليث عن يونس وعقيل عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف مثله مرفوعا ذكره القرطبي وقوله تعالى أو ننسها فقريء على وجهين ننسأها وننسها فأما من قرأها بفتح النون والهمزة بعد السين فمعناه نؤخرها. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "ما ننسخ من آية" يقول ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها وقال مجاهد; عن أصحاب ابن مسعود أو ننساها نثبت خطها ونبدل حكمها وقال عبد بن عمير ومجاهد وعطاء أو ننسأها نؤخر ونرجئها وقال عطية العوفي; أو ننسأها; نؤخرها فلا ننسخها وقال السدي مثله أيضا وكذا الربيع بن أنس وقال الضحاك "ما ننسخ من آية أو ننسأها" يعني الناسخ من المنسوخ وقال أبو العالية ما ننسخ من آية أو ننسأها" نؤخرها عندنا وقال ابن حاتم; أخبرنا عبيدالله بن إسماعيل البغدادي أخبرنا خلف أخبرنا الخفاف عن إسماعيل يعني ابن أسلم عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال; خطبنا عمر رضي الله عنه فقال; يقول الله عز وجل "ما ننسخ من آية أو ننسأها" أي نؤخرها وأما على قراءة أو ننسها فقال عبدالرازق عن قتادة في قوله "ما ننسخ من آية أو ننسها" قال كان الله عز وجل ينسى نبيه صلى الله عليه وسلم ما يشاء وينسخ ما يشاء. وقال ابن جرير; أخبرنا سواد بن عبدالله أخبرنا خالد بن الحارث أخبرنا عوف عن الحسن أنه قال في قوله "أو ننسها" قال; إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قرأ قرآنا ثم نسيه وقال ابن أبي حاتم أخبرنا أبي ابن نفيل أخبرنا محمد بن الزبير الحراني عن الحجاج يعني الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال; كان مما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار فأنزل الله عز وجل "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" قال ابن أبي حاتم; قال لي أبو جعفر بن نفيل ليس هو الحجاج بن أرطاة هو شيخ لنا جزري وقال عبيد بن عمير "أو ننسها" نرفعها من عندكم وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم أخبرنا هشيم أخبرنا هشيم عن يعلى بن عطاء عن القاسم بنو ربيعة قال; سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ "ما ننسخ من آية أو ننسها" قال; قلت له فإن سعيد بن المسيب يقرأ "أو ننساها" قال فقال سعد إن القرآن لم ينزل على المسيب ولا على آل المسيب قال; قال الله جل ثناؤه "سنقرئك فلا تنسى واذكر ربك إذا نسيت" وكذا رواه عبدالرزاق عن هشيم وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أبي حاتم الرازي عن آدم عن شعبة عن يعلى بن عطاء به وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه قال ابن أبي حاتم; وروي عن محمد بن كعب وقتادة وعكرمة نحو قول سعيد وقال الإمام أحمد أخبرنا يحيى أخبرنا سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال عمر; علي أقضانا وأبيّ أقرؤنا وإنا لندع من قول أبيّ وذلك أن أبيا يقول; ما أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله يقول" ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها" قال البخاري; أخبرنا يحيى أخبرنا سفيان عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال عمر; أقرؤنا أبي وأقضانا علي وإنا لندع من قول أبي وذلك أن أبيا يقول; لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الله "ما ننسخ من آية أو ننسها" وقوله "نأت بخير منها أو مثلها" أي في الحكم بالنسبة إلى مصلحة المكلفين كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس نأت بخير منها يقول خير لكم في المنفعة وأرفق بكم وقال أبو العالية "ما ننسخ من آية" فلا نعمل بها "أو ننساها" أي نرجئها عندنا نأت بها أو نظيرها وقال السدي "نأت بخير منها أو مثلها" يقول نأت بخير من الذي نسخناه أو مثل الذي تركناه وقال قتادة "نأت بخير منها أو مثلها" يقول آية فيها تخفيف فيها رخصة فيها أمر فيها نهي.
قوله تعالى ; ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قديرفيه خمس عشرة مسألة ; الأولى ; قوله تعالى ; ما ننسخ من آية أو ننسها ننسها عطف على ننسخ وحذفت الياء للجزم . ومن قرأ " ننسأها " حذف الضمة من الهمزة للجزم ، وسيأتي معناه . نأت جواب الشرط ، وهذه آية عظمى في الأحكام . وسببها أن اليهود لما حسدوا المسلمين في التوجه إلى الكعبة وطعنوا في الإسلام بذلك ، وقالوا ; إن محمدا يأمر أصحابه بشيء ثم ينهاهم عنه ، فما كان هذا القرآن إلا من جهته ، ولهذا يناقض بعضه بعضا ، فأنزل الله ; وإذا بدلنا آية مكان آية وأنزل ما ننسخ من آية .الثانية ; معرفة هذا الباب أكيدة وفائدته عظيمة ، لا يستغني عن معرفته العلماء ، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء ، لما يترتب عليه من النوازل في الأحكام ، ومعرفة الحلال من الحرام . روى أبو البختري قال ; دخل علي رضي الله عنه المسجد فإذا رجل يخوف الناس ، فقال ; ما هذا ؟ قالوا ; رجل يذكر الناس ، فقال ; ليس برجل يذكر الناس ! لكنه يقول أنا فلان ابن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال ; أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟ ! فقال ; ; لا ، قال ; فاخرج من مسجدنا ولا تذكر فيه . وفي رواية أخرى ; أعلمت الناسخ والمنسوخ ؟ قال ; لا ، قال ; هلكت وأهلكت ! . ومثله عن ابن عباس رضي الله عنهما .الثالثة ; النسخ في كلام العرب على وجهين ;أحدهما ; النقل ، كنقل كتاب من آخر . وعلى هذا يكون القرآن كله منسوخا ، أعني من اللوح المحفوظ وإنزاله إلى بيت العزة في السماء الدنيا ، وهذا لا مدخل له في هذه الآية ، ومنه قوله تعالى ; إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون أي نأمر بنسخه وإثباته .الثاني ; الإبطال والإزالة ، وهو المقصود هنا ، وهو منقسم في اللغة على ضربين ;[ ص; 61 ] أحدهما ; إبطال الشيء وزواله وإقامة آخر مقامه ، ومنه نسخت الشمس الظل إذا أذهبته وحلت محله ، وهو معنى قوله تعالى ; ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها . وفي صحيح مسلم ; لم تكن نبوة قط إلا تناسخت أي تحولت من حال إلى حال ، يعني أمر الأمة . قال ابن فارس ; النسخ نسخ الكتاب ، والنسخ أن تزيل أمرا كان من قبل يعمل به ثم تنسخه بحادث غيره ، كالآية تنزل بأمر ثم ينسخ بأخرى . وكل شيء خلف شيئا فقد انتسخه ، يقال ; انتسخت الشمس الظل ، والشيب الشباب . وتناسخ الورثة ; أن تموت ورثة بعد ورثة وأصل الميراث قائم لم يقسم ، وكذلك تناسخ الأزمنة والقرون .الثاني ; إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه ، كقولهم ; نسخت الريح الأثر ، ومن هذا المعنى قوله تعالى فينسخ الله ما يلقي الشيطان أي يزيله فلا يتلى ولا يثبت في المصحف بدله . وزعم أبو عبيد أن هذا النسخ الثاني قد كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم السورة فترفع فلا تتلى ولا تكتبقلت ; ومنه ما روي عن أبي بن كعب وعائشة رضي الله عنهما أن سورة " الأحزاب " كانت تعدل سورة البقرة في الطول ، على ما يأتي مبينا هناك إن شاء الله تعالى . ومما يدل على هذا ما ذكره أبو بكر الأنباري حدثنا أبي حدثنا نصر بن داود حدثنا أبو عبيد حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن يونس وعقيل عن ابن شهاب قال ; حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف في مجلس سعيد بن المسيب أن رجلا قام من الليل ليقرأ سورة من القرآن فلم يقدر على شيء منها ، وقام آخر فلم يقدر على شيء منها ، فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدهم ; قمت الليلة يا رسول الله لأقرأ سورة من القرآن فلم أقدر على شيء منها ، فقام الآخر فقال ; وأنا والله كذلك يا رسول الله ، فقام الآخر فقال ; وأنا والله كذلك يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ; إنها مما نسخ الله البارحة . وفي إحدى الروايات ; وسعيد بن المسيب يسمع ما يحدث به أبو أمامة فلا ينكره .الرابعة ; أنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخرين جوازه ، وهم محجوجون بإجماع السلف السابق علىوقوعه في الشريعة . وأنكرته أيضا طوائف من اليهود ، وهم محجوجون بما جاء في توراتهم بزعمهم أن الله تعالى قال لنوح عليه السلام عند خروجه من السفينة ; إني قد جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك ، وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب ، ما [ ص; 62 ] خلا الدم فلا تأكلوه . ثم حرم على موسى وعلى بني إسرائيل كثيرا من الحيوان ، وبما كان آدم عليه السلام يزوج الأخ من الأخت ، وقد حرم الله ذلك على موسى عليه السلام وعلى غيره ، وبأن إبراهيم الخليل أمر بذبح ابنه ثم قال له ; لا تذبحه ، وبأن موسى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا من عبد منهم العجل ، ثم أمرهم برفع السيف عنهم ، وبأن نبوته غير متعبد بها قبل بعثه ، ثم تعبد بها بعد ذلك ، إلى غير ذلك . وليس هذا من باب البداء بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة ، وحكم إلى حكم ، لضرب من المصلحة ، إظهارا لحكمته وكمال مملكته . ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية ، وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن عالما بمآل الأمور ، وأما العالم بذلك فإنما تتبدل خطاباته بحسب تبدل المصالح ، كالطبيب المراعي أحوال العليل ، فراعى ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته ، لا إله إلا هو ، فخطابه يتبدل ، وعلمه وإرادته لا تتغير ، فإن ذلك محال في جهة الله تعالى .وجعلت اليهود النسخ والبداء شيئا واحدا ، ولذلك لم يجوزوه فضلوا . قال النحاس ; والفرق بين النسخ والبداء أن النسخ تحويل العبادة من شيء إلى شيء قد كان حلالا فيحرم ، أو كان حراما فيحلل . وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه ، كقولك ; امض إلى فلان اليوم ، ثم تقول لا تمض إليه ، فيبدو لك العدول عن القول الأول ، وهذا يلحق البشر لنقصانهم . وكذلك إن قلت ; ازرع كذا في هذه السنة ، ثم قلت ; لا تفعل ، فهو البداء .الخامسة ; اعلم أن الناسخ على الحقيقة هو الله تعالى ، ويسمى الخطاب الشرعي ناسخا تجوزا ، إذ به يقع النسخ ، كما قد يتجوز فيسمى المحكوم فيه ناسخا ، فيقال ; صوم رمضان ناسخ لصوم عاشوراء ، فالمنسوخ هو المزال ، والمنسوخ عنه هو المتعبد بالعبادة المزالة ، وهو المكلف .السادسة ; اختلفت عبارات أئمتنا في حد الناسخ ، فالذي عليه الحذاق من أهل السنة أنه إزالة ما قد استقر من الحكم الشرعي بخطاب وارد متراخيا ، هكذا حده القاضي عبد الوهاب والقاضي أبو بكر ، وزادا ; لولاه لكان السابق ثابتا ، فحافظا على معنى النسخ اللغوي ، إذ هو بمعنى الرفع والإزالة ، وتحرزا من الحكم العقلي ، وذكر الخطاب ليعم وجوه الدلالة من النص والظاهر والمفهوم وغيره ، وليخرج القياس والإجماع ، إذ لا يتصور النسخ فيهما ولا بهما . وقيدا بالتراخي ; لأنه لو اتصل به لكان بيانا لغاية الحكم لا ناسخا ، أو يكون آخر الكلام يرفع أوله ، كقوله ; قم لا تقم .السابعة ; المنسوخ عند أئمتنا أهل السنة هو الحكم الثابت نفسه لا مثله ، كما تقوله المعتزلة بأنه الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت فيما يستقبل بالنص المتقدم زائل . [ ص; 63 ] والذي قادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الأوامر مرادة ، وأن الحسن صفة نفسية للحسن ، ومراد الله حسن ، وهذا قد أبطله علماؤنا في كتبهم .الثامنة ; اختلف علماؤنا في الأخبار هل يدخلها النسخ ، فالجمهور على أن النسخ إنما هو مختص بالأوامر والنواهي ، والخبر لا يدخله النسخ لاستحالة الكذب على الله تعالى . وقيل ; إن الخبر إذا تضمن حكما شرعيا جاز نسخه ، كقوله تعالى ; ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا . وهناك يأتي القول فيه إن شاء الله تعالى .التاسعة ; التخصيص من العموم يوهم أنه نسخ وليس به ; لأن المخصص لم يتناوله العموم قط ، ولو ثبت تناول العموم لشيء ما ثم أخرج ذلك الشيء عن العموم لكان نسخا لا تخصيصا ، والمتقدمون يطلقون على التخصيص نسخا توسعا ومجازا .العاشرة ; اعلم أنه قد يرد في الشرع أخبار ظاهرها الإطلاق والاستغراق ، ويرد تقييدها في موضع آخر فيرتفع ذلك الإطلاق ، كقوله تعالى ; وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان . فهذا الحكم ظاهره خبر عن إجابة كل داع على كل حال ، لكن قد جاء ما قيده في موضع آخر ، كقوله فيكشف ما تدعون إليه إن شاء . فقد يظن من لا بصيرة عنده أن هذا من باب النسخ في الأخبار وليس كذلك ، بل هو من باب الإطلاق والتقييد . وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان في موضعها إن شاء الله تعالى .الحادية عشرة ; قال علماؤنا رحمهم الله تعالى ; جائز نسخ الأثقل إلى الأخف ، كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين . ويجوز نسخ الأخف إلى الأثقل ، كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان ، على ما يأتي بيانه في آية الصيام . وينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة ، كالقبلة . وينسخ الشيء لا إلى بدل كصدقة النجوى . وينسخ القرآن بالقرآن . والسنة بالعبارة ، وهذه العبارة يراد بها الخبر المتواتر القطعي . وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد .وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة ، وذلك موجود في قوله عليه السلام ; لا [ ص; 64 ] وصية لوارث . وهو ظاهر مسائل مالك . وأبى ذلك الشافعي وأبو الفرج المالكي ، والأول أصح ، بدليل أن الكل حكم الله تعالى ومن عنده وإن اختلفت في الأسماء . وأيضا فإن الجلد ساقط في حد الزنى عن الثيب الذي يرجم ، ولا مسقط لذلك إلا السنة " فعل النبي صلى الله عليه وسلم " هذا بين .والحذاق أيضا على أن السنة تنسخ بالقرآن وذلك موجود في القبلة ، فإن الصلاة إلى الشام لم تكن في كتاب الله تعالى . وفي قوله تعالى ; فلا ترجعوهن إلى الكفار فإن رجوعهن إنما كان بصلح النبي صلى الله عليه وسلم لقريش .والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلا ، واختلفوا هل وقع شرعا ، فذهب أبو المعالي وغيره إلى وقوعه في نازلة مسجد قباء ، على ما يأتي بيانه ، وأبى ذلك قوم . ولا يصح نسخ نص بقياس ، إذ من شروط القياس ألا يخالف نصا .وهذا كله في مدة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما بعد موته واستقرار الشريعة فأجمعت الأمة أنه لا نسخ ، ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به إذ انعقاده بعد انقطاع الوحي ، فإذا وجدنا إجماعا يخالف نصا فيعلم أن الإجماع استند إلى نص ناسخ لا نعلمه نحن ، وأن ذلك النص المخالف متروك العمل به ، وأن مقتضاه نسخ وبقي سنة يقرأ ويروى ، كما آية عدة السنة في القرآن تتلى ، فتأمل هذا فإنه نفيس ، ويكون من باب نسخ الحكم دون التلاوة ، ومثله صدقة النجوى . وقد تنسخ التلاوة دون الحكم كآية الرجم . وقد تنسخ التلاوة والحكم معا ، ومنه قول الصديق رضي الله عنه ; كنا نقرأ " لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر " ومثله كثير . والذي عليه الحذاق أن من لم يبلغه الناسخ فهو متعبد بالحكم الأول ، كما يأتي بيانه في تحويل القبلة . والحذاق على جواز نسخ الحكم قبل فعله ، وهو موجود في قصة الذبيح ، وفي فرض [ ص; 65 ] خمسين صلاة قبل فعلها بخمس ، على ما يأتي بيانه في " الإسراء " و " الصافات " ، إن شاء الله تعالى .الثانية عشرة ; لمعرفة الناسخ طرق ، منها - أن يكون في اللفظ ما يدل عليه ، كقوله عليه السلام ; كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير ألا تشربوا مسكرا ونحوه . ومنها - أن يذكر الراوي التاريخ ، مثل أن يقول ; سمعت عام الخندق ، وكان المنسوخ معلوما قبله . أو يقول ; نسخ حكم كذا بكذا . ومنها - أن تجمع الأمة على حكم أنه منسوخ وأن ناسخه متقدم . وهذا الباب مبسوط في أصول الفقه ، نبهنا منه على ما فيه لمن اقتصر كفاية ، والله الموفق للهداية .الثالثة عشرة ; قرأ الجمهور ما ننسخ بفتح النون ، من نسخ ، وهو الظاهر المستعمل على معنى ; ما نرفع من حكم آية ونبقي تلاوتها ، كما تقدم . ويحتمل أن يكون المعنى ; ما نرفع من حكم آية وتلاوتها ، على ما ذكرناه . وقرأ ابن عامر " ننسخ " بضم النون ، من أنسخت الكتاب ، على معنى وجدته منسوخا . قال أبو حاتم ; هو غلط ; وقال الفارسي أبو علي ; ليست لغة ; لأنه لا يقال ; نسخ وأنسخ بمعنى ، إلا أن يكون المعنى ما نجده منسوخا ، كما تقول ; أحمدت الرجل وأبخلته ، بمعنى وجدته محمودا وبخيلا . قال أبو علي ; وليس نجده منسوخا إلا بأن ننسخه ، فتتفق القراءتان في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ . وقيل ; ما ننسخ ما نجعل لك نسخه ، يقال ; نسخت الكتاب إذا كتبته ، وانتسخته غيري إذا جعلت نسخه له . قال مكي ; ولا يجوز أن تكون الهمزة للتعدي ; لأن المعنى يتغير ، ويصير المعنى ما ننسخك من آية يا محمد ، وإنساخه إياها إنزالها عليه ، فيصير المعنى ما ننزل عليك من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ، فيئول المعنى إلى أن كل آية أنزلت أتى بخير منها ، فيصير القرآن كله منسوخا وهذا لا يمكن ، لأنه لم ينسخ إلا اليسير من القرآن . فلما امتنع أن يكون أفعل وفعل بمعنى إذ لم يسمع ، وامتنع أن تكون الهمزة للتعدي لفساد المعنى ، لم يبق ممكن إلا أن يكون من باب أحمدته وأبخلته إذا وجدته محمودا أو بخيلا .الرابعة عشرة ; أو ننسها قرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح النون والسين [ ص; 66 ] والهمز ، وبه قرأ عمر وابن عباس وعطاء ومجاهد وأبي بن كعب وعبيد بن عمير والنخعي وابن محيصن ، من التأخير ، أي نؤخر نسخ لفظها ، أي نتركه في آخر أم الكتاب فلا يكون . وهذا قول عطاء . وقال غير عطاء ; معنى أو ننسأها ; نؤخرها عن النسخ إلى وقت معلوم ، من قولهم ; نسأت هذا الأمر إذا أخرته ، ومن ذلك قولهم ; بعته نسأ إذا أخرته . قال ابن فارس ; ويقولون ; نسأ الله في أجلك ، وأنسأ الله أجلك . وقد انتسأ القوم إذا تأخروا وتباعدوا ، ونسأتهم أنا أخرتهم . فالمعنى نؤخر نزولها أو نسخها على ما ذكرنا . وقيل ; نذهبها عنكم حتى لا تقرأ ولا تذكر . وقرأ الباقون ننسها بضم النون ، من النسيان الذي بمعنى الترك ، أي نتركها فلا نبدلها ولا ننسخها ، قاله ابن عباس والسدي ، ومنه قوله تعالى ; نسوا الله فنسيهم أي تركوا عبادته فتركهم في العذاب . واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم ، قال أبو عبيد ; سمعت أبا نعيم القارئ يقول ; قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بقراءة أبي عمرو فلم يغير علي إلا حرفين ، قال ; قرأت عليه أرنا فقال ; أرنا ، فقال أبو عبيد ; وأحسب الحرف الآخر " أو ننسأها " فقال ; أو ننسها . وحكى الأزهري ننسها نأمر بتركها ، يقال ; أنسيته الشيء أي أمرت بتركه ، ونسيته تركته ، قال الشاعر ;إن علي عقبة أقضيها لست بناسيها ولا منسيهاأي ولا آمر بتركها . وقال الزجاج ; إن القراءة بضم النون لا يتوجه فيها معنى الترك ، لا يقال ; أنسى بمعنى ترك ، وما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أو ننسها قال ; نتركها لا نبدلها ، فلا يصح . ولعل ابن عباس قال ; نتركها ، فلم يضبط . والذي عليه أكثر أهل اللغة والنظر أن معنى أو ننسها نبح لكم تركها ، من نسي إذا ترك ، ثم تعديه . وقال أبو علي وغيره ; ذلك متجه ; لأنه بمعنى نجعلك تتركها . وقيل ; من النسيان على بابه الذي هو عدم الذكر ، على معنى أو ننسكها يا محمد فلا تذكرها ، نقل بالهمز فتعدى الفعل إلى مفعولين ; وهما النبي والهاء ، لكن اسم النبي محذوف .الخامسة عشرة ; نأت بخير منها لفظة بخير هنا صفة تفضيل ، والمعنى بأنفع لكم أيها الناس في عاجل إن كانت الناسخة أخف ، وفي آجل إن كانت أثقل ، وبمثلها إن كانت مستوية . وقال مالك ; محكمة مكان منسوخة . وقيل ليس المراد بأخير التفضيل ; لأن كلام الله لا يتفاضل ، وإنما هو مثل قوله ; من جاء بالحسنة فله خير منها [ ص; 67 ] أي فله منها خير ، أي نفع وأجر ، لا الخير الذي هو بمعنى الأفضل ، ويدل على القول الأول قوله ; أو مثلها .
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } إلَى غَيْره , فَنُبَدِّلهُ وَنُغَيِّرهُ . وَذَلِك أَنْ يُحَوِّل الْحَلَال حَرَامًا وَالْحَرَام حَلَالًا , وَالْمُبَاح مَحْظُورًا وَالْمَحْظُور مُبَاحًا ; وَلَا يَكُون ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَمْر وَالنَّهْي وَالْحَظْر وَالْإِطْلَاق وَالْمَنْع وَالْإِبَاحَة , فَأَمَّا الْأَخْبَار فَلَا يَكُون فِيهَا نَاسِخ وَلَا مَنْسُوخ . وَأَصْل النَّسْخ مِنْ " نَسْخ الْكِتَاب " وَهُوَ نَقْله مِنْ نُسْخَة إلَى أُخْرَى غَيْرهَا , فَكَذَلِكَ مَعْنَى نَسْخ الْحُكْم إلَى غَيْره إنَّمَا هُوَ تَحْوِيله وَنَقْل عِبَارَته عَنْهُ إلَى غَيْره . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى نَسْخ الْآيَة فَسَوَاء - إذَا نُسِخَ حُكْمهَا فَغُيِّرَ وَبُدِّلَ فَرْضهَا وَنُقِلَ فَرْض الْعِبَاد عَنْ اللَّازِم كَانَ لَهُمْ بِهَا - أَأُقِرُّ خَطّهَا فَتُرِكَ , أَوْ مُحِيَ أَثَرهَا , فَعُفِيَ وَنُسِيَ , إذْ هِيَ حِينَئِذٍ فِي كِلْتَا حَالَتَيْهَا مَنْسُوخَة . وَالْحُكْم الْحَادِث الْمُبَدَّل بِهِ الْحُكْم الْأَوَّل وَالْمَنْقُول إلَيْهِ فَرْض الْعِبَاد هُوَ النَّاسِخ , يُقَال مِنْهُ ; نَسَخَ اللَّه آيَة كَذَا وَكَذَا يَنْسَخهُ نَسْخًا , وَالنُّسْخَة الِاسْم . وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ كَانَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ يَقُول . 1448 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه الْعَنْبَرِيّ , قَالَ ; ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ ; ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } قَالَ ; إنَّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقْرِئ قُرْآنًا ثُمَّ نَسِيَهُ فَلَا يَكُنْ شَيْئًا , وَمِنْ الْقُرْآن مَا قَدْ نُسِخَ وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَهُ . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله ; { مَا نَنْسَخ } فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا ; 1449 - حَدَّثَنِي بِهِ مُوسَى بْن هَارُونَ , قَالَ ; ثنا عَمْرو بْن عَمَّار , قَالَ ; ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } أَمَّا نَسْخهَا فَقَبْضهَا . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا ; 1450 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ ; ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ ; حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } يَقُول ; مَا نُبَدِّل مِنْ آيَة . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا ; 1451 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ; ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ ; ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ أَصْحَاب عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } نُثْبِت خَطّهَا وَنُبَدِّل حُكْمهَا . * وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ ; ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } نُثْبِت خَطّهَا , وَنُبَدِّل حُكْمهَا , حُدِّثْت بِهِ عَنْ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود . * حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; ثنا إسْحَاق , قَالَ ; حَدَّثَنِي بَكْر بْن شَوْذَب , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } نُثْبِت خَطّهَا .أَوْ نُنْسِهَاالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى ; { أَوْ نُنْسِهَا } . اخْتَلَفَتْ الْقِرَاءَة فِي قَوْله ذَلِكَ , فَقَرَأَهَا قُرَّاء أَهْل الْمَدِينَة وَالْكُوفَة ; { أَوْ نُنْسِهَا } وَلِقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ وَجْهَانِ مِنْ التَّأْوِيل , أَحَدهمَا ; أَنْ يَكُون تَأْوِيله ; مَا نَنْسَخ يَا مُحَمَّد مِنْ آيَة فَنُغَيِّر حُكْمهَا أَوْ نُنْسِهَا . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه ; { مَا نُنْسِك مِنْ آيَة أَوْ نَنْسَخهَا نَجِئْ بِمِثْلِهَا } , فَذَلِكَ تَأْوِيل النِّسْيَان . وَبِهَذَا التَّأْوِيل قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; 1452 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ ; ثنا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ ; ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } كَانَ يَنْسَخ الْآيَة بِالْآيَةِ بَعْدهَا , وَيَقْرَأ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآيَة أَوْ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ تُنْسَى وَتُرْفَع . * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ ; أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ ; أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } قَالَ ; كَانَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره يُنْسِي نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ وَيَنْسَخ مَا شَاءَ . 1453 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ ; ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ ; كَانَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول ; { نُنْسِهَا } نَرْفَعهَا مِنْ عِنْدكُمْ . 1454 - حَدَّثَنَا سَوَّار بْن عَبْد اللَّه , قَالَ ; ثنا خَالِد بْن الْحَارِث , قَالَ ; ثنا عَوْف , عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله ; { أَوْ نُنْسِهَا } قَالَ ; إنَّ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُقْرِئَ قُرْآنًا , ثُمَّ نَسِيَهُ . وَكَذَلِك كَانَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَتَأَوَّل الْآيَة إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا ; { أَوْ تَنْسَهَا } بِمَعْنَى الْخِطَاب لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كَأَنَّهُ عَنَى أَوْ تَنْسَهَا أَنْت يَا مُحَمَّد . ذِكْر الْأَخْبَار بِذَلِكَ ; 1455 - حَدَّثَنِي يَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَ ; ثنا هُشَيْم , قَالَ ; أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْن عَطَاء , عَنْ الْقَاسِم , قَالَ ; سَمِعْت سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص يَقُول ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } قُلْت لَهُ ; فَإِنَّ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب يَقْرَؤُهَا ; { أَوْ تَنْسَهَا } قَالَ ; فَقَالَ سَعْد ; إنَّ الْقُرْآن لَمْ يَنْزِل عَلَى الْمُسَيِّب وَلَا عَلَى آل الْمُسَيِّب , قَالَ اللَّه ; { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى } 87 6 { وَاذْكُرْ رَبّك إذَا نَسِيت } . 18 24 * حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ ; أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ ; أَخْبَرَنَا هُشَيْم , قَالَ ; ثنا يَعْلَى بْن عَطَاء , قَالَ ; ثنا الْقَاسِم بْن رَبِيعَة بْن قَانِف الثَّقَفِيّ , قَالَ ; سَمِعْت ابْن أَبِي وَقَّاص يَذْكُر نَحْوه . * حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى وَآدَم الْعَسْقَلَانِيّ قَالَا جَمِيعًا , عَنْ شُعْبَة , عَنْ يَعْلَى بْن عَطَاء , قَالَ ; سَمِعْت الْقَاسِم بْن رَبِيعَة الثَّقَفِيّ يَقُول ; قُلْت لِسَعْدِ بْن أَبِي وَقَّاص ; إنِّي سَمِعْت ابْن الْمُسَيِّب يَقْرَأ ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } فَقَالَ سَعْد ; إنَّ اللَّه لَمْ يُنْزِل الْقُرْآن عَلَى الْمُسَيِّب وَلَا عَلَى ابْنه , إنَّمَا هِيَ ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } يَا مُحَمَّد . ثُمَّ قَرَأَ ; { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى } 87 6 { وَاذْكُرْ رَبّك إذَا نَسِيت } . 18 24 1456 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; ثنا إسْحَاق , قَالَ ; ثنا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع فِي قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } يَقُول ; نُنْسِهَا ; نَرْفَعهَا ; وَكَانَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ أُمُورًا مِنْ الْقُرْآن ثُمَّ رَفَعَهَا . وَالْوَجْه الْآخَر مِنْهُمَا أَنْ يَكُون بِمَعْنَى التَّرْك , مِنْ قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ ; { نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ } 9 67 يَعْنِي بِهِ تَرَكُوا اللَّه فَتَرَكَهُمْ . فَيَكُون تَأْوِيل الْآيَة حِينَئِذٍ عَلَى هَذَا التَّأْوِيل ; مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة فَنُغَيِّر حُكْمهَا وَنُبَدِّل فَرْضهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي نَسَخْنَاهَا أَوْ مِثْلهَا . وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيل تَأَوَّلَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; 1457 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; ثنا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ ; حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله ; { أَوْ نُنْسِهَا } يَقُول ; أَوْ نَتْرُكهَا لَا نُبَدِّلهَا . 1458 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ ; ثنا عَمْرو , قَالَ ; ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ قَوْله ; { أَوْ نُنْسِهَا } نَتْرُكهَا لَا نَنْسَخهَا . 1459 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , قَالَ ; ثنا هُشَيْم , قَالَ ; أَخْبَرَنَا جُوَيْبِر , عَنْ الضَّحَّاك فِي قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } قَالَ ; النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ . قَالَ ; وَكَانَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد يَقُول فِي ذَلِكَ مَا ; 1460 - حَدَّثَنِي بِهِ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ ; أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ ; قَالَ ابْن زَيْد فِي قَوْله ; { نُنْسِهَا } نَمْحُهَا . وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ ; { أَوْ نَنْسَأهَا } بِفَتْحِ النُّون وَهَمْزَة بَعْد السِّين بِمَعْنَى نُؤَخِّرهَا , مِنْ قَوْلك ; نَسَأْت هَذَا الْأَمْر أَنْسَؤُهُ نَسَأَ وَنَسَاء إذَا أَخَّرْته , وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ ; بِعْته بِنَسَاءِ , يَعْنِي بِتَأْخِيرِ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد ; لَعُمْرك إنَّ الْمَوْت مَا أَنْسَأَ الْفَتَى لَكَالطَّوْلِ الْمُرْخَى وَثَنَيَاهُ بِالْيَدِ يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنْسَأَ ; أَخَّرَ . وَمِمَّنْ قَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ , وَقَرَأَهُ جَمَاعَة مِنْ قُرَّاء الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ , وَتَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ جِمَاع مِنْ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; 1461 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب , وَيَعْقُوب بْن إبْرَاهِيم , قَالَا ; ثنا هُشَيْم , قَالَ ; أَخْبَرَنَا عَبْد الْمَلِك . عَنْ عَطَاء فِي قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نَنْسَأهَا } قَالَ ; نُؤَخِّرهَا . 1462 - حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ ; ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ ; ثنا عِيسَى , قَالَ ; سَمِعْت ابْن أَبِي نَجِيح , يَقُول فِي قَوْل اللَّه ; { أَوْ نَنْسَأهَا } قَالَ ; نُرْجِئهَا . 1463 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; ثنا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ ; ثنا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد ; { أَوْ نَنْسَأهَا } نُرْجِئهَا وَنُؤَخِّرهَا . 1464 - حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إسْحَاق الْأَهْوَازِيّ , قَالَ ; ثنا أَبُو أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ , قَالَ ; ثنا فُضَيْل , عَنْ عَطِيَّة ; { أَوْ نَنْسَأهَا } قَالَ ; نُؤَخِّرهَا فَلَا نَنْسَخهَا . 1465 - حَدَّثَنَا الْقَاسِم , قَالَ ; ثنا الْحُسَيْن , قَالَ ; حَدَّثَنِي حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , قَالَ ; أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن كَثِير عَنْ عُبَيْد الْأَزْدِيّ , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر { أَوْ نَنْسَأهَا } إرْجَاؤُهَا وَتَأْخِيرهَا . هَكَذَا حَدَّثَنَا الْقَاسِم عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ عُبَيْد الْأَزْدِيّ . وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ . * حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن يُوسُف , قَالَ ; ثنا الْقَاسِم بْن سَلَّام , قَالَ ; حَدَّثَنَا حَجَّاج , عَنْ ابْن جُرَيْجٍ , عَنْ عَبْد اللَّه بْن كَثِير , عَنْ عَلِيّ الْأَزْدِيّ , عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر أَنَّهُ قَرَأَهَا ; { نَنْسَأهَا } . قَالَ ; فَتَأْوِيل مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ; مَا نُبَدِّل مِنْ آيَة أَنْزَلْنَاهَا إلَيْك يَا مُحَمَّد , فَنُبْطِل حُكْمهَا وَنُثْبِت خَطّهَا , أَوْ نُؤَخِّرهَا فَنُرْجِئهَا وَنُقِرّهَا فَلَا نُغَيِّرهَا وَلَا نُبْطِل حُكْمهَا ; نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا . وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ ذَلِكَ ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ تَنْسَهَا } وَتَأْوِيل هَذِهِ الْقِرَاءَة نَظِير تَأْوِيل قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { أَوْ نُنْسِهَا } إلَّا أَنَّ مَعْنَى { أَوْ نُنْسِهَا } أَنْت يَا مُحَمَّد . وَقَدْ قَرَأَ بَعْضهمْ ; { مَا نُنْسِخ مِنْ آيَة } بِضَمِّ النُّون وَكَسْر السِّين , بِمَعْنَى ; مَا نَنْسَخَك يَا مُحَمَّد نَحْنُ مِنْ آيَة , مِنْ أَنْسَخْتُك فَأَنَا أَنْسَخُك . وَذَلِك خَطَأ مِنْ الْقِرَاءَة عِنْدنَا لِخُرُوجِهِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّة مِنْ الْقِرَاءَة بِالنَّقْلِ الْمُسْتَفِيض . وَكَذَلِك قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ { تُنْسَهَا } أَوْ { تُنْسَهَا } لِشُذُوذِهَا وَخُرُوجهَا عَنْ الْقِرَاءَة الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الْحُجَّة مِنْ قُرَّاء الْأُمَّة . وَأُولَى الْقِرَاءَات فِي قَوْله ; { أَوْ نُنْسِهَا } بِالصَّوَابِ مَنْ قَرَأَ ; { أَوْ نُنْسِهَا } , بِمَعْنَى نَتْرُكهَا ; لِأَنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَهْمَا بَدَّلَ حُكْمًا أَوْ غَيَّرَهُ أَوْ لَمْ يُبَدِّلهُ وَلَمْ يُغَيِّرهُ , فَهُوَ آتِيه بِخَيْرِ مِنْهُ أَوْ بِمِثْلِهِ . فَاَلَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالْآيَةِ إذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهَا , أَنْ يَكُون إذْ قَدِمَ الْخَبَر عَمَّا هُوَ صَانِع إذَا هُوَ غَيَّرَ وَبَدَّلَ حُكْم آيَة أَنْ يُعْقِب ذَلِكَ بِالْخَبَرِ عَمَّا هُوَ صَانِع , إذَا هُوَ لَمْ يُبَدِّل ذَلِكَ وَلَمْ يُغَيِّر . فَالْخَبَر الَّذِي يَجِب أَنْ يَكُون عَقِيب قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } قَوْله ; أَوْ نَتْرُك نَسْخهَا , إذْ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْرُوف الْجَارِي فِي كَلَام النَّاس . مَعَ أَنَّ ذَلِكَ إذَا قُرِئَ كَذَلِكَ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْت , فَهُوَ يَشْتَمِل عَلَى مَعْنَى الْإِنْسَاء الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّرْك , وَمَعْنَى النَّسَاء الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّأْخِير , إذْ كَانَ كُلّ مَتْرُوك فَمُؤَخَّر عَلَى حَال مَا هُوَ مَتْرُوك . وَقَدْ أَنْكَرَ قَوْم قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ ; { أَوْ تُنْسَهَا } إذَا عُنِيَ بِهِ النِّسْيَان , وَقَالُوا ; غَيْر جَائِز أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ مِنْ الْقُرْآن شَيْئًا مِمَّا لَمْ يُنْسَخ إلَّا أَنْ يَكُون نَسَى مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ ذَكَرَهُ . قَالُوا ; وَبَعْد , فَإِنَّهُ لَوْ نَسِيَ مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ قَرَءُوهُ وَحَفِظُوهُ مِنْ أَصْحَابه بِجَائِزِ عَلَى جَمِيعهمْ أَنْ يَنْسَوْهُ . قَالُوا ; وَفِي قَوْل اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ ; { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْك } 17 86 مَا يُنْبِئ عَنْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذِكْره لَمْ يُنْسِ نَبِيّه شَيْئًا مِمَّا آتَاهُ مِنْ الْعِلْم . قَالَ أَبُو جَعْفَر ; وَهَذَا قَوْل يَشْهَد عَلَى بُطُوله وَفَسَاده الْأَخْبَار الْمُتَظَاهِرَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا . 1466 - حَدَّثَنَا بِشْر بْن مُعَاذ , قَالَ ; حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْعٍ , قَالَ ; حَدَّثَنَا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَالَ ; حَدَّثَنَا أَنَس بْن مَالِك ; إنَّ أُولَئِكَ السَّبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَار الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَة قَرَأْنَا بِهِمْ وَفِيهِمْ كِتَابًا ; " بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمنَا أَنَّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا " . ثُمَّ إنَّ ذَلِكَ رُفِعَ . فَاَلَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ ; " لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَم وَادِيَيْنِ مِنْ مَال لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا , وَلَا يَمْلَأ جَوْف ابْن آدَم إلَّا التُّرَاب , وَيَتُوب اللَّه عَلَى مَنْ تَابَ " ثُمَّ رُفِعَ ; وَمَا أَشْبَه ذَلِكَ مِنْ الْأَخْبَار الَّتِي يَطُول بِإِحْصَائِهَا الْكِتَاب . وَغَيْر مُسْتَحِيل فِي فِطْرَة ذِي عَقْل صَحِيح وَلَا بِحُجَّةِ خَبَر أَنْ يُنْسِي اللَّه نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض مَا قَدْ كَانَ أَنْزَلَهُ إلَيْهِ . فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ غَيْر مُسْتَحِيل مِنْ أَحَد هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ , فَغَيْر جَائِز لِقَائِلِ أَنْ يَقُول ذَلِكَ غَيْر جَائِز . وَأَمَّا قَوْله ; { وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِاَلَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْك } فَإِنَّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُخْبِر أَنَّهُ لَا يَذْهَب بِشَيْءِ مِنْهُ , وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَذَهَبَ بِجَمِيعِهِ , فَلَمْ يَذْهَب بِهِ وَالْحَمْد لِلَّهِ ; بَلْ إنَّمَا ذَهَبَ بِمَا لَا حَاجَة بِهِمْ إلَيْهِ مِنْهُ , وَذَلِك أَنَّ مَا نُسِخَ مِنْهُ فَلَا حَاجَة بِالْعِبَادِ إلَيْهِ , وَقَدْ قَالَ اللَّه تَعَالَى ذِكْره ; { سَنُقْرِئُك فَلَا تَنْسَى إلَّا مَا شَاءَ اللَّه } 87 6 - 7 فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُنْسِي نَبِيّه مِنْهُ مَا شَاءَ , فَاَلَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّه . فَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّمَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ التَّأْوِيل طَلَب اتِّسَاق الْكَلَام عَلَى نِظَام فِي الْمَعْنَى , لَا إنْكَار أَنْ يَكُون اللَّه تَعَالَى ذِكْره قَدْ كَانَ أَنْسَى نَبِيّه بَعْض مَا نُسِخَ مِنْ وَحْيه إلَيْهِ وَتَنْزِيله .نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَاالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى ; { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } . اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي تَأْوِيل قَوْله ; { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } , فَقَالَ بَعْضهمْ بِمَا ; 1467 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن صَالِح , قَالَ ; حَدَّثَنِي مُعَاوِيَة بْن صَالِح , عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة , عَنْ ابْن عَبَّاس ; { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } يَقُول ; خَيْر لَكُمْ فِي الْمَنْفَعَة وَأَرْفَق بِكُمْ . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا ; 1468 - حَدَّثَنِي بِهِ الْحَسَن بْن يَحْيَى , قَالَ ; أَخْبَرَنَا عَبْد الرَّزَّاق , قَالَ ; أَخْبَرَنَا مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله ; { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } يَقُول ; آيَة فِيهَا تَخْفِيف , فِيهَا رَحْمَة , فِيهَا أَمْر , فِيهَا نَهْي . وَقَالَ آخَرُونَ ; نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي نَسَخْنَاهَا , أَوْ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي تَرَكْنَاهَا فَلَمْ نَنْسَخهَا . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ ; 1469 - حَدَّثَنِي مُوسَى , قَالَ ; حَدَّثَنَا عَمْرو , قَالَ ; حَدَّثَنَا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ ; { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } يَقُول ; نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْ الَّتِي نَسَخْنَاهَا أَوْ مِثْلهَا أَوْ مِثْل الَّتِي تَرَكْنَاهَا . فَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله ; { مِنْهَا } عَائِدَتَانِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَة عَلَى الْآيَة فِي قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة } وَالْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَانِ فِي قَوْله ; { أَوْ مِثْلهَا } عَائِدَتَانِ عَلَى الْهَاء وَالْأَلِف اللَّتَيْنِ فِي قَوْله ; { أَوْ نُنْسِهَا } . وَقَالَ آخَرُونَ بِمَا ; 1470 - حَدَّثَنِي بِهِ الْمُثَنَّى , قَالَ ; حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة , قَالَ ; حَدَّثَنَا شِبْل , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , قَالَ ; كَانَ عُبَيْد بْن عُمَيْر يَقُول ; { نُنْسِهَا } نَرْفَعهَا مِنْ عِنْدكُمْ , نَأْتِ بِمِثْلِهَا أَوْ خَيْر مِنْهَا . 1471 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ ; حَدَّثَنَا ابْن أَبِي جَعْفَر , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ الرَّبِيع ; { أَوْ نُنْسِهَا } نَرْفَعهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ بِمِثْلِهَا . 1472 - وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى , قَالَ ; حَدَّثَنَا إسْحَاق , قَالَ ; حَدَّثَنَا بَكْر بْن شَوْذَب , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , عَنْ أَصْحَاب ابْن مَسْعُود , مِثْله . وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدنَا ; مَا نُبَدِّل مِنْ حُكْم آيَة فَنُغَيِّرهُ أَوْ نَتْرُك تَبْدِيله فَنُقِرّهُ بِحَالِهِ , نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا لَكُمْ مِنْ حُكْم الْآيَة الَّتِي نَسَخْنَا فَغَيَّرْنَا حُكْمهَا , إمَّا فِي الْعَاجِل لِخَفَّتِهِ عَلَيْكُمْ , مِنْ أَجْل أَنَّهُ وَضْع فَرْض كَانَ عَلَيْكُمْ فَأَسْقَطَ ثِقَله عَنْكُمْ , وَذَلِكَ كَاَلَّذِي كَانَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ فَرْض قِيَام اللَّيْل , ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فَوُضِعَ عَنْهُمْ , فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ فِي عَاجِلهمْ لِسُقُوطِ عِبْء ذَلِكَ وَثِقَل حَمْله عَنْهُمْ ; وَإِمَّا فِي الْآجِل لِعِظَمِ ثَوَابه مِنْ أَجْل مَشَقَّة حَمْله وَثِقَل عِبْئِهِ عَلَى الْأَبْدَان , كَاَلَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ صِيَام أَيَّام مَعْدُودَات فِي السَّنَة , فَنُسِخَ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ مَكَانه صَوْم شَهْر كَامِل فِي كُلّ حَوْل , فَكَانَ فَرْض صَوْم شَهْر كَامِل كُلّ سَنَة أَثْقَل عَلَى الْأَبْدَان مِنْ صِيَام أَيَّام مَعْدُودَات . غَيْر أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ , فَالثَّوَاب عَلَيْهِ أَجْزَل وَالْأَجْر عَلَيْهِ أَكْثَر , لِفَضْلِ مَشَقَّته عَلَى مُكَلَّفِيهِ مِنْ صَوْم أَيَّام مَعْدُودَات , فَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَبْدَان أَشَقّ فَهُوَ خَيْر مِنْ الْأَوَّل فِي الْآجِل لِفَضْلِ ثَوَابه وَعِظَم أَجْره الَّذِي لَمْ يَكُنْ مِثْله لِصَوْمِ الْأَيَّام الْمَعْدُودَات . فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْله ; { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } لِأَنَّهُ إمَّا بِخَيْرِ مِنْهَا فِي الْعَاجِل لِخَفَّتِهِ عَلَى مَنْ كُلِّفَهُ , أَوْ فِي الْآجِل لِعِظَمِ ثَوَابه وَكَثْرَة أَجْره . أَوْ يَكُون مِثْلهَا فِي الْمَشَقَّة عَلَى الْبَدَن وَاسْتِوَاء الْأَجْر وَالثَّوَاب عَلَيْهِ , نَظِير نَسْخ اللَّه تَعَالَى ذِكْره فَرْض الصَّلَاة شَطْر بَيْت الْمَقْدِس إلَى فَرْضهَا شَطْر الْمَسْجِد الْحَرَام . فَالتَّوَجُّه شَطْر بَيْت الْمَقْدِس , وَإِنْ خَالَفَ التَّوَجُّه شَطْر الْمَسْجِد , فَكُلْفَة التَّوَجُّه شَطْر أَيّهمَا تَوَجَّهَ شَطْره وَاحِدَة ; لِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْمُتَوَجِّه شَطْر الْبَيْت الْمُقَدَّس مِنْ مُؤْنَة تَوَجُّهه شَطْره , نَظِير الَّذِي عَلَى بَدَنه مُؤْنَة تَوَجُّهه شَطْر الْكَعْبَة سَوَاء . فَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الْمِثْل الَّذِي قَالَ جَلّ ثَنَاؤُهُ ; { أَوْ مِثْلهَا } . وَإِنَّمَا عَنَى جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا } مَا نَنْسَخ مِنْ حُكْم آيَة أَوْ نُنْسِهِ . غَيْر أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِالْآيَةِ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا عِنْدهمْ مَعْنَاهَا اُكْتُفِيَ بِدَلَالَةِ ذِكْر الْآيَة مِنْ ذِكْر حُكْمهَا . وَذَلِك نَظِير سَائِر مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَظَائِره فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابنَا هَذَا , كَقَوْلِهِ ; { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل } 2 93 بِمَعْنَى حُبّ الْعِجْل وَنَحْو ذَلِكَ . فَتَأْوِيل الْآيَة إذًا ; مَا نُغَيِّر مِنْ حُكْم آيَة فَنُبَدِّلهُ أَوْ نَتْرُكهُ فَلَا نُبَدِّلهُ , نَأْتِ بِخَيْرِ لَكُمْ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ حُكْمًا مِنْهَا , أَوْ مِثْل حُكْمهَا فِي الْخِفَّة وَالثِّقَل وَالْأَجْر وَالثَّوَاب . فَإِنَّ قَالَ قَائِل ; فَإِنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْعِجْل لَا يُشْرَب فِي الْقُلُوب وَأَنَّهُ لَا يَلْتَبِس عَلَى مَنْ سَمِعَ قَوْله ; { وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ الْعِجْل } أَنَّ مَعْنَاهُ ; وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبهمْ حُبّ الْعِجْل , فَمَا الَّذِي يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله ; { مَا نَنْسَخ مِنْ آيَة أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا } لِذَلِكَ نَظِير ؟ قِيلَ ; الَّذِي دَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْله ; { نَأْتِ بِخَيْرِ مِنْهَا أَوْ مِثْلهَا } وَغَيْر جَائِز أَنْ يَكُون مِنْ الْقُرْآن شَيْء خَيْر مِنْ شَيْء ; لِأَنَّ جَمِيعه كَلَام اللَّه , وَلَا يَجُوز فِي صِفَات اللَّه تَعَالَى ذِكْره أَنْ يُقَال بَعْضهَا أَفْضَل مِنْ بَعْض وَبَعْضهَا خَيْر مِنْ بَعْض .أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى ; { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } . يَعْنِي جَلّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ ; { أَلَمْ تَعْلَم أَنَّ اللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير } أَلَمْ تَعْلَم يَا مُحَمَّد أَنِّي قَادِر عَلَى تَعْوِيضك مِمَّا نَسَخْت مِنْ أَحْكَامِي وَغَيَّرْته مِنْ فَرَائِضِي الَّتِي كُنْت افْتَرَضْتهَا عَلَيْك مَا أَشَاء مِمَّا هُوَ خَيْر لَك وَلِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ مَعَك وَأَنْفَع لَك وَلَهُمْ , إمَّا عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا آجِلًا فِي الْآخِرَة . أَوْ بِأَنْ أُبَدِّل لَك وَلَهُمْ مَكَانه مِثْله فِي النَّفْع لَهُمْ عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا وَآجِلًا فِي الْآخِرَة وَشَبِيهه فِي الْخِفَّة عَلَيْك وَعَلَيْهِمْ . فَاعْلَمْ يَا مُحَمَّد أَنِّي عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى كُلّ شَيْء قَدِير . وَمَعْنَى قَوْله ; { قَدِير } فِي هَذَا الْمَوْضِع ; قَوِيّ , يُقَال مِنْهُ ; " قَدْ قَدَرْت عَلَى كَذَا وَكَذَا " . إذَا قَوِيت عَلَيْهِ " أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَقْدُرُ عَلَيْهِ قُدْرَة وَقِدْرَانًا وَمَقْدِرَة " . وَبَنُو مُرَّة مِنْ غَطَفَانَ تَقُول ; " قَدِرْت عَلَيْهِ " بِكَسْرِ الدَّال . فَأَمَّا مِنْ التَّقْدِير مِنْ قَوْل الْقَائِل ; " قَدَرْت الشَّيْء " فَإِنَّهُ يُقَال مِنْهُ ; " قَدَرْته أَقْدِرُهُ قَدْرًا وَقَدَرًا " .
النسخ: هو النقل, فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع, إلى حكم آخر, أو إلى إسقاطه، وكان اليهود ينكرون النسخ, ويزعمون أنه لا يجوز, وهو مذكور عندهم في التوراة, فإنكارهم له كفر وهوى محض. فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ، وأنه ما ينسخ من آية { أَوْ نُنْسِهَا } أي: ننسها العباد, فنزيلها من قلوبهم، { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا } وأنفع لكم { أَوْ مِثْلِهَا } فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة, التي سهل عليها دينها غاية التسهيل.
(ما) اسم شرط جازم في محلّ نصب مفعول به مقدّم
(ننسخ) مضارع مجزوم فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن للتعظيم
(من آية) جارّ ومجرور متعلّق بمحذوف حال من اسم الشرط ،
(أو) حرف عطف
(ننس) مضارع مجزوم معطوف على ننسخ و (ها) ضمير مفعول به، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن
(نأت) مضارع مجزوم جواب الشرط وعلامة الجزم حذف حرف العلّة، والفاعل نحن للتعظيم
(بخير) جارّ ومجرور متعلّق بـ (نأت) ،
(من) حرف جرّ و (ها) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (خير) ،
(أو) مثل الأولـ (مثل) معطوف على خيرمجرور مثله و (ها) مضاف إليه.
(الهمزة) للاستفهام التقريريّ
(لم) حرف نفي وجزم وقلبـ (تعلم) مضارع مجزوم، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت
(أنّ) حرف مشبّه بالفعل للتوكيد
(الله) لفظ الجلالة اسم أنّ منصوبـ (على كلّ) جارّ ومجرور متعلّق بـ (قدير) ،
(شيء) مضاف إليه مجرور
(قدير) خبر مرفوع والمصدر المؤوّل من أنّ واسمها وخبرها سدّ مسدّ مفعولي تعلم جملة: «ننسخ» لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «ننسها» لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّةوجملة: «نأت بخير منها» لا محلّ لها جواب شرط جازم غير مقترنة بالفاءوجملة: «تعلم ... » لا محلّ لها استئنافيّة