( وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا ) يقول جلّ ثناؤه; ورزقنا جميعهم، يعني إبراهيم وإسحاق ويعقوب من رحمتنا، وكان الذي وهب لهم من رحمته، ما بسط لهم في عاجل الدنيا من سعة رزقه، وأغناهم بفضله.وقوله ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) يقول تعالى ذكره; ورزقناهم الثناء الحسن، والذكر الجميل من الناس.كما حدثني عليّ، قال; ثنا عبد الله ، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ) يقول; الثناء الحسن.وإنما وصف جل ثناؤه اللسان الذي جعل لهم بالعلوّ، لأن جميع أهل الملل تحسن الثناء عليهم، والعرب تقول; قد جاءني لسان فلان، تعني ثناءه أو ذمه; ومنه قول عامر بن الحارث;إنّــي أتَتْنِــي لِسـانٌ لا أسَـرُّ بِهَـامِـنْ عَلْـو لا عَجَـبٌ مِنْهـا وَلا سَخُرُ (3)ويروى; لا كذب فيها ولا سَخَر;جـاءَتْ مُرجَمَّـة قـد كُـنْتُ أحْذَرُهالَـوْ كـانَ يَنْفَعُنِـي الإشْـفاقُ والحَذَرُ (4)مرجمة; يظنّ بها.------------------------الهوامش;(3) البيت لأعشى باهلة واسمه عامر بن الحارث ( جمهرة أشعار العرب ص 135 ) وهي إحدى المراثي الجياد . وفي ( اللسان ; لسن ) اللسان ; جارحة الكلام ، وقد يكنى بها عن الكلمة ، فيؤنث حينئذ . قال ; أعشى باهلة ; " إني أتتني لسانه . . . البيت " . قال ابن بري ; اللسان هنا ; الرسالة والمقالة . وقد يذكر على معنى الكلام . ثم قال ; قال اللحياني ; اللسان في الكلام يذكر ويؤنث ، يقال إن لسان الناس عليك لحسنة وحسن ، أي ثناؤهم . أه . واللسان ; الثناء ، وقوله عز وجل ; " واجعل لي لسان صدق في الآخرين" ; معناه ; اجعل لي ثناءً حسنًا باقيًا إلى آخر الدهر . أه . وفي ( تاج العروس ; علا ) ; وأن قول أعشى باهلة " من علو " فيروى بضم الواو وفتحها وكسرها ، أي أتاني خبر من أعالي نجد . أه . وفي جمهرة أشعار العرب ; السخر ; الاستهزاء . أه . وقد استشهد المؤلف بالبيت على أن اللسان قد يجيء بمعنى الثناء مع أن اللغويين فسروه بمعنى الخبر أو الرسالة أو المقالة .(4) هذا البيت لأعشى باهلة أيضًا ، وهو بعد البيت السابق عليه في القصيدة نفسها ، كما في ( جمهرة أشعر العرب ص 136 ) . ومعنى مرجمة ; أي مظنونة ، لا يوقف على حقيقتها ويقال ; كلام مرجم عن غير يقين . ولعل الشاعر أراد أن الناس كلهم لم يصدقوا خبر هذا الفاجعة التي نزلت بهم ، فهم بين مصدق ومكذب .