إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يٰٓأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِى عَنكَ شَيْـًٔا
اِذۡ قَالَ لِاَبِيۡهِ يٰۤـاَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَ لَا يُغۡنِىۡ عَنۡكَ شَيۡــًٔـا
تفسير ميسر:
إذ قال لأبيه آزر; يا أبت لأي شيء تعبد من الأصنام ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يدفع عنك شيئًا من دون الله؟
كيف نهاه عن عبادة الأصنام فقال "يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا" أي لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررا.
قوله تعالى ; إذ قال لأبيه وهو آزر . وقد تقدم . يا أبت قد تقدم القول فيه في ( يوسف ) لم تعبد أي لأي شيء تعبد ; ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يريد الأصنام .
وقوله ( إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ) يقول; اذكره حين قال لأبيه ( يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ ) يقول; ما تصنع بعبادة الوَثَن الذي لا يسمع ( وَلا يُبْصِرُ) شيئا(وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ) يقول; ولا يدفع عنك ضرّ شيء، إنما هو صورة مصوّرة لا تضرّ ولا تنفع ، يقول ما تصنع بعبادة ما هذه صفته؟ اعبد الذي إذا دعوته سمع دعاءك، وإذا أحيط بك أبصرك فنصرك، وإذا نـزل بك ضرّ دفع عنك.واختلف أهل العربية في وجه دخول الهاء في قوله (يا أبَتِ) فكان بعض نحوييّ أهل البصرة يقول; إذا وقفت عليها قلت; يا أبه، وهي هاء زيدت نحو قولك; يا أمه، ثم يقال; يا أم إذا وصل، ولكنه لما كان الأب على حرفين، كان كأنه قد أُخِلّ به، فصارت الهاء لازمة، وصارت الياء كأنها بعدها، فلذلك قالوا; يا أبة أقبل، وجعل التاء للتأنيث، ويجوز الترخيم من أيا أب أقبل، لأنه يجوز أن تدعو ما تضيفه إلى نفسك في المعنى مضموما، نحو قول العرب; يا ربّ اغفر لي، وتقف في القرآن; يا أبة في الكتاب.وقد يقف بعض العرب على الهاء بالتاء. وقال بعض نحويي الكوفة; الهاء مع أبة وأمة هاء وقف، كثرت في كلامهم حتى صارت كهاء التأنيث، وأدخلوا عليها الإضافة، فمن طلب الإضافة، فهي بالتاء لا غير، لأنك تطلب بعدها الياء، ولا تكون الهاء حينئذ إلا تاء، كقولك; يا أبت لا غير، ومن قال; يا أبه، فهو الذي يقف بالهاء، لأنه لا يطلب بعدها ياء; ومن قال; يا أبتا، فإنه يقف عليها بالتاء، ويجوز بالهاء; فأما بالتاء، فلطلب ألف الندبة، فصارت الهاء تاء لذلك، والوقف بالهاء بعيد، إلا فيمن قال; " يا أميمةَ ناصبِ (1)" فجعل هذه الفتحة من فتحة الترخيم، وكأن هذا طرف الاسم ، قال; وهذا بعيد.------------------------الهوامش;(1) هذا جزء من بيت للنابغة ( سبق الاستشهاد به في 14 ; 21 ) وهو ;كِــلِيني لِهَــمٍّ يَـا أُمَيْمَـةَ نـاصِبِولَيْــلٍ أُقَاسِــيهِ بَطِـيءُ الكَـوَاكِبِ.
تفسير الآيتين 41 و42 :ـأجل الكتب وأفضلها وأعلاها، هذا الكتاب المبين، والذكر الحكيم، فإن ذكر فيه الأخبار، كانت أصدق الأخبار وأحقها، وإن ذكر فيه الأمر والنهي، كانت أجل الأوامر والنواهي، وأعدلها وأقسطها، وإن ذكر فيه الجزاء والوعد والوعيد، كان أصدق الأنباء وأحقها وأدلها على الحكمة والعدل والفضل،. وإن ذكر فيه الأنبياء والمرسلون، كان المذكور فيه، أكمل من غيره وأفضل، ولهذا كثيرا ما يبدئ ويعيد في قصص الأنبياء، الذين فضلهم على غيرهم، ورفع قدرهم، وأعلى أمرهم، بسبب ما قاموا به، من عبادة الله ومحبته، والإنابة إليه، والقيام بحقوقه، وحقوق العباد، ودعوة الخلق إلى الله، والصبر على ذلك، والمقامات الفاخرة، والمنازل العالية،. فذكر الله في هذه السورة جملة من الأنبياء، يأمر الله رسوله أن يذكرهم، لأن في ذكرهم إظهار الثناء على الله وعليهم، وبيان فضله وإحسانه إليهم،. وفيه الحث على الإيمان بهم ومحبتهم، والاقتداء بهم، فقال: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا ْ} جمع الله له بين الصديقية والنبوة. فالصديق: كثير الصدق، فهو الصادق في أقواله وأفعاله وأحواله، المصدق بكل ما أمر بالتصديق به،.وذلك يستلزم العلم العظيم الواصل إلى القلب، المؤثر فيه، الموجب لليقين، والعمل الصالح الكامل،. وإبراهيم عليه السلام، هو أفضل الأنبياء كلهم بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الأب الثالث للطوائف الفاضلة، وهو الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، وهو الذي دعا الخلق إلى الله، وصبر على ما ناله من العذاب العظيم، فدعا القريب والبعيد، واجتهد في دعوة أبيه، مهما أمكنه، وذكر الله مراجعته إياه، فقال: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ ْ} مهجنا له عبادة الأوثان: { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ْ} أي: لم تعبد أصناما، ناقصة في ذاتها، وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا، بل لا تملك لأنفسها شيئا من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال، الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة