قَالَ هٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّى ۖ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبِّى جَعَلَهُۥ دَكَّآءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّى حَقًّا
قَالَ هٰذَا رَحۡمَةٌ مِّنۡ رَّبِّىۡ ۚ فَاِذَا جَآءَ وَعۡدُ رَبِّىۡ جَعَلَهٗ دَكَّآءَ ۚ وَكَانَ وَعۡدُ رَبِّىۡ حَقًّا ؕ
تفسير ميسر:
قال ذو القرنين; هذا الذي بنيته حاجزًا عن فساد يأجوج ومأجوج رحمة من ربي بالناس، فإذا جاء وعد ربي بخروج يأجوج ومأجوج جعله دكاء منهدمًا مستويًا بالأرض، وكان وعد ربي حقًّا.
وقوله; " قال هذا رحمة من ربي " أي لما بناه ذو القرنين " قال هذا رحمة من ربي" أي بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلا يمنعهم من العبث في الأرض والفساد " فإذا جاء وعد ربي " أي إذا اقترب الوعد الحق " جعله دكاء " أي ساواه بالأرض تقول العرب ناقة دكاء إذا كان ظهرها مستويًا لاسِنَامَ لها وقال تعالى; " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " أي مساويًا للأرض وقال عكرمة في قوله; " فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء " قال طريقًا كما كان " وكان وعد ربي حقًا " أي كائنًا لا محالة.
قوله تعالى ; قال هذا رحمة من ربي القائل ذو القرنين ، وأشار بهذا إلى الردم ، والقوة عليه ، والانتفاع به في دفع ضرر يأجوج ومأجوج . وقرأ ابن أبي عبلة هذه رحمة من ربي .[ ص; 434 ] قوله تعالى ; فإذا جاء وعد ربي أي يوم القيامة . وقيل ; وقت خروجهم .جعله دكاء أي مستويا بالأرض ; ومنه قوله - تعالى - ; إذا دكت الأرض قال ابن عرفة ; أي جعلت مستوية لا أكمة فيها ، ومنه قوله - تعالى - ; جعله دكا قال اليزيدي ; أي مستويا ; يقال ; ناقة دكاء إذا ذهب سنامها . وقال القتبي ; أي جعله مدكوكا ملصقا بالأرض . وقال الكلبي ; قطعا متكسرا ; قال ;هل غير غاد دك غارا فانهدموقال الأزهري ; يقال دككته أي دققته . ومن قرأ " دكاء " أراد جعل الجبل أرضا دكاء ، وهي الرابية التي لا تبلغ أن تكون جبلا وجمعها دكاوات . قرأ حمزة وعاصم والكسائي " دكاء " بالمد على التشبيه بالناقة الدكاء ، وهي التي لا سنام لها ، وفي الكلام حذف تقديره ; جعله مثل دكاء ; ولا بد من تقدير هذا الحذف . لأن السد مذكر فلا يوصف بدكاء . ومن قرأ " دكا " فهو مصدر دك يدك إذا هدم ورض ; ويحتمل أن يكون جعل بمعنى خلق . وينصب " دكا " على الحال . وكذلك النصب أيضا في قراءة من مد يحتمل الوجهين .
القول في تأويل قوله تعالى ; قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)يقول عزّ ذكره; فلما رأى ذو القرنين أن يأجوج ومأجوج لا يستطيعون أن يظهروا ما بنى من الردم، ولا يقدرون على نقبه، قال; هذا الذي بنيته وسويته حاجزا بين هذه الأمة، ومن دون الردم رحمة من ربي رحم بها من دون الردم من الناس، فأعانني برحمته لهم حتى بنيته وسوّيته ليكفّ بذلك غائلة هذه الأمة عنهم.وقوله ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) يقول; فإذا جاء وعد ربي الذي جعله ميقاتا لظهور هذه الأمة وخروجها من وراء هذا الردم لهم. جعله دكاء، يقول; سواه بالأرض، فألزقه بها، من قولهم; ناقة دكاء; مستوية الظهر لا سنام لها. وإنما معنى الكلام; جعله مدكوكا، فقيل; دكاء. وكان قتادة يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ) قال; لا أدري الجبلين يعني به، أو ما بينهما.وذُكر أن ذلك يكون كذلك بعد قتل عيسى ابن مريم عليه السلام الدجال.* ذكر الخبر بذلك; حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي، قال; ثنا هشيم بن بشير، قال; أخبرنا العوّام، عن جبلة بن سحيم، عن مؤثر، وهو ابن عفارة العبدي ، عن عبد الله بن مسعود، قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَقِيتُ لَيْلةَ الإسْرَاءِ إبْرَاهيمَ وَمُوسَى وعِيسَى فَتَذَاكرُوا أمْرَ السَّاعةِ، وَرَدُّوا الأمْرَ إلى إبْرَاهِيمَ فَقالَ إبْرَاهيمُ; لا عِلْمَ لي بِها، فَرَدُّوا الأمْرَ إلى مُوسَى، فَقالَ مُوسَى; لا عِلْمَ لي بها، فَرَدُّوا الأمْرَ إلى عِيسَى ؛ قَالَ عِيسَى; أمَّا قِيامُ السَّاعةِ لا يَعْلَمُهُ إلا اللهُ، وَلَكِنَّ رَبّي قَدْ عَهِدَ إليَّ بِمَا هُوَ كائِنٌ دُونَ وَقْتِها، عَهِدَ إليَّ أنَّ الدَّجَّالَ خارِجٌ، وأنَّهُ مُهْبِطِي إلَيْهِ، فَذَكَرَ أنَّ مَعَهُ قَصَبَتَيْنِ، فإذَا رآنِي أهْلَكَهُ اللَّهُ، قالَ; فَيَذُوبُ كما يذوبُ الرَّصَاصُ، حتى إنَّ الحَجَرَ والشَّجَرَ لَيَقُولُ; يا مُسْلِمُ هَذَا كافِرٌ فاقْتُلْهُ، فَيُهْلِكُهُمُ اللهُ، ويَرْجِعُ الناسُ إلى بِلادِهِمْ وأوْطانِهمْ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ كُلِّ حَدبٍ يَنْسِلُونَ، لا يَأْتُونَ عَلى شَيْءٍ إلا أكَلُوهُ، ولا يَمُرُّونَ على ماءٍ إلا شَرِبُوهُ، فَيْرِجِعُ النَّاسُ إليَّ، فَيَشْكُونَهُمُ ، فأَدْعُو الله عليهم فيميتهم حتى تَجْوَى الأرْضُ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِمْ، فَيَنـزلُ المَطَرُ، فَيَجُرُّ أجْسادَهُم، فيُلْقِيهِمْ فِي البَحْرِ، ثُمَّ يَنْسِفُ الجِبَالَ حتى تَكُونَ الأرْضُ كالأدِيمِ، فَعَهِدَ إليَّ رَبّي أنَّ ذلكَ إذا كان كذلك، فإنَّ الساعة مِنْهُمُ كالحامِلِ المُتِمِّ الَّتِي لا يَدْرِي أهْلُها مَتى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلادِها ، لَيْلا أوْ نَهَارًا ".حدثني عبيد بن إسماعيل، قال; ثنا المحاربيّ، عن أصبع بن زيد، عن العوّام بن حوشب، عن جبلة بن سحيم ، عن مؤثر بن عَفازَة، عن عبد الله بن مسعود، قال; لما أُسْرِي برسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام. فتذاكروا أمر الساعة. فذكر نحو حديث إبراهيم الدورقي عن هشيم، وزاد فيه; قال العوّام بن حوشب; فوجدت تصديق ذلك في كتاب الله تعالى، قال الله عز وجل حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالَ; (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) يقول; وكان وعد ربي الذي وعد خلقه في دكّ هذا الردم، وخروج هؤلاء القوم على الناس، وعيثهم فيه، وغير ذلك من وعده حقا، لأنه لا يخلف الميعاد فلا يقع غير ما وعد أنه كائن.
فلما فعل هذا الفعل الجميل والأثر الجليل، أضاف النعمة إلى موليها وقال: { هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ْ} أي: من فضله وإحسانه عليَّ، وهذه حال الخلفاء الصالحين، إذا من الله عليهم بالنعم الجليلة، ازداد شكرهم وإقرارهم، واعترافهم بنعمة الله كما قال سليمان عليه السلام، لما حضر عنده عرش ملكة سبأ مع البعد العظيم، قال: { هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ْ} بخلاف أهل التجبر والتكبر والعلو في الأرض فإن النعم الكبار، تزيدهم أشرا وبطرا. كما قال قارون -لما آتاه الله من الكنوز، ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة- قال: { إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ْ} وقوله: { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي ْ} أي: لخروج يأجوج ومأجوج { جَعَلَهُ ْ} أي: ذلك السد المحكم المتقن { دَكَّاءَ ْ} أي: دكه فانهدم، واستوى هو والأرض { وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ْ}
(هذا) مبتدأ خبره
(رحمة) ،
(من ربّي) متعلّق بنعت لـ (رحمة)
(الفاء) عاطفة
(دكّاء) مفعول به ثان عامله جعل، وهو ممنوع من التنوين لأن همزته للتأنيث، فهو على حذف موصوف أي أرضا دكّاء
(الواو) عاطفة
(حقّا) خبر كان منصوب.
جملة: «قال ... » لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: «هذا رحمة ... » في محلّ نصب مقول القول.وجملة: «جاء وعد ... » في محلّ جرّ مضاف إليه.
وجملة: «جعله ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم.
وجملة: «كان وعد» في محلّ نصب معطوفة على جملة الشرط وفعله وجوابه المعطوفة بدورها على جملة مقول القول.