فَانطَلَقَا حَتّٰىٓ إِذَا لَقِيَا غُلٰمًا فَقَتَلَهُۥ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةًۢ بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْـًٔا نُّكْرًا
فَانْطَلَقَا حَتّٰۤى اِذَا لَقِيَا غُلٰمًا فَقَتَلَهٗ ۙ قَالَ اَقَتَلۡتَ نَـفۡسًا زَكِيَّةً ۢ بِغَيۡرِ نَـفۡسٍ ؕ لَـقَدۡ جِئۡتَ شَيۡــًٔـا نُّـكۡرًا
تفسير ميسر:
فقبل الخَضِر عذره، ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصرا غلامًا يلعب مع الغلمان، فقتله الخَضِر، فأنكر موسى عليه وقال; كيف قتلت نفسًا طاهرة لم تبلغ حدَّ التكليف، ولم تقتل نفسًا، حتى تستحق القتل بها؟ لقد فَعَلْتَ أمرًا منكرًا عظيمًا.
يقول تعالى " فانطلقا " أي بعد ذلك " حتى إذا لقيا غلاما فقتله " وقد تقدم أنه كان يلعب مع الغلمان في قرية من القرى وأنه عمد إليه من بينهم وكان أحسنهم وأجملهم وأضوأهم فقتله وروي أنه احتز رأسه وقيل رضخه بحجر وفي رواية اقتلعه بيده والله أعلم فلما شاهد موسى عليه السلام هذا أنكره أشد من الأول وبادر فقال " أقتلت نفسًا زكية " أي صغيرة لم تعمل الحنث ولا عملت إثما بعد فقتلته " بغير نفس " أي بغير مستند لقتله " لقد جئت شيئًا نكرا " أي ظاهر النكارة.
قوله تعالى ; فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا في البخاري قال يعلى قال سعيد ; ( وجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ) قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لم تعمل بالحنث ، وفي الصحيحين وصحيح الترمذي ; ( ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان ، فأخذ [ ص; 395 ] الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله ، قال له موسى ; أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال ; وهذه أشد من الأولى . قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ) لفظ البخاري . وفي التفسير ; إن الخضر مر بغلمان يلعبون فأخذ بيده غلاما ليس فيهم أضوأ منه ، وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه ، فقتله . قال أبو العالية ; لم يره إلا موسى ، ولو رأوه لحالوا بينه وبين الغلام .قلت ; ولا اختلاف بين هذه الأحوال الثلاثة ، فإنه يحتمل أن يكون دمغه أولا بالحجر ، ثم أضجعه فذبحه ، ثم اقتلع رأسه ; والله أعلم بما كان من ذلك وحسبك بما جاء في الصحيح . وقرأ الجمهور " زاكية " بالألف وقرأ الكوفيون وابن عامر زكية بغير ألف وتشديد الياء ; قيل المعنى واحد ; قاله الكسائي وقال ثعلب ; الزكية أبلغ قال أبو عمرو ; الزاكية التي لم تذنب قط ، والزكية التي أذنبت ثم تابت .قوله تعالى ; غلاما اختلف العلماء في الغلام هل كان بالغا أم لا ؟ فقال الكلبي ; كان بالغا يقطع الطريق بين قريتين ، وأبوه من عظماء أهل إحدى القريتين ، وأمه من عظماء القرية الأخرى ، فأخذه الخضر فصرعه ، ونزع رأسه عن جسده . قال الكلبي ; واسم الغلام شمعون وقال الضحاك ; حيسون وقال وهب ; اسم أبيه سلاس واسم أمه رحمى وحكى السهيلي أن اسم أبيه كازير واسم أمه سهوى وقال الجمهور ; لم يكن بالغا ; ولذلك قال موسى زاكية لم تذنب ، وهو الذي يقتضيه لفظ الغلام ; فإن الغلام في الرجال يقال على من لم يبلغ ، وتقابله الجارية في النساء وكان الخضر قتله لما علم من سره ، وأنه طبع كافرا كما في صحيح الحديث ، وأنه لو أدرك لأرهق أبويه كفرا ، وقتل الصغير غير مستحيل إذا أذن الله في ذلك ; فإن الله - تعالى - الفعال لما يريد ، القادر على ما يشاء ، وفي كتاب العرائس ; إن موسى لما قال للخضر أقتلت نفسا زكية الآية - غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر ، وقشر اللحم عنه ، وإذا في عظم كتفه مكتوب ; كافر لا يؤمن بالله أبدا . وقد احتج أهل القول الأول بأن العرب تبقي على الشاب اسم الغلام ، ومنه قول ليلى الأخيلية ;شفاها من الداء العضال الذي بها غلام إذا هز القناة سقاها[ ص; 396 ] وقال صفوان لحسان ;تلق ذباب السيف عني فإنني غلام إذا هوجيت لست بشاعروفي الخبر ; ( إن هذا الغلام كان يفسد في الأرض ، ويقسم لأبويه أنه ما فعل ، فيقسمان على قسمه ، ويحميانه ممن يطلبه )قالوا وقوله ; بغير نفس يقتضي أنه لو كان عن قتل نفس لم يكن به بأس ، وهذا يدل على كبر الغلام ، وإلا فلو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ، وإنما جاز قتله لأنه كان بالغا عاصيا . قال ابن عباس ; كان شابا يقطع الطريق ، وذهب ابن جبير إلى أنه بلغ سن التكليف لقراءة أبي وابن عباس " وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين " والكفر والإيمان من صفات المكلفين ، ولا يطلق على غير مكلف إلا بحكم التبعية لأبويه ، وأبوا الغلام كانا مؤمنين بالنص فلا يصدق عليه اسم الكافر إلا بالبلوغ ، فتعين أن يصار إليه والغلام من الاغتلام وهو شدة الشبق .قوله تعالى ; نكرا اختلف الناس أيهما أبلغ إمرا أو قوله نكرا فقالت فرقة ; هذا قتل بين ، وهناك مترقب ; ف نكرا أبلغ ، وقالت فرقة ; هذا قتل واحد وذاك قتل جماعة ف إمرا أبلغ . قال ابن عطية ; وعندي أنهما لمعنيين وقوله ; إمرا أفظع وأهول من حيث هو متوقع عظيم ، ونكرا بين في الفساد لأن مكروهه قد وقع ; وهذا بين قوله ; قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني شرط وهو لازم ، والمسلمون عند شروطهم ، وأحق الشروط أن يوفى به ما التزمه الأنبياء ، والتزم للأنبياء . وقوله ; قد بلغت من لدني عذرا يدل على قيام الاعتذار بالمرة الواحدة مطلقا ، وقيام الحجة من المرة الثانية بالقطع ; قاله ابن العربي . ابن عطية ; ويشبه أن تكون هذه القصة أيضا أصلا للآجال في الأحكام التي هي ثلاثة ، وأيام المتلوم ثلاثة ; فتأمله .
القول في تأويل قوله تعالى ; فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)يقول تعالى ذكره; ( فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ ) العالم، ف (قال) له موسى; ( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ).واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والبصرة; ( أقَتَلْتَ نَفْسا زَاكِيَةً ) وقالوا معنى ذلك; المطهرة التي لا ذنب لها، ولم تذنب قطّ لصغرها ، وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة; (نَفْسا زَكِيَّةً ) بمعنى; التائبة المغفور لها ذنوبها.* ذكر من قال ذلك;حدثني محمد بن سعد، قال; ثني أبي، قال; ثني عمي، قال ; ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس; ( أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ) والزكية ; التائبة.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً ) قال; الزكية; التائبة.حدثنا الحسن بن يحيى، قال; أخبرنا عبد الرزاق، قال; أخبرنا معمر " أقتلت نفسا زاكية " قال; قال الحسن; تائبة، هكذا في حديث الحسن وشهر زاكية.حُدثت عن الحسين، قال; سمعت أبا معاذ يقول; ثنا عبيد، قال; سمعت الضحاك يقول في قوله ( نَفْسًا زَكِيَّةً ) قال; تائبة.* ذكر من قال; معناها المسلمة التي لا ذنب لها ; حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، قال; أخبرني يعلى بن مسلم، أنه سمع سعيد بن جبير يقول; وجد خضر غلمانا يلعبون، فأخذ غلاما ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين ، قال; وأخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبئي قال; اسم الغلام الذي قتله الخضر; جيسور (قال أقتلت نفسا زاكية ) قال; مسلمة. قال; وقرأها ابن عباس; (زكية) كقولك; زكيا.وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل الكوفة يقول; معنى الزكية والزاكية واحد، كالقاسية والقسية، ويقول; هي التي لم تجن شيئا، وذلك هو الصواب عندي لأني لم أجد فرقا بينهما في شيء من كلام العرب.فإذا كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءتين قرأ ذلك القارئ فمصيب، لأنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار بمعنى واحد.وقوله; ( بِغَيْرِ نَفْسٍ ) يقول; بغير قصاص بنفس قتلت، فلزمها القتل قودا بها ، وقوله; ( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ) يقول; لقد جئت بشيء منكر، وفعلت فعلا غير معروف.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة ( لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ) والنُّكْرُ أشدّ من الإمر.
{ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا ْ} أي: صغيرا { فَقَتَلَهُ ْ} الخضر، فاشتد بموسى الغضب، وأخذته الحمية الدينية، حين قتل غلاما صغيرا لم يذنب. { قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ْ} وأي: نكر مثل قتل الصغير، الذي ليس عليه ذنب، ولم يقتل أحد؟! وكانت الأولى من موسى نسيانا، وهذه غير نسيان، ولكن عدم صبر
(فانطلقا حتّى إذا لقيا) مرّ إعراب نظيرها
،
(غلاما:
مفعول به منصوبـ (الفاء) عاطفة للتعقيبـ (قتله) فعل ماض، و (الهاء) ضمير مفعول به، والفاعل هو أي الخضر
(قال أقتلت نفسا) مثل قال أخرقتها
،
(زكيّة) نعت لـ (نفسا) منصوبـ (بغير) جارّ ومجرور متعلّق بحال من فاعل قتلت أي: ظالما، أو من المفعول أي: مظلوما
،
(نفس) مضاف إليه مجرور
(لقد جئت شيئا نكرا) مثل لقد جئت شيئا إمرا .
جملة: «انطلقا ... » لا محلّ لها استئنافيّةوجملة: «لقيا ... » في محلّ جرّ مضاف إليه وجملة: «قال ... » لا محلّ لها جواب شرط غير جازم وجملة: «أقتلت ... » في محلّ نصب مفعول به لفعل القول وجملة: «جئت شيئا ... » لا محلّ لها جواب قسم مقدّر.. وجملة القسم المقدّر استئنافيّة في حيّز القول