الرسم العثمانيوَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدٰوةِ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيٰوةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوٰىهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا
الـرسـم الإمـلائـيوَاصۡبِرۡ نَـفۡسَكَ مَعَ الَّذِيۡنَ يَدۡعُوۡنَ رَبَّهُمۡ بِالۡغَدٰوةِ وَالۡعَشِىِّ يُرِيۡدُوۡنَ وَجۡهَهٗ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنٰكَ عَنۡهُمۡ ۚ تُرِيۡدُ زِيۡنَةَ الۡحَيٰوةِ الدُّنۡيَا ۚ وَ لَا تُطِعۡ مَنۡ اَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهٗ عَنۡ ذِكۡرِنَا وَاتَّبَعَ هَوٰٮهُ وَكَانَ اَمۡرُهٗ فُرُطًا
تفسير ميسر:
واصبر نفسك -أيها النبي- مع أصحابك مِن فقراء المؤمنين الذين يعبدون ربهم وحده، ويدعونه في الصباح والمساء، يريدون بذلك وجهه، واجلس معهم وخالطهم، ولا تصرف نظرك عنهم إلى غيرهم من الكفار لإرادة التمتع بزينة الحياة الدنيا، ولا تُطِعْ من جعلنا قلبه غافلا عن ذكرنا، وآثَرَ هواه على طاعة مولاه، وصار أمره في جميع أعماله ضياعًا وهلاكًا.
وقوله " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيًا من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء يقال إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود وليفرد أولئك بمجلس على حدة فنهاه الله عن ذلك فقال " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " الآية وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء فقال " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " الآية وقال مسلم في صحيحه; حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد هو ابن أبي وقاص قال; كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم; اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال; وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان نسيت اسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري وقال الإمام أحمد; حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أبا الجعد يحدث عن أبي أمامة قال; خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاص يقص فأمسك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قص فلإن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب "وقال أحمد أيضًا; حدثنا هاشم ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت كردوس بن قيس وكان قاص العامة بالكوفة يقول; أخبرني رجل من أصحاب بدر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " لإن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب "قال شعبة فقلت أي مجلس قال كان قاصًا وقال أبو داود الطيالسي في مسنده; حدثنا محمد حدثنا يزيد بن أبان عن أنس قال; قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لإن أجالس قومًا يذكرون الله من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ولأن أذكر الله من صلاة العصر إلى غروب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانيةمن ولد إسماعيل دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفًا "فحسبنا دياتهم ونحن في مجلس أنس فبلغت ستة وتسعين ألفًا وههنا من يقول أربعة من ولد إسماعيل والله ما قال إلاثمانية دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفًا وقال الحافظ أبو بكر البزار; حدثنا محمد بن إسحاق الأهوازي حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم وهو الكوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يقرأ سورة الكهف فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سكت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم "هكذا رواه أبو أحمد عن عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر عن الأغر مرسلا وحدثنا يحيى بن المعلى عن منصور حدثنا محمد بن الصلت حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا; جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحج أو سورة الكهف فسكت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم وقال الإمام أحمد ثنا محمد بن بكير ثنا ميمون المرئي ثنا ميمون بن سياه عن أنس ابن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مامن قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورًا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات "تفرد به أحمد رحمه الله وقال الطبراني ثنا إسماعيل بن الحسن ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد عن أبي حازم عن عبد الرحمن بن سهل ابن حنيف قال; نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " الآية فخرج يلتمسهم فوجد قومًا يذكرون الله تعالى منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم "عبد الرحمن هذا ذكره أبو بكر بن أبي داود في الصحابة وأما أبوه فمن سادات الصحابة رضي الله عنهم وقوله " ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " قال ابن عباس; ولا تجاوزهم إلى غيرهم يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا " وكان أمره فرطًا " أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع ولا تكن مطيعًا له ولا محبًا لطريقته ولا تغبطه بما هو فيه كما قال " ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ".
قوله تعالى ; واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاقوله تعالى ; واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي هذا مثل قوله ; ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي في سورة " الأنعام " وقد مضى الكلام فيه . وقال سلمان الفارسي - رضي الله عنه - ; جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; عيينة بن [ ص; 350 ] حصن والأقرع بن حابس فقالوا ; يا رسول الله ; إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك ، فأنزل الله - تعالى - ; واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه - حتى بلغ - إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها . يتهددهم بالنار . فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال ; الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات . وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي " وحجتهم أنها في السواد بالواو . وقال أبو جعفر النحاس ; وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ، ولا تكاد العرب تقول الغدوة لأنها معروفة .وروي عن الحسن " ولا تعد عيناك عنهم " أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أبناء الدنيا طلبا لزينتها ; حكاه اليزيدي . وقيل ; لا تحتقرهم عيناك ; كما يقال فلان تنبو عنه العين ; أي مستحقرا .تريد زينة الحياة الدنيا أي تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك ; ولم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك ، ولكن الله نهاه عن أن يفعله ، وليس هذا بأكثر من قوله لئن أشركت ليحبطن عملك . وإن كان الله أعاذه من الشرك .وتريد فعل مضارع في موضع الحال ; أي لا تعد عيناك مريدا ; كقول امرئ القيس ;فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذراوزعم بعضهم أن حق الكلام ; لا تعد عيناك عنهم ; لأن " تعد " متعد بنفسه . قيل له ; والذي وردت به التلاوة من رفع العينين يئول إلى معنى النصب فيها ، إذا كان لا تعد عيناك عنهم بمنزلة لا تنصرف عيناك عنهم ، ومعنى لا تنصرف عيناك عنهم لا تصرف عينيك عنهم ; فالفعل مسند إلى العينين وهو في الحقيقة موجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كما قال - تعالى - ; فلا تعجبك أموالهم فأسند الإعجاب إلى الأموال ، والمعنى ; لا تعجبك يا محمد أموالهم . ويزيدك وضوحا قول الزجاج ; إن المعنى لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة .[ ص; 351 ] قوله تعالى ; ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله - تعالى - ; ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا قال ; نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وذلك أنه دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة ; فأنزل الله - تعالى - ; ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد . واتبع هواه يعني الشرك .وكان أمره فرطا قيل هو من التفريط الذي هو التقصير وتقديم العجز بترك الإيمان . وقيل ; من الإفراط ومجاوزة الحد ، وكأن القوم قالوا ; نحن أشراف مضر إن أسلمنا أسلم الناس ; وكان هذا من التكبر والإفراط في القول . وقيل ; فرطا أي قدما في الشر ; من قولهم ; فرط منه أمر أي سبق . وقيل ; معنى أغفلنا قلبه وجدناه غافلا ; كما تقول ; لقيت فلانا فأحمدته ; أي وجدته محمودا . وقال عمرو بن معديكرب لبني الحارث بن كعب ; والله لقد سألناكم فما أبخلناكم ، وقاتلناكم فما أجبناكم ، وهاجيناكم فما أفحمناكم ; أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين .وقيل ; نزلت ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا في عيينة بن حصن الفزاري ; ذكره عبد الرزاق ، وحكاه النحاس عن سفيان الثوري . والله أعلم .
القول في تأويل قوله تعالى ; وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم; (واصْبِرْ) يا محمد (نَفْسَكَ مَعَ) أصحابك ( الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) بذكرهم إياه بالتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها(يُرِيدُونَ) بفعلهم ذلك (وَجْهَهُ) لا يريدون عرضا من عرض الدنيا.وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في قوله ( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ) في سورة الأنعام، والصواب من القول في ذلك عندنا، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع ، والقرّاء على قراءة ذلك ( بالغَدَاةِ والعَشيّ ) ، وقد ذُكر عن عبد الله بن عامر وأبي عبد الرحمن السلمي أنهما كانا يقرآنه (بالغَدَوةِ والعَشِيّ) ، وذلك قراءة عند أهل العلم بالعربية مكروهة، لأن غدوة معرّفة، ولا ألف ولا لام فيها، وإنما يعرف بالألف واللام ما لم يكن معرفة ، فأما المعارف فلا تعرّف بهما ، وبعد، فإن غدوة لا تضاف إلى شيء، وامتناعها من الإضافة دليل واضح على امتناع الألف واللام من الدخول عليها، لأن ما دخلته الألف واللام من الأسماء صلحت فيه الإضافة ، وإنما تقول العرب; أتيتك غداة الجمعة، ولا تقول; أتيتك غدوة الجمعة، والقراءة عندنا في ذلك ما عليه القرّاء في الأمصار لا نستجيز غيرها لإجماعها على ذلك، وللعلة التي بيَّنا من جهة العربية.( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) يقول جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم; ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الذين أمرتك يا محمد أن تصبر نفسك معهم إلى غيرهم من الكفار، ولا تجاوزهم إليه ، وأصله من قولهم; عدوت ذلك، فأنا أعدوه; إذا جاوزته.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك;حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، قال; قال ابن عباس، في قوله; ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) قال; لا تجاوزهم إلى غيرهم.حدثني عليّ، قال; ثني عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ ، عن ابن عباس، قوله; ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) يقول; لا تتعدّهم إلى غيرهم.حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد ، في قوله; ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ )... الآية، قال; قال القوم للنبيّ صلى الله عليه وسلم; إنا نستحيي أن نجالس فلانا وفلانا وفلانا، فجانبهم يا محمد، وجالس أشراف العرب، فنـزل القرآن ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ) ولا تحقرهم، قال; قد أمروني بذلك، قال; ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ).حدثنا الربيع بن سليمان، قال; ثنا ابن وهب، قال; أخبرني أسامة بن زيد، عن أبي حازم، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف ، أن هذه الآية لما نـزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) فخرج يلتمس، فوجد قوما يذكرون الله، منهم ثائر الرأس، وجافّ الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم، فقال; " الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ لي فِي أُمَّتِي مَنْ أمرني أنْ أصبِرَ نَفْسي مَعَهُ" ورُفعت العينان بالفعل، وهو لا تعد.وقوله; ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم;لا تعدُ عيناك عن هؤلاء المؤمنين الذين يدعون ربهم إلى أشراف المشركين، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك، وقال بعضهم; بل من عظماء قبائل العرب ممن لا بصيرة لهم بالإسلام، فرأوه جالسا مع خباب وصهيب وبلال، فسألوه أن يقيمهم عنه إذا حضروا ، قالوا; فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنـزل الله عليه; وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ثم كان يقوم إذا أراد القيام، ويتركهم قعودا، فأنـزل الله عليه ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) الآيَةَ(وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) يريد زينة الحياة الدنيا; مجالسة أولئك العظماء الأشراف. وفد ذكرت الرواية بذلك فيما مضى قبل في سورة الأنعام.حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، قال; ثني أبي، قال; ثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، وكان قارئ الأزد عن أبي الكنود، عن خباب في قصة ذكرها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ذكر فيها هذا الكلام مدرجا في الخبر ( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال; تجالس الأشراف.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، قال; أخبرت أن عيينة بن حصن قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم; لقد آذاني ريح سلمان الفارسي، فاجعل لنا مجلسا منك لا يجامعوننا فيه، واجعل لهم مجلسا لا نجامعهم فيه، فنـزلت الآية.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة قال; ذُكر لنا أنه لما نـزلت هذه الآية قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم; " الحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتي مَنْ أُمرْتُ أنْ أصبِرَ نَفْسِي مَعَه ".حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد ، في قوله ( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) قال; تريد أشراف الدنيا.حدثنا صالح بن مسمار، قال; ثنا الوليد بن عبد الملك، قال; سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبد الله الجهنيّ ، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي، عن سلمان الفارسي، قال; جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم; عيينة بن حصن، (1) والأقرع بن حابس وذووهم، فقالوا; يا نبيّ الله، إنك لو جلست في صدر المسجد، ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذرّ وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف، ولم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك، وأخذنا عنك ، فأنـزل الله ; وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ، حتى بلغ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا يتهدّدهم بالنار ، فقام نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله، فقال; " الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْني حتى أمَرَنِي أنْ أصْبِرَ نَفْسِي مَعَ رِجالٍ منْ أُمَّتي، مَعَكُمُ المَحْيا وَمَعَكُمُ المَماتُ".وقوله; ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم;ولا تطع يا محمد من شغلنا قلبه من الكفار الذين سألوك طرد الرهط الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ عنك، عن ذكرنا، بالكفر وغلبة الشقاء عليه، واتبع هواه، وترك اتباع أمر الله ونهيه، وآثر هوى نفسه على طاعة ربه، وهم فيما ذُكر; عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس وذووهم.حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي، قال; ثنا أبي، قال; ثنا أسباط، عن السدي، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود ، عن خباب ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ) قال; عُيينة، والأقرع.وأما قوله; ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم; معناه; وكان أمره ضياعا.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله; ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال ابن عمرو في حديثه قال; ضائعا. وقال الحارث في حديثه; ضياعا.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال; ضياعا.وقال آخرون; بل معناه; وكان أمره ندما.* ذكر من قال ذلك;حدثنا محمد بن المثني، قال; ثنا بدل بن المحبر، قال; ثنا عباد بن راشد، عن داود (فُرُطا) قال; ندامة.وقال آخرون; بل معناه; هلاكا.* ذكر من قال ذلك;حدثني الحسين بن عمرو، قال; ثنا أبي، قال; ثنا أسباط ، عن السديّ، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، عن خباب ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال; هلاكا.وقال آخرون; بل معناه; خلافا للحق.* ذكر من قال ذلك;حدثني يونس، قال; أخبرنا ابن وهب، قال; قال ابن زيد ; ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال; مخالفا للحقّ، ذلك الفُرُط.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال; معناه; ضياعا وهلاكا، من قولهم; أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا; إذا أسرف فيه وتجاوز قدره، وكذلك قوله (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) معناه; وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر، واحتقار أهل الإيمان، سرفا قد تجاوز حدّه، فَضَيَّع بذلك الحقّ وهلك.وقد; حدثنا أبو كريب، قال; ثنا أبو بكر بن عياش، قال; قيل له; كيف قرأ عاصم؟ فقال ( وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) قال أبو كريب; قال أبو بكر; كان عُيينة بن حصن يفخر بقول أنا وأنا.------------------------الهوامش;(1) في الأصل ; عيينة بن بدر . والصواب ; ابن حصن ، ولعله من سبق القلم . وقد ذكره صحيحا بعده بقليل .
يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامر والنواهي -أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين { الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى. { وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك. { تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل، فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: { وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره. { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم } الآية. { وَكَانَ أَمْرُهُ } أي: مصالح دينه ودنياه { فُرُطًا } أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه.
الواو) عاطفة
(اصبر) مثل اتلـ (نفسك) مفعول به منصوب.. و (الكاف) مضاف إليه
(مع) ظرف منصوب متعلّق بفعل اصبر
(الذين) اسم موصول مبنيّ في محلّ جرّ مضاف إليه
(يدعون) مضارع مرفوع.. و (الواو) فاعلـ (ربّهم) مفعول به منصوب.. و (هم) مضاف إليه
(بالغداة) جارّ ومجرور متعلّق بـ (يدعون) ،
(العشيّ) معطوف على الغداة بالواو مجرور
(يريدون) مثل يدعون
(وجهه) مفعول به منصوب.. و (الهاء) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(لا) ناهية جازمة
(تعد) مضارع مجزوم وعلامة الجزم حذف حرف العلّة
(عيناك) فاعل مرفوع وعلامة الرفع الألف.. و (الكاف) مضاف إليه
(عن) حرف جرّ و (هم) ضمير في محلّ جرّ متعلّق بـ (تعد) ،
(تريد) مضارع مرفوع، والفاعل أنت
(زينة) مفعول به منصوبـ (الحياة) مضاف إليه مجرور
(الدنيا) نعت للحياة مجرور وعلامة الجرّ الكسرة المقدّرة على الألف
(الواو) عاطفة
(لا تطع) مثل لا تعد، وعلامة الجزم السكون
(من) اسم موصول مبنيّ في محلّ نصب مفعول به
(أغفلنا) فعل ماض وفاعله
(قلبه) مفعول به منصوب.. و (الهاء) مضاف إليه
(عن ذكرنا) جارّ ومجرور متعلّق بـ (أغفلنا) ، و (نا) ضمير مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(اتّبع) فعل ماض، والفاعل ضمير مستتر تقديره هو (هواه) مفعول به منصوب، وعلامة النصب الفتحة المقدّرة على الألف.. و (الهاء) مضاف إليه
(الواو) عاطفة
(كان) فعل ماض ناقص
(أمره) اسم كان مرفوع.. و (الهاء) مضاف إليه
(فرطا) خبر كان منصوب. وجملة: «اصبر ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اتل. وجملة: «يدعون ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (الذين) . وجملة: «يريدون ... » في محلّ نصب حال من فاعل يدعون. وجملة: «لا تعد عيناك ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة اصبوجملة: «تريد ... » في محلّ نصب حال من ضمير الخطاب في(عيناك) . وجملة: «لا تطع ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة لا تعد. وجملة: «أغفلنا ... » لا محلّ لها صلة الموصولـ (من) . وجملة: «اتّبع هواه ... » لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة. وجملة: «كان أمره فرطا» لا محلّ لها معطوفة على جملة الصلة.
- القرآن الكريم - الكهف١٨ :٢٨
Al-Kahf18:28