ثُمَّ بَعَثْنٰهُمْ لِنَعْلَمَ أَىُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصٰى لِمَا لَبِثُوٓا أَمَدًا
ثُمَّ بَعَثۡنٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ اَىُّ الۡحِزۡبَيۡنِ اَحۡصٰى لِمَا لَبِثُوۡۤا اَمَدًا
تفسير ميسر:
ثم أيقظناهم مِن نومهم؛ لنُظهر للناس ما علمناه في الأزل؛ فتتميَّز أي الطائفتين المتنازعتين في مدة لبثهم أضبط في الإحصاء، وهل لبثوا يومًا أو بعض يوم، أو مدة طويلة؟
" ثم بعثناهم " أي من رقدتهم تلك وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعامًا يأكلونه كما سيأتي بيانه وتفصيله ولهذا قال " ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين " أي المختلفين فيهم " أحصى لما لبثوا أمدا " قيل عددا وقيل غاية فإن الأمد الغاية كقوله; سبق الجواد إذا استولى على الأمد.
قوله تعالى ; ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا قوله تعالى ; ثم بعثناهم أي من بعد نومهم . ويقال لمن أحيي أو أقيم من نومه مبعوث ; لأنه كان ممنوعا من الانبعاث والتصرف .قوله تعالى ; لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا لنعلم عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود ومشاهدته ; وهذا على نحو كلام العرب ، أي لنعلم ذلك موجودا ، وإلا فقد كان الله - تعالى - علم أي الحزبين أحصى الأمد . وقرأ الزهري " ليعلم " بالياء . والحزبان الفريقان ، والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية إذ ظنوا لبثهم قليلا . والحزب الثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم ، حين كان عندهم التاريخ لأمر الفتية . وهذا قول الجمهور من المفسرين . وقالت فرقة ; هما حزبان من الكافرين ، اختلفا في مدة أصحاب الكهف . وقيل ; هما حزبان من المؤمنين . وقيل غير ذلك مما لا يرتبط بألفاظ الآية . وأحصى فعل ماض . وأمدا نصب على المفعول به ; قاله أبو علي . وقال الفراء ; نصب على التمييز . وقال الزجاج ; نصب على الظرف ، أي أي الحزبين أحصى للبثهم في الأمد ، والأمد الغاية . وقال [ ص; 327 ] مجاهد ; أمدا معناه عددا ، وهذا تفسير بالمعنى على جهة التقريب . وقال الطبري ; أمدا منصوب ب لبثوا . ابن عطية ; وهذا غير متجه ، وأما من قال إنه نصب على التفسير فيلحقه من الاختلال أن أفعل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ ، وأحصى فعل رباعي . وقد يحتج له بأن يقال ; إن أفعل في الرباعي قد كثر ; كقولك ; ما أعطاه للمال وآتاه للخير . وقال في صفة حوضه - صلى الله عليه وسلم - ; ماؤه أبيض من اللبن . وقال عمر بن الخطاب ; فهو لما سواها أضيع .
القول في تأويل قوله ; ( ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى ) يقول;ثم بعثنا هؤلاء الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم، لينظر عبادي فيعلموا بالبحث، أيُّ الطائفتين اللتين اختلفتا في قدر مبلغ مكث الفتية في كهفهم رقودا ( أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ) يقول;أصوب لقدر لبثهم فيه أمدا ، ويعني بالأمد; الغاية، كما قال النابغة;إلا لِمِثْلِــكَ أوْ مَــنْ أنْـتَ سـابِقُهُسَـبْقَ الجَـوَادِ ِإذا اسْـتَوْلَى على الأمَدِ (6)وذُكر أن الذين اختلفوا في ذلك من أمورهم، قوم من قوم الفتية، فقال بعضهم; كان الحزبان جميعا كافرين. وقال بعضهم; بل كان أحدهما مسلما، والآخر كافرا.* ذكر من قال كان الحزبان من قوم الفتية; حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أَيُّ الْحِزْبَيْنِ ) من قوم الفتية.حدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.حدثني القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال; ثنا يزيد، قال; ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) يقول; ما كان لواحد من الفريقين علم، لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم.وأما قوله; (أمَدًا) فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم; معناه; بعيدا.* ذكر من قال ذلك;حدثني علي، قال; ثنا عبد الله، قال; ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا ) يقول; بعيدا.وقال آخرون; معناه; عددا.ذكر من قال ذلك; حدثني محمد بن عمرو، قال; ثنا أبو عاصم، قال; ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (أمَدًا) قال; عددا.حدثني الحارث، قال; ثنا الحسن، قال; ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.حدثنا القاسم، قال; ثنا الحسين، قال; ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.وفي نصب قوله (أمَدًا) وجهان;أحدهما أن يكون منصوبا على التفسير من قوله (أحْصَى) كأنه قيل; أيّ الحزبين أصوب عددا لقدر لبثهم.وهذا هو أولى الوجهين في ذلك بالصواب، لأن تفسير أهل التفسير بذلك جاء.والآخر; أن يكون منصوبا بوقوع قوله (لَبِثُوا) عليه، كأنه قال; أيّ الحزبين أحصى للبثهم غاية.
{ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ } أي: من نومهم { لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا } أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم، كما قال تعالى: { وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ } الآية، وفي العلم بمقدار لبثهم، ضبط للحساب، ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته، فلو استمروا على نومهم، لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم.
ورد إعراب هذه الآية في آية سابقة